أقرأ أيضاً
التاريخ: 20-7-2016
1798
التاريخ: 21-7-2016
2308
التاريخ: 2023-04-16
1343
التاريخ: 12-3-2021
2736
|
اعلم أنّ جماع الخير كلّه واحرازه في الوحشة من الناس والعزلة عنهم، فإنّ بالعزلة يتحصّل (1) الاخلاص، وينسد عنه باب الغيبة والنميمة ولغو القول، وسلامة النظر والسمع لمن لا يجوز، والوحشة من الناس علامة الاُنس بالله، والعزلة من امارات الوصلة.
وروى سفيان الثوري قال: قصدت جعفر بن محمد عليهما السلام فأذن لي بالدخول، فوجدته في سرداب ينزل اثنى عشر مرقاة، فقلت: يا ابن رسول الله أنت في هذا المكان مع حاجة الناس إليك، فقال: يا سفيان فسد الزمان، وتنكر الاخوان، وتقلبت الأعيان، فاتخذنا الوحدة سكناً، أمعك شيء تكتب؟ قلت: نعم، فقال: اكتب:
لا تجزعنّ لوحدة وتفرّد *** ومن التفرّد في زمانك فازدد
فسد الإخاء فليس ثَمّ اخوّة *** الّا التملّق باللسان وباليد
وإذا نظرت جميع ما بقلوبهم *** أبصرت ثَمّ نقيع سم الأسود
[فإذا فتّشت ضميره عن قلبه *** وافيت عنه مرارة لا تنفد (2)](3)
والعزلة في الحقيقة اعتزال الاُمور الذميمة، والذي حصّل علوم معارفه وعمله ثم اعتزل بني أمره على أساس ثابت، وينبغي لصاحب العزلة الاشتغال بذكر ربّه، والفكر في صنائعه، وإلاّ أوقعته خلوته في بليّة وفتنة، ويكون أيضاً عنده قوّة في العلم تدفع عنه هواجس الشيطان ووساوسه، ولا شك انّ خير الدنيا والآخرة في العزلة والتقليل عن علق الدنيا، وشرّها في الكثرة والاختلاط بالناس...
وقال بعضهم: رأيت بعض الأئمة (عليهم السلام في النوم يقول: ... والترفّع نقمة وكلّ يترجّاه، والغنى فتنة وكلّ يتمنّاه، والفقر عصمة وكلّ يتجافاه، والمرض حطّة للذنوب وكلّ يتوقّاه، والمرء لنفسه ما لم يُعرَف فإذا عُرِفَ صار لغيره.
وقال أمير المؤمنين (عليه السلام) لكميل بن زياد: "تبدّل ولا تشهر، ووارِ شخصك ولا تذكر، وتعلّم واعمل، واسكت تسلم، تسر الأبرار وتغيظ الفجّار، ولا عليك إذا علمت معالم دينك ألّا تعرف الناس ولا يعرفوك" (4).
ومن ألزم قلبه الفكر، ولسانه الذكر، ملأ الله قلبه ايماناً ورحمة ونوراً وحكمة، انّ الفكر والاعتبار يخرجان من قلب المؤمن عجائب المنطق في الحكمة، وتسمع له أقوال يرضاها العلماء، وتخشع لها العقلاء، وتعجب منها الحكماء.
وروي انّ رجلاً سأل ام اُويس: من أين لابنك هذه الحال العظيمة التي قد
مدحه النبي (صلى الله عليه وآله) بها مدحاً لم يمدح به أحداً من أصحابه هذا فلم يره (5)؟ فقالت: إنّه من حيث بلغ اعتزلنا وكان يأخذ في الفكر والاعتبار.
وروي أنّ الله أوحى إلى موسى (عليه السلام): "من أحب حبيباً آنس به، ومن آنس بحبيب صدّق قوله ورضي فعله، ومن وثق بحبيب اعتمد عليه، ومن اشتاق إلى حبيب جدّ في السير إليه، يا موسى ذكري للذاكرين، وزيارتي للمشتاقين، وجنّتي للمطيعين، وأنا خاصّة المحبّين (6). (7)
وروى كعب الأحبار قال: أوحى الله إلى بعض الأنبياء: إن أردت لقائي غداً في حظيرة القدس فكن في الدنيا غريباً محزوناً مستوحشاً كالطير الوحداني الذي يطير في الأرض المقفرة، ويأكل من الأشجار المثمرة، فإذا كان الليل آوى إلى وكره، ولم يكن مع الطير استيحاشاً من الناس واستيناساً بربّه (8).
ومن اعتصم بالخلوة وآنس بها فقد اعتصم بالله، ومكابدة العزلة والصبر عليها أيسر من سوء عاقبة مخالطة الناس، والوحدة طريقة الصدّيقين، وعلامة الافلاس القرب من الناس، ومخالطة الناس فتنة في الدين عظيمة؛ لأنّ من خالط الناس داراهم، ومن داراهم راياهم وداهنهم وراقبهم.
ولا يصحّ موالاة الله ومراقبة الناس ومراياهم، ومن أراد أن يسلم له دينه ويستريح بدنه وقلبه فليعتزل الناس، فإنّ هذا زمان وحشة، والعاقل الناصح لنفسه من اختار الوحدة وآنس بها، ولست أرى عارفاً يستوحش مع الله، وألزموا الوحدة، واستتروا بالجدّ (9)، وامحوا أسماءكم من قلوب الناس تسلمون من غوائلهم.
ولمّا ذكر أمير المؤمنين (عليه السلام) هذا الزمان وفتنته قال: "ذلك زمان لا يسلم فيه إلاّ كل مؤمن نؤمة، إذا شهد لم يُعرَف، وإذا غاب لم يُفتقَد، اولئك مصابيح الهدى، وأعلام السرى، ليسوا بالمساييح ولا المذاييع البذر، اولئك يفتح الله عليهم أبواب رحمته، ويسدّ عنهم أبواب نقمته" (10).
تفسير (11): المساييح يعني يسيحون في الأرض بالفساد، والمذاييع: النميمة والكذب، والبذر: يبذرون الكذب والنميمة كبذر الزرع من كثرته.
وإذا أراد الله أن ينقل العبد من ذلّ المعصية إلى عزّ الطاعة، ومن فتنة الناس إلى السلامة منهم، آنسه بالوحدة، وحبب إليه الخلوة، وأغناه بالقناعة، وبصّره عيوب نفسه، وحجبه عن عيوب الناس، ومن أعطي ذلك فقد أعطي خير الدنيا والآخرة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|