أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-05-17
1347
التاريخ: 2-08-2015
22652
التاريخ: 2023-05-09
1054
التاريخ: 2-08-2015
3851
|
المعتز العباسي ( 252 - 255 ه )
لقد ازداد نفوذ الأتراك بعد قتلهم المتوكل عام ( 247 ه ) وتنصيب ابنه المنتصر بعده ، حتى أن الخليفة العباسي أصبح مسلوب السلطة ضعيف الإرادة ويتضح ذلك مما رواه ابن طباطبا حيث قال :
« . . لما جلس المعتز على سرير الخلافة فقد حضر خواصه وأحضروا المنجّمين وقالوا لهم : انظروا كم يعيش وكم يبقى في الخلافة ، وكان بالمجلس بعض الظرفاء ، فقال : أنا أعرف من هؤلاء بمقدار عمره وخلافته ، فقالوا : فكم تقول انه يعيش وكم يملك ؟ قال : مهما أراد الأتراك ، فلم يبق أحد إلّا ضحك »[1].
يعكس لنا هذا النص ما كان للأتراك من نفوذ ودور في إرادة الدولة وعزل الخلفاء والتحكّم في الأمور العامة . فقد استولوا على المملكة واستضعفوا الخلفاء ، فكان الخليفة في أيديهم كالأسير إن شاءوا خلعوه وإن شاءوا قتلوه ، وكان المعتز يخاف الأتراك ويخشى بأسهم ولا يأمن جانبهم وكان بغا الصغير - وهو أشدّ هؤلاء خطرا - أحد قوّاد الجيش الذي أسهم في قتل المعتز مع جماعة من الأتراك بعد أن أشهدوا عليه بأنه قد خلع نفسه .
لقد عاصر الإمام الحسن العسكري ( عليه السّلام ) أواخر خلافة المعتز الذي كان استشهاد الإمام الهادي ( عليه السّلام ) على يده بدس السمّ إليه فكانت سياسة المعتز امتدادا لسياسة المتوكّل في محاربة الإمام الحسن العسكري - والشيعة - بل ربما ازدادت ظروف القهر في هذه الفترة حتى أنّ المعتز أمر بتسفير الإمام الحسن العسكري ( عليه السّلام ) إلى الكوفة حين رأى خطر وجود الإمام ( عليه السّلام ) واتّساع دائرة تأثيره وكثرة أصحابه .
قال محمّد بن بلبل : تقدّم المعتز إلى سعيد الحاجب أن أخرج أبا محمد إلى الكوفة ثم اضرب عنقه في الطريق[2].
وكتب إلى الإمام الحسن العسكري ( عليه السّلام ) أبو الهيثم - وهو أحد أصحاب الإمام ( عليه السّلام ) - يستفسر عن أمر المعتز بإبعاده إلى الكوفة قائلا :
« جعلت فداك بلغنا خبر أقلقنا وبلغ منا » ، فكتب الإمام ( عليه السّلام ) : « بعد ثلاث يأتيكم الفرج » فخلع المعتز بعد ثلاثة أيام وقتل[3].
فلم تكن العلاقة بين الإمام ( عليه السّلام ) والمعتز إلّا تعبيرا عن الصراع والعداء الذي ابتدأ منذ أن استلم بنو العبّاس الخلافة بعد سقوط الدولة الأموية وامتدّ على طول عمر الدولة إلّا في فترات قصيرة جدّا ، فكان كيد السلطة ورصدها لتحرّك الإمام ( عليه السّلام ) دائما ومستمرا وذلك لما عرفه الخلفاء من المكانة السامية والدور الفاعل للأئمّة في الأمة وما كانوا يخشونه منهم على سلطتهم وكيانهم الذي أقاموه بالسيف والدم على جماجم الأبرياء والأتقياء من أبناء الأمة الإسلامية .
ويروي لنا محمد بن علي السمري توقّع الإمام الحسن العسكري هلاك المعتزّ قائلا : « دخلت على أبي أحمد عبيد اللّه بن عبد اللّه وبين يديه رقعة أبي محمد - العسكري - ( عليه السّلام ) ، فيها : إني نازلت اللّه في هذا الطاغي يعني الزبيري - لقب المعتز - وهو آخذه بعد ثلاث ، فلما كان في اليوم الثالث فعل به ما فعل »[4] فقد قتل شرّ قتلة .
ويصف ابن الأثير قتل المعتز الذي ورد في هذه العبارة قائلا عنه :
« دخل إليه جماعة من الأتراك فجرّوه برجله إلى باب الحجرة وضربوه بالدبابيس وخرقوا قميصه ، وأقاموه في الشمس في الدار ، فكان يرفع رجلا ويضع أخرى لشدّة الحر ، وكان بعضهم يلطمه وهو يتّقي بيده وأدخلوه حجرة ، وأحضروا ابن أبي الشوارب وجماعة أشهدوهم على خلعه ، وشهدوا على صالح بن وصيف أن للمعتز وأمه وولده وأخته الأمان ، وسلّموا المعتز إلى من يعذّبه ، فمنعه الطعام والشراب ثلاثة أيّام ، فطلب حسوة من ماء البئر فمنعه ثم أدخلوه سردابا وسدّوا بابه ، فمات »[5].
وكان سبب خلعه أنه منع الأتراك أرزاقهم ولم يكن لديه من المال وقد تنازلوا له إلى خمسين ألف دينار ، فأرسل إلى أمه يسألها أن تعطيه مالا فأرسلت إليه : « ما عندي شيء » ، فتآمروا عليه وقتلوه .
وهذه القصة خير مؤشّر على ضعف السلطة العباسية وخروج الأمر من يد الخليفة ، فالكتّاب المسؤولون على الأموال يتصرّفون بها كيف ما كانوا يشاءون ولا يطيعون الخليفة في شيء فكانت تلك النهاية المخزية للمعتز على أيدي أعوانه ، وحرّاسه من الأتراك .
2 - المهتدي العباسي ( 255 - 256 ه )
هو محمد بن الواثق بن المعتصم ، امّه أم ولد تسمى وردة ، ولي الخلافة بعد مقتل أخيه المعتز سنة ( 255 ه ) ، وما قبل أحد ببيعته حتى جيء بالمعتزّ واعترف أمام شهود أنه عاجز عن الخلافة ومدّ يده فبايع المهتدي فارتفع حينئذ إلى صدر المجلس[6]، وبويع بالخلافة .
ولقد تصنّع الزهد والتقشّف محتذيا سيرة عمر بن عبد العزيز إغراء للعامة ومحاولة لتغيير انطباعهم عن الخلفاء العباسيين الذين عرفوا بالمجون والترف والإسراف في الملذّات والخمر ومجالس اللهو ، فقد نقل هاشم بن القاسم حينما سأل المهتدي عن ما هو عليه من التقشّف وبما هو فيه من النعمة فقال له : إنّ الأمر كما وصفت ، ولكنّي فكّرت في أنه كان في بني أمية عمر ابن عبد العزيز - وكان من التقلّل والتقشّف ما بلغك - فغرت على بني هاشم فأخذت نفسي بما رأيت[7].
فلم تكن الدوافع وراء هذه السيرة رضا اللّه سبحانه بل كانت هذه السيرة لإضفاء شيء من صبغة التديّن على نفسه من أجل أن تطيعه عامة الناس ومحاولة لإبعاد أنظارها عما تحلّى به بنو هاشم وفي مقدّمتهم الإمام الحسن العسكري ( عليه السّلام ) الذي عرف بتقواه وورعه ومواساته للأمة في ظروفها القاسية ، وكان الأولى بالخليفة الاتعاظ بسيرة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السّلام ) لما عرف بزهده وتقواه بل هو الذي سنّ نهج الزهد للمسلمين بعد رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) ، وإن عمر بن عبد العزيز نفسه حين سأله جلساءه عن أزهد الناس ، فقالوا له : أنتم ، قال : لا : إن أزهد الناس عليّ بن أبي طالب[8].
سياسة المهتدي تجاه معارضيه
أ - الخليفة وأمراء الجند : كانت سياسة المهتدي تجاه الأتراك تتمثل بالحذر والحيطة والخشية من انقلابهم عليه كما فعلوا بالمتوكل والمعتز ، لذا أمر بقتل موسى ومفلح من امراء جنده الأتراك الذين كانوا يتمتّعون بنفوذ كبير وتأثير فاعل في مجريات الأحداث ، غير أن ( بكيال ) الذي أمره المهتدي بقتلهما توقّف عن قتل موسى بن بغا ، لإدراكه أن للمهتدي خطة للحد من نفوذ الأتراك وتقليص الدور الذي كانوا يتمتعون به ، وقال بكيال : إنّي لست أفرح بهذا وإنما هذا يعمل علينا كلنا ، فأجمعوا على قتل المهتدي فكان بين الأتراك ومناصري الخليفة قتال شديد وقتل في يوم واحد أربعة آلاف من الأتراك ودام القتال إلى أن هزم جيش الخليفة المؤلّف من المغاربة والفراغنة والأشروسنية ، ومن ثم امسك الخليفة فعصر على خصيتيه فمات في عام ( 256 ه )[9].
ومن الأحداث المهمة في عصر المهتدي :
1 - انتفاضة أهل حمص بقيادة ابن عكار على محمد بن إسرائيل .
2 - اخراجه أم المعتز وأبا أحمد وإسماعيل ابني المتوكل وابن المعتزّ إلى مكّة ثم ردّهم إلى العراق .
3 - نفي وإبعاد بعض الشيعة من بلدانهم إلى بغداد كما فعل بجعفر ابن محمود .
4 - إعطاؤه الأمان لمعارضيه .
5 - الحرب بين عيسى بن شيخ الربعي وأماجور التركي عامل دمشق وهزيمة الأول[10].
ب - المهتدي وأصحاب الإمام الحسن العسكري ( عليه السّلام ) : لم تكن الظروف المحيطة بالإمام العسكري وأصحابه في عهد المهتدي أحسن مما كانت عليه من الشدة والنفي والتهجير والقتل إبّان عهود المعتز والمتوكل ومن سبقهما من خلفاء الدولة العباسية ، بل كانت سياسة المهتدي امتدادا للمنهج العباسي في التصديّ للإمام وشيعته وخاصته والنكاية بهم ، والتجسس عليهم ومصادرة أموالهم ومطاردتهم .
لقد قاسى الشيعة والإمام الحسن العسكري ( عليه السّلام ) في عهد المهتدي الكثير من الظلم والتعسّف ، ويمكن أن نقف على ذلك من خلال ما رواه أحمد بن محمد حيث قال : كتبت إلى أبي محمد ( عليه السّلام ) - حين أخذ المهتدي في قتل الموالي - يا سيدي الحمد للّه الذي شغله عنك ، فقد بلغني أنّه يتهدّدك ويقول : « واللّه لأخلينّهم عن جديد الأرض » فوقّع أبو محمد ( عليه السّلام ) بخطه : « ذاك أقصر لعمره ، وعد من يومك هذا خمسة أيّام ويقتل في اليوم السادس بعد هوان واستخفاف بموته » ، فكان كما قال ( عليه السّلام ) ، وقد سبق أن أوضحنا ذلك[11].
ومن مظاهر اضطهاد الشيعة ومصادرة أملاكهم وأموالهم ما روي عن عمر بن أبي مسلم حيث قال : قدم علينا ( بسرّ من رأى ) رجل من أهل مصر يقال له سيف بن الليث يتظّلم إلى المهتدي في ضيعة له قد غصبها إياه شفيع الخادم وأخرجه منها ، فأشرنا عليه أن يكتب إلى أبي محمد ( عليه السّلام ) يسأله تسهيل أمرها ، فكتب إليه أبو محمد ( عليه السّلام ) : « لا بأس عليك ضيعتك تردّ عليك فلا تتقدّم إلى السلطان وألق الوكيل الذي في يده الضيعة وخوّفه بالسلطان الأعظم اللّه ربّ العالمين » ، فلقيه ، فقال له الوكيل الذي في يده الضيعة قد كتب إليّ عند خروجك من مصر أن أطلبك وأردّ الضيعة عليك ، فردّها عليه بحكم القاضي ابن أبي الشوارب وشهادة الشهود ولم يحتج إلى أن يتقدّم إلى المهتدي[12].
ويمكن الاستدلال من خلال النص على اتساع القاعدة الشعبية للإمام ( عليه السّلام ) وصلته بهم وعمق الأواصر التي كانت تصله بهم ، فهو يتفقّد ما يحتاجونه ، ويساهم بصورة مباشرة أو غير مباشرة في قضاء حوائجهم ، وإن لبعض أصحابه في الأمصار تأثيرا وعلائق بالولاة ومن يديرون الأمور في الولايات ، فكانت أخبار شيعته تصله أوّلا بأول ، ويحاول إبعادهم عن الوقوع في حبائل السلطان وشركه كما في قصة سيف بن الليث المصري .
ج - سجن الإمام الحسن العسكري ( عليه السّلام ) : ولما رأى المهتدي أنّ وسائل النفي والإبعاد والمصادرة ، لم تكن لتحدّ من نشاط الإمام ( عليه السّلام ) وشيعته ، واتّساع حركته ، لما كان لتعليمات الإمام ( عليه السّلام ) ورقابته لشيعته من أثر في إفشال محاولات السلطة العباسيّة لم تجد السلطة بدّا من اعتقال الإمام ( عليه السّلام ) والتضييق عليه في السجن ، وكان المتولي لسجنه صالح بن وصيف الذي أمر المهتدي موسى بن بغا التركي بقتله ، وقد جاءه العباسيّون إبان اعتقال الإمام ( عليه السّلام ) فقالوا له : ضيّق عليه ولا توسّع ، فقال صالح : « ما أصنع به قد وكّلت به رجلين ، شرّ من قدرت عليه فقد صارا من العبادة والصلاة والصيام إلى أمر عظيم » ، ثمّ أمر بإحضار الموكلين فقال لهما : ويحكما ما شأنكما في أمر هذا الرجل ؟
- يعني الإمام الحسن العسكري ( عليه السّلام ) - فقالا له : ما نقول في رجل يصوم النهار ويقوم الليل كله لا يتكلّم ولا يتشاغل بغير العبادة فإذا نظر إلينا أرعدت فرائصنا وداخلنا ما لا نملكه من أنفسنا فلمّا سمع العباسيّون ذلك انصرفوا خائبين[13].
لقد كان المهتدي يهدّد الإمام بالقتل وقد بلغ النبأ بعض أصحاب الإمام ( عليه السّلام ) فكتب إليه : يا سيدي الحمد للّه الذي شغله عنك فقد بلغني أنه يتهددك . وذلك حين انشغل المهتدي بفتنة الموالي ، وعزم على استئصالهم .
وهنا نجد الإجابة الدقيقة من الإمام ( عليه السّلام ) حول مستقبل المهتدي حيث كتب الجواب ما يلي : ذاك أقصر لعمره ، عدّ من يومك هذا خمسة ويقتل في اليوم السادس بعد هوان واستخفاف يمرّ به[14]. وكان كما قال فقد انهزم جيشه ودخل سامراء وحده مستغيثا بالعامة مناديا يا معشر المسلمين : أنا أمير المؤمنين قاتلوا عن خليفتكم ، فلم يجبه أحد[15].
وقال أبو هاشم الجعفري : كنت محبوسا مع الحسن العسكري في حبس المهتدي بن الواثق فقال لي : في هذه الليلة يبتر اللّه عمره ، فلمّا أصبحنا شغب الأتراك وقتل المهتدي وولّي المعتمد مكانه[16].
3 - المعتمد ابن المتوكل العبّاسي ( 256 - 279 ه )
وعاصر الإمام الحسن العسكري ( عليه السّلام ) بعد المعتزّ والمهتدي ، المعتمد العباسي ، الذي انهمك في اللهو واللّذات واشتغل عن الرعيّة فكرهه الناس وأحبّوا أخاه طلحة[17].
وكان المعتمد ضعيفا يعمل تحت تأثير الأتراك الذين يديرون أمور الحكم ، ويقومون بتغيير الخلفاء والامراء ، وقد صوّر المعتمد نفسه هذا الضعف الذي هو فيه بقوله :
أليس من العجائب أن مثلي * يرى ما قلّ ممتنعا عليه
وتؤكل باسمه الدنيا جميعا * وما من ذاك شيء في يديه
إليه تحمل الأموال طرّا * ويمنع بعض ما يجبى إليه[18]
وكانت الفترة التي عاشها الإمام الحسن العسكري ( عليه السّلام ) في عهد المعتمد تقرب من خمس سنين ، وهي من بداية خلافة المعتمد سنة ( 256 ه ) وحتى استشهاد الإمام ( عليه السّلام ) سنة ( 260 ه ) ، وكان الوضع العام مضطربا لسيطرة الأتراك على السلطة أوّلا ، ولما كان يحدث من حركات ضد السلطة في أقاليم الدولة ثانيا . فضلا عن مطاردة السلطة للشيعة والمضايقة على الإمام ( عليه السّلام ) وعليهم وتشديد المراقبة من جهة ثالثة .
وأهم هذه الأحداث في عصر المعتمد :
أ - ثورة الزنج :
كانت ثورة الزنج حدثا مهما لما نتج عنها من آثار سيئة ، فقد صحب حركة الزنج هذه ، قتل ، ونهب ، وسلب ، وإحراق مما أدّى إلى اضطراب الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في عدّة من الأمصار التي سيطر عليها صاحب الزنج ، فبدأت ثورتهم في البصرة وامتدّت إلى عبّادان والأهواز وغيرهما .
والقضاء على هذه الحركة قد كلف الدولة كثيرا من الأموال والجند الذين هزمهم صاحب الزنج في أكثر من واقعة ، وأخيرا تمكّنت الدولة من القضاء عليهم[19].
وقد ادّعى صاحب الزنج علي بن محمد أنه ينتسب إلى الإمام علي ( عليه السّلام ) ، ولكنّ الإمام الحسن العسكري ( عليه السّلام ) كذب هذا الادعاء ، فعن محمد بن صالح الخثعمي قال : كتبت إلى أبي محمد - الحسن العسكري ( عليه السّلام ) - أسأله . . وكنت أريد أن أسأله عن صاحب الزنج الذي خرج بالبصرة . . فوقّع ( عليه السّلام ) : « صاحب الزنج ليس منّا أهل البيت »[20].
وفي نصّ الإمام ( عليه السّلام ) هذا دلالة على عدم شرعيّة ثورة صاحب الزنج وعدم ارتباطها بخط أهل البيت ( عليهم السّلام ) وأنّها بعيدة عن الالتزام بمبادئ الإسلام .
ب - حركة ابن الصوفي العلوي :
وقد ظهر في صعيد مصر وهو إبراهيم بن محمد وكان يعرف بابن الصوفي وملك مدينة أشنا[21]. وكانت معارك بينه وبين جيش الدولة بقيادة ابن طولون اقتتلوا فيها قتالا شديدا فقتل من رجال ابن الصوفي الكثير ، وانهزم ثمّ كانت وقعة أخرى مع جنده عام ( 259 ه ) وانهزم ابن الصوفي أيضا إلى المدينة وألقي القبض عليه وارسل إلى ابن طولون في مصر .[22]
ج - ثورة علي بن زيد في الكوفة :
كانت حركته في الكوفة سنة ( 256 ه ) واستولى عليها ، وأزال عنها نائب الخليفة ، واستقرّ بها ، وسيّر إليه المعتمد الشاه بن مكيال في جيش كثيف فالتقوا واقتتلوا وانهزم الشاه وقتل جماعة كثيرة من أصحابه ونجا الشاه ، ثمّ وجّه المعتمد كيجور التركي لمحاربته ، وقد أرسل كيجور إلى علي بن زيد يدعوه إلى الطّاعة وبذل له الأمان ، وطلب علي بن زيد أمورا لم يجبه كيجور إليها ، فخرج علي بن زيد من الكوفة وعسكر في القادسية فبلغ خبره كيجور فواقعه فانهزم عليّ بن زيد وقتل جماعة من أصحابه[23].
وحصلت حوادث أخرى في عهد المعتمد فقد استولى الحسن بن زيد العلوي على جرجان وقتل كثيرا من العساكر وغنم هو وأصحابه ما عندهم .
وخرج مساور الخارجي وطوق من بني زهير وهو من الخوارج أيضا وقاتلهم الحسن بن أيوب بن أحمد العدوي وهزمهم وقطع رأس مساور وأنفذه إلى سامراء[24].
وقد استوعبت هذه الحركات التي كانت ضد الدولة العباسية مساحة زمنية واسعة لعدم شرعيّة الدولة ولابتعاد الخلفاء وولاتهم عن مبادئ الإسلام الحنيف واستمرت حتى بعد عصر الإمام الحسن العسكري ( عليه السّلام ) وحتى سقوط بغداد على يد التتار عام ( 656 ه ) .
د - المعتمد والإمام العسكري ( عليه السّلام )
سعى المعتمد جاهدا في التخلص من الإمام العسكري ( عليه السّلام ) أي انّه سار على ذات المنهج الذي اتّبعه أسلافه من الخلفاء الأمويين والعباسيين مع الأئمة المعصومين ( عليهم السّلام ) غير أنّ موقفه هذا سرعان ما تغيّر ظاهرا ، وقدّم الاعتذار للإمام ( عليه السّلام ) بعد محاولة لتصفيته برميه مع السباع كما عمل مثل ذلك المتوكّل مع أبيه علي الهادي ( عليه السّلام ) وذلك حين سلّم الإمام العسكري ( عليه السّلام ) إلى يحيى بن قتيبة الذي كان يضيّق على الإمام ( عليه السّلام ) حيث رمى به إلى مجموعة من السباع ظنّا منه أنها سوف تقتل الإمام ( عليه السّلام ) ، مع العلم بأن امرأة يحيى كانت قد حذّرته من أن يمس الإمام بسوء بقولها له : « اتقّ اللّه فإني أخاف عليك منه » .
وروي أن يحيى بن قتيبة قد أتاه بعد ثلاث مع الأستاذ فوجده يصلّي ، والأسود حوله ، فدخل الأستاذ الغيل - أي موضع الأسد - فمزّقته الأسود وأكلته وانصرف يحيى إلى المعتمد وأخبره بذلك ، فدخل المعتمد على العسكري ( عليه السّلام ) وتضرّع إليه . . .[25] « 1 »
واستمر المعتمد في التضييق على الإمام الحسن العسكري ( عليه السّلام ) فيما بعد حتى ألقى به في سجن علي بن جرين وكان يسأله عن أخباره فيجيبه : إنّه يصوم النهار ويقوم الليل .[26] « 2 »
وقال ابن الصباغ المالكي : حدث أبو هاشم داود بن القاسم الجعفري قال :
كنت في الحبس الذي بالجوشق أنا والحسن بن محمد العتيقي ومحمد بن إبراهيم العمري وفلان وفلان خمسة ستة من الشيعة ، إذ دخل علينا أبو محمد الحسن بن علي العسكري ( عليهما السّلام ) وأخوه جعفر فخففنا بأبي محمد ، وكان المتولي لحبسه صالح بن الوصيف الحاجب ، وكان معنا في الحبس رجل جمحي .
فالتفت إلينا أبو محمد وقال لنا سرّا : لولا انّ هذا الرجل فيكم لأخبرتكم متى يفرج عنكم وترى هذا الرجل فيكم قد كتب فيكم قصته إلى الخليفة يخبره فيها بما تقولون فيه وهي مدسوسة معه في ثيابه يريد أن يوسع الحيلة في ايصالها إلى الخليفة من حيث لا تعلمون ، فاحذروا شرّه .
قال أبو هاشم : فما تمالكنا أن تحاملنا جميعا على الرجل ، ففتشناه فوجدنا القصة مدسوسة معه بين ثيابه وهو يذكرنا فيها بكل سوء فأخذناها منه وحذرناه ، وكان الحسن يصوم في السجن ، فإذا أفطر أكلنا معه ومن طعامه وكان يحمله إليه غلامه في جونة مختومة .
قال أبو هاشم : فكنت أصوم معه فلمّا كان ذات يوم ضعفت من الصوم ، فأمرت غلامي فجاءني بكعك فذهبت إلى مكان خال في الحبس ، فأكلت وشربت ، ثم عدت إلى مجلسي مع الجماعة ولم يشعر بي أحد ، فلمّا رآني تبسّم وقال : أفطرت ، فخجلت ، فقال : لا عليك يا أبا هاشم ، إذا رأيت انّك قد ضعفت واردت القوّة فكل اللحم ، فإنّ الكعك لا قوّة فيه ، وقال : عزمت عليك أن تفطر ثلاثا فإنّ البنية إذا انهكها الصوم لا تقوى إلّا بعد ثلاث .
قال أبو هاشم : ثم لم تطل مدّة أبي محمد الحسن في الحبس إلّا أن قحط الناس بسرّ من رأى قحطا شديدا ، فأمر الخليفة المعتمد على اللّه ابن المتوكّل بخروج الناس إلى الاستسقاء فخرجوا ثلاثة أيام يستسقون ويدعون فلم يسقوا ، فخرج الجاثليق في اليوم الرابع إلى الصحراء وخرج معه النصارى والرهبان وكان فيهم راهب كلّما مدّ يده إلى السماء ورفعها هطلت بالمطر .
ثم خرجوا في اليوم الثاني وفعلوا كفعلهم أول يوم فهطلت السماء بالمطر وسقوا سقيا شديدا ، حتى استعفوا ، فعجب الناس من ذلك وداخلهم الشك وصفا بعضهم إلى دين النصرانية فشقّ ذلك على الخليفة ، فانفذ إلى صالح بن وصيف ان اخرج أبا محمد الحسن بن علي من السجن وائتني به .
فلمّا حضر أبو محمد الحسن عند الخليفة قال له : أدرك أمة محمد فيما لحق في هذه النازلة ، فقال أبو محمد : دعهم يخرجون غدا اليوم الثالث ، قال : قد استعفى الناس من المطر واستكفوا فما فايدة خروجهم ؟ قال : لأزيل الشك عن الناس وما وقعوا فيه من هذه الورطة التي أفسدوا فيها عقولا ضعيفة .
فأمر الخليفة الجاثليق والرهبان أن يخرجوا أيضا في اليوم الثالث على جاري عادتهم وان يخرجوا الناس ، فخرج النصارى وخرج لهم أبو محمد الحسن ومعه خلق كثير ، فوقف النصارى على جاري عادتهم يستسقون إلّا ذلك الراهب مدّ يديه رافعا لهما إلى السماء ، ورفعت النصارى والرهبان أيديهم على جاري عادتهم ، فغيمت السماء في الوقت ونزل المطر .
فأمر أبو محمد الحسن القبض على يد الراهب وأخذ ما فيها ، فإذا بين أصابعها عظم آدمي ، فأخذه أبو محمد الحسن ولفه في خرقة وقال : استسق فانكشف السحاب وانقشع الغيم وطلعت الشمس فعجب الناس من ذلك ، وقال الخليفة : ما هذا يا أبا محمد ؟ ! فقال : عظم نبي من أنبياء اللّه عزّ وجل ظفر به هؤلاء من بعض فنون الأنبياء وما كشف نبي عن عظم تحت السماء إلّا هطلت بالمطر ، واستحسنوا ذلك فامتحنوه فوجدوه كما قال .
فرجع أبو محمد الحسن إلى داره بسرّ من رأى وقد أزال عن الناس هذه الشبهة وقد سرّ الخليفة والمسلمون ذلك وكلّم أبو محمد الحسن الخليفة في اخراج أصحابه الذين كانوا معه في السجن ، فأخرجهم وأطلقهم له ، وأقام أبو محمد الحسن بسر من رأى بمنزله بها معظما مكرّما مبجلا وصارت صلات الخليفة وانعامه تصل اليه في منزله إلى أن قضى تغمّده اللّه برحمته[27].
ه - المعتمد وموقفه من الشيعة
لم تتغير الاجراءات القمعية التي كانت تمارسها السلطة العباسية تجاه الشيعة في عصر المعتمد بل كانت امتدادا للسياسة المعهودة والتي أصبحت تقليدا يتوارثه الخلفاء العباسيون إزاء الأئمة الأطهار وشيعتهم وذلك لما كان يخشاه الخلفاء من تطور الوضع لصالحهم واتّساع نشاطهم السياسي مما قد ينجم عنه تغيّر الوضع ضد السلطة القائمة ، والتفاف الناس بشكل أكبر حول الإمام ( عليه السّلام ) وبالتالي قد يتّخذ الإمام موقفا جهاديّا تجاه الخليفة وسلطته .
وكانت أساليب السلطة تجاه الحركة الشيعية لا تتجاوز الأساليب التي عهدتها في عصور سابقة وهي :
1 - المراقبة ورصد تحرّكات أصحاب الإمام وشيعته .
2 - السجن وكانت تعمد إليه السلطة من أجل الحدّ من نشاط أصحاب الإمام ( عليه السّلام ) .
3 - القتل : وكانت ترتكبه السلطة حين لا ترى جدوى في أساليبها الأخرى تجاه الشيعة ، أو تشعر بتنامي نشاطهم فتلجأ إلى قتل الشخصيّات البارزة والمقرّبين من الإمام ( عليه السّلام ) .
[1] الفخري في الآداب السلطانية : 221 .
[2] كشف الغمة : 3 / 206 .
[3] الخرائج والجرائح : 1 / 451 ح 36 .
[4] كشف الغمة : 3 / 207 عن كتاب الدلائل .
[5] الكامل في التاريخ : 7 / 195 ، 196 .
[6] تاريخ الخلفاء ، السيوطي : 422 .
[7] تاريخ الخلفاء : 423 .
[8] تاريخ الطبري : 3 حوادث ( 91 - 101 ه ) وهي خلافة عمر بن عبد العزيز .
[9] تاريخ الخلفاء ، السيوطي : 424 .
[10] تاريخ اليعقوبي : 2 / 505 ، 506 .
[11] أصول الكافي : 1 / 510 ح 16 وعنه في الارشاد : 2 / 331 وفي إعلام الورى : 2 / 144 ، 145 وعن الارشاد في كشف الغمة : 3 / 204 .
[12] أصول الكافي : 1 / 511 ح 18 .
[13] أصول الكافي : 1 / 512 ح 23 وعنه في الارشاد : 2 / 334 وفي إعلام الورى : 2 / 150 وعن الارشاد في كشف الغمة : 3 / 204 .
[14] إعلام الورى : 356 .
[15] الكامل في التاريخ : 5 / 356 .
[16] المناقب : 2 / 462 .
[17] تاريخ الخلفاء ، السيوطي : 425 .
[18] سبائك الذهب : 87 .
[19] راجع الكامل في التاريخ : 4 / 430 - 445 .
[20] كشف الغمة : 3 / 214 عن كتاب الدلائل .
[21] الكامل في التأريخ : 4 / 432 .
[22] الكامل في التأريخ : 4 / 432 - 433 .
[23] الكامل في التأريخ : 4 / 447 .
[24] الكامل في التأريخ : 4 / 439 .
[25] مناقب آل أبي طالب : 4 / 430 .
[26] مهج الدعوات : 275 .
[27] الفصول المهمة : 286 .
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|