أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-05-29
1091
التاريخ: 2024-12-11
101
التاريخ: 2024-08-10
389
التاريخ: 8-11-2014
2057
|
التأثير المتبادل بين اجواء النزول ومعارف السورة
هناك تأثير وتأثر متبادلان ما بين أجواء نزول أي سورة ومعارفها. لذا، لابد من دراسة التأثير والتأثر المتبادلين بين أجواء نزول سورة البقرة ومعارفها.
[1] تأثير أجواء النزول على مضمون السورة: في الوقت الذي تمتلك سورة البقرة السمات المميزة لأجواء النزول العامة للسور المدنية، فإنها تنسجم مع خصوصيات فترة نزولها، أي السنتين الأولى والثانية للهجرة حتى وقعة بدر. وهذه أمثلة على انسجام الأجواء مع المحتوى وتأثيرها فيه:
أ. التركيبة الاجتماعية الخاصة للمدينة في فترة نزول السورة (المسلمون، واليهود، والمشركون، والمنافقون)، وكذا سيطرة المشركين والكفار في مكة شكلت أرضية لنزول آيات حول الفئات المذكورة في المجتمع، وأوصافهم، وأعمالهم، كالآيات من 3 إلى 20 التي تبين أوصاف المتقين والكفار والمنافقين، والآيات من 40 إلى 152 التي جاءت في حق اليهود، والآيات من200 إلى 207 التي تقسم الناس وفقاً لعقائدهم وأعمالهم. فمن أجا تقييم التو حيد ونفي أي قيمة للشرك، ورد النهي الشديد عن الزواج بين المسلمين والمشركين، وفي الآية 221 جاء التنبيه إلى قيمة المرأة المؤمنة مقارنة بتلك المدنسة بالشرك، وقدر الرجل المؤمن بالنسبة للمبتلى بداء الشرك.
ب. لما كان اليهود ابرز فئة مخالفة للإسلام والنظام الإسلامي، فقد نزل فيهم ما فاق الثلث من آيات سورة البقرة (الآيات من 40 إلى 152). في هذه الآيات يحصي الله سبحانه وتعالى النعم التي أولاها على قوم يهود وبني إسرائيل، ويتحدث عن كفرهم، وعصيانهم، وجحودهم، ونقفهم للعهود والمواثيق، ويروي اثنتي عشرة قصة من قصصهم؛ كفرق البحر ونجاتهم من قبضة آل فرعون، وإغراق فرعون وجنوده في اليم، ومواعدة الله عز وجل لموسى (عليه السلام) في طور، وعبادة اليهود للعجل، والأمر بالتوبة وقتل أنفسهم، وإقتراحهم على موسى أن يريهم الله، ونزول عذاب الصاعقة عليهم ثم بعثهم من جديد، ونزول المن والسلوى، والأمر بذبح البقرة، ...الخ.
كما يتم الحديث في هذه الآيات عن المواثيق التي أخذها الله سبحانه عليهم فنقفوها كلها بقسوة من قلوبهم، ولم يذروا لانفسهم اثرا غير الخبث والشقاء (1).
تنويه: طرحت في أثناء هذه الآيات مواضيع أخر كقصة النبي إبراهيم (عليه السلام) (في الآيات من 124 إلى 143) وهي -بتعبير لأستاذ العلامة الطباطبائي قدس سره - بمنزلة المقدمة والتمهيد لآيات تغيير القبلة، وآيات أحكام الحج(2). فعلاوة على قداسة النبوة، والرسالة، والإمامة الإلهية التي كانت له، كان لنبي الله إبراهيم (عليه السلام) حرمة خاصة لدى مختلف أقوام العرب. فكل من النصارى واليهود كانوا يدعون أن إبراهيم (عليه السلام) منهم، وأن نقل انواع الاحتجاجات للنبي إبراهيم عليه السلام حول التوحيد والمعاد، من شانه أن يكون له دور فاعل في سد الحاجة العلمية لأجواء نزول السورة. من هذا المنطلق طرح كلام هذا النبي العظيم حول التوحيد في الآية 58 2، وحول المعاد في الآية 260.
ج. لما كان النفاق في مرحلة نزول السورة، كما هو في العهاد المكي، مستوراً وليس مشهوراً لم يرد ذكر للمنافقين إلاً في بضع آيات، وقد جاء بتعبير (من الناس) لا بعنوان «المنافق كما في الآيات من 8 إلى 20. ومن 204 إلى 206. الآيات المشار إليها تخبر عن الأسقام التي أصابت القلوب المريضة لهؤلاء، وتكشف عن مراوغتهم وتذبذبهم، وتخبر عن إفسادهم في الأرض وعن سفههم الفكري، إلاً أنه لم يرد فيها التصريح بالنفاق.
د. إن الفاقة الشديدة للمسلمين المهاجرين المعوزين من ناحية، والمتطلبات المالية للحروب التي كانت ستحدث في المستقبل من ناحية أخرى، وأكل اليهود للربا، لاسيما الربا المضاعف، من ناحية ثالثة كلها مهدت لنزول آيات الإنفاق، والقرض الحسن، والربا، كالآيات 195، وه21، وه24، ومن 261 إلى 274، ومن 275 إلى 280 حيث نهي الناس فيها عن إنفاق المال الفاسد والمتدني القيمة، وعد الإقدام على مثل هذا العمل السخيف غير مشروع، وحذر من المن على الفقراء ومتقاضي المال المنفق ومن ايذانهم نفسياً، وذكر الثواب والأجر الجزيلان للإنفاق الواجد للشروط المذكورة.
هـ. كان الاقتدار الدفاعي المتنامي للمسلمين الرامي إلى حراسة الكيان والنظام الإسلاميين، وضرورة تهيئة بيئة مساعدة للمعارك القادمة، خير حافز لنزول الآيات المرتبطة بالجهاد والشهادة كالآيات من 153 الى 157، ومن 190 إلى 195، ومن 245 إلى 252. ومن هذا القبيل أيضاً الآيات التي تأمر بالإنفاق في سبيل تأمين الطاقات البشرية، والقدرة والإمكانات المالية للحرب كالآية 244. كما وقدمت حقيقة دفع الجناة والمفسدين، التي تعود إلى الدفاع عن الحقوق الفطرية للمجتمع البشري، (في الآية 251) تحت عنوان تخليص الأرض من فساد الطغاة.
و. توفر الأرضية المناسبة لتشريع الأحكام الفقهية على أثر استقرار النظام الإسلامي واستقبال الناس للإسلام، كان قد استدعى نزول العديد من الآيات حول الأحكام الفرعية. من هنا فقد تضمنت السورة كماً هائلاً من المسائل العبادية، والاسرية، والاقتصادية، والاجتماعية، والجزائية، حتى نقل بعض المفسرين عن ابن العربي قوله: «سمعت بعض أشياخي يقول: فيها ألف أمر، وألف نهي، وألف حكم، وألف خبر»(3) .
وهذه هي بعض الأحكام الواردة في السورة: إقامة الصلاة (في الآيات 10، و177، و ...)، وتحريم السحر (102)، وتحريم الزواج بين المسلمين والمشركين (221)، والأسلوب الصحيح للمعاملة بأموال اليتامى (220)، وضرورة تحصيل الرزق الحلال الطيب (من 168 إلى 172)، وحرمة أكل الميتة. والدم، ولحم الخنزير (173)، و ا لقصاص (178 و179 )، والوصية (من 180 إلى 182)، والصيام وبعض أحكام شهر رمضان الأخرى (من 183 إلى 187)، والجهاد والدفاع، وتحريم القتال وإراقة الدماء في الأشهر الحرم وفي الحرم، وجوازه تحت عنوان النقاح عند هجوم غير محسوب للعدو وعادم رعايته لحرمة المكان والزمان الخاصين (من 190 إلى 194 ومن 216 إلى 218)، والحج والعمرة (من 196 إلى 203)، وحرمة الخمر والميسر (29)، والعادة الشهرية للنساء (222)، والايمان (القسم) والإيلاء (من 224 إلى 227)، والمسائل الاسرية؛ كالطلاق، والعدة، وما إلى ذلك (من 228 إلى 242)، وتحريم الرشاء والارتشاء (188)، وتبيين أحكام الهلال من أجل الصيام، والحج، وسائر الأوقات الدينية والاجتماعية (189)، وحرمة كتمان الشهادة، وتفاوت المرأة والرجل في عدد الشهود، ومسائل الدين، والرهن، وتنظيم الوثائق المالية (282 و283).
تنويه:
1. جاء في الآيتين 282 و283 ما يقرب من عشرين حكماً من أصول أحكام الادين، والرهن، وتنظيم الوثائق المالية.
2. طرحت مسألة تغيير القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة وتشريع القبلة الجديدة في آيات متعددة بسبب أهميتها (نظراً للضجة التي أثارها اليهود حولها في البداية وجدالاتهم فيما بعد). ففي البدء جاء التمهيد لهذا التغيير في الآيات 124 وما يليها، بإيراد قصة إبراهيم (عليه السلام) لذي كان محط قبول وتكريم لدى القبائل العربية المختلفة، ثم تلاه تشريع حكم تغيير القبلة في الآيات من 142 إلى150، ليصار إذ ذاك إلى الرد على مجادلات اليهود في هذا الخصوص في الآية 177.
ز. ما تبنى من آيات السورة، افرد إما لتبيين الأصول والمعارف العقائدية، وإما للتعريف بمكانة الإنسان الكامل في نظام الوجود (الآيات من 30 إلى 39)، أو للدعوة إلى قبول أصول الدين، أو لإعطاء الموعظة والنصح الأخلاقيين، مما يحتاجه كل مجتمع. كما اشتملت بعض . آيات السورة على مباحث جانبية ذات صلة بالموضوعات المحورية للسورة، من قبيل ضرورة المحافظة على العهد والوفاء به (في الآية 40)، والابتعاد عن الوعظ من غير اتعاظ (في الآية 44)، واجتناب ترجيح المرجوح على الراجح، ورعاية تقديم الفاضل على المفضول، ومجانبة اختيار الرديء مكان الحسن، وأمثال ذلك تحت عنوان «أتستبدلون الذي هو ادنى بالذي هو خير...) (في الآية 61)، والتحذير من أي سفه فكري في ترجيح المذهب الباطل على المذهب الحق تحت عنوان «ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه) (في الآية 130)، ولزوم تطهير الكعبة من لوث الأوثان، وروث الشرك، ودم ميتة الجاهلية للطائفين، والعاكفين، والركع، والسجود (في الآية 125)، وقصة هاروت وماروت وتعليم الشياطين للسحر، واتباع المغرضين لهم، وتوقف تأثير السحر على الإذن الإلهي التكويني وإن كان مصحوباً بالنهي التشريعي لله سبحانه (في الآية 102)، وما جرى من تحريف للكتاب السماوي وهو مذكور في الآية 79.
[2] تأثير معارف السورة على أجواء النزول: من أهم تأثيرات سورة البقرة هى محو وإزالة آثار الجهل والجهالة المترسبة من عصر الجاهلية والسفاهة. فقد محا نور الحكمة في آيات من قبيل {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ } [البقرة: 269] ظلام السفاهة والجهل، وبدل الراغبين «عن) ملة الخليل ع إلى راغبين «بها»، وداوى ما اعترى النفوس من امراض عقائدية وعملية.
ونتيجة لذلك، فقد ارتقوا إلى الابتهاج بالإيثار وبذل النفس والنفيس بدل الافتخار بالإغارة وسفك الدماء ، وكفوا عن أكل الضب واستبدلوا به أكل لحم الغزال، وذبح الهدي في الحرم في حالة الإحرام، وظفروا بالجهاد في سبيل دين الله بعد العناد والتمرد، وتشرفوا بالإقرار بالإعجاز بعد إنكاره، وهاجروا من التصدية والمكاء(4) في جوار الكعبة إلى الطواف والعكوف والركوع والسجود، وانتقلوا إلى القرض الحسن بعد أكل الربا، ونجوا من فساد مباهاة الجاهلية ليبلغوا فخار العبودية عند حضرة الرب القدوس، وجاءت المناداة والمناجاة - اللتان وردتا في الآيتين 186 و286 باعتبارهما أدباً للدعاء ومنهجاً للتوسل عند العتبة الإلهية - لتذيق أرواحهم شهد الشهود، وأدركوا بمجامع قلوبهم المراد من تثبيت المؤمنين، وتثبيط المنافقين، وتبكيت اليهود، وتشتيت جمع المشركين، وفي وقعة بدر (في شهر رمضان المبارك) هزموا جيوش الشرك، التي توجهت نحو المدينة بالتواطؤ والتآمر مع المنافقين واليهود، بعزيمة صلبة بعيداً عن أي إدهان وإيهان، ومن غير أدنى وهن، ذلك أنه بالرغم من وقوع معركة بدر بعد انقضاء نزول سورة البقرة، إلاً أن الاجتهاد في تقوية روحية الجهاد لابد أن يسبق ذلك، وهذا ما أخذته سورة البقرة على عاتقها.
ومن الجدير بالذكر أن سورة البقرة تشترك مع سائر السور القرآنية في أصل جامع، وهو أن المستعدتين لتقبل نور ثقافة الوحي الإلهي قد عولجوا ويعالجون من داء الجهل والجهالة، وأن المعاندين المصرين الذين لجوا في جحودهم قد استنكفوا ويستنكفون من قبوله؛ فالله يقول: { وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا} [الإسراء: 82]. لذا، فإن سورة البقرة باشتمالها على المعارف المميزة، ونقل المعجزات المتعددة من جهة، والتحدي بالإتيان بما يشبه سورة واحدة من القرآن من جهة أخرى، كانت مدعاة لسكينة المؤمنين، وإن لم يتعد ما جناه الآخرون منها حد السكوت، فالمتحجر المتعصب لا تشفيه ثقافة الوحي، كما جاء في نفس السورة: {وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ} [البقرة: 145].
وفي الختام نشير إلى ملاحظتين محوريتين حول تأثير مضامين السورة في بيئة نزولها:
أ. إن الدين المشترك لجميع أنبياء الله (عليهم السلام) هو الإسلام: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ } [آل عمران: 19] ، وليس هناك أي دين ما عدا الإسلام محط قبول الله ورضاه: ({وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} [آل عمران: 85]. وبناء على هذا، فإن الأصول القيمية الجامعة والشاملة لكل الأديان الإلهية بينت في الآية 62 على هذا النحو: (ان الذين امنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من امن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم اجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون)؛ أي إن سبيل النجاة الأوحد أمام جميع الأمم هو هذا الإسلام الحق، وإن الإسلام الحقيقي هو مجموع العقيدة الصائبة والعمل الصالح، وإن الأصول العقائدية إما أن تعود إلى المبدأ، أو إلى المعاد، او إلى الوحي والنبوة؛ بحيث يرجع العدل إلى المبدا، والإمامة إلى النيابة عن النبوة، وخلافة الرسالة. فما يرجع إلى المبدأ والمعاد صرح به في الآية، أما ما يرجع إلى النبوة فهو مندرج ضمن العمل الصالح؛ إذ لا يعد العمل، وفق الثقافة القرآنية، صالحاً إلاً إذا طابق حجة ذلك العصر، أي دين ذلك الزمان، ووحى ورسالة ذلك العصر، وليس موافقة الحجة السابقة عليه وهي التي قد نسخت شريعتها وبدل منهاجها. المقصود هو أن نزول هذه الآية الجامعة الشاملة، قد رسم صورة جلية للأصول القيمية الحاكمة على أجواء نزول السورة.
ب. لقد شحذ أعداء المسلمين كل ، ما لديهم من همم من أجل إبعاد ا لمسلمين عن أصولهم القيمية، و صر فهم عن حضارتهم الدينية، كما جاء في الآية 217: {..وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا} [البقرة: 217]. من هذا المنطلق، فقد انتبه المسلمون إلى هذا الخطر الفكري والعقائدي، فهبوا لمواجهته وإخماد لهيب الفتنة.
ــــــــــــــــــــــــ
1. راجع تفسير الميزان، ج 1، ص 151.
2. الميزان ،ج 1،ح267.
3. الجامع لاحكام القران، مج 1،ج 1، ص148.
4. سورة الأنفال، الآية 35.
|
|
كل ما تود معرفته عن أهم فيتامين لسلامة الدماغ والأعصاب
|
|
|
|
|
ماذا سيحصل للأرض إذا تغير شكل نواتها؟
|
|
|
|
|
جامعة الكفيل تناقش تحضيراتها لإطلاق مؤتمرها العلمي الدولي السادس
|
|
|