أقرأ أيضاً
التاريخ: 20-6-2017
1604
التاريخ: 2024-11-07
134
التاريخ: 2024-11-07
149
التاريخ: 2024-11-07
201
|
تولى المعتز الخلافة فأمر بإحضار جماعة ممن صفت أذهانهم، ورقت طباعهم، ولطف ظنهم، وصحت نحائزهم، وجادت غرائزهم، وكملت عقولهم بالمشورة، وحاول أن يتخلص من الأتراك وكانوا تأصلوا في جسم الدولة وروحها، وكانوا كثروا، وأي كثرة، في العاصمة والولايات، وقُدرت أرزاقهم وأرزاق المغاربة والشاكرية في سنة 252 فكان مبلغ ما يحتاجون إليه في السنة مائتي ألف ألف دينار، وذلك خراج المملكة لسنتين، فإذا تأخر عطاؤهم فهناك المؤامرات والمشاغبات وخوف البدوات والنزوات والوثوب بالدولة. وأُسندت إمارة مصر لأحمد بن طولون (254) من الأتراك، واستبد بجميع أ أعمال مصر لما وسد إليه أمر الأموال، وكان الأمير في مصر من قبل ليس له إلا الجند والشرطة وللعامل النظر في الأموال، وكلاهما يراقب صاحبه وهما متساويان في المكانة وربما تقدم العامل على الأمير والأقباط منذ كان الإسلام يتولون النظر في الأموال؛ فتنظر إليهم الأمة نظرها إلى الصل ،والثعبان ويراهم صاحب الأمر مختلسين، وكانت جمهرة جيش ابن طولون من المماليك والديالمة يشتريهم كما يشتري الرقيق، وبلغت عدتهم أربعة وعشرين ألف مملوك وأربعين ألفًا من العبيد الزنج ومن العرب وغيرهم. أما ابنه خمارويه فقيل: إن عدة جيشه بلغت أربعمائة ألف فارس، وحسنت حال مصر على عهد ابن طولون ودر خراجها واستفاض عمرانها على كثرة ما سُفك من الدماء، ولما انقرض الطولونيون خلفتهم الدولة الإخشيدية (1) فسارت على خطتها في إدارة مصر ولكن ليس المقلّد كالمقلد. تولى المهتدي ( والدنيا كلها مفتونة) فحاول إعادة الخلافة إلى رونقها، وأمر بإخراج الفتيان والمغنين والمغنيات من سامراء ونفاهم إلى بغداد وأمر بقتل السباع وطرد الكلاب وإبطال الملاهي ورد المظالم، وجلس ليرفعها فرفعت إليه قصص في الكسور، فسأل عنها فقال وزيره سليمان بن وهب شيئًا في تاريخ الخراج منذ عهد عمر إلى عهد المنصور فأجاب المهتدي: معاذ الله أن ألزم الناس ظلمًا تقدم العمل به ولو تأخر، أسقطوه عن الناس، فقال أحدهم: إن أسقط أمير المؤمنين هذا ذهب من أموال السلطان في السنة اثنا عشر ألف ألف درهم فقال المهتدي: عليَّ أن أقرر حقًّا وأزيل ظلمًا، وإن أجحف ببيت المال. وكان المهتدي آخر الخلفاء الذين كانوا يتولون بأنفسهم القضاء والمظالم، وربما كانوا يجعلون القضاء والمظالم لقضاتهم كما فعل عمر مع قاضيه أبي إدريس الخولاني وكما فعل المأمون مع يحيى بن أكثم والمعتصم مع أحمد بن أبي داود، وربما كانت تجعل قيادة الجيوش للقضاة، وكان يحيى بن أكثم يخرج أيام المأمون بالصائفة إلى أرض الروم، وكان تولية هذه الوظائف إنما تكون للخلفاء أو من يجعلون ذلك له من وزير مفوض أو سلطان متغلب. ولما هم الجند بقتل المهتدي خطبهم فقال: أما دين؟ أما حياء؟ كم يكون هذا الخلاف على الخلفاء، والإقدام والجرأة على الله، سواء عليكم من قصد الإبقاء عليكم، ومن كان إذا بلغه مثل هذا عنكم دعا بأرطال الشراب فشربها سرورًا بمكروهكم، وحبًّا ببواركم، ثم ذكر لهم أنه لم يصل إليه من دنياهم شيء وأنه ليس في منازل إخوته وولده فرش أو وصائف أو خدم أو جوار ولا لهم ضياع ولا غلات، وكان حقيقة مقلا من اللباس والفرش والمطعم، وأمر بخراج آنية الذهب والفضة من الخزائن فكسرت وضُربت دنانير ودراهم، وعمد إلى الصور التي كانت في المجالس فمحيت (2). وجيء بالمعتمد فقسم المملكة بين ابنه وأخيه الموفق، فغلب أخوه عليه وشُغل هو بلذاته، وكثر دخول الزعانف في القبض على الأعمال والفتن منتشرة؛ ومن أهمها فتنة صاحب الزنج، والموفق يقود العساكر، ويرابط ويرتب الوزراء والأمراء، وقيل: إن المعتمد احتاج إلى ثلاثمائة دينار فلم يجدها فقال:
أليس من العجائب أن مثلي يرى ما قل ممتنعا عليه
وتؤخذ باسمه الدنيا جميعًا وما من ذاك شيء في يديه
وطالت أيام المعتمد ولم يُؤثر عنها إبداع جديد في الإدارة والسياسة، وكان ديوان الموفق مائة ألف مرتزق، وكان المعتضد حسن الإدارة، عمرت (3) مملكته، وكثرت الأموال وضُبطت الثغور، كان قوي السياسة شديدًا على أهل الفساد، وكان ولي والدنيا خراب والثغور مهملة، فقام قيامًا مرضيًا فسكنت الفتن، وصلحت البلدان وارتفعت الحروب، ورخصت الأسعار، وهدأ الهيج وسالمه كل مخالف، ودانت له الأمور، وانفتح له الشرق والغرب، وأُديل له من أكثر المخالفين، وكان سريع (4) النهضة عند الحادثة، قليل الفتور، يتفرد بالأمور، ويمضي تدبيره بغير توقف، ولي الأمر بضبط وحركة وتجربة، وكف من كان يتوثب ويتشغب من الموالي. وأمر المعتضد بافتتاح الخراج في النيروز المعتضدي وهو في حزيران من شهور الروم، وذلك للرفق بالناس، وكتب إلى الأقطار برد الفاضل من سهام المواريث على ذوي الأرحام، وإبطال ديوان المواريث، وكان من قبل يلحق كثيرًا من الناس إعنات في مواريثهم، ويتناول على سبيل الظلم من أموالهم، ويتقلد جبايتها أناس يجرون مجرى عمال الخراج ، شيء لم يكن في خلافة من الخلافات إلى أن مضى صدر من خلافة المعتمد، فجرى العمل بذلك على سبيل تأول، فأزال المعتضد ذلك وأمر أن يرد على ذوي الأرحام ما أوجب الله ورسوله وعمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب(عليه السلام) وعبد الله بن عباس وعبد الله بن مسعود، وأن تُرد تركة من مات من أهل الذمة ولم يخلف وارثا على أهل ملته، وأن يصرف جميع عمال المواريث في النواحي ويبطل أمرهم ، ويرد النظر في أعمال المواريث إلى الحكام، وكانوا يرتادون القضاة من أهل البلاد نفسها. وللمعتضد مذهب جميل في سياسة عماله؛ بلغه أن عامله على فارس أظهر أبهة في ولايته، وأنفق ما وقعت له به هيبة في نفوس الرعية، فسأل عن رزقه فقيل له: ألفان وخمسمائة دينار في الشهر فقال: اجعلوها ثلاثة آلاف ليستعين بها على مروءته (5) وكتب إليه في عامل عجز في ضمانه وهو مسجون بأنه كان في أيام ولايته يفرق عشرين كرا حنطة في كل شهر على حاشيته والفقراء والمساكين من أهل معرفته، وأنه فرق ذلك في هذا الشهر على عادته، فقال: سرني قيامه بمروءته ومعروفه، وعفاه من أداء مبلغ كان يُطالب به ورده إلى عمله وأحمد ما كان منه. سارت الخلافة في طريق سوي على عهد المعتضد لسطوته ومهابته وعفته وإمساكه، فكان مع حرصه على إبقاء سلطانه يخافه عماله ويكفون عن المظالم، واستعمل بعضهم الشدة في حفظ الأمن، بلغ عامله بدمشق (6) أن رجلًا أعرابيًا في أذرعات نتف خصلتين من شعر أحد فرسان الدولة، فطلب الوالي معلمًا يعلم الصبيان وقال له: تخرج إلى اليرموك وأعطيك طيورًا تكون معك فإذا دخلت القرية فقل لهم: إني معلم جئت أطلب المعاش وأعلم صبيانكم، فإذا تمكنت من القرية فارصد لي الأعرابي الذي نتف سبال الفارس وخذ خبره واسمه، فإذا رأيته قد وافى أرسل الطيور بخبره، ثم قبض على الأعرابي وقطع رأسه وصلبه وضرب الجندي مائة عصا وأسقط اسمه من الديوان؛ لأنه استخذى للأعرابي حتى فعل بسباله ما فعل. كان من جميل سيرة المعتضد مع عماله وخوفه البطش بهم إذا جنوا ما يعاقبون عليه، أنه إذا نكب رجلًا من جلة العمال ورؤسائهم وكل به من يحفظه من قبله وشدد الوصية في صيانته، ويظهر أن هذا التوكيل للمطالبة وزيادتها والتشدد فيها لا ليحفظ نفسه، لئلا يطمع العامل، وكان يقول: هؤلاء أكابر من العمال الذين قامت هيبتهم في نفوس الرعية وعرفوا أقطار البلاد، وهم أركان الدولة وأعضاء الوزارة والمرشحون لها، فإن لم تحفظ نفوسهم فسد الأمر. وهذه هي الغاية في الوقوف على نفسية العمال وحفظهم في أنفسهم، ومع هذه المسامحة واللين لم يرتفع السواد سواد العراق لأحد بعد عمر بن الخطاب بمثل ما ارتفع له أيام المعتضد (7). تسعة آلاف ألف دينار فاضلة وجمع النفقات وأراد أن يسبكها نقرة واحدة إذا أتمها عشرة آلاف ألف ويطرحها على باب العامة ليبلغ أصحاب الأطراف أن له عشرة آلاف ألف دينار وهو مستغن عنها «بعد النفقات الراتبة والحادثة، وإطلاق الجاري للأولياء في سائر النواحي وجميع المرتزقة بها وبالحضرة.»
......................................
1- كان يُطلق هذا الاسم (الإخشيد) على ملوك فرغانة، وهو لفظ فارسي معناه ملك الملوك، كما يُطلق على ملوك الفرس الساسانية لقب شاهنشاه (ملك الملوك) وكسرى، وعلى ملك الروم باسيل وهو قيصر، وعلى ملوك الإسكندرية بطليموس، واليمن تبع، والترك والخرز والقرغز خاقان والترك الغزية حنوتة، والصين بغبور، والهند بلهرا، وقنوج رابي، والحبشة النجاشي، والنوبة كابيل وجزائر البحر الشرقي مهراج. وجبال طبرستان اصفهبذ، ودنباوند مصمغان، وغرجستان شار، وسرخس زاذويه، ونسا وأبيورد بهمنه، وکش نيدون، وأشروسنة أفشين والشاش تدن، ومرو ماهويه، ونيسابور كنبار، وسمرقند طوخون، والسرير الحجاج، ودهستان صول، وجرجان أناهبذ، والصقالبة قبار، وملوك السريانيين نمروذ، والقبط فرعون، وباميان شيرياميان، ومصر العزيز، وكابل كابل شاه والترمذ ترمذ، شاه وخوارزم خوارزم شاه وشروان شروان شاه وبخارا بخارا خداه، وكوز كان كوز كانان خداه (ذكر ذلك البيروني في الآثار الباقية).
2- مروج الذهب للمسعودي.
3- تاريخ ابن الطقطقي.
4- التنبيه والإشراف للمسعودي
5- نشوار المحاضرة للتنوخي.
6- تاريخ دمشق لابن عساكر.
7- تاريخ الوزراء للصابي.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|