أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-03-20
1314
التاريخ: 2023-07-08
1201
التاريخ: 22-04-2015
2183
التاريخ: 6-12-2015
14323
|
الأتّجاه الموحّد لمعاني القرآن الباطنيّة
كما أن مفردات القرآن متناغمة ومتناسقة من ناحية الفصاحة والبلاغة والفن الأدبي ، ومفاهيم ألفاظ القرآن متحدة في الجهة فيما بينها بلحاظ مبادئها التصورية ، ومقاصد آيات القرآن متفقة بلحاظ مبادئها التصديقية؛ وبالنتيجة فإن مواضيع القرآن كما يفسر بعضها البعض الآخر بلحاظ التفسير الظاهري ، هي بلحاظ الباطن أيضاً ، حيث إن جميع معارف القرآن في جميع مراحلها الباطنية متحدة ومتفقة في الاتجاه فيما بينها ، ومفسرة لبعضها البعض ولا اختلاف أبدأ بين بواطن القرآن ومراتبه العميقة الداخلية ، لأن مراتبه الباطنية كمظاهره الخارجية كلها كلام الله تعالى. ولو كانت نازلة من غير الله لكانت مختلفة فيما بينها بالتأكيد. إذا فجميع مواضيع القرآن منسجمة من جميع الجهات ، فالظواهر منسجمة فيما بينها ، والبواطن أيضا منسجمة مع بعضها ، وكذا ارتباط كل ظاهر مع الباطن الأرفع منه درجة فإنه يبقى محفوظة. ومن هنا يتبين أن المفسر المتعمق وصاحب البصيرة الباطنية إذا حظي بالسير العمودي للتفسير ، كالذي كان أهل بيت الوحي(عليهم السلام) يعلمون به ، فإنه يستطيع بضم البواطن إلى بعضها من خلال تطبيق الفن البديع والجذاب لتفسير القرآن بالقرآن أن ينال النصيب الأوفى والحظ الأعلى ومن الضروري هنا التنبيه على ملاحظتين:
1. لكي نقوم بتفسير القرآن في المرتبة الظاهرية لابد من الاعتماد على جناحين قويين: أحدهما البرهان العقلي ، أي العلم الحصولي الذي هو شرط مهم لكي يكون الإنسان مستعدا لمخاطبة الوحي له والتدبر الكامل فيه ، والآخر هو سنة المعصومين(عليهم السلام) التي تتعلق بالمواضيع التفسيرية لظاهر القرآن. وللقيام بتفسير القرآن بالباطن أيضا لابد من وجود جناحين قويين: أحدهما "العرفان القلبي" أي العلم الحضوري والآخر هو سنة المعصومين(عليهم السلام) وهي التي تتعلق بالمعارف الباطنية للقرآن ، لأن نسيج الحبل الإلهي الممدود الذي طرف منه يسمى "ثقل الوحي" وطرفه الآخر يسمى "ثقل الولاية" جميعه مرتبط و متناسب بعضه مع بعض ، وهذا الارتباط الولائي يهب القدرة والجرأة للمفسر الجامع بين الظواهر من جهة والبواطن من جهة ثانية والظاهر والباطن في كل مرتبة متلاصقة من جهة ثالثة ، أن يصدر الفتوى بأن مثل هذه الطريقة في التفسير هي من مصاديق: "اقرأ وارق" (1)، لأن هذا الحديث النوراني لا يختص بالقراءة بمعنى تلاوة الألفاظ ولا هو مختص بالجنة ولا بأهلها المنعمين المستقرين في جنة الخلد ، بل هو شامل للمفسرين المتعمقين في الفكر الذين هم مع قيامهم بالجمع السالم بين الجهات الثلاث المذكورة فهم محصنون من أي نوع من الخلط بين الظاهر والباطن ، ومحفوظون من خطر المزج بين الداخل والخارج ومن الترقيع بين التنزيل والتأويل ، وهم في حركة وطلب وسعي حثيث نحو بلوغ جنة لقاء الله. طبعاً مثل هذا المقام محتمل للأوحدي من أولياء الله ، لكن أصل إمكان بلوغه أمر معقول.
2. من الممكن أن يرى البعض عدم صحة استعمال لفظ واحد في أكثر من معنى واحد ، وعليه فإن قصد أكثر من معنى من لفظ قرآني واحد ليس صحيحاً بنظرهم ، لكن يجب الالتفات إلى أنه أولاً على فرض صحة ذلك المبنى ، فإنه يمكن تصور معنى لجامع انتزاعي له ظهور عرفي بحيث يشمل جميع المراتب. ثانياً: إن المراتب الطولية هي مصاديق لمعنى واحد وليست هي معاني متعددة للفظ واحد. ثالثاً: إن الامتناع المتوهم إما أن يعود سببه إلى ضيق وعاء اللفظ أو تقييد وتحديد قدرة المستمع والمخاطب أو ضعف وعدم سعة علم وإرادة المتكلم ، والقسم المهم المذكور في ذلك البحث على فرض تماميته هو الذي يعود إلى ضعف العلم والإرادة عند المتكلم لا المخاطب.
فإذا كان المتكلم والمريد هو الله سبحانه الذي لا حدود ولا نهاية لعلمه وإرادته ، فلا محذور في إرادة عدة مواضيع من آية واحدة وعدة معاني من لفظ واحد ، كما أن الضعف والضيق المذكور إذا كان بلحاظ المخاطب ، فإن المخاطب الأصيل للقرآن ، هو الإنسان الكامل ، أي الرسول الأكرم(صلى الله عليه واله وسلم) الذي لا محذور في سعته الوجودية من إدراك معاني متعددة مرة واحدة ، يعني إذا كان المخاطبون الآخرون لا يتمتعون بكفاءة تلقي المعاني المتعددة من لفظ واحد ، فإن الرسول الأكرم(صلى الله عليه واله وسلم) يتمتع بمثل هذه الكفاءة.
ومن هنا نستنتج موضوعاً آخر يتعلق بلغة القرآن ، وهو أن قانون المحاورة وإن كان يجب أن يراعى ويتبع من ناحية اللفظ وبلحاظ المخاطب بالنسبة إلى الأفراد العاديين ، لكن لا يمكن تسرية مثل هذا الحكم من ناحية المتكلم بأن يقال: إن جميع أحكام المتكلمين العاديين حاكمة على المتكلم في الوحي وهو الله سبحانه ، إضافة إلى أن المخاطب الأولي والأصيل للقرآن الكريم ، هو الرسول الأكرم(صلى الله عليه واله وسلم) الذي منحته الخلافة الإلهية قدرة تحمل المعاني المتعددة في موضع واحد. طبعاً لا شيء من الأمور المذكورة ، أي خصوصية المتكلم ، وامتياز المخاطب الأصيل أي الرسول الأكرم(صلى الله عليه واله وسلم) يكون مانعاً من تطبيق قانون اللسان العربي المبين بالنسبة إلى الآخرين.
ولعل أحد معاني الحديث المأثور عن الرسول الأكرم(صلى الله عليه واله وسلم) "القرآن ذلول ذو وجوه فاحملوه على أحسن الوجوه"(2) هو أن للقرآن الكريم معارف طولية متنوعة ومواضيع عرضية متعددة ، فإذ لم يتيسر الجمع بينها جميعاً فاحملوها على أحسن وجه ، فإذا كانت تلك المعاني ليست صحيحة ولا تامة ، فإن القرآن الكريم لن يكون أبدأ ذلولاً ومتساهلاً وليناً للمعنى الخاطئ ، ولا يعد ذلك المعنى من وجوه القرآن. فالمقصود هو أن كون القرآن ذا وجوه يمكن أن يكون ناظرة إلى معنى ذكر في هذا القسم وهو الارتباط بين مراتب الظاهر ومراتب الباطن وكذلك ارتباط و الظواهر بعضها بالبعض الآخر والبواطن كذلك و.... ، كما يمكن أن يكون ناظرة إلى أمر آخر.
فالقول بأن القرآن "ذو وجوه" جاء بمعنى آخر في بعض الأحاديث ، كما في الكتاب الذي كتبه أمير المؤمنين(عليه السلام) إلى ابن عباس عند الاحتجاج مع الخوارج حيث أمره بأن يجعل محور الاستدلال هو السنة لا القرآن: " لا تخاصمهم بالقرآن فإن القرآن حمال ذو وجوه ، تقول ويقولون ولكن حاججهم (خاصمهم) بالسنة فإنهم لن يجدوا عنها محيصا"(3). هذا الكلام يدل على أن البعض وبواسطة التفسير بالرأي المذموم كانوا يفرضون على القرآن وجوها وآراء ويفسرون الوحي الإلهي طبقا لأهوائهم ، ولذلك جعل الإمام(عليه السلام) السنة الرسول الأكرم(صلى الله عليه واله وسلم) وهي المبين والشارح الحقيقي للقرآن الكريم محورا للاحتجاج. ولذلك فإن "ذو وجوه" ليس بمعنى القابلية الحقيقية للقرآن للحمل على وجوه متعددة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1. أصول الكافي ، ج2 ، ص606.
2. عوالي اللئالي ، ج 4 ، ص 104.
3. نهج البلاغة ، الكتاب 77.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|