أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-10-23
166
التاريخ: 2024-10-19
422
التاريخ: 2023-09-26
1201
التاريخ: 2023-07-17
939
|
يكمن الكمال الحقيقي للإنسان من وجهة نظر القرآن الكريم، في الجمع السالم بين الحُسن الفاعلي والحُسن الفعلي؛ أي الروح المعتقدة والمتخلّقة بالأخلاق، والبدن المشتغل بالامتثال. ويُعبر عن هذا الجمع السالم أحياناً بـ : "الإيمان والعمل الصالح" الذي يبين في العديد من الآيات بصورة الشرط اللازم للخلاص من مرارة عقاب المعاد وتذوّق حُلو ثوابه، وأحياناً أخرى يجري الحديث - بعد ذكر الإيمان - عن الصلاة والزكاة كأبرز نموذجين للعمل الصالح.
والمطروح في الآية محطّ البحث هو من هذا السنخ، حيث إنّه بعد الترغيب بالحسن الفاعلي؛ الذي يتمثل في الإيمان بالمعارف الإلهية والمآثر السماوية، يأتي التشويق إلى الحسن الفعلي؛ المتمثل بتوطيد الرابطة العملية مع الله جل وعلا (الصلاة) وتوثيق الارتباط الاقتصادي ضعيفي الحال والمحتاجين (الزكاة)، والمحافظة على وحدة الأمة الإسلامية وعظمتها من خلال صلاة الجماعة وأمثالها.
ومن بين الأعمال العبادية المختلفة تمتاز الصلاة بخصوصية معينة بحيث يُعبّر عنها النبي الكريم (صلى الله عليه واله وسلم) وأمير المؤمنين (عليه السلام) بـ "عمود الدين" (1).
ويُستنبط من هذا التعبير النبوي والعلوي أن الصلاة، وفقاً لثقافة الوحي الإلهيّ، هي عمود الدين، ولما كان كلام الله عز وجل منسجماً ومتناسقاً من أوله إلى آخره، وقد عبّر عن صيانة عمود الدين والمحافظة عليه وصحته وسلامته ب "الإقامة"، فإن أغلب آيات القرآن نزلت في قالب الإقامة لا في صورة التلاوة والقراءة؛ وذلك لأن العمود غير قابل للتلاوة والقراءة بل هو مما يُقام؛ فالذي يكتفي بتلاوة الصلاة فهو - في الواقع - يقرأ وصفة بناء العمود، لا أنّه يقيم ذلك العمود؛ وقال الرسول الأكرم (صلى الله عليه واله وسلم) أيضاً: "من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يزدَد من الله إلا بعداً"(2).
فالصلاة، التي تكون عمود الدين والتي تُقام ولا تكون مجرد ألفاظ تتلى، هي التي تستطيع إطفاء نار الذنوب؛ فهناك مَلَك ينادي من قبل الله عندما يحضر وقت كل صلاة أيّها الناس قوموا إلى نيرانكم التي أوقدتموها على ظهوركم فأطفئوها بصلاتكم"(3).
فحيث إن الصلاة هي كوثر ونبع يتفجر في مدخل منزل المصلي فهو يغتسل منه خمس مرات في اليوم والليلة، فإما أنه لا يتدنس بالذنوب أو أنه إذا تدنّس فإنّه يتطهر منها بسرعة (4).
للصلاة من ناحية سهم وافر في حراسة العقيدة الحقة، ومن ناحية أخرى لها دور كبير في نزاهة المصلي من السلوك القبيح؛ فإنّ وجودها هي علامة الفلاح من جهة، وفقدانها هو علامة الطلاح من جهة أخرى. ففيما يتعلق بالفلاح هناك آيات جمة في القرآن الكريم لا حاجة إلى ذكرها، أما بخصوص الطلاح فإن الآية {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ} [مريم: 59] شاهد ناطق على ذلك؛ أي إن أهم عامل لهبوط الجيل العاق والخاطئ يكمن في إضاعة الصلاة.
إن التعبير بـ {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ} [البقرة: 43] بدلاً عن "صلوا" قد يكون فيه إشارة إلى إقامة وإحياء الصلاة في المجتمع والإتيان بحق الصلاة عن طريق التقيد بشروطها الظاهرية والباطنية لاسيما حضور القلب وخشوعه مما يمثل روح الصلاة.
يقول الراغب الأصفهاني متنبها إلى هذه المسألة:
وقال: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ} [المائدة: 68] أي توفون حقوقهما بالعلم والعمل بهما، وكذلك قوله: {وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ} [المائدة: 66] ولم يأمر تعالى بالصلاة حيثما أمر ، ولا مدح بها حيثما مدح إلا بلفظ الإقامة، تنبيهاً أن المقصود منها توفية شرائطها، لا الإتيان بهيئاتها، نحو: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ} [النساء: 77] في غير موضع {وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ} [النساء: 162] ... {رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ} [إبراهيم: 40] ... {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ} [التوبة: 5] ... وقوله: {وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى} [النساء: 142] فإن هذا [الذي هو في مقام الذم] من "القيام" لا من "الإقامة" (5).
أي إن المنافقين ومرضى القلوب هم يقومون إلى الصلاة، لا أنهم يريدون إقامتها، ولما كان قيامهم عن كسل ومشقة، فإنهم مسلوبو القدرة على القيام والوقوف أصلاً فكيف يمكن أن يرغبوا بأن يكونوا عاملاً لقيام الصلاة أو أن يقدروا على ذلك؟!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) نهج الفصاحة، ج2، ص571، ونهج البلاغة، الرسالة 47، المقطع 5.
(2) نهج الفصاحة، ج۲، ص572.
(3) من لا يحضره الفقيه، ج۱، ص۲۰۸.
(4) نهج البلاغة، الخطبة ۱۹۹، المقطع ۲-۳، عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه واله وسلم) "... وشبهها رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) بالحَمَّة تكون على باب الرجل فهو يغتسل منها في اليوم والليلة خمس مرات فما عسى أن يبقى عليه من الدرن".
(5) راجع المفردات في غريب القرآن، ص 693، "ق و م".
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|