أقرأ أيضاً
التاريخ: 3-08-2015
4137
التاريخ: 3-08-2015
4417
التاريخ: 3-08-2015
4114
التاريخ: 2023-07-25
2185
|
إن الإمام المعصوم وفقا للفكر الإمامي هو محور هذا العالم والقائد والمرجع الأعلى لهذه الأمة ، ومن هذا الموقع يتولى الإمام مهمة قيادة الأمة ورعاية شؤونها ، وحماية مصالحها ، لا سيما على مستوى صيانة الدين وحفظه .
وهذه المهمة قام بأعبائها أئمة أهل البيت عليهم السّلام وكانوا هم الضمانة لاستمرارية الدين وبقاء النهج الرسالي الذي أرسى دعائمه النبي الأعظم صلّى اللّه عليه وآله وسلّم .
إلا أننا نرى أن هناك أساليب مختلفة إتّبعها الأئمة في قيادة الأمة وكان ذلك تابعا للظروف القاسية التي مرّوا بها نتيجة لضغوطات ومضايقات السلطات الحاكمة . ولسنا هنا في معرض الحديث عن هذه الظروف التي مرّت على الأئمة وما نتج عنها ، بل لتوضيح فكرة ورؤية الإمام المهدي وأسلوبه في قيادة الأمة أثناء فترة الغيبة .
فمن الواضح والمعلوم أن الإمام المهدي عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف سلك مسلكا خاصا في هذا المجال وهو إتّباعه لأسلوب تعيين نواب وسفراء خاصين في زمن الغيبة الصغرى ، كما في موضوع تعيينه لسفرائه الأربعة واحدا تلو الآخر ثم قطعت هذه السفارة الخاصة بينه وبين شيعته إلى أن وقفت الغيبة الكبرى التي أرجع فيها الإمام عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف الأمة إلى رواة الأحاديث والفقهاء والمراجع ، وكان عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف قد أوضح في بعض ما روي عنه شروط ومواصفات عامة لهؤلاء الذين ينبغي أن ترجع إليهم الأمة في زمن الغيبة الكبرى كقوله عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف :
« وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة أحاديثنا ، فإنهم حجّتي عليكم . . » .
لكن هذا المنهج لم يكن خاصا بالإمام المهدي عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف لأن القراءة الدقيقة لحياة وسيرة أئمة أهل البيت عليهم السّلام ترشدنا إلى حصول مثل هذه السفارة والنيابة من عصر الإمامين الباقر والصادق وانتهاء بالإمامين الهادي والعسكري عليهما السّلام إلى أن استقرّ وتجلّى أمر هذه النيابة بشكل أوضح في زمن غيبة الإمام المهدي عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف .
إلا أنه يمكن ملاحظة وجود فارقين في موضوع السفارة بين الإمام المهدي عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف وبين من سبقه من الأئمة عليهم السّلام .
الأول : هو أن سفراء ونواب الأئمة عليهم السّلام كانوا بمثابة وكلاء ومراجع للناس في المناطق التي كانوا يسكنونها بعيدا عن منطقة سكن الإمام المعصوم عليه السّلام ، ولذا نرى أن الناس كانوا يسألون الإمام عن مسألة من المسائل فيرجعهم إلى الصحابي الموجود في منطقتهم .
هذا بالإضافة إلى أن الأئمة كانوا يقابلون الناس ويشاهدونهم حتى مع وجود هؤلاء السفراء ، وكان موضع سكناهم معلوما عند عامة الناس ، ولم يكن هذا الأمر متوفرا لكافة الناس في فترة الغيبة الصغرى ، بل كان محصورا بالسفراء الأربعة وبعض خواص الإمام عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف الذين يتمتّعون بأعلى درجات الثقة .
ثانيا : إن الإمامين الهادي والعسكري عليهما السّلام عاشا في ظروف قاسية اقتضت غيابهم عن الساحة العامة نوعا ما ، لذا عملا على تحضير عقول الناس لقبول مسألة غيبة الإمام المهدي عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف ، ولكي لا يكون الأمر مستهجنا كان الاتصال بهم في كثير من الأحيان يتم عبر بعض الموثوقين لديهم ، وكذلك مراجعة الناس لهم في شؤون الدنيا والآخرة .
إذن كان أمر النيابة في زمن العسكريين عليهم السّلام تمهيدا لعصر الغيبة ، بينما كان أمر السفارة الخاصة في زمن الغيبة الصغرى تمهيدا من الإمام المهدي عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف للغيبة الكبرى .
ويؤيد ما ذكرناه في قضية وجود السفراء للأئمة المعصومين عليهم السّلام ما ذكره الشيخ الطوسي حيث قال :
« . . . وقبل ذكر من كان سفيرا حال الغيبة نذكر طرفا من أخبار من كان يختص بكل إمام ، ويتولى له الأمر على وجه من الإيجاز ، ونذكر من كان ممدوحا منهم حسن الطريق ، ومن كان مذموما سيّيء المذهب ليعرف الحال في ذلك » .
ثم قال : فمن الممدوحين[1].
حمران بن أعين . الذي قال فيه الإمام الباقر عليه السّلام :
لا يرتدّ واللّه أبدا .
ومنهم المفضّل بن عمر ، الذي جاء في بعض الروايات أن الأئمة كانوا عندما يحمل الناس إليهم الأموال الشرعية يطلبون منهم تسليمها إلى المفضّل بن عمر .
ومنهم : المعلّى بن خنيس ، الذي كان من قوّام الإمام الصادق عليه السّلام وقد قتل مصلوبا بسبب ولائه للإمام عليه السّلام ، وعند شهادته قال الإمام الصادق عليه السّلام :
أما واللّه لقد دخل الجنة .
ومنهم : نصر بن قابوس اللّهخمي .
ففي الروايات أنه كان وكيلا للإمام الصادق عليه السّلام لمدّة عشرين سنة ، ولم يعلم أنه وكيل .
ومنهم : عبد اللّه بن جندب البجليّ .
وفي الروايات أنه كان وكيلا للإمام الرضا عليه السّلام وأبيه الكاظم عليه السّلام ، وكان عابدا رفيع المنزلة لديهما .
ومنهم ، محمّد بن سنان وعبد العزيز بن المهتدي القمّي .
وكانا وكلاء للإمام أبي جعفر عليه السّلام .
ومنهم : أيوب بن نوح بن درّاج .
وكان وكيلا للإمام الهادي عليه السّلام فعن عمرو بن سعيد المدائني أنه كان عند أبي الحسن العسكري ، إذ دخل أيوب بن نوح ووقف قدّامه فأمره بشيء ، ثم انصرف ، والتفت إليّ أبو الحسن عليه السّلام وقال : يا عمرو إن أحببت أن تنظر إلى رجل من أهل الجنة فانظر إلى هذا .
ومنهم : علي بن جعفر الهمّاني ، وكان وكيلا للإمامين العسكريين عليهما السّلام .
ومنهم : أبو علي بن راشد ، وكان من أصحاب ووكلاء الإمام الهادي عليه السّلام .
وغيرهم من الأصحاب الذين لا يتسع المجال لذكرهم .
وقد روى الشيخ الطوسي أسماء جماعة من الوكلاء الذين كانوا من أصحاب الأئمة عليهم السّلام ثم انحرفوا عنهم ، فورد فيهم الذم ، ومن هؤلاء[2].
علي بن حمزة البطائني ، وزياد بن مروان القندي ، وعثمان بن عيسى الرواسي ، الذين كانوا وكلاء لأبي الحسن موسى الكاظم عليه السّلام ، وكان عندهم أموال جزيلة ، فلمّا مضى أبو الحسن موسى عليه السّلام وقفوا طمعا في الأموال ، ودفعوا إمامة الرضا عليه السّلام وجحدوه . ومنهم فارس بن حاتم القزويني وأبو طاهر محمد بن علي بن بلال وغيرهم .
هذا فيما يتعلق بوجود السفراء في عصر الأئمة المعصومين عليهم السّلام أما السفارة في عصر الغيبة الصغرى فهو موضوع الحديث القادم .
سفراء الإمام المهدي عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف في الغيبة الصغرى ( السفراء الأربعة ) :
السفير الأول : هو الشيخ أبو عمرو عثمان بن سعيد بن عمرو العمري .
فكنيته أبو عمرو ، وله ألقاب عديدة منها : العمري ، السمّان ، الزيّات ، الأسدي ، العسكري .
وإنّما سمي العمري نسبة إلى جدّه ، وقد قال قوم من الشيعة : إن أبا محمد الحسن ابن علي عليه السّلام قال :
« لا يجمع على امرئ بين عثمان وأبو عمر ، وأمر بكسر كنيته ، فقيل العمري ، ويقال له : العسكري أيضا ، لأنه كان من عسكر سرّ من رأى ، ويقال له : السمّان ، لأنه كان يتّجر في السمّن تغطية على الأمر » .
وكان الشيعة : إذا حملوا إلى أبي محمد عليه السّلام ما يجب عليهم حمله من الأموال أنفذوا إلى أبي عمرو ، فيجعله في جراب السمن وزقاقه ويحمله إلى أبي محمّد عليه السّلام تقيّة وخوفا[3].
وكان الإمام علي الهادي عليه السّلام نصبه وكيلا ثم ابنه الحسن العسكري عليه السّلام ثم كان سفيرا للإمام المهدي عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف .
وقال الشيخ الطوسي في كتاب الغيبة في حقّه أنه الشيخ الموثوق به ، ونقل رواية عن الإمام الهادي عليه السّلام يقول فيها عنه :
« هذا أبو عمرو الثقة الأمين ، ما قاله لكم فعنيّ يقوله ، وما أدّاه إليكم فعنّي يؤدّيه »[4].
ولمّا سئل الإمام المهدي عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف من بعض أصحابه لمن أعامل وعمّن آخذ ، وقول من أقبل . فقال عليه السّلام :
« العمري ثقتي فما أدى إليك فعنّي يؤدي ، وما قال لك فعنّي يقول ، فاسمع له وأطع ، فإنه الثقة المأمون » .
ومما روي في حقّه عن الإمام الحسن العسكري عليه السّلام قوله :
« هذا أبو عمر الثقة الأمين ثقة الماضي وثقتي في المحيا والممات » .
وروي أنه جاءه أربعون رجلا من أصحابه يسألونه عن الحجّة من بعده فإذا غلام كأنه قطع قمر أشبه بأبي محمد ، فقال عليه السّلام :
« هذا إمامكم من بعدي وخليفتي عليكم أطيعوه ، ولا تتفرّقوا من بعدي فتهلكوا في أديانكم ألا وإنكم لا ترونه بعد يومكم هذا حتى يتم له عمر ، فاقبلوا من عثمان بن سعيد ما يقوله ، وانتهوا إلى أمره ، واقبلوا قوله فهو خليفة إمامكم والأمر إليه »[5].
وعندما لقي الإمام العسكري عليه السّلام ربه عام 260 ه ، حضر أبو عمر عثمان بن سعيد تغسيله ، وتولى جميع أمره في تكفينه وتحنيطه ودفنه .
وبرّر الشيخ الطوسي ذلك بأنه كان مأمورا بذلك للظاهر من الحال التي لا يمكن جحدها ولا دفعها إلّا بدفع حقائق الأشياء في ظواهرها[6].
وهذه إشارة منه إلى اختفاء الإمام المهدي عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف ، وعدم تمكنه من القيام بتغسيل والده والقيامة بأمره ، إلّا في قضية الصلاة على الإمام العسكري عليه السّلام التي تولاها الإمام المهدي عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف بنفسه .
فالسفير الأول بناء على ما تقدّم تولى هذا المنصب بأمر من الإمام العسكري عليه السّلام ونصّه عليه أمام الناس ، ثم نص على ذلك الإمام المهدي عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف أمام وفد القميين ، وبقي متوليا لأمر السفارة حتى وفاته ، حيث قام بتغسيله وتجهيزه ودفنه ولده أبو جعفر محمد ابن عثمان .
ونقل الشيخ الطوسي أن قبره في الجانب الغربي من بغداد ، في شارع الميدان في أول الموضع المعروف بدرب جبلة في مسجد الدرب ميمنة الداخل إليه ، والقبر في نفس قبلة المسجد . . . فكنا ندخل إليه ونزوره . . . ويظهر في كلام الشيخ الطوسي أن الناس كانت تجهل هوية صاحب القبر ، لكنهم كانوا يدخلون إلى مرقده الشريف ويتبرّكون بزيارته ، ويقولون : هو رجل صالح ، ولا يعرفون حقيقة الحال[7].
لكن في الوقت الحاضر قبره معروف ببغداد ، يزوره الناس .
وعدم معرفة الناس في زمن الشيخ الطوسي بحقيقة قبر السفير الأول يدل على مقدار الغموض والكتمان الذي كان يحيط سفراء المهدي عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف .
وعند وفاته رضوان اللّه عليه قام بتبليغ أصحابه ما هو مأمور به من قبل الإمام المهدي عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف ، وذلك بإيكال السفارة بعده إلى ابنه محمد بن عثمان ، وجعل الأمر كله مردود إليه .
ومما يدل على عظمة هذه الشخصية ومدى وثاقة الإمام المهدي عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف به ، واعتماده عليه الرسالة التي كتبها الإمام عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف إلى ولده السفير الثاني يعزّيه فيها بوالده يقول فيها :
« إنا للّه وإنا إليه راجعون . تسليما لأمره ورضاء بقضائه . عاش أبوك سعيدا ومات حميدا ، فرحمه اللّه وألحقه بأوليائه ومواليه عليهم السّلام ، فلم يزل مجتهدا في أمرهم ساعيا فيما يقربه إلى اللّه عزّ وجل ، نضر اللّه وجهه ، وأقال عثرته » .
وفي فصل آخر يقول عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف :
« أجزل اللّه لك الثواب وأحسن لك العزاء ، رزئت ورزئنا وأوحشك فراقه وأوحشنا ، فسرّه اللّه في منقلبه ، وكان من كمال سعادته أن رزقه اللّه تعالى ولدا مثلك يخلفه من بعده ، ويقوم مقامه بأمره ، ويترحّم عليه ، وأقول الحمد للّه ، فإن الأنفس طيّبة بمكانك ، وما جعله عزّ وجل فيك وعندك ، أعانك اللّه وقوّاك وعضدك ووفقّك ، وكان لك وليّا وحافظا وراعيا وكافيا »[8].
وكانت توقيعات صاحب الأمر عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف تخرج على يده ويد ابنه السفير الثاني محمد إلى شيعته وخواص أبيه بالأمر والنهي ، وأجوبة المسائل بالخط الذي كان يخرج في حياة الإمام الحسن العسكري عليه السّلام[9].
فكان العمري همزة الوصل بين الإمام المهدي عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف وشيعته ، في مراسلاتهم وقضاياهم ، وحل مشاكلهم .
وكانت له لقاءات عديدة مع الإمام المهدي عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف ويتشرّف بالمثول بين يديه ، ولا يعلم أحد على الإطلاق كيفية تلك اللقاءات ، ومقدارها .
وقد روي عن عبد اللّه بن جعفر أنه التقى بالعمري - بعد وفاة الإمام الحسن العسكري عليه السّلام - فأقسم على العمري وحلّفه قائلا : فأسألك بحق اللّه وبحق الإمامين الذين وثّقاك - أي الهادي والعسكري عليهما السّلام - هل رأيت ابن أبي محمد الذي هو صاحب الزمان ؟
فبكى العمري من هذا الإحراج ، واشترط على عبد اللّه بن جعفر أن لا يخبر بذلك أحدا ما دام العمري حيّا ، وقال : « قد رأيته عليه السّلام . . . إلى آخر كلامه »[10].
السفير الثاني : هو الشيخ الجليل محمد بن عثمان بن سعيد العمري ،
ابن السفير الأول الذي حظي بهذا الشرف حيث رزقه اللّه تعالى ولدا صالحا يشبهه في مواصفاته ومؤهّلاته .
وتولى السفارة بنص من الإمام العسكري عليه السّلام حيث قال عليه السّلام لوفد جاءه من اليمن :
« واشهدوا عليّ أن عثمان بن سعيد وكيلي ، وأن ابنه محمد وكيل ابني مهديكم . وكذلك بنص أبيه على سفارته بأمر من الإمام المهدي عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف » .
وروى الشيخ الطوسي عن بعض الأصحاب أنهم قالوا : لم تزل الشيعة مقيمة على عدالة عثمان بن سعيد وجعل الأمر بعد موته كله مردودا إلى ابنه أبي جعفر ، والشيعة مجتمعة على عدالته وثقته وأمانته لما تقدّم له من النص عليه بالأمانة والعدالة ، والأمر بالرجوع إليه في حياة الحسن العسكري عليه السّلام وبعد موته في حياة أبيه عثمان بن سعيد ، لا يختلف في عدالته ، ولا يرتاب بأمانته ، والتوقيعات تخرج على يده إلى الشيعة في المهمّات طوال حياته بالخط الذي كانت تخرج في حياة أبيه عثمان ، لا يعرف الشيعة في هذا الأمر غيره ، ولا يرجع إلى أحد سواه .
وقد نقلت عنه دلائل كثيرة ، ومعجزات الإمام ظهرت على يده ، وأمور أخبرهم بها عنه زادتهم في هذا الأمر بصيرة . . .[11].
وكانت لأبي جعفر محمد بن عثمان كتب في الفقه مما سمعه من أبي محمد الحسن عليه السّلام ، ومن الصاحب المهدي عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف ومن أبيه عثمان بن سعيد عن أبي محمد وعن أبيه علي بن محمد ( الإمام الهادي عليه السّلام ) فيها كتب ترجمتها كتب الأشربة .
ذكرت الكبيرة أم كلثوم بنت أبي جعفر ( رضي اللّه عنها ) أنّها وصلت إلى أبي القاسم الحسين بن روح رضي اللّه عنه عند الوصية إليه ، وكانت في يده .
قال أبو نصر : وأظنّها قالت وصلت بعد ذلك إلى أبي الحسن السمري ( رضي اللّه عنه ) وأرضاه[12].
وروي عنه ( أي السفير الثاني ) أنه قال : واللّه إن صاحب هذا الأمر ليحضر الموسم كل سنة يرى الناس ويعرفهم ويرونه ولا يعرفونه[13].
وقيل له : رأيت صاحب هذا الأمر ؟
قال : نعم ، وآخر عهدي به عند بيت اللّه الحرام وهو يقول : اللّهم أنجز لي ما وعدتني .
وقال : رأيته صلوات اللّه عليه متعلقا بأستار الكعبة في المستجار وهو يقول :
اللّهم انتقم بي من أعدائك[14].
وللإمام المهدي عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف في حقّه كلمات تدل على رفعة شأنه وعلو مقامه ، ففي الرسالة التي أرسلها الإمام عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف إليه يعزّيه فيها بوفاة والده السفير الأول يقول عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف :
« . . . كان من كمال سعادته أن رزقه اللّه تعالى ولدا مثلك ، يخلفه من بعده ، ويقوم مقامه بأمره ، ويترحّم عليه ، وأقول : الحمد للّه فإن الأنفس طيّبة بمكانك وما جعله اللّه تعالى فيك وعندك ، أعانك اللّه وقوّاك . . . »[15].
وظل محمد بن عثمان متوليا لمسؤولية السفارة نحوا من خمسين سنة ، حتى لقي ربه في جمادى الأولى سنة خمس وثلاثمائة أو أربع وثلاثمائة .
ومعنى ذلك أنه توفي بعد وفاة الإمام العسكري عليه السّلام بخمس وأربعين سنة ، وحيث أن والده اضطلع بالسفارة عدة أعوام فالأولى أن يقال : إن سفارته امتدّت حوالي الأربعين عاما ، لا نحوا من الخمسين ، كما قال الشيخ في الغيبة .
وإذ يكون تاريخ وفاة أبيه مجهولا ، يكون مبدأ تولّيه للسفارة مجهولا أيضا[16] . ويمكن القول على وجه التقريب بأن السفير الأول الشيخ عثمان بن سعيد تولى السفارة خمس سنوات ، وتولاها ابنه أربعين سنة .
وبهذا يظهر أن السفير الثاني كان أطول السفراء بقاء في السفارة ، وأكثر من تواصل مع الإمام عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف وتلقى وتعلّم منه وكان يعلم بإرشاد من الإمام المهدي عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف بزمان موته ، إذ حفر لنفسه قبرا وسواه الساج .
فقد روى محمد بن عليّ بن الأسود القمّي أن أبا جعفر العمري ( قده ) سأله عن ذلك فقال : للناس أسباب ، ثم سألته عن ذلك ، فقال : قد أمرت أن أجمع أمري ، فمات بعد ذلك بشهرين ( رضي اللّه عنه ) وأرضاه[17].
وروى أبو الحسن عليّ بن محمد القمي أنه دخل على أبي جعفر محمد بن عثمان ليسلّم عليه ، فوجده وبين يديه ساجة ونقّاش ينقش عليها ويكتب آيا من القرآن وأسماء الأئمة عليهم السّلام على حواشيها .
فقال له : يا سيدي ما هذه الساجة ؟ فقال لي : هذه لقبري تكون فيه أوضع عليها أو قال : أسند إليها وقد عرفت منه ، وأنا في كل يوم أنزل فيه فأقرأ جزءا من القرآن فيه وأصعد ، وأظنه قال : فأخذ بيدي وأرانيه ، فإذا كان يوم كذا وكذا من شهر كذا وكذا من سنة كذا وكذا صرت إلى اللّه عزّ وجل ودفنت فيه وهذه الساجة معي .
قال الراوي : فلمّا خرجت من عنده أثبت ما ذكره ولم أزل مترقّبا به ذلك فما تأخّر الأمر حتى إعتل أبو جعفر ، فمات في اليوم الذي ذكره من الشهر الذي قاله من السنة التي ذكرها ودفن فيه[18].
وقد دفن عند والدته بشارع الكوفة في بغداد في الموضع الذي كانت دوره ومنازله فيه ، وقبره الآن مشيد معروف « بالخلافي » يزار للذكرى والتبرّك .
وقبل وفاته ( رضوان اللّه عليه ) ، أوصى إلى خلفه السفير الثالث : الحسين بن روح ، بأمر من الإمام المهدي عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف .
السفير الثالث : هو الشيخ الجليل القاسم الحسين بن روح ابن أبي بحر النوبختي .
من بني نوبخت .
وكان من الشخصيات المشهورة والمعروفة عند الشيعة ، وكان قبل تولّيه النيابة وكيلا للنائب الثاني محمد بن عثمان ، يشرف على أملاكه ، ويقوم بدور الواسطة بينه وبين زعماء الشيعة في نقل الأوامر والتعليمات والأخبار السرية إليهم .
ولم يذكر التاريخ عام ولادته ، ولا تاريخ مبدأ حياته .
وقد أقامه أبو جعفر محمد بن عثمان مقامه قبل وفاته بسنتين أو ثلاث سنين ، فجمع وجوه الشيعة وشيوخها ، وقال لهم : إن حدث عليّ حدث الموت فالأمر إلى أبي القاسم الحسين بن روح النوبختي ، فقد أمرت أن أجعله في موضعي بعدي ، فارجعوا إليه وعوّلوا في أموركم عليه[19].
وفي رواية أنهم سألوه إن حدث أمر فمن يكون مكانك فقال لهم : هذا أبو القاسم الحسين بن روح بن أبي بحر النوبختي القائم مقامي والسفير بينكم وبين صاحب الأمر عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف والوكيل له والثقة الأمين ، فارجعوا إليه في أموركم وعوّلوا عليه في مهمّاتكم فبذلك أمرت وقد بلّغت .
ولم يكن الحسين بن روح قد عاش تاريخا حافلا وزاهرا بإطراء وتوثيق الأئمة عليهم السّلام ، كالتاريخ الذي عاشه السفيران السابقان ، حتى قبل توليهما للسفارة ، لهذا احتاج أبو جعفر العمري من أجل ترسيخ فكرة نقل السفارة إلى الحسين بن روح ، وتوثيقه في نظر قواعده الشعبية الموالية لخط الأئمة عليهم السّلام أن يكرر الإعراب عن مهمته في إيكال الأمر إليه ، وأن يأمر بدفع أموال الإمام عليه السّلام إليه قبل وفاته بعامين أو أعوام ، بأمر من الإمام المهدي عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف .
فقد روى الشيخ الطوسي ( رضوان اللّه عليه ) بأنه كان للسفير الثاني محمد بن عثمان العمري من يتصرف له ببغداد نحو من عشرة أنفس منهم الحسين بن روح ، وكلهم كان أخص به من الحسين بن روح ، وكان مشايخ الشيعة لا يشكون في أن الذي يقوم مقام محمد بن عثمان هو جعفر بن أحمد بن متيل أو أبوه لما رأوه من الخصوصية به وكثرة وجوده في منزله حتى أنه كان في آخر عمره لا يأكل طعاما إلّا ما أصلح في منزل جعفر ابن أحمد بن متيل وأبيه بسبب وقع له ، وكان طعامه الذي يأكله في منزل جعفر وأبيه .
وكان أصحابنا لا يشكّون إن كانت حادثة لم تكن الوصية إلّا إليه من الخصوصية به ، فلمّا كان عند ذلك ووقع الاختيار على أبي القاسم سلّموا ولم ينكروا ، وكانوا معه بين يديه كما كانوا مع أبي جعفر ( رضي اللّه عنه ) .
ولم يزل جعفر بن أحمد بن متيل في جملة أبي القاسم ( رضي اللّه عنه ) وبين يديه كتصرّفه بين يدي أبي جعفر العمري إلى أن مات ( رضي اللّه عنه ) ، فكل من طعن على أبي القاسم فقد طعن على أبي جعفر ، وطعن على الحجّة صلوات اللّه عليه[20].
ومما قاله جعفر بن أحمد بن متيل : لما حضرت محمد بن عثمان الوفاة كنت جالسا عند رأسه أسائله وأحدّثه وأبو القاسم بن روح عند رجليه ، فالتفت إليّ ثم قال : أمرت أن أوصي إلى أبي القاسم الحسين بن روح .
قال ابن متيل : فقمت من عند رأسه وأخذت بيد أبي القاسم وأجلسته في مكاني ، وتحوّلت إلى عند رجليه[21].
وقد عرف الحسين بن روح كما قال الشيخ الطوسي بأنه من أعقل الناس عند المخالف والموافق ، وتولى السفارة بعد موت أبي جعفر العمري عام 305 وبقي فيها إلى أن توفي في شعبان من عام ست وعشرين وثلاثمائة .
فتكون مدة سفارته حوالي الواحدة والعشرين سنة .
وكان أول كتاب تلقّاه من الإمام المهدي عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف ، كتاب يشتمل على الثناء عليه ، ومشاركة الحملة التي بدأها أبو جعفر العمري في تعريف الحسين بن روح للرأي العام والأصحاب .
وكان هذا الكتاب بمثابة انطلاق في الخطوة الأولى له على طريق البدء بالعمل والمهمة الموكلة إليه ، وقد دعا له الإمام المهدي عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف في الكتاب ، وقال :
« عرّفه اللّه الخير كله ورضوانه ، وأسعده بالتوفيق وقفنا على كتابه ، وثقتنا بما هو عليه ، وإنه عندنا بالمنزلة والمحل اللذين يسرّانه ، زاد اللّه في إحسانه إليه ، إنه ولي قدير ، والحمد للّه لا شريك له ، وصلى اللّه على رسوله محمد وآله وسلم تسليما كثيرا »[22].
قال الشيخ الطوسي : وردت هذه الرقعة يوم الأحد لست ليال خلون من شوال سنة خمس وثلاثمائة . أي بعد حوالي الخمسة أشهر من وفاة أبي جعفر العمري .
وقد اضطلع أبو القاسم منذ ذلك الحين بمهام السفارة ، وقام بها خير قيام ، وكان من مسلكه الالتزام بالتقية المضاعفة ، بنحو ملفت للنظر ، بإظهار الاعتقاد بمذهب أهل السنة من المسلمين . يحفظ بذلك مصالح كبيرة ، ويجلب بها قلوب الكثيرين . وقد تولى أيام سفارته الحملة الرئيسية ضد ظاهرة الانحراف عن الخط ، وادّعاء السفارة زورا ، بتبليغ القواعد الشعبية توجيهات المهدي عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف في ذلك ، وشجبه لظاهرة الانحراف عن الخط .
وبقي مضطلعا بمهامه العظمى ، حتى لحق بالرفيق الأعلى عام 326 ، ودفن في النوبختية في الدار الذي كانت فيه دار علي بن أحمد النوبختي ، وقبره اليوم في بغداد ومعروف . . . مقصد ومزار[23].
السفير الرابع : هو الشيخ الجليل أبو الحسن علي بن محمد السّمري
- قيل بفتح الميم أو بضمها - أو الصيمري .
تولى السفارة من حين وفاة السفير الثالث أبو القاسم بن روح عام 326 ، إلى أن لحق بالرفيق الأعلى عام 329 في النصف من شعبان[24] ، فتكون مدّة سفارته عن الإمام المهدي عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف ثلاثة أعوام ، لذا لم تسمح له هذه الفترة القصيرة فضلا عن الأحداث والوقائع والظروف القاسية في ممارسة نشاط كبير وواسع ، لم يستطع التواصل مع القواعد الشعبية بالشكل الذي حصل مع السفراء الذين سبقوه .
وقد ظهرت له كرامات ومعجزات ، منها إعلامه لبعض أصحابه بنبأ وفاة علي بن الحسين بن بابويه ( والد الشيخ الصدوق ) وهو في الرّي ( اسم مدينة في ضواحي طهران ) ساعة وفاته .
فقد روى الشيخ الطوسي عن صالح بن شعيب الطالقاني في ذي القعدة سنة تسع وثلاثين وثلاثمائة قال :
حدّثنا أبو عبد اللّه أحمد بن إبراهيم بن مخلّد قال : حضرت بغداد عند المشايخ رحمهم اللّه فقال الشيخ أبو الحسن علي بن محمد السمري ( قده ) ابتداء منه : « رحم اللّه عليّ بن الحسين بن بابويه القمي » .
قال : فكتب المشايخ تأريخ ذلك اليوم فورد الخبر أنّه توفيّ في ذلك اليوم .
وبوفاة السمري انقطعت السفارة ، وانتهت الغيبة الصغرى ، وابتدأت الغيبة الكبرى التي امتدّت إلى يومنا هذا ، وسوف تنتهي بظهور الإمام المهدي عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف .
وأعلن السفير الرابع بأمر من الإمام المهدي عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف ، وقبل وفاته بأيام نبأ انتهاء الغيبة الصغرى عند وفاته ، ونبأ منع الإمام عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف له من أن يوصي بعد موته إلى أحد ليكون سفيرا بعده .
والتوقيع الذي صدر من الإمام المهدي عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف إلى السمري قبل وفاته بستة أيام كان نصّه التالي :
« بسم اللّه الرحمن الرحيم
يا علي بن محمد السمري ! أعظم اللّه أجر إخوانك فيك ، فإنّك ميّت ما بينك وبين ستة أيام ، فاجمع أمرك ، ولا توص إلى أحد فيقوم مقامك بعد وفاتك ، فقد وقعت الغيبة التامّة فلا ظهور إلّا بعد إذن اللّه - تعالى ذكره - وذلك بعد طول الأمد ، وقسوة القلوب ، وامتلاء الأرض جورا .
وسيأتي لشيعتي من يدّعي المشاهدة ، ألا فمن ادّعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة ، فهو كذّاب مفتر ، ولا حول ولا قوة إلّا باللّه العلي العظيم » .
قال الراوي : فنسخنا هذا التوقيع وخرجنا من عنده ، فلما كان اليوم السادس عدنا إليه وهو يجود بنفسه ، فقيل له : من وصيك من بعدك ، فقال : للّه أمر هو بالغه[25].
وكان هذا آخر كلام سمع منه ، وقضى نحبه .
ودفن في الشارع المعروف بشارع الخلنجي من ربع المحول ، قريب من شاطئ نهر أبي عقاب[26]، وله الآن في بغداد مزار معروف .
وخلاصة ما تقدم في تاريخ السفراء أن فترة الغيبة الصغرى دامت على التحديد تسعا وستين عاما وستة أشهر وخمسة عشر يوما - بناء على أن الغيبة الصغرى بدأت منذ وفاة الإمام الحسن العسكري عليه السّلام - وقد شغل منها السفير الأول عثمان بن سعيد حوالي الخمس سنوات .
وشغل السفير الثاني : محمد بن عثمان حوالي الأربعين عاما ، وشغل السفير الثالث : الحسين بن روح ، بعد وفاة سلفه ، واحدا وعشرين عاما ، وشغل منها السفير الرابع : علي ابن محمد السمري ، حيث بقي في السفارة ثلاث سنين[27].
أما بناء على أن الغيبة الصغرى بدأت منذ ولادة الإمام المهدي عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف ، فتكون مدتها أربعا وسبعين سنة ، أي منذ عام 255 ، وقبل خمس سنوات من عام وفاة الإمام الحسن العسكري عليه السّلام ، فإذا أضفناها إلى التسع وستين سنة ، كان المجموع 74 عاما .
[1] الغيبة ، الطوسي ، 345 - 348 .
[2] المصدر السابق ، ص 351 - 353 .
[3] الغيبة ، الطوسي ، ص 353 - 354 .
[4] المصدر نفسه ، ص 354 .
[5] المصدر السابق .
[6] المصدر نفسه ، ص 356 .
[7] الغيبة الطوسي ، ص 357 - 358 .
[8] المصدر السابق ، ص 361 - 362 .
[9] المصدر نفسه ، ص 356 .
[10] المصدر السابق ، ص 355 .
[11] الغيبة ، الطوسي ، ص 362 - 363 .
[12] المصدر نفسه ، ص 363 .
[13] المصدر نفسه .
[14] المصدر السابق ، ص 364 .
[15] الغيبة ، الطوسي ، ص 361 .
[16] المصدر نفسه ، ص 366 - تاريخ الغيبة الصغرى ، للصدر ، ص 404 ، وأعيان الشيعة ، للسيد الأمين ، ج 1 ، ص 47 .
[17] الغيبة ، الطوسي ، ص 365 - 366 .
[18] المصدر نفسه ، ص 365 .
[19] المصدر السابق ، ص 371 .
[20] الغيبة ، الطوسي ، ص 369 - 370 .
[21] المصدر نفسه ، ص 370 .
[22] الغيبة ، الطوسي ، ص 372 - وتاريخ الغيبة الصغرى ، للصدر ، ص 410 .
[23] تاريخ الغيبة الصغرى ، السيد الصدر ، ص 412 .
[24] الغيبة ، الطوسي ، ص 394 .
[25] الغيبة ، الطوسي ، ص 395 ، ح 365 .
[26] المصدر نفسه ، ص 396 ، ح 367 .
[27] تاريخ الغيبة الصغرى ، السيد الصدر ، ص 416 - 417 .
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|