أقرأ أيضاً
التاريخ: 16-2-2022
2055
التاريخ: 2024-07-28
450
التاريخ: 15-5-2020
3591
التاريخ: 28-9-2016
2744
|
قد يتصوّر بعض الأشخاص أنّ المعاصي والذنوب ليس لها إلّا أثر واحد، وهو استحقاق العقاب الأخرويّ الإلهيّ. وقد يغرّه الأمل، ويمنّي نفسه بالتوبة والرجوع، فيتمادى في السيّئات والمعاصي، غاضّاً بصره عن كونه بذلك الفعل يتجرّأ على حدود الله وعلى سلطانه، غافلاً عن أنّ الله تعالى قد يأخذه على حين غرّة، وعندئذٍ لا ينفع الندم.
لكنّ الواقع أنّ الذنوب لها آثار عدّة تنعكس على الإنسان في الحياة الدنيا، فضلاً عن الآثار الأخرويّة، وهي أشبه بالأمراض الجسديّة من حيث المنشأ والآثار، والفرق أنّ الأمراض الجسديّة تتعلّق بالجسد، بينما الذنوب والمعاصي والسيّئات تتعلّق بالنفس، وعلى الإنسان أن يبحث عن أسباب نشوئها، وعن علاجها قبل أن تستفحل، وعندئذٍ يعسر علاجها.
روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه قال: "عجبت لمن يحتمي من الطعام مخافة الداء، كيف لا يحتمي من الذنوب مخافة النار!"[1].
وسنحاول في هذا البحث المختصر أن نستقرئ آثار الذنوب والمعاصي من خلال النصوص الواردة عن أهل البيت عليهم السلام، وهي كما يلي:
1- الذنوب تؤدّي إلى فساد الفطرة وظلمة القلب، وإلى الاضطراب في السليقة والتفكير، وإذا حصل ذلك للإنسان، فسوف تظهر آثاره في طريقة حياته وفي رؤيته للحقائق.
روي عن الإمام أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) أنّه قال: "إذا أذنب الرجل خرج في قلبه نكتة سوداء، فإنْ تاب انمحت، وإذا زاد زادت، حتّى تغلب على قلبه، فلا يفلح بعدها أبداً"[2].
وعنه (عليه السلام) أيضاً أنّه قال: "كان أبي يقول: ما من شيء أفسد للقلب من خطيئته، إنّ القلب ليواقع الخطيئة، فما تزال به حتّى تغلب عليه، فيصير أعلاه أسفله"[3].
ومعناه أن تنقلب أحواله ويضطرب نظامه، لأنّه يصير منكوساً، كالإناء المقلوب لا يستقّر فيه شيء، ولا يؤثّر فيه شيء من الحقّ، كما في الخبر المرويّ عن الإمام أبي جعفر الباقر (عليه السلام): "القلوب ثلاثة: قلب منكوس لا يعثر على شيء من الخير، وهو قلب الكافر، وقلب فيه نكتة سوداء، فالخير والشرّ فيه يعتلجان، فما كان منه أقوى غلب عليه، وقلب مفتوح فيه مصباح يزهر، فلا يطفأ نوره إلى يوم القيامة، وهو قلب المؤمن"[4].
والمراد بالقلب في مثل هذه الموارد، هو قوّة الإدراك عند الإنسان، ولذا كان الشخص الذي فسد قلبه أبعد عن الحقيقة، منحرف الرؤية والبصيرة.
2- الذنوب تجلب البلاء في دار الدنيا، ويشهد لذلك الكثير من النصوص، منها:
ما روي عن الإمام الرضا (عليه السلام) أنّه قال: "كلّما أحدث العباد من الذنوب ما لم يكونوا يعملون، أحدث الله لهم من البلاء ما لم يكونوا يعرفون"[5].
وهذه حقيقة ندركها بالوجدان في هذا العصر أكثر من أيّ عصر مضى، ونلمس آثارها لمس اليد، بعد أن انغمس العالم بالرذيلة، وغرق في بحرها النتن، فالذنب سبب نزول المصائب والنكبات.
روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه قال: "يا عليّ، ما من خدش عود، ولا نكبة قدم إلّا بذنب"[6].
وعن الإمام أبي عبد الله الصادق (عليه السلام): "أما إنّه ليس من عرق يضرب، ولا نكبة، ولا صداع، ولا مرض إلّا بذنب، وذلك قول الله عزّ وجلّ في كتابه: ﴿وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ﴾، ثمّ قال: ويعفو الله أكثر ممّا يؤاخذ به"[7].
3- من الذنوب ما يقطع الرزق ويُوقع في الضيق، وقد ورد كثير من الروايات عن أئمّة الهدى (عليهم السلام) بهذا المضمون، منها:
ما روي عن الإمام أبي جعفر الباقر (عليه السلام) أنّه قال: "إنّ الرجل ليذنب الذنب، فيدرأ عنه الرزق - وتلا قوله تعالى: ﴿إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ * وَلَا يَسْتَثْنُونَ * فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِّن رَّبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ﴾[8]"[9].
وعنه (عليه السلام) أيضاً: "إنّ العبد ليذنب الذنب، فيزوي عنه الرزق"[10]، وفي النصّ عن أمير المؤمنين عليه السلام: "فيُحْبَس عنه الرزق"[11].
وعن الإمام الصادق (عليه السلام): "إنّ المؤمن لينوي الذنب، فيُحرَم الـــرزق"[12].
وهذا النص الأخير أبلغ في المطلوب، حيث جعل حرمان الرزق مترتّباً على النيّة، فضلاً عن الفعل، ولعلّ الآية السابقة تدلّ - أيضاً - على ذلك.
4- من الذنوب ما يردّ الدعاء ويمنع الاستجابة، فإنّه ليس من الصواب أن يقدّم الإنسان الذنب، ثمّ يتبعه بالدعاء وطلب الخير، فإنَّ الذي أفسد علاقته مع ربّه، وتجرّأ على معصيته، وارتكب ما يبعده عن ساحة رحمته، عليه أن لا يتوقّع الاستجابة.
روي عن الإمام الباقر (عليه السلام): "إنّ العبد يسأل الله -تبارك وتعالى- الحاجة من حوائج الدنيا، قال: فيكون من شأن الله قضاؤها إلى أجل قريب ووقت بطيء، قال: فيذنب العبد عند ذلك الوقت ذنباً، فيقول للملك الموكل بحاجته: لا تُنجِز له حاجته، واحرمه إيّاها، فإنّه قد تعرّض لسخطي، واستوجب الحرمان منّي"[13].
5- الذنب يسلب الإنسان التوفيق لعمل الخير، لأنّ عمل الخير دائماً يحتاج إلى توفيق من الله عزّ وجلّ، ولا يعني ذلك أنّه يعمله من دون إرادة واختيار، لكنّ الإرادة والاختيار ليسا علّة كافية لحصول العمل، فربّما عزم المؤمن على التصدّق، أو عزم على الاستيقاظ لصلاة الليل، وأراد فعل الخير، لكنّه مع ذلك سُلِب منه التوفيق، فالإرادة لا تكفي، لأنّ القدرة من الله، والتوفيق منه أيضاً.
وهذا المعنى مرويّ عن الإمام الصادق (عليه السلام) حيث قال: "إنّ الرجل يُذنب الذنب، فيُحرم صلاة الليل، إنّ العمل السيِّئ أسرع في صاحبه من السكين في اللحم"[14].
ويمكن أن يُعكس الأمر، فيقال: إنّ العمل الصالح يفتح الطريق أمام التوفيق، فإذا التزم بطاعة، وفِّق لأداء طاعة أخرى، وارتقاء درجة جديدة في سلّم التسابق نحو العمل الصالح والخير، وهكذا.
قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ﴾[15].
وقال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ﴾[16].
6- من آثار بعض الذنوب تقصير الأعمار وتقريب الأجل، كما أنّ من آثار بعض الطاعات تطويل العمر وتأخير الأجل، ففي الحديث عن الإمام الصادق (عليه السلام): "تجنّبوا البوائق، يمدّ لكم في الأعمار"[17].
وفي حديث آخر: "من يموت بالذنوب أكثر ممّن يموت بالآجال، ومن يعيش بالإحسان أكثر ممن يعيش بالأعمار"[18].
7 - تأخير الشفاعة وطول الوقوف في الحساب، فقد روي عن الإمام أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) أنّه قال: "قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): إنّ العبد ليحبس على ذنب من ذنوبه مائة عام، وإنّه لينظر إلى أزواجه في الجنّة يتنعّمن"[19].
وثمّة آثار كثيرة غير ذلك، وما ذكرناه إنّما هو أبرزها وأهمّها، ففي دعاء كميل بن زياد الذي يرويه عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "اللهمّ اغفر لي الذنوب التي تهتِكُ العِصم، اللهمّ اغفر لي الذنوب التي تُنزِل النِقَم، اللهمّ اغفر لي الذنوب التي تُغيّر النِعمَ، اللهمّ اغفر لي الذنوب التي تَحبِسُ الدعاء، اللهمّ اغفر لي الذنوب التي تُنزِل البلاء"[20].
وهو صريح في تعدّد آثار الذنوب وتنوّعها، فالجدير بالمؤمن أن يتّقي الذنوب والمعاصي مهما صغرت، لأنّها تُحصى وتجتمع، وتصبح جمّة كثيرة، ومن أهمّ الآثار التي تتركها الذنوب على القلب، أنّها تدخله في عالم الظلمة، وتخمد نوره، وتعمي بصيرته، وخاصّة إذا تراكمت وتوالت، قال تعالى: ﴿كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾[21].
[1] الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، مصدر سابق، ج3، ص359.
[2] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص271.
[3] المصدر نفسه، ص268.
[4] المصدر نفسه، ص423.
[5] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص275.
[6] الطبرسيّ، الشيخ الفضل بن الحسن، مجمع البيان في تفسير القرآن، تحقيق وتعليق: لجنة من العلماء والمحقّقين الأخصائيّين، مؤسّسة الأعلميّ للمطبوعات، لبنان - بيروت، 1415ه.ق - 1995م، ط1، ج9، ص53.
[7] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص269.
[8] سورة القلم، الآيات 17 - 19.
[9] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص271.
[10] المصدر نفسه، ص270.
[11] ابن شعبة الحرّانيّ، تحف العقول، مصدر سابق، ص110.
[12] البرقيّ، أحمد بن محمّد بن خالد، المحاسن، تصحيح وتعليق: جلال الدين الحسينيّ (المحدّث)، طهران، دار الكتب الإسلاميّة، 1370هـ.ق/ 1330هـ.ش، لا.ط، ج1، ص116.
[13] ابن طاووس، السيّد عليّ بن موسى، فتح الأبواب، تحقيق: حامد الخفاف، مؤسّسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، لبنان - بيروت، 1409 - 1989م، ط1، ص298.
[14] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص 272.
[15] سورة العنكبوت، الآية 69.
[16] سورة محمّد، الآية 17.
[17] الشيخ الصدوق، عيون أخبار الرضا عليه السلام، مصدر سابق، ج2، ص40.
[18] الشيخ الطوسيّ، الأمالي، مصدر سابق، ص305.
[19] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص272.
[20] الطوسيّ، الشيخ محمّد بن الحسن، مصباح المتهجّد، لبنان - بيروت، مؤسّسة فقه الشيعة، 1411هـ.ق/ 1991م، ط1، ص844.
[21] سورة المطفّفين، الآية 14.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|