أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-04-26
719
التاريخ: 2024-05-23
684
التاريخ: 2023-07-08
1312
التاريخ: 2024-05-12
930
|
والظاهر أن المدارس في عهد الدولة الحديثة كانت على درجتين؛ فالأولى تُعادِل بوجه عام ما نُسمِّيه نحن «المدرسة» ويسميها المصريون «بيت الحياة»، وفيها كان يُعلَّم الأولاد الكتابة والأدب القديم، وقد استعملوا لكتابة تمارينهم كما ذكرنا قطعًا من الخزف وشظيات الحجر الجيري التي كانت لا تُكلِّف شيئًا بدلًا من صحائف البردي (1) الباهظة الثمن، وقد أسعدنا الحظ ببعض معلومات عن واحدة من هذه المدارس، وقد كانت تابعة للمعبد الذي بناه «رعمسيس الثاني» للإله «آمون» في الجهة الغربية من «طيبة» وهو الذي يُطلَق عليه الآن اسم «الرمسيوم»، وقد كانت ضمن المباني العظيمة الخاصة بالإدارات المحيطة بالمعبد من جهاته الثلاث، وقد عُثر في هذا المكان على عدد عظيم من «الاستراكا» يسترعي النظر، وبخاصة ما وجد منها على كومة صغيرة من الأوساخ، وتدل ظواهر الأمور على أن مدرسة المعبد كانت قائمة في هذا المكان ويبدو أن، التلاميذ عندما كانوا ينتهون من كتابة بعض هذه «الاستراكا» كانوا يُلقون بها في هذه البقعة. وبدَرْس هذه القِطَع التي كان ينسخها التلاميذ وجدنا أنها فوق احتوائها على بعض الموضوعات الإنشائية التي تنتمي لعصر الدولة الحديثة تتألَّف من ثلاثة كتب عُثر منها على مقتطفات عدَّة مكرَّرة. وهي تعاليم الملك «أمنمحات» وتعاليم «خيتي» بن «دواوف» وأنشودة النيل، وكلها تُنسب إلى عهد الدولة الوسطى. ومما يسترعي النظر أن هذه القطع الأدبية الثلاث عُثر عليها جميعًا على ورقتين من البردي تدل الظواهر على أنهما ترجعان إلى أصل «منفي»، ولا شك في أنهما كانتا تؤلِّفان الموضوع الرئيسي المعتاد لمنهاج المدرسة، وقد وُجدت مدوَّنة بأكملها على هاتين الورقتين. أما ما وُجد على قطع «الاستراكا» فكان يشتمل على مختارات قصيرة من هذه الموضوعات ومن كتابات أخرى لعظماء الكُتَّاب. ومما يلفت النظر أننا نجد باستمرار في معظم الأحيان نفس المختارات مُعادة، ولا يبعد أنها كانت القِطَع المُنتَخَبة المقرَّرة التي كان لزامًا على كل فرد متعلم أن يحفظها. وحينما كان يتخطَّى التلميذ هذا الدور الابتدائي من التعليم كان يُقيَّد كاتبًا في إدارة ما، ثم يستمر في تحصيل العلم هناك على يد موظفين كبار. ويجوز أنهم كانوا رؤساءه المباشرين. وفي الدولة القديمة نجد أن الأب هو الذي كان يستمر في تلقين ابنه إذا كان من كبار الموظفين. ولا أدل على ذلك من أن «بتاح حتب» طلب إلى «الفرعون» أن يسمح له بأن يُعلِّم ابنَه ليخلفه في وظيفته. وكان على الطالب في أثناء تلقِّيه هذا التعليم العالي أن يستمر في كتابة نماذج إنشائية لا تقف عند نقل بعض سطور كما كان يفعل من قبلُ، بل تشمل قطعًا كبيرة. وقد وجدنا أن طالبًا قد كتب ثلاث صحائف في يوم واحد. وقد لوحظ أن خطأ التلميذ يُصحِّحه معلِّمه على هامش البردية، ولكن لسوء الحظ لم يكن يُعنَى المعلِّم كثيرًا بما كتبه الطالب من الألفاظ التي تُفسِد المعنى. بل جعل معظم عنايته بشكل الحروف. فكان درسه أقرب إلى تجويد الخط منه إلى دراسة اللغة وتحقيقها. وتدل معظم النسخ الخطية المدرسية بوضوح على الأغراض الحقيقية من التعليم عندهم. فكان الغرض منه أولًا: التربية، وثانيًا: المِرَان على الأعمال التجارية، وحسن الخط. والواقع أن موضوع الإملاء لم يكن بالأمر الهين كما ذكرنا؛ إذ إن نظام الكتابة الهيروغليفية أكثر استعدادًا لقبول الأغلاط ولا يَعدِله نظام آخر في العالم. من أجْل ذلك كانت العناية بهذا الموضوع عظيمة جدًّا. ولدينا كتاب يدلنا على عناية القوم وحرصهم على كتابة الكلمات الفردية كتابة صحيحة. ولا بد أن هذا الكتاب كان شائع الاستعمال في المدارس. وقد وضعه كاتب كتاب الإله في بيت الحياة («أمنموبي» بن «أمنموبي»)، وقد عُثر منه على ثلاث نسخ. وقد اتخذ كاتب هذه الوثيقة لنفسه دور الكاتب الذي أراد أن يعلم التلميذ العلوم كافة. لذلك يحمل كتابه عنوانًا مطولًا، إذ يقول: «التعاليم التي تجعل الفرد أديبًا، وتعلم الجاهل عِلْمَ كل كائن، وكل ما صنعه «بتاح» وما سجله «تحوت»، والسماء ونجومها والأرض وما عليها، وما تخرجه الجبال، وما تجود به البحار، وما له علاقة بكل الأشياء التي تضيئها الشمس وكل ما ينمو على الأرض.» ولا جدال في أن هذا العنوان له رنة عظيمة في الآذان، إذ يجعل المستمع ينتظر معلومات ضخمة تكشف له الغطاء عن علوم هؤلاء القوم، غير أن الأمر أهون من ذلك، فالكِتَاب في حدِّ ذاته لا يخرج عن مجموعة كبيرة من أسماء وألقاب بعضُها متداول معروف، وبعضها نادر غير مألوف، وقد وُضعت بنظام مرتب ترتيبًا منطقيًّا لا بأس به، فيذكر لنا أولًا السماء وما فيها: السماء والشمس والقمر والنجوم والجوزاء، والدب الأكبر، والقرد، والمارد، والخنزيرة، والسحاب، والعاصفة، والفجر، والظلام والضح والفيء … وأشعة الشمس. ثم يتلو ذلك أشكال المياه الموجودة في الطبيعة والتربة. ثم يذكر في ست مجاميع الألفاظ التي تدل على الكائنات الحية. فيذكر العلوية منها أولًا وهي الآلهة والإلهات، والأرواح الذكور منها والإناث. ثم يُعدِّد لنا المخلوقات البشرية مرتبة على حسب مركزها في المجتمع. فنجد أولًا الملك ثم الملكة. ثم يذكر لنا بعد ذلك كبار الموظفين. فرؤساء رجال الدِّين والعلماء. ويلي ذلك السواد الأعظم من صغار الموظفين وأصحاب الحِرَف، وبعد ذلك يضع أمامنا التعابير التي يُعبَّر بها عن بني البشر والجنود وأسماء الشعوب الأجنبية والأماكن المختلفة، ثم ينتقل إلى ذكر أسماء ست وتسعين مدينة مصرية واثنين وأربعين اصطلاحًا للمباني وأجزائها. ومسميات للأراضي والحقول. ثم يُعدِّد لنا كل ما كان يأكله الإنسان أو يشربه. ويدخل في ذلك ثمانية وأربعون نوعًا من اللحم المطبوخ. وأربعة وعشرون نوعًا من الشراب، وثلاثة وثلاثون نوعًا من اللحم النِّيء. وفي الجزء الختامي الذي وُجد محطَّمًا كان قد كُتب عليه مسميات عن مختلفات الطيور وعدد عظيم من أسماء الماشية وغير ذلك من الأسماء التي جمعها «أمنموبي» بعناية ليضع أمام العالم صورة عن كل كائن، شاكرًا للإلهَيْن «بتاح» و«تحوت». ولا شك في أن غرضه من جميع تلك المسميات، وترتيبها تعليم تلاميذه كتابة المفردات كتابة صحيحة. وكما أسلفنا كانت كتابة الكلمات الأجنبية الكثيرة والأسماء الغريبة التي اندمجت بوفرة في اللغة المصرية الجديدة عقبة كئودًا حتى للطلبة المتقدمين ولذلك كانت تُبذل عناية خاصة لتعليمها. فمن ذلك أن تلميذًا من الأسرة الثامنة عشرة يضع كل همِّه في أن يكتب على لوحة أسماء في «كفيتو» (كريت)، وسنرى فيما بعد أن نماذج الخطابات التي أوردناها في هذا الكتاب هي من هذا النوع، فتشتمل على كلمات وأسماء ليتعلَّم منها التلميذ كتابة الكلمات الأجنبية كما كان يتعلم من وثيقة «أمنموبي «. والواقع أن قائمة «أمنموبي» هذه لا يمكن أن تُعدُّ فهرسًا لسرد أسماء وحسب. وإن كان هذا هو مدلولها العملي كما يَظهَر لنا من ترتيبها وتنسيقها، ولكن إذا أمْعَنَ الإنسان النظر إلى كُنْهِها بعين فاحصة وجد أنها الخطوة الأولى نحو فكرة تأليف قاموس؛ إذ نجد أن الترتيب الذي وُضعت به يَنِمُّ عن ترتيب منطقي مميز في داخل كل مجموعة. كما نلاحظ علاقة ظاهرة بين كل لفظة وما سبقتْها. وأعني بذلك أن الكاتب على الرغم من أنه لم يعطنا إيضاحًا عن تلك الألفاظ أكثر مما كنا نعرف، إلا أنه مكَّننا من أن نفهم علاقة الكلمة بسابقتها من مركزها في القائمة، فأهمية هذه الوثيقة لفهم اللغة المصرية عظيمة جدًّا لنا. ويظهر مقدار ذلك جليًّا إذا علمنا أن الفهارس بمعناها الحقيقي معدومة كلية في اللغة المصرية. حقًّا إن لدينا بعض قوائم لأنواع الكلمات على «الاستراكا» كما توجد في متون مشهورة مثل أسماء البلاد السورية التي ذكرها كاتب ورقة «أنستاسي» الأولى أو قوائم أسماء المدن التي استولى عليها فراعنة مصر في الدولة الحديثة، والتي نقشوها على جدران معبد الكرنك وغيره. وكذلك القوائم التي ذُكر فيها أسماء الأمم والأخشاب «والأشياء التي صُنعت منها على الاستراكا». على أن كل هذه القوائم، وحتى وثيقة «جلنشيف» التي نحن بصددها الآن، لا يمكن أن تُقاس بالفهارس الحقيقية البابلية. وليس من الصعب أن يعرف الإنسان السبب في وجود هذه الفهارس في «بابل» وخلو مصر منها، وذلك أن المصري قد اخترع الكتابة بنفسه لنفسه ليعبر بها عن لغته. وقد نَمَوَا سويًّا في موطن واحد بَعِيدَيْن عن التأثر الخارجي. ولكن في بلاد النهرين أي «بابل» كان للسومريين كتابة خاصة بهم. غير أن قومًا من الساميين الذين لا يعرفون الكتابة غَزَوْا هذه البلاد. ولما أقاموا فيها رأَوا الفوائد التي تعود عليهم لو اقتبسوا منها نظام الكتابة، فأخذوه منها واستعملوه في التعبير عن لغتهم فنقلوا أولًا الكتابة السومرية الأصلية كما شاهدوها. ولكنهم قروءها بما يُقابِلها في لغتهم «الأكادية»، وتعلَّموا بعد وقت أن يضعوا للكلمات السومرية ما يُقابِلها في لغتهم. ومن ذلك ألَّفوا لأنفسهم فهرسًا باللغتين. وقد دفعهم إلى هذا حاجتُهم المُلِحَّة للتَّفاهُم بينهم وبين القوم الذين غَزَوْهم. ولكن مصر لم تكن في يوم ما في حاجة إلى ذلك، وكذلك نجد أن اللغة الإغريقية التي تُعَدُّ من أعرق اللغات لم تأخذ في وضع قاموس للغتها إلا بعد انقضاء العصر «الكلاسيكي» فيها. ومما سبق نعلم أن المصري كان يصنع مثل هذه القوائم ليتقن التلميذ فنَّ الإملاء، ولتبصرته بصفة عامة بكل ما يحيط به. وكان أعظم من كل ذلك عناية الأستاذ بتعليم تلميذه الأسلوب الصحيح، والتعابير المختارة لكتابة الرسائل. من أجْل ذلك كان التلميذ ملزمًا بنقل نماذج رسائل من كل نوع حقيقية كانت أو إنشائية، ونقل النصائح والتحذيرات التي كانت تصلح لهذا النوع من التعليم، إذ كان يكتبها في شكل رسائل. ولذلك كان يُطلق على ما يُسطِّره التلميذ على ورق البردي اسم (تحرير الرسائل)، وفي غالب الأحيان كان يضع التلميذ اسمه في الخطابات الشخصية واسم معلمه كأنما هما يتراسلان، فنجد التلميذ يكتب لنفسه أنه كسلان وفاسق وعاهر وأنه يستحق مائة جلدة. ويدل ما لدينا من الوثائق على أن بعض الموظفين من مختلف الطبقات كانوا يستقلون بتعليم تلاميذهم، فنجد كاتب خزانة فرعون ورئيس سجلات الخزانة وكاتب مصنع فرعون وغيرهم لهم تلاميذ يتعلمون عليهم. ويرى القارئ في المنافسة الأدبية «ورقة أنستاسي الأولى» أن الموظف وإنْ كان في الإصطبل الملكي كان في قدرته أن يكون معلِّمًا ماهرًا. ولقد كانت مهنة التدريس متغلغلة في نفوس الموظفين الذين يُحسنون الكتابة لدرجة أنهم كانوا يباشرونها في وسط أعمالهم؛ إذ نجد أن أحد الموظفين الذين كانوا يُشرفون على نحت قبر «رعمسيس التاسع» في صحراء وادي «أبواب الملوك» لم يُطِقْ صبرًا على ترك مهنة التعليم حتى في ذلك المكان المنعزل القفر، فكان يكتب مساعده أو تلميذه أشياء مختلفة بمثابة تمارين على شظيات كبيرة من الحجر الجيري المتخلفة من النحت، وقد عثرنا منها على نموذج خطاب وقصيدة قديمة «لرعمسيس الثاني» وصلوات جميلة لشخص اضطُهِد ظلمًا، فنرى يدَ المعلِّم قد تناولتْها بتصحيح بعض الأخطاء (راجع كتاب الأدب المصري القديم ج2، ص142). وكان يوجد بجانب أولئك الموظفين الجيش ورجاله وما يتطلَّبه من نظام وعُدَّة وعتاد مما سنتكلم عنه فيما بعد.
.........................................
1- وقد أصدر الأستاذ «جاردنر» كتابًا خاصًّا شرح فيه ما جاء في هذه البردية وغيرها من هذا النوع وأطلق عليه اسم “Ancient Egyptian Onomastica” في ثلاثة مجلدات. وقد تناول البحث في كل كلمة وردت في القوائم الثلاثة الهامة التي من هذا النوع. ويقول عن محتوياتها إنها كانت الخطوة الأولى نحو تأليف دائرة معارف. وقد فسر لنا السبب في تسمية كتابه «أونوماستيكا» أي قوائم كلمات بقوله: «إن هذه الكلمة اليونانية تعني قوائم أسماء أشياء رُتِّبت تحت أنواعها، وإنها ليست سلسلة كلمات مرتبة على حسب الحروف الهجائية» (راجعIbid. Vol. I, 4-5 ).
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|