أقرأ أيضاً
التاريخ: 20-1-2016
7956
التاريخ: 2023-10-12
1051
التاريخ: 20-1-2016
7798
التاريخ: 20-1-2016
20040
|
مع أن غالبية الباحثين البيئيين تؤكد بأن للتربية جذور قديمة في ثقافات الشعوب، وثمة رأي يرجع نشأة التربية البيئية الى القرن التاسع عشر، من خلال ربط التربية بالطبيعة، وإلقاء الأديان السماوية على عاتق الإنسان مسؤولية إستثمار الطبيعة والعناية بها، معتبرة ان سوء إدارة الطبيعة إثم كبير شأنه في ذلك شأن الخطايا الأخلاقية، وأن الإهتمام بالطبيعة ورعايتها هو فضيلة أخلاقية أساسية، داعية الإنسان على نحو واضح وصريح الى التعاطف مع الطبيعة وعدم إساءة إستخدامها - كما أسلفنا في الفضل السابق.. بيد أن التربية البيئية، كفكر وممارسة وتطبيق، إكتسبت محتواها العلمي، كجزء متمم للعلوم البيئية، وتطورت على نحو كبير، في العقود الثلاثة الأخيرة من القرن العشرين، بفضل الحركة المتنامية والمتصاعدة لأنصار البيئة وحماتها، وتحت تأثير الأنشطة، وخاصة المؤتمرات العلمية الدولية التي كرست للبيئة ومشكلاتها، منذ مؤتمر ستوكهولم عام 1972.
مؤتمر ستوكهولم
انعقد مؤتمر ستوكهولم في الفترة من 5 - 6 حزيران / يونيو 1972، وهو أول مؤتمر للأمم المتحدة لمناقشة المشكلات البيئية، واعتبر المؤتمر أول اعتراف رسمي بالقضايا البيئية. ولعل من أبرز نتائج وإنجازات المؤتمر هو الخروج بتوصية لإنشاء برنامج الأمم المتحدة للبيئة ـ يونيب - كدليل على جدية التعاون الدولي لحماية البيئة. وبعد المؤتمر وإنشاء برنامج الأمم المتحدة للبيئة شهد العالم اهتماما بالقضايا والمشكلات البيئية ومعالجتها (1).
وفي مجال التربية البيئية إعترف المؤتمر بدورها في حماية البيئة. ويرى الأستاذ راتب السعود بأنه بعد مؤتمر ستوكهولم وبتأثيره سرت موجة إهتمام عارمة بالتربية البيئية، وتمثل ذلك بالمؤتمرات والندوات التي أنعقدت في مختلف مناطق العالم من أجل وضع أساس لبرامج التربية البيئية في التعليم النظامي والتعليم غير النظامي. وكان ميثاق بلغراد / يوغسلافيا الذي صدر عن المشغل الدولي للتربية البيئية عام 1975 بمثابة إطار شامل حدد أسس العمل في مجال التربية البيئية، مؤكدا على أن هذا المجال يهدف الى تطوير عالم يكون سكانه أكثر وعياً بالبيئة واهتماما بمشكلاتها، ويمتلك من المعارف والمهارات والمواقف والالتزام بالعمل، فرادي وجماعات، ما يلزم لحل المشكلات القائمة وتجنب حدوث مشكلات جديدة (2).
كان لمؤتمر ستوكهولم، بما ابداه من إهتمامات وتوجيهات، أثره في إتجاه التفكير صوب الأخذ بتوجهات جديدة في معالجة مشكلات البيئة. ذلك أنه إذا صح ان الجوانب البايولوجية والفيزيائية تشكل الأساس الطبيعي للبيئة البشرية، فان ابعادها الاجتماعية - الثقافية والاقتصادية - هي التي تحدد ما يحتاج إليه الإنسان من توجهات، ووسائل فكرية وتقنية، كفهم الموارد الطبيعية واستخدامها على نحو أفضل في تلبية إحتياجاته. وفي هذا الإطار شهدت العقود الأخيرة نمو حركة على المستويات الوطنية والإقليمية والدولية من التأمل في دور التربية البيئة وأهدافها. وأمكن التوصل الى وضع المفاهيم الكفيلة بتوجيه التطبيق العملي لهذه التربية، توجيهاً جديداً، وذلك بفضل كل من الندوة الدولية في بلغراد عام 1975، وندوات إقليمية عقدت خلال عام 1976 و1977 بمناطق مختلفة من العالم في إطار البرنامج الدولي للتربية البيئية، من بينها الندوة العربية للتربية البيئية التي عقدت بالكويت في نوفمبر 1976، وكان المؤتمر الدولي الحكومي الذي عقد في مدينة تبليسي السوفيتية في أكتوبر آخر لقاء دولي سعى الى تنمية التربية البيئية ووسائل نشرها (3).
ندوة بلغراد
ندوة بلغراد عقدت في العاصمة اليوغسلافية في تشرين الأول / أكتوبر 1975، بدعوة من اليونسكو، وبالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة للبيئة. الندوة حددت غايات وأهداف وخصائص التربية البيئية والمنتفعين بها.. ووفق ما إتفق عليه في مؤتمر بلغراد تهدف التربية البيئية الى إعطاء الإنسان القدرة على فهم ما تتميز به البيئة من طبيعة معقدة نتيجة للتفاعل الدائم بين مكوناتها البايولوجية والفيزيائية والإجتماعية والثقافية. وتمد الفرد بالوسائل والمفاهيم التي تمكنه من تفسير علاقة التكافؤ والتكامل التي تربط بين هذه المكونات المختلفة في الزمان والمكان بها يساعد على إيضاح الطريق السوي نحو إستخدام موارد البيئة بمزيد من العقلانية والحيطة لتلبية الإحتياجات والروحية للإنسان في حاضره ومستقبله له وللأجيال من بعده (4).
ميثاق بلغراد والتربية البيئية
صدر عن ندوة بلغراد ميثاقاً دولياً أولى إهتماما كببراً للإشكاليات الرئيسة في التربية البيئية، محدداً غاياتها، وأهدافها، وخصائصها، والمنتفعون بها - كما أسلفنا. نتوقف هنا من جديد، وبتفاصيل وافية، عند أبرز تفاصيل ميثاق بلغراد، وذلك لكونه يشكل حتى اليوم، وبالرغم من صدوره قبل 22 عاماً، إطارا علمياً ومرشدا معاصرا للتربويين البيئيين في شتى أرجاء العام. وأدناه تفاصيله:
1ـ غايات وأهداف التربية البيئية
تهدف التربية البيئية الى تمكين الإنسان من فهم ما تتميز به البيئة من طبيعة معقدة نتيجة للتفاعل بين جوانبها البايولوجية والفيزيائية والإجتماعية والثقافية. ولابد لها، بالتالي، من ان تزود الفرد والمجتمعات بالوسائل اللازمة لتفسير علاقة التكافل التي تربط بين هذه العناصر، المختلفة في المكان والزمان، بما يسهل توائمها مع البيئة، ويساعد على إستخدام موارد العام بمزيد من التدبر والحيطة لتلبية إحتياجات الإنسان المختلفة في حاضره ومستقبله.
وينبغي للتربية البيئية كذلك ان تسهم في خلق وعي وطني بأهمية البيئة لجهود التنمية.
كما ينبغي لها ان تساعد على إشراك الناس بجميع مستوياتهم وبطريقة مسؤولة وفاعلة في صياغة القرارات التي تنطوي على مساس بنوعية بيئتهم بمكوناتها المختلفة، وفي مراقبة تنفيذها.
ولهذه الغاية، ينبغي للتربية البيئية ان تتكفل بنشر المعلومات عن مشروعات إنمائية بديلة لا تترتب عليها اثار ضارة بالبيئة، الى جانب الدعوة الى إنتهاج طرائق للحياة تسمح بإرساء علاقات متناسقة معها.
ومن غايات التربية البيئية ايضاً تكوين وعي واضح بالتكامل البيئي في عالمنا المعاصر، حيث انه يمكن ان تترتب على القرارات التي تتخذها البلاد المختلفة، وعلى مناهج سلوكها، آثار على النطاق الدولي.
وثمة دور بالغ الأهمية للتربية البيئية من هذه الناحية، يتمثل في تنمية روح المسؤولية والتضامن بين بلاد العالم، بصرف النظر عن مستوى تقدم كل منها، لتكون اساساً لنظام يكفل حماية البيئة البشرية وتطويرها وتحسينها.
ان بلوغ هذه الغايات إنما يفترض تكفل العملية التربوية بنشر معارف، وقيم، وكفايات عملية، ومناهج سلوك، من شأنها ان تساعد على فهم مشكلات البيئة وحلها.. فيتعين على التعليم، بالنسبة للمعارف، ان يوفر الوسائل اللازمة، وبدرجات متفاوتة في تعميقها وخصوصياتها تبعاً لتباين جماهير المتعلمين، لإدراك العلاقات القائمة بين مختلف العوامل البايولوجية والفيزيائية والاجتماعية والإقتصادية التي تتحكم بالبيئة، من خلال آثارها المتداخلة في الزمان والمكان. وإذ يقصد من هذه المعارف ان تسفر عن تطوير مناهج السلوك وأنشطة مؤاتية لحماية البيئة وتحسينها، فمن الضروري ان يتم تحصيلها بقدر الأمكان عن طريق وضع البيئات الخاصة موضع الملاحظة، والدراسة، والتجربة العلمية.
وفيما يتعلق بالقيم، ينبغي للتربية البيئية ان تطور مواقف ملائمة لتحسين نوعية البيئة، فلا سبيل الى إحداث تغيير حقيقي في سلوك الناس إتجاه البيئة إلا إذا أمكن لغالبية الأفراد في مجتمع معين ان يعتنقوا عن إرادة حرة ووعي قيم أكثر إيجابية تصبح أساساً لأنضباط ذاتي. ولهذه الغاية ينبغي للتربية البيئية ان تسعى الى توضيح وتنسيق ما لدى الأفراد والمجتمعات من إهتمامات وقيم أخلاقية وجمالية واقتصادية بقدر ما لها من تأثير على البيئة.
أما عن الكفايات العملية، فالهدف هو تزويد كافة أفراد المجتمع، أي مجتمع، بمجموعة بالغة التنوع من الكفايات العلمية والتقنية، تسمح بإجراء أنشطة رشيدة في مجال البيئة، وذلك عن طريق الإستعانة بأساليب متعددة تتفاوت في درجة تعقيدها. والمقصود بوجه عام هو إتاحة الفرصة في كافة مراحل التعليم المدرسي وغير المدرسي لأكتساب الكفايات اللازمة للحصول على المعارف التي تتوافر في البيئة، والتي تسمح بالمشاركة في إعداد حلول قابلة للتطبيق على المشكلات الخاصة بالبيئة وتحليلها وتقييمها، ذلك لأن القيام بصورة مباشرة ومحدودة بأنشطة ترمي الى حماية البيئة وتحسينها، هو خير وسيلة لتنمية هذه الكفايات.
هذه الأهداف، كلها، تشكل عملية تربوية موحدة، حيث لا طائل يرجى من أنشطة تربوية ترمي الى تحقيق أهداف معينة بصورة مشتتة وجزئية، وليس يجدي ذلك كثيراً في تطوير نهج جديد شامل إتجاه البيئة.
2- خصائص التربية البيئية
يضفي السعي الى تحقيق الغايات والأهداف التي مر ذكرها على عملية التعليم خصائص معينة، ويتطلب توافر شروط معينة فيها، سواء في ما يتعلق بتصميم مضمون التربية وتنظيمه، أو بأساليب التعليم والتعلم وطريقة تنظيم هذه العملية.
وقد تكون أهم سمة لهذه التربية هي كونها تتجه الى حل مشكلات محدودة للبيئة الإنسانية، فهدفها معاونة الناس أياً كانت الفئة التي ينتمون اليها، وأياً كان مستواهم، على إدراك المشكلات التي تقف حائلاً دونما فيه خيرهم كأفراد وجماعات، وتحليل أسبابها، وتقييم الطرق والوسائل الكفيلة بحلها. وهي تهدف كذلك الى إشراك الفرد في وضع تحديد إجتماعي للأستراتيجيات والأنشطة الرامية الى حل المشكلات التي تؤثر على نوعية البيئة. وإذا كانت توجد اليوم مشكلات بيئية كثيرة، فمرد ذلك في جانب منه الى أن قلة ضئيلة من الناس كانوا قد أعدوا لتبني مشكلات تتسم بالتحديد والتعقيد، فضلا عن إيجاد حلول فاعلة لها. وقد اساء التعليم التقليدي، بإفراطه في التجريد وعدم التناسق في إعداد الأفراد لمواجهة ما يطرأ على واقعهم من تعقيدات متغيرة. في حين ان التربية، التي تتخذ من مشكلات بيئية محدودة محوراً لها، تتطلب، على العكس، تظافر المعارف، بشتى جوانبها لتفسير الظواهر الواقعة المعقدة.
ومع ذلك تبرز سمة أخرى من سماتها الأساسية، وهي كونها تأخذ بمنهج جامع لعدة فروغ علمية في تناول مشكلات البيئة. والواقع أنه يحسن لفهم هذه المشكلات على نحو سليم ان تكون على البيئة من وجوه الترابط القائمة بين الظواهر والأوضاع السائدة والتي كان أتباع نهج يعتم على فرع واحد من فروع العلوم سينحو الى تجزأتها. فالنهج الجامع لعدة فروع علمية يتجاهل الحدود الفاصلة بين العلوم التخصصية، ويعنى بأعطاء نظرة أكثر شمولا وابعد عن التبسيط للمشكلات الماثلة، إذ انه لا يتمثل في البدء بوضع العلوم المختلفة جنباً الى جنب، ولكن في فهم العملية فهماً شاملا قبل التطرق الى تحليل إحدى المشكلات الخاصة وحلها.. على ان التوصل الى تربية جامعة لعدة فروع علمية بصورة حقة يشكل مطلباً صعباً ينبغي ان نسعى الى تحقيقه تدريجياً.. ويفترض لذلك ان تقوم إتصالات ميسرة بين المعلمين بفضل ما يتلقاه المختصون من تدريب جديد، ووضع نظام ملائم للتعليم يأخذ في أعتباره الروابط الفكرية والمنهجية بين فروع العلم على اختلافها.
وتدعو الحاجة الى وضع تعليم يستجيب للإحتياجات الإجتماعية، إستجابة فاعلة، للتنويه بإحدى الخصائص الرئيسية الأخرى للتربية البيئية، وهي انفتاحها على المجتمع المحلي المعين. فليس يفترض في التربية، التي تهدف الى حل مشكلات بيئية محدودة، ان تعمل على تنمية المعارف والمهارات وحسب، بل وان تعمل أيضاً، وبوجه أخر، على تطوير عرف محلي يمارس في بيئات محدودة، ومن التحقق بان الأفراد والجماعات لا يولون إهتمامهم لنوعية البيئة، ولا يتحركون لحمايتها او تحسينها بعزم وإصرار، إلا في غمار الحياة اليومية لمجتمعهم المحلي، وحين يواجهون ما يعترض سبيلهم من مشكلاتها.
ولهذا النهج الجماعي أهمية، لأنه من الجلي ان كثيراً مما يسمى بالمشكلات الوطنية لا يعدو كونه حصيلة مشكلات فردية، وان كانت مشتركة بين عدة مجتمعات محلية في وقت واحد..
وإذا أمكن حل مشكلات معينة تخص أحد المجتمعات المحلية، فأننا نكون قد قطعنا بذلك، في الوقت نفسه، شوطاً صوب تحسين البيئة لصالح مجتمع أوسع نطاقاً مثل القطر او المنطقة.
ويتطلب تحسين نوعية البيئة من ناحية أخرى، توفر الإدارة السياسية اللازمة، ونهوض شتى قطاعات المجتمع ببذل جهود لدعمها بكفاياتها وبما تملكه من وسائل متعددة. ذلك ان التظافر الحقيقي بين قدرات المعرفة وغيرها من العناصر، مثل القيم، والنظرة الجمالية، والمهارات العملية، في إطار الجهود المنسقة، ومشاركة الأفراد داخل مختلف الجماعات والمرافق، التي يتكون منها المجتمع المحلي، سيؤدي الى فهم البيئة وترشيد إدراتها وتحسينها.
وهناك في النهاية جانب آخر من الجوانب الأساسية للتربية البيئية، وهو ما تتميز به من طابع الإستمرارية والتطلع الى المستقبل. فحتى وقت قريب من تأريخ الإنسانية كان التغيير في الإطار الإجتماعي والثقافي والطبيعي للحياة يحدث ببطء، وكان من الميسور في ظروف كهذه ان يتعلم أبناء الأجيال الجديدة قيم اباءهم ومعارفهم، وان ينقلوها الى أبنائهم وهم على يقين من ان هذا التراث الثقافي سيكون كافياً لضمان تلاءمهم مع المجتمع.. ومنذ الثورة الصناعية وخلال النصف الثاني من القرن العشرين، بوجه أخص، تعرض هذا الإطار لهزة عنيفة. فقد أدى التقدم الباهر الذي أحرزته المعارف العلمية وتطبيقاتها التكنولوجية الى مضاعفة سيطرة الإنسان على بيئته وتزايدت سرعة التغيرات التي تعرضت لها. وفي يومنا هذا تتغير البيئة الطبيعية والمبنية في مختلف جوانبها بسرعة بالغة مما يسفر عن ظهور نظم اقتصادية واجتماعية وثقافية جديدة، ومن تولد مشكلات جديدة دون إنقطاع. وأصبحت المعارف والتقنيات تتغير للمرة الأولى في تأريخ الإنسان خلال فترة تقل عن عمر الفرد إذاً لا مناص لتربية، تهدف الى حل مشكلات البيئة، من ان تتسم، في هذا السياق، بطابع الإستمرار. ولكي لا تتخلف المعارف التي يكتسبها الناس ضماناً لاستمرار فاعلية الأنشطة الجارية، يتعين على التربية البيئية ان تحرص دائماً على إعادة صياغة توجيهاتها ومضمونها وأساليبها، وان تعنى، في ذات الوقت، بان ان تكون المعارف المتاحة لمختلف الفئات، مستوفية بصورة دائمة مع تطويعها للأوضاع الجديدة بإستمرار.. وهي تتدرج بهذه الصفة في إطار التربية المستدامة.
ونخلص من كل ذلك، الى أنه يمكن للتربية، ويتحتم عليها، ان تلعب دورا أساسيا في درء مشكلات البيئة، وحلها. ولكنه من الوا ضح ان الجهود التربوية لن تؤتي ثماراتها الكاملة إذا تجاهلت بعض العوامل الهامة الأخرى، ومنها على سبيل المثال ان يكون هناك تشريع يسعى الى تحقيق نفس الأهداف، وان تتخذ التدابير اللازمة للسهر على حسن تطبيق القوانين، وان تفرض قرارات حازمة، وان يستعان بأجهزة إعلام الجماهير، التي يتزايد نفوذها بين الناس.
وينبغي لكل هذه العوامل ان تتظافر فيما بينها، وان تشكل كلاً مترابطا حتى تستطيع
ان تسهم في حماية البيئة وتحسينها بصورة فاعلة.. ومن أجل ذلك فعلى التربية ان تعمل على تصريف رجال السياسة، وغيرهم من المسؤولين ممن يتمثل في قراراتهم رد المجتمع على مشكلات البيئة، بما يقوم بين البيئة والتنمية من تكافل وتكامل، مع توعيتهم بالحاجة الماسة لأتباع أساليب أكر رشاداً في تدبير أمور البيئة. وإذا كانت التنمية عملية مستمرة، فينبغي ان تعود بالنفع على جميع قطاعات الناس، ومن اللازم لسياسات التنمية ان تضع البيئة في إعتبارها.. وإذا أسقطت متطلبات التنمية من إعتبار الإهتمامات البيئية فسيؤدي ذلك على العكس الى وضع سياسات لا تعود بالنفع على المجتمع المحلي في مجموعه.
3- المنتفعون بالتربية البيئية
تمارس فكرة التربية الشاملة المستديمة والمتاحة للجميع تأثراً واضحاً على مفهوم التربية البيئية وتنظيمها. إذ ان هذه التربية تهم المجتمع في مجموعه، بحكم طبيعتها ووظيفتها. وينبغي ان تصبح متاحة لجميع أفراد المجتمع المحلي، بوسائل تتلاءم مع الإحتياجات والمصالح والبواعث الخاصة بكل فئة من فئات العمر ومن الفئات الإجتماعية المهنية على إختلافها.
وما دام من الضروري ان تكون هذه التربية متواصلة ومتاحة للجميع، فمن المناسب إدخالها في جميع مراحل التعليم المدرسي وغير المدرسي، أو النظامي وغير النظامي..
ويأتي تعليم الجمهور في مقدمة المهام التي تناط بالتربية البيئية. فإلى جانب دورها في نقل المعارف العامة الى جميع المواطنين، ينبغي لها ان تعمل على توعيتهم بما يصادفهم في حياتهم اليومية من مشكلات بيئية، وان تحثهم على إنتهاج سلوك قويم، والعمل بصورة جادة على حل هذه المشكلات.
ومن اللازم ان تصبح التربية البيئية متاحة للناس على إختلاف أعمارهم، وان تتدخل في التعليم المدرسي بجميع مراحله: رياض الأطفال، والابتدائي، والمتوسط، والثانوي، والجامعي.. وفي شتى أنشطة التعليم غير المدرسي لصالح الناشئة والبالغين أياً كانت فئة الناس التي ينتمون إليها. ويتعين ان تدمج في عملية التعليم العام بكل بلد وان تنمى في كل مؤسسات التعليم ومناهجه.
وتتصل المهمة الثانية، بتعليم فئات معينة، لها، بحكم عملها ونفوذها، تأثير كبير على البيئة. والمعنيون هنا بصورة مباشرة هم المهندسون، والمعماريون، وخبراء تخطيط المدن، ورجال القضاء والقانون، ومتعهدو البناء، ورجال الصناعة، والنقابيون، والأطباء، وغيرهم.. ولا مندوحة لتوعية هؤلاء بنتائج قراراتهم وأعمالهم بالنسبة للبيئة من ان توضح مناهج التعليم، بحسب المهن والفئات الاجتماعية المعنية. ويمكن إدخال هذا النوع من التربية في التعليم النظامي، او في المؤسسات المختصة بتدريب مختلف الفئات التي تمارس مسؤوليات إجتماعية معينة، سواء أكان ذلك أثناء تدريبهم المبدئي، او بمناسبة عودتهم لإستكمال دراستهم.
وتتصل المهمة الثالثة بتدريب بعض المهنين والعلميين ممن يعكفون على دراسة مشكلات بيئية محددة، ويتعلق الأمر من هذه الناحية بمجموعة ضخمة، تتألف من أشخاص يملكون مهارات تقنية بالغة التنوع، بعضهم أصحاب تخصصات عليا وتقنيات مراقبة تلوث الهواء والمياه وهندسة. وبعضهم الآخر يتلقى تدريباً جامعياً بن فروع العلم لاعدادهم لمعالجة مشكلات متشابكة. ويجب ان يدخل في الحساب أيضاً الأخصائيون في مجالات العلوم الطبيعية والإجتماعية الأساسية. فكل هؤلاء المهنيين والعلميين مطالبون، بحكم بحوثهم وأعمالهم التخصصية، بوضع معارف وثيقة يرتكز عليها التعليم والتدريب في مجال البيئة.
ومن المفيد ان نشير الى ان ثمة علاقات تربط بين المهام الثلاث آنفة الذكر، سواء من حيث مضمون التربية البيئية، او من حيث المؤسسات التي تكلف بهذه التربية. إذ يتسم ذلك التعليم وهذا التدريب بكونهما مستمرين. ولابد من ان تنفذ المهام، التي أوردنا كلاً منها على حده في هذه الدراسة لأغراض منهجية وتحليلية، بطريقة منسقة. ويتعين أيضاً ان تشكل التوجيهات والمضامين كلاً مترابطاً يستند الى الخبرة العملية والمعرفة العلمية، ويمكن استخدامه كمرجع مشترك لأنشطة التربية البيئية على أنها عملية يتم خلالها توعية الأفراد والجماعات ببيئتهم، وتفاعل عناصرها البيولوجية والفيزيائية والاجتماعية والثقافية، فضلاً عن تزويدهم بالمعارف والقيم والمهارات والخبرة وبالأرادة التي تيسر لهم سبل العمل فرادى وجماعات، لحل مشكلات البيئة في الحاضر والمستقبل. وينبغي ان تكون هذه التربية هادية لا لسلوك الناس وحدهم، وإنما أيضاً لسلوك المسؤولين ممن يمكن ان تتأثر البيئة بقراراتهم.
والواقع، كان ميثاق بلغراد بمثابة إطار علمي للتربية البيئية، أو هو في الواقع (ميثاق أخلاقي عالمي) يعتبر الأساس لكل عمل مستقبلي في مجال التربية البيئية. وقد تم، بأثر هذا الميثاق، عقد ندوات وطنية في أقاليم العالم المختلفة، من بينها ندوة عربية للتربية البيئية عقدت بالكويت في نوفمبر عام 1976 (5). وتوصل المجتمعون فيها الى وضع معالم لأستراتيجية عربية للتربية البيئية أخذت معالم وسمات البيئة في الوطن العربي، ولكن دون إغفال لتكامل البيئة العربية مع باقي بيئات العام.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- عبد الحكيم محمود، الإنسان والبيئة، (أخبار البيئة)، 25 / 10 / 2004.
2- د. راتب السعود، الإنسان والبيئة (دراسة في التربية البيئية)، دار الحامد، عمان، 2004.
3- رشيد الحمد ومحمد سعيد صباريني، البيئة ومشكلاتها، عالم المعرفة، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، 1979.
4- الغايات والأهداف وخصائص التربية البيئية، المذكورة في هذه الصفحة والصفحات التالية، مأخوذة عن ميثاق بلغراد، الذي ورد كملحق (رقم واحد) في كتاب: (البيئة ومشكلاتها) للأستاذين رشيد الحمد ومحمد سعيد صباريني، عالم المعرفة، الكويت، 1979.
5ـ Baes C.F; H.G.Goeller, J.S.Olson and R.M.Rotty, The Global Carbon Dioxide
Problem, ORNL, 5194, 1976
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|