أقرأ أيضاً
التاريخ: 11-10-2014
2064
التاريخ: 27-11-2014
2833
التاريخ: 27-11-2014
1503
التاريخ: 27-11-2014
1802
|
قال تعالى : { اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } [ النور : 35] .
تفسير الآية
المِشكاة : كوّة غير نافذة ، وتُتخذ في جدار البيت لوضع بعض الأثاث ومنها المصباح وغيره ، وربّما تكون الكوّة مُشرفة على ساحة الدار وتُجعل بينها زجاجة ، لتحفظ المصباح من الرياح ، ولتضيء الساحة والغرفة معاً .
ومنه حافظة المصباح ، وهي ما تُصنع على شكل مخروطي توضع على المصباح لتحفظه من الرياح ، وفي أعلاها ثقب يخرج منه الدخان .
( المصباح ) : السراج ، وهو آلة يتألّف من أُمور أربعة :
أ : وعاء للزيت ، ب : فتيل يشتعل بالزيت ، ج : زجاجة منصوبة عليه ، د : آلة التحكّم بالفتيل .
ثمّ إنّ أفخر أنواع الزيوت هو : المأخوذ من شجرة الزيتون المغروسة في مكان تشرق عليه الشمس من كلّ الجوانب ، حيث تكون في غاية الصفاء وسريعة الاشتعال ، بخلاف المغروسة في جانب الشرق أو جانب الغرب ، فإنّها لا تتعرّض للشمس إلاّ في أوقات معيّنة .
قال العلاّمة الطباطبائي :
والمراد بكون الشجرة لا شرقية ولا غربية : أنّها ليست نابتة في الجانب الشرقي ، ولا في الجانب الغربي حتى تقع الشمس عليها في أحد طرَفي النهار ، ويضيء الظلّ عليها في الطرف الآخر ، فلا تنضج ثمرتها ، فلا يصفو الدهن المأخوذ منها ، فلا تجود الإضاءة (1) .
إلى هنا تمَّ ما يرجع إلى مفردات الآية ، فعلى ذلك فالمشبّه به عبارة عن مشكاة فيها مصباح وعليها زجاجة ، يوقد المصباح من زيت شجرة الزيتون المغروسة المتعرّضة للشمس طول النهار ، على وجه يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسهُ نار ؛ لأَنّ الزيت إذا كان خالصاً صافياً يُرى من بعيد كأنّ له شعاعاً ، فإذا مسّتْهُ النار ازدادَ ضوءاً على ضوء .
فالمشبّه به هو : النور المشرق من زجاجة مصباح ، موقَد من زيت جيد صافٍ موضوع على مشكاة ، فإنّ نور المصباح تجمعه المشكاة وتعكسه فيزداد إشراقاً .
وأمّا قوله في آخر الآية : { نُّورٌ عَلَى نُورٍ } بمعنى تضاعف النور ، وأنّ نور الزجاجة مستمدّ من نور المصباح في إنارتها .
قال العلاّمة الطباطبائي :
فأخذ المشكاة ؛ لأجل الدلالة على اجتماع النور في بطن المشكاة وانعكاسه إلى جوِّ البيت .
واعتبار كون الدهن من شجرة زيتونة لا شرقية ولا غربية ؛ للدلالة على صفاء الدهن وجودته المؤثر في صفاء النور المشرق عند اشتعاله .
وجودة الضياء ـ على ما يدلّ عليه ـ كون زيته يكاد يضيء ولو لم تمسسهُ نار .
واعتبار كون النور على النور ؛ للدلالة على تضاعف النور أو كون نور الزجاجة مستمد من نور المصباح (2) .
هذا هو حال المشبّه به ، وإنّّما الكلام في المشبّه أو الممثّل له ، فقد طبّقت كلّ طائفة ذلك الممثّل على ما ترومه ، وإليك الأقوال :
القول الأول : المشبّه به هداية الله ، إذ قد بلغت في الظهور والجلاء إلى أقصى الغايات ، وصارت بمنزلة المشكاة التي تكون فيها زجاجة صافية ، وفي الزجاجة مصباح يتّقد بزيت بلغَ النهاية في الصفاء .
وأمّا عدم تشبيهها بضوء الشمس مع أنّه أبلغ ، فلأجل أنّ المراد وصف الضوء الكامل وسط الظلمة ؛ لأَنّ الغالب على أوهام الخلق وخيالاتهم إنّما هي الشبهات التي هي كالظلمات ، وهداية الله تعالى فيما بينها كالضوء الكامل الذي يظهر فيما بين الظلمات .
القول الثاني : المراد من النور : القرآن ، ويدلّ عليه قوله تعالى : { قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللهِ نُورٌ وَكِتابٌ مُبين }[ المائدة : 15] .
القول الثالث : المراد هو الرسول ؛ لأنّه المُرشد ، ولأنّه تعالى قال في وصفه : { وسِراجاً مُنِيراً }[ الأحزاب : 46] ، ولعلّ مرجع القولين الأخيرين هو الأول ؛ لأَنّ القرآن والرسول من شُعب هداية الله سبحانه .
القول الرابع : إنّ المراد ما في قلب المؤمنين من معرفة الشرائع ، ويدلّ عليه : أنّه تعالى وصفَ الإيمان بأنّه نور والكفر بأنّه ظلمة ، فقال : { أَفَمَنْ شَرَحَ اللهُ صَدْرَهُ للإِسْلامِ فَهُوَ عَلى نُورٍ مِنْ رَبّهِ }[ الزمر : 22] .
وقال تعالى : { لِتُخْرِجَ الناسَ مِنَ الظُّلُماتِ إلى النُّور }[ إبراهيم : 1] وحاصله : أنّ إيمان المؤمن قد بلغَ في الصفاء عن الشبهات والامتياز عن ظلمات الضلالات مبلغ السراج المذكور .
وعلى هذا ، فالتمثيل مفرداً وهو تشبيه الهداية وما يقرب منها بنور السراج ، ولا يجب أن يكون في مقابل كلّ ما للمشبّه به من الأمور موجود في المشبّه بخلاف الوجه التالي .
القول الخامس : إنّ المراد هو القوى المدرِكة ومراتبها الخمس ، وهي : القوة الحسّاسة ، القوة الخيالية ، القوة العقلية ، القوة الفكرية ، القوة القدسية .
وإليها أشارت الآية الكريمة : { وَكَذلِكَ أَوحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا ما كُنتَ تَدري ما الكِتابُ وَلا الإِيمانُ ولكِن جعلناهُ نُوراً نهدِي بِهِ مَن نَشاءُ مِن عِبادنا } [ الشورى : 52] .
فإذا عرفتَ هذه القوى فهي بجملتها أنوار ؛ إذ بها تظهر أصناف الموجودات ، وهذه المراتب الخمس يمكن تشبيهها بالأمور الخمسة التي ذكرها الله تعالى ، وهي : المشكاة ، والزجاجة ، والمصباح ، والشجرة ، والزيت .
وعلى هذا ، فالتمثيل مركّباً نظير القول الآتي :
القول السادس : إنّ النفس الإنسانية قابلة للمعارف والإِدراكات المجرّدة ، ثمّ إنّه في أوّل الأمر تكون خالية عن جميع هذه المعارف ، فهناك تسمى عقلاً هيولانياً ، وهي المشكاة .
وفي المرتبة الثانية ، يحصل فيها العلوم البديهية التي يمكن التوصّل بتركيباتها إلى اكتساب العلوم النظرية ، ثمّ إن أمكنه الانتقال إن كانت ضعيفة فهي الشجرة ، وإن كانت أقوى من ذلك فهي الزيت ، وإن كانت شديدة القوّة فهي الزجاجة التي كأنّها الكوكب الدرّي ، وإن كانت في النهاية القصوى وهي النفس القدسية التي للأنبياء فهي التي { يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ } .
وفي المرتبة الثالثة ، يكتسب من العلوم الضرورية العلوم النظرية ، إلاّ أنّها لا تكون حاضرة بالفعل ، ولكنّها تكون بحيث متى شاء صاحبها استحضارها قدر عليه ، وهذا يسمّى عقلاً بالفعل وهو المصباح .
وفي المرتبة الرابعة ، أن تكون تلك المعارف حاصلة بالفعل ، وهذا يسمّى عقلاً مستفاداً ، وهو نور على نور ؛ لأَنّ الحكمة مَلكة نور ، وحصول ما عليه المَلكة نور آخر ، ثمّ إنّ هذه العلوم التي تحصل في الأرواح البشرية ، إنّما تحصل من جوهر روحاني يسمى بـ( العقل الفعّال ) وهو مدبّر ما تحت كرة القمر وهو النار .
القول السابع : إنّه سبحانه شبّه الصدر بالمشكاة ، والقلب بالزجاجة ، والمعرفة بالمصباح ، وهذا المصباح إنّما يوقد من شجرة مباركة وهي إلهامات الملائكة ، وإنّما شبّه الملائكة بالشجرة المباركة لكثرة منافعهم ، ولكنّه وصفها
بأنّها لا شرقية ولا غربية ؛ لأنّها روحانية ، ووصفهم بقوله : { يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ } ؛ لكثرة علومهم وشدة اطّلاعهم على أسرار ملكوت الله تعالى .
القول الثامن : إنّ المراد من { مَثَلُ نُورِهِ } ، أي مَثل نور الإيمان في قلب محمد ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) كمشكاة فيها مصباح ، فالمشكاة نظير صُلب عبد الله ، والزجاجة نظير جسد محمد ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، والمصباح نظير الإيمان في قلب محمد ، أو نظير النبوّة في قلبه .
القول التاسع : إنّ ( المشكاة ) نظير إبراهيم ( عليه السلام ) ، والزجاجة نظير إسماعيل ( عليه السلام ) ، والمصباح نظير جسد محمّد ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، والشجرة النبوة والرسالة .
القول العاشر : إنّ قوله : { مَثَلُ نُورِهِ } يرجع إلى المؤمن (3) .
إنّ المشبّه هو : نور الله المُشرِق على قلوب المؤمنين ، والمشبّه به : النور المشرِق من زجاجة ، وقوله سبحانه : { يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ } استئناف يُعلّل به اختصاص المؤمنين بنور الإيمان والمعرفة وحرمان غيرهم ، ومن المعلوم من السياق أنّ المراد بقوله : { مَن يَشَاءُ } هم الذين يذكرهم الله سبحانه بقوله بعد هذه الآية : { رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ الله }[ النور : 37] ، فالمراد بمَن يشاء : المؤمنون بوصف كمال إيمانهم ، والمعنى : أنّ الله إنّما هدى المتلبّسين بكمال الإيمان إلى نوره دون المتلبّسين بالكفر (4) .
وقوله : { وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } إشارة إلى أنّ المثل المضروب تحته طَور من العلم ، وإنّما اختيرَ المثل لكونه أسهل الطرق لتبيّن الحقائق والدقائق ، ويشترك فيه العالِم والعامّي فيأخذ منه كلّ ما قُسِم له ، قال تعالى : { وَتِلْكَ الأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنّاسِ وَما يَعْقِلُها إِلاّ العالِمُون }[ العنكبوت : 43].
________________
1 ـ الميزان : 15/124 .
2 ـ الميزان : 15/125 .
3 ـ تفسير الفخر الرازي : 23/231ـ 235 .
4 ـ الميزان : 18/125ـ 126 .
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|