أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-09-14
1075
التاريخ: 1-6-2016
2981
التاريخ: 2023-09-11
796
التاريخ: 6-6-2016
3380
|
يقول كوبرنيكوس: «العالم كروي» ويكشف السياق أنه يقصد من وراء هذه العبارة ليس كوكب الأرض الذي نعيش عليه، بل عاما أكبر من ذلك يشمل الشمس والقمر والنجوم. «إنه كروي؛ لأن هذا هو أكثر الأشكال قربًا من الكمال.» لأنه يحوي أعظم حجم؛ لأن «كل شيء في العالم يتجه نحو التحدد في هذا الشكل، مثلما يتضح في حالة قطرات المياه وغيرها من الأجسام السائلة، عندما تتحدد ذاتيا.» ثم يمضي على نفس الوتيرة، موظفا تبريرات عتيقة من قبيل «مثالي» و «ملائم»، ثم يؤكد على دفاعه عن كروية الكون بالتشبيه الآتي: «وما من أحد يتردد في القول بأن هذا الشكل ينتسب إلى الأجرام السماوية.»
ومن جديد، لنتأمل فوبوس: شظية عظمية بالية ومتعرجة منقورة ببثور أشبه ببثور الجدري تدور في الظلام أو لنتأمل قمرنا كمثال، وهو وفق دليل «كامبريدج المصور للكواكب»: «غير متناسق الشكل إلى حد بعيد.»
نحن تجريبيون على الأقل في مجال العلم، أما بالنسبة لمعاصري كوبرنيكوس، فإن الحدود الضيقة للمشاهدة كانت رحيمة ومتسامحة مع نظرياتهم، حتى إنه كان في استطاعتهم أن يكونوا تجريبيين ذهنيين فخورين بأنفسهم. وبعد كوبرنيكوس، جاء هؤلاء الذين أبوا النظر في تليسكوب جاليليو؛ لأنه أيا كان ما سيظهره لهم يستحيل أن تكون له قيمة (مثلما بدأت تظن فإن التليسكوب بطل آخر من أبطالنا؛ فهو يقبع في خبث خلف ستار المستقبل الأسود، وبين الحين والآخر تُلقي عدسته الضوء على قصة كوبرنيكوس؛ ليسحق في طريقه أحبولة جديدة موثوقًا فيها من أحابيل الكون العتيق). لقد أبى كوبرنيكوس نفسه السماح للعقلانية، ذلك المؤكسد الخطير، بمحو ما كان عزيزا إلى قلبه. وفيما يتعلق بالنزعة التجريبية، تجدر الإشارة إلى أنه خلال السنوات العديدة التي عكف كوبرنيكوس خلالها على تأليف كتابه «عن دورات الأجرام السماوية»، لم يُجرِ كوبرنيكوس سوى نحو 27 عملية رصد سماوي موثقة. هذا رقم كبير للغاية من حيث الكم (أو كما نقول بلغة اليوم، بالنسبة للتجارب التي يمكن تكرارها بنتائج مطابقة). ومن حيث الكيف، برهن كوبرنيكوس على أنه مهلهل بنفس القدر. كان مثلثه الهندسي الخشبي (الذي كان في الأساس عبارة عن عصا مدرجة) يعطيه نتائج فشلت دقتها في تجاوز نطاق الدرجات العشر. تساءل أحد مساعديه الشاب ريتيكوس، عن سبب ، تكبده المشقة بعدم لجوئه لاستخدام الدوائر المصنوعة من الصلب التي تأتي من نورنبرج، والتي كان من الممكن أن تحقق له دقة في القياسات في نطاق أربع درجات إذا حالفه الحظ، وكان متأنيا في استخدامها. فأجابه قائلًا: «لو أنني تمكنت من إجراء حساباتي بحيث تتفق نتائجها مع الحقيقة في نطاق خطأ لا يزيد على عشر درجات، لوجب علي أن أطير فرحًا مثلما فعل فيثاغورس بالتأكيد عقب اكتشافه لقاعدته الشهيرة.»
كان هذا هو كوبرنيكوس بالنسبة لك؛ فهو لم يطلب – مثلما يقول المثل – أن يسقط القمر في حجره؛ إذ لم يكن في حاجة لذلك؛ فهو يعلم بالفعل طبيعته: كروي الشكل، ليس به فوهات مثالي إلى الأبد. فما يصح إلا الصحيح.
تتخلل كتاب «عن دورات الأجرام السماوية» تلك الروح، التي لن تزداد سوى غرابة في أعيننا كلما تعمقنا في معرفتها في أغلب النواحي، لم يكن كوبرنيكوس كوبرنيكيا على الإطلاق، وإنما كان بطلميًّا وفيًّا. فيما يتعلق بحقائق معينة مسببة للضيق تتعارض مع الأفلاك الدائرية للأجرام السماوية، علق بقوله إنه «بما أن العقل يرتعد» من الاحتمال الذي تعبر عنه تلك الحقائق، فلا بد من تأييد فكرة الدورانية، وهو ما فعله ولكن بأسلوب ينطوي على تحايل.
أليس ذلك مع كل ما هو الطريقة التي تسير بها الأمور؟ فالعالم يُفترض به أن يتبع مشاهداته أينما قادته مغيّرًا من أحكامه تبعًا لها. كثيرًا ما كان كوبرنيكوس يعيش وفقًا لهذا المبدأ، لا سيما الآن وقد صارت الأصالة (أو صورتها الزائفة) هي التي تحظى بالتوقير. ولكن هل يتصرف هو بالضرورة على هذا النحو في أمور الاعتقاد والسياسة أو حتى في ميدان عمله، لو أن قيامه بذلك كان من شأنه أن يستعدي أقرانه عليه؟ كما سنرى، لقد ناصبت النظرية الكوبرنيكية كل تلك الميادين العداء؛ ومن ثم كانت معاناته. حول الموضوع الأكبر، موضوع «ما يصح عمله»، دعونا نذكر أنفسنا بأن الغرض من التنظير هو تحويل العشوائية الإدراكية للواقع إلى أنماط . فالدائرة التامة الاستدارة تتميز من حيث الجمال والأناقة والبساطة الرياضية.
لقد اكتشف علماء النفس أننا نميل أكثر إلى تذكَّر الأشكال الشبيهة بالدوائر باعتبارها مغلقة ومكتملة؛ سواء أكانت كذلك بالفعل أو لم تكن. وبمجرد تقبلنا لدائرة ما باعتبارها النمط الخاص بنا، فإن «العقل يرتعد» من فكرة التخلي عنها، حتى لو كان ذلك على أسس ضرورية مؤسفة قائمة على أنها أخفقت في نمذجة الواقع.
يعلق توماس كون على كبلر، الذي شيَّد صرحًا رياضيا غامضًا على أساس من الهندسة الكوبرنيكية، بقوله: «اليوم يبدو هذا الاعتقاد القوي في التناغمات الرقمية غريبًا، غير أن هذا الأمر ربما كان من بين أسبابه أن العلماء اليوم متأهّبون لاعتبار تلك التناغمات أكثر غموضًا.» ربما كان في استطاعة أي مرحلة من مراحل العلم إبداء تلك الملحوظة تعليقًا على ماضيها.
في إيجاز، يبدأ كوبرنيكوس بحثه العلمي بما يمكن أن نعتبره اليوم فرضًا جدليًّا خاطئًا. الكون تام الاستدارة؛ لأن هذا ما ينبغي أن يكون. (ما الشكل الفعلي للكون؟ لا تسألني. سوف أحيلك إلى جيه دي نورث، الذي قال عام 1965: «من السهل أن نتحدث عن اللامحدود ... ولكن من الصعب أن نتكلم عنه كلامًا ذا معنى».
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|