أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-03-26
1267
التاريخ: 2023-03-26
1651
التاريخ: 21-05-2015
3499
التاريخ: 2023-04-02
1960
|
المعتصم هو أبو إسحاق محمد بن هارون الرشيد ولد سنة ثمانين ومائة ، كذا قال الذهبي . وقال الصولي : في شعبان سنة ثمان وسبعين .
وأمه أم ولد من مولدات الكوفة اسمها ماردة وكانت أحظى الناس عند الرشيد . وكان ذا شجاعة وقوة وهمّة وكان عريا من العلم ، لقب بالمعتصم وهو ابعد ما يكون من الاعتصام باللّه عز وجل .
وكان فاسد الاخلاق له غلام يقال له عجيب وكان مشغوفا به .
وقد استمر على نهج أخيه في إثارة فتنة خلق القرآن . فسلك ما كان المأمون عليه وختم به عمره من امتحان الناس بخلق القرآن ، فكتب إلى البلاد وأمر المعلمين ان يعلّموا الصبيان ذلك وقاسى الناس منه مشقة في ذلك وقتل عليه خلقا من العلماء ، وضرب الإمام أحمد بن حنبل وكان ضربه في سنة عشرين . قيل فجلده حتى غاب عقله وتقطع جلده وقيده وحبسه[1].
لقد كان المعتصم محدود التفكير ميالا للقسوة في تعامله مع خصومه السياسيين وغيرهم ، وكان يفتقد كثيرا من مقومات الحنكة السياسية في إدارة شؤون الدولة ، وقد تعرّض حكمه لكثير من صور الاضطرابات السياسية في أقاليم عديدة من الدولة العباسية .[2]
وقد هيمن الجيش على الحكم في عصره بعد ان مال المعتصم إلى أخواله الأتراك وكوّن منهم جيشا خاصا ، واغدق عليهم الأموال الطائلة مما اثار حفيظة العسكريين العرب ، واثار النزعة القومية في المجتمع .
وتعتبر سياسة المعتصم هذه أخطر ما واجهته الدولة العباسية في مسيرتها .
وقد ساءت الأحوال بعد المعتصم ، واستشرى خطر العسكريين في الدولة وقاموا بالانقلابات العسكرية على الخلفاء الذين حاولوا تقليص سلطاتهم .
المعتصم والطليعة الاسلامية الواعية :
على خليفة الخلاف العقائدي الشديد بين أئمة أهل البيت ( عليهم السّلام ) وشيعتهم المؤمنين من جهة والخلافة العباسية واتباعها من جهة أخرى ، استمر العداء بين الخطين وان اتخذ في كل فترة لونا أو درجة من الشدة ، ولم يكن المعتصم بمنفصل عن سياسة أسلافه المعادين لأهل البيت ( عليهم السّلام ) وحزبهم .
لقد كاد للاسلام وخطه الصحيح فواجه معارضة شديدة من أهل البيت ( عليهم السّلام ) وشيعتهم وسنتناول الانتفاضات التي انطلقت في عصره خلال فصل قادم .
الإمام الجواد ( عليه السّلام ) والمعتصم :
لم تكن المدة التي قضاها الإمام الجواد ( عليه السّلام ) في خلافة المعتصم طويلة فهي لم تتجاوز السنتين ، كان ختامها شهادة الإمام ( عليه السّلام ) على يد النظام المنحرف ، وفيما يلي استعراض للعلاقة بين الإمام الجواد ( عليه السّلام ) والمعتصم .
أ - استقدام الإمام ( عليه السّلام ) إلى بغداد :
لقد خشي المعتصم من بقاء الإمام الجواد ( عليه السّلام ) بعيدا عنه في المدينة ، لذلك قرر استدعاءه إلى بغداد ، حتى يكون على مقربة منه يحصي عليه أنفاسه ويراقب حركاته ، ولذلك جلبه من المدينة ، فورد بغداد لليلتين بقيتا من المحرم سنة عشرين ومائتين ، وتوفي بها ( عليه السّلام ) في ذي القعدة من هذه السنة .[3].
لقد كان هذا الاستقدام بمثابة الإقامة الجبرية تتبعه عملية أكبر وهي التصفية الجسدية .
ب - اغتيال الإمام الجواد ( عليه السّلام ) :
كان وجود الإمام الجواد ( عليه السّلام ) يمثل خطرا على النظام الحاكم لما كان يملكه هذا الإمام من دور فاعل وقيادي للأمة ، لذلك قررت السلطة أن تتخلّص منه مع عدم استبعادها وجود العلاقة بين الإمام القائد والتحركات النهضوية في الأمة .
فقد روى المؤرخون عن زرقان صاحب ابن أبي دؤاد قاضي المعتصم قوله : « رجع ابن أبي دؤاد ذات يوم من عند المعتصم وهو مغتمّ فقلت له في ذلك ، فقال وددت اليوم اني قدمت منذ عشرين سنة ، قال قلت له : ولم ذاك ؟
قال : لما كان من هذا الأسود أبي جعفر محمد بن علي بن موسى اليوم بين يدي أمير المؤمنين ، قال : قلت له : وكيف كان ذلك ؟ قال : إن سارقا اقرّ على نفسه بالسرقة ، وسأل الخليفة تطهيره بإقامة الحدّ عليه ، فجمع لذلك الفقهاء في مجلسه وقد أحضر محمد بن علي فسألناه عن القطع في اي موضع يجب أن يقطع ؟ قال :
فقلت : من الكرسوع .
قال : وما الحجة في ذلك ؟ قال : قلت : لأن اليد هي الأصابع والكفّ إلى الكرسوع[4] ، لقول اللّه في التيمم فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ[5] واتفق معي ذلك قوم .
وقال آخرون : بل يجب القطع من المرفق ، قال : وما الدليل على ذلك ؟
قالوا : لأن اللّه لمّا قال : وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ في الغسل دلّ ذلك على أن حدّ اليد هو المرفق .
قال : فالتفت إلى محمد بن علي ( عليه السّلام ) فقال : ما تقول في هذا يا أبا جعفر ؟
فقال : قد تكلم القوم فيه يا أمير المؤمنين ، قال : دعني ممّا تكلموا به ! اي شيء عندك ؟ قال : اعفني عن هذا يا أمير المؤمنين ، قال : أقسمت عليك باللّه لمّا أخبرت بما عندك فيه .
فقال : أمّا إذا أقسمت عليّ باللّه اني أقول انهم أخطأوا فيه السنّة ، فإن القطع يجب ان يكون من مفصل أصول الأصابع ، فيترك الكفّ ، قال : وما الحجة في ذلك ؟ قال : قول رسول اللّه : السجود على سبعة أعضاء : الوجه واليدين والركبتين والرجلين ، فإذا قطعت يده من الكرسوع أو المرفق لم يبق له يد يسجد عليها وقال اللّه تبارك وتعالى : وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ[6] « 1 » يعني بهذه الأعضاء السبعة التي يسجد عليها فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً وما كان للّه لم يقطع .
قال : فأعجب المعتصم ذلك وأمر بقطع يد السارق من مفصل الأصابع دون الكفّ .
قال ابن أبي دؤاد : قامت قيامتي وتمنّيت أني لم أك حيّا .
قال زرقان : قال ابن أبي دؤاد : صرت إلى المعتصم بعد ثالثة ، فقلت : ان نصيحة أمير المؤمنين عليّ واجبة وانا أكلّمه بما أعلم أني ادخل به النار ، قال : وما هو ؟ قلت : إذا جمع أمير المؤمنين في مجلسه فقهاء رعيته وعلماءهم لأمر واقع من أمور الدين ، فسألهم عن الحكم فيه فأخبروه بما عندهم من الحكم في ذلك ، وقد حضر مجلسه أهل بيته وقوّاده ووزراؤه وكتّابه ، وقد تسامع الناس بذلك من وراء بابه ، ثمّ يترك أقاويلهم كلهم لقول رجل شطر هذه الأمة بإمامته ، ويدّعون أنّه أولى منه بمقامه ثم يحكم بحكمه دون حكم الفقهاء ؟
قال : فتغير لونه وانتبه لما نبّهته له ، وقال : جزاك اللّه عن نصيحتك خيرا .
قال : فأمر اليوم الرابع فلانا من وزرائه بأن يدعوه [ اي الجواد ( عليه السّلام ) ] إلى منزله فدعاه فأبى ان يجيبه وقال ( عليه السّلام ) : قد علمت اني لا أحضر مجالسكم ، فقال : إني انما أدعوك إلى الطعام واحبّ ان تطأ ثيابي ، وتدخل منزلي فأتبرّك بذلك ، فقد احبّ فلان بن فلان من وزراء الخليفة لقاءك ، فصار اليه ، فلمّا طعم منها أحس السمّ فدعا بدابّته فسأله رب المنزل ان يقيم . قال ( عليه السّلام ) : خروجي من دارك خير لك ، فلم يزل يومه ذلك وليله في خلفة حتى قبض ( عليه السّلام ) »[7].
لقد كان الإمام الجواد ( عليه السّلام ) يتوقع استشهاده بعد هذا الاستدعاء فقد روي عن إسماعيل بن مهران قوله : « لمّا اخرج أبو جعفر ( عليه السّلام ) من المدينة إلى بغداد في الدفعة الأولى من خرجتيه قلت له عند خروجه : جعلت فداك ، إني أخاف عليك من هذا الوجه ، فإلى من الأمر بعدك ؟ قال : فكرّ بوجهه اليّ ضاحكا وقال : ليس حيث ظننت في هذه السنة .
فلمّا استدعي به إلى المعتصم صرت اليه فقلت له : جعلت فداك ، أنت خارج ، فإلى من هذا الأمر من بعدك ؟ فبكى حتى اخضلّت لحيته ثم التفت اليّ فقال : عند هذه يخاف عليّ ، الأمر من بعدي إلى ابني علي »[8].
لقد درس المعتصم أكثر السبل التي يستطيع بها ان يصفي الإمام ، فاعلية وأقلها ضررا ، فلم يجد أفضل من أم الفضل بنت أخيه المأمون للقيام بهذه المهمّة فهي التي تستطيع ان تقتله بصورة أكيدة دون ان تثير ضجة في الأمة ، مستغلا نقطتين في شخصيتها ، هما :
1 - كونها تنتمي للخط الحاكم انتماء حقيقيا ، فهي بنت المأمون وعمّها المعتصم ، وليست بالمستوى الايماني الذي يجعلها تنفك عن انتمائها النسبي هذا ، لذلك كانت تخضع لتأثيراته وتنفذ ما يريده ضد الإمام .
2 - غيرتها وحقدها على الإمام بسبب تسريه وتزوّجه من نساء أخريات خصوصا وانها لم تلد للامام وإنما رزق الإمام من غيرها ولده الهادي ( عليه السّلام ) .
ولقد كان أمر غيرتها شائعا بين الناس لذلك قال المؤرخون : « وقد روى الناس ان أم الفضل كتبت إلى أبيها من المدينة تشكو أبا جعفر وتقول : انه يتسرى علي ويغيرني . فكتب إليها المأمون : يا بنيّة انا لم نزوجك أبا جعفر لنحرّم عليه حلالا ، فلا تعاودي لذكر ما ذكرت بعدها »[9].
ولم تخل هذه الفترة من الاعتداءات الظاهرية على الإمام ( عليه السّلام ) من أذناب السلطة ، ومن ذلك ما فعله عمر بن فرج الرخجي الرجل المعادي لأهل البيت ( عليهم السّلام ) والعامل عند السلطة العباسية . فمثلا روى المؤرخون عن محمد بن سنان قوله : دخلت على أبي الحسن الهادي ( عليه السّلام ) فقال : يا محمد حدث بآل فرج حدث ؟ فقلت : مات عمر . فقال : الحمد للّه على ذلك ، أحصيت أربعا وعشرين مرة ، ثم قال : أو لا تدري ما قال - لعنه اللّه - لمحمد بن علي أبي ؟ قال : قلت : لا ، قال : خاطبه في شيء ، فقال : أظنّك سكران ، فقال أبي : اللهمّ إن كنت تعلم أني أمسيت لك صائما فأذقه طعم الحرب وذلّ الأسر . فو اللّه إن ذهبت الأيام حتى حرب ماله ، وما كان له ، ثم اخذ أسيرا فهو ذا مات »[10].
[1] مجلة دراسات وبحوث : ص 94 .
[2] راجع الكامل لابن الأثير : 5 / 232 - 265 : ثورة الطالقان بقيادة محمد بن القاسم العلوي ، وثورة الزط في البصرة ، وثورة بابك الخرمي ، وتحرك الروم إلى زبطرة وغيرها من بلاد الاسلام ، وثورة المبرقع في فلسطين وغيرها .
[3] كشف الغمة : 2 / 361 .
[4] الكرسوع : كعصفور : طرف الزند الذي يلي الخنصر الناتئ عند الرسغ .
[5] المائدة ( 5 ) : 5 .
[6] الجن ( 72 ) : 18 .
[7] بحار الأنوار : 50 / 5 - 7 .
[8] الارشاد : 2 / 298 .
[9] كشف الغمة : 2 / 358 .
[10] بحار الأنوار : 50 / 62 - 63 .
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|