أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-07-16
2339
التاريخ: 2024-05-06
758
التاريخ: 16-7-2022
1974
التاريخ: 27-3-2022
2525
|
أشعار لبعض أدباء الأندلس
وقال الوزير الكاتب أبو الحسن علي بن حصن وزير المعتضد بن عباد(1):
علي أن أتدلل له وأن يتدلـل
خد كـان الثريا عليه قرط مسلسل
وقال :
طل على خده العذار فافتضح الآس والبهـار
وابيض هذا واسود هذا فاجتمع الليل والنهار
وقال الوزير أبو الوليد ابن طريف في المعتمد بعد خلعه:
يا آل عباد ألا عطفة فالدهر من بعدكم مظلم
من الذي يرجى لنيل العلا ومن إليه يفد المعدم
ما أنكر الدهر سوى أنه يجودكم في فعله يرغم
وله:
من حلقت لحية جار له فليسكب الماء على لحيته
وقد أجبرنا في هذا الكتاب ذكر جملة من أخبار المعتمد بن عباد ونظمه في أماكن متعددة فلتراجع؛ ومن نظمه(2):
ثلاثة منعتها عن زيارتنا خوف الرقيب وخوف الحاسد الحنق
٤٢٩
ضوء الجبين، ووسواس الحلي، وما تحوي معاطفها من عنبر عبق
هب الجبين بفضل الكم تستره والحلي تنزعه ، ما حيلة العرق؟
وقال(3):
يوم يقول الرسول قد أذنت فأت على غير رقبة ولج
أقبلت أهوي إلى رحالهم أهدى إليها بريحها الأرج
قالوا: ويستدل على الملوكية بالطيب في المواطن التي يكون الناس فيها غير - معروفين كالحمام ومعارك الحرب ومواسم الحج.
رجع إلى ما كنا فيه(4):
وقال أبو العباس أحمد الخزرجي(5) القرطبي:
وفي الوجنات ما في الروض لكن لرونق زهرها معنى عجيب
وأعجب ما التعجب منه أني أرى البستان يحمله ...
وقال الوزير أبو [ أيوب ] سليمان بن أبي أمية(6) يخاطب رئيساً قد بلغه عن بعض أصحابه كلام فيه غض منه:
هون عليك كلامه واسمح له فيمن سمح
ماذا يسوءك إن هجا ماذا يسرك إن مدح
أوما علمت بلى جهلت بأنه غل طفح
وخفي حقد كامن دأبوا له حتى اتضح
٤٣٠
هذا بمستن الوقار فكيف لو دار القدح
فاشكر عوارف ذي الجلال بما وفى وبما منح
وقال أبو علي عمر بن أبي خالد يخاطب أبا الحسن علي بن الفضل :
أبا حسن وما قدمت عهود لنا بين المنارة والجزيرة
أتذكر أنسنا والليل داج بخمر في زجاجتها منيره
إذا الملاح ضل رنا إليها فأبصر في مناحيه مسيره
وقال الكاتب عبد الله المهيريس(7)، وكان حلو النادرة ، لما شرب عند الوزير أبي العلاء جامع وقد نظر إلى فاختة فأعجبه حسنها ولحنها :
ألا خذها إليك أبا العلاء حلى الأمداح ترفل في الثناء
وهبها قينة تجلى عروساً خضيب الكف قانية الرداء
لأجعلها محل جليس أنسي وأغنى بالهديل عن الغناء
وحكي أنه ناوله ليمونة وأمره بالقول فيها فقال:
أهدى إلي بروضة ليمونة وأشار بالتشبيه فعل السيد
نصمت حينا ثم قلت: كجلجل من فضة تعلوه صفرة عسجد
وقال الكاتب أبو بكر ابن البناء يرثي أحد بني عبد المؤمن ، وقد عزل من بلنسية وولي إشبيلية فمات بها(8):
كأنك من جنس الكواكب كنت لم تفارق طلوعـا حالهـا وتواريا
٤٣١
تجليت من شرق تروق تلألؤاً فلما انتحيت الغرب أصبحت هاويا
وكان محمد بن مروان بن زهر ـ كما في المغرب والمسهب والمطرب ، وقد قدمنا بعض أخباره – منشأ الدولة العبادية وأول من تثنى عليه الخناصر ، وتستحسنه البواصر ، فضاقت الدولة العبادية عن مكانه ، وأخرج عن بلده ، فاستصفيت أمواله ، فلحق بشرق الأندلس ، وأقام فيه بقية عمره ، ونشأ ابنه(9) الوزير أبو مروان عبد الملك بن محمد ، فما بلغ أشده حتى سد مسده ، ومال إلى التفنن في أنواع التعاليم من الطب وغيره ، ورحل إلى المشرق لأداء الفرض ، فملأ البلاد جلالة ، ونشأ ابنه أبو العلاء زهير بن عبد الملك ، فاخترع فضلا لم يكن في الحساب ، وشرع قبلا ً قصرت عنه نتائج أولي الألباب ، ونشأ بشرق الأندلس والآفاق تتهادى عجائبه ، والشام والعراق تتدارس بدائعه وغرائبه ، ومال إلى علم الأبدان فلولا جلالة قدره ، لقلنا جاذب هاروت طرفاً من سحره ، ولولا أن الغلو آفة المديح ، لتجاوزت طلق الجموح، ولكنني اكتفيت بالكناية عن التصريح(10)، ولم يزل مقيماً بشرق الأندلس إلى أن كان من غزاة أمير المسلمين يوسف بن تاشفين ومن انضم إليه من ملوك الطوائف ما علم، وشخص أبو العلاء معهم ، فلقيه المعتمد بن عباد ، واستماله واستهواه ، وكاد يغلب على هواه ، وصرف عليه أملاكه نحن إلى وطنه ، حنين النيب إلى عطنه ، والكريم إلى سكنه ، ونزع إلى مقر سلفه ، نزوع الكوكب إلى بيت شرفه ، إلا أنه لم يستقر بإشبيلية إلا بعد خلع المعتمد ، وحل عند يوسف بن تاشفين ملا لم يحله الماء من العطشان ، ولا الروح من جسد الجبان ، ولما كتب إليه حسام الدولة ابن رزين ملك السهلة بقوله:
عاد اللئيم فأنت من أعدائه ودع الحسود بغله وبذائه
٤٣٢
لا كان إلا من غدت أعداؤه مشغولة أفواههم يجفائه
أأبا العلاء لئن حسدت لطالما حسد الكريم بجوده ووفائه
تخبر العلاء فكنت من آبائه وزها السناء فكنت من أبنائه
كن كيف شئت مشاهداً أو غائباً لا كان قلب لست في سودائه
أجابه بقوله :
يا صارما حسم العدا بمضائه وتعبد الأحرار حسن وفائه
ما أثر العضب الحسام بذاته إلا بأن سميت من أسمائه
وكلفه الحسام المذكور القول في غلام قائم على رأسه ، وقد عذر ، فقال(11):
محيت آية النهار فأضحى بدر ثم وكان شمس نهار
كان يعشي العيون ناراً إلى أن أشغل الله خده بالعذار
وقال:
عذار الم فأبدى لنا بدائع كنا لها في عمى
ولو لم يجن النهار الظلام لم يستبين كوكب في السما
وقال :
يا راشقي بسهام ما لها غرض إلا الفؤاد وما منه له عوض
وممرضي بجفون لحظها غنج صحت وفي طبعها التمريض والمرض
امنن ولو بخيال منك يؤنسني فقد يسد مسد الجوهر العرض
وهذا معنى في غاية الحسن .
وكان بينه وبين الإمام أبي بكر ابن باجة – بسبب المشاركة - ما يكون
٤٣٣
بين النار والماء، والأرض والسماء ، ولما قال فيه ابن باجة:
يا ملك الموت وابن زهر جاوزتما الحد والنهاية
ترفقا بالورى قليلا في واحد منكما الكفاية
قال أبو العلاء :
لا بد للزنديق أن يصلبا شاء الذي يعضده أو أبى
قد مهد الجذع له نفسه وسدد الرمح إليه الشبا
والذي يعضده مالك بن وهيب جليس أمير المسلمين وعالمه.
وأما حفيده أبو بكر محمد بن عبد الملك بن زهر فهو وزير إشبيلية وعظيمها وطبيبها وكريمها ، ومن شعره:
رمت كبدي أخت السماء فأقصدت ألا بأبي رام يصيب ولا يخطي
قريبة ما بين الخلاخيل إن مشت بعيدة ما بين القلادة والقرط
نعمت بها حتى أتيحت لنا النوى كذا شيم الأيام تأخذ ما تعطي
وتوفي سنة خمس وتسعين وخمسمائة، وأمر أن يكتب على قبره:
تأمل بفضلك يا واقفاً ولاحظ مكاناً دفعنا إليه
تراب الضريح على صفحتي كأني لم أمش يوما عليه
أداوي الأنام حذار المنون فها أنا قد صرت رهنا لديه
رحمه الله تعالى، وعفا عنه.
وفي هذه الأبيات إشارة إلى طبته ومعالجته للناس، رحمه الله تعالى، وقد ذكرنا بعض أخباره في غير هذا الموضع.
٤٣٤
وقال أبو الوليد ابن حزم(12):
مرآك مرآك لا شمس ولا قمر وورد خديك لا ورد ولا زهر
في ذمة الله قلب أنت ساكنه إن بنت بان فلا عين ولا أثر
وقال(13):
الله أيام على وادي القرى ستلتفت لنا والدهر ذو ألوان
إذ تجتني في ظله ثمر المنى والطير ساجعة على الأغصان
والشمس تنظر من محاجر أرمد والطل يركض في النسيم الواني
فلثمت فاه والتزمت عناقه ويد الوصال على قفا الهجران
وقال ابن عبد ربه (14):
يا قابض الكف لا زالت مقبضة فما أناملهـا للنـاس أرزاق
وغيب إذا شئت حتى لا ترى أبدأ فما لفقدك في الأحشاء إقلاق
وقال في المدح:
وما خلقت كفاك إلا لأربع عقائل لم تخلق لهن بدان
لتقبيل أفواه ، وإعطاء نائل وتقليب هندي ، وحبس – عنان
وقال الكاتب أبو عبد الله ابن مصادق(15) الرندي الأصل:
صارمته إذ رأت عارضه عاد من بعد الشباب أشيبا
٤٣٥
قلت ما ضرك شيب فلقد بقيت فيه فكاهات الصبا
هو كالعنبر غـال نفحه وشذاه أخضراً أو أشهبا
وقال :
ووردة وردت في غير موقتها والسحب قد هملت أجفانها هطلا
وإنما الروض لما لم يفد ثمراً يقتريكه انفتحت في خده خجلا
وله:
لم أحتفل لقدوم العيد من زمن قد كان يبهجني إذ كنت في وطني
لم ألق أهلي ولا إلقي (16) ولا ولدي فليت شعري مروري واقع بمن
وقال :
يقول لي العاذل تب عن هوى من ليس يدنيك إلى مطلب
وكيف لي والدين دين الهوى فلا أرى أرجح من مذهبي
أليس باب التوب قد سده طلوع شمسا من المغرب(17)
وله :
امنع كرائمك الخروج ولا تظهر لذلك وجه منبسط
لا تعتبر منهن مسخطة نيل الرضى في ذلك السخط
أولسن مثل الدر في شبه(18) والدر من صدف إلى سقط
٤٣٦
وقال المعتمد بن عباد(19) :
تم له الحسن بالعذار واختلط الليل بالنهار
أخضر في أبيض تبدى فذاك آسي وذا بهاري
فقد حوى مجلسي تماما إن يتك من ريقه عقاري
وقال فرج الحياني رحمه الله تعالى(20):
وطائعة الوصال صددت عنها وما الشيطان فيها بالمطاع
بدت في الليل سافرة فباتت دياجي الليل سافرة القناع
وما من لحظة إلا وفيها إلى فتن القلوب لها دواعي
فملكت الهوى جمحات أمري لأجري في العفاف على طباعي
كذاك الروض ما فيه لمثلي سوى نظر وشم من متاع
ولست من السوائم مهملات فأتخذ الرياض من المراعي
وقال(21):
بأيهما أنا في الشكر بادي بشكر الطيف أم شكر(22) الرقاد
سرى فازداد لي أملي ولكن عففت فلم أتل منه مرادي
وما في النوم من حرج ولكن جريت مع العفاف على اعتيادي
وقال الرصافي(23):
وعشي أنس للسرور وقد بدا من دون قرص الشمس ما يتوقع
٤٣٧
سقطت فلم يملك نديمك(24) ردها فوددت يا موسى لو انك يوشع
وقال ابن عبد ربه(25):
يراعة غرني منها وميض سنا حتى مددت إليها الكف مقتبسا
فصادفت حجرا لو كنت تضربه من لؤمه بعصا موسى لما انبجا
كأنما صيغ من لؤم ومن كذب فكان ذاك له روحاً وذا نفسا
وقال ابن صارة في فروة(26):
أودت بذات يدي فرينة أرنب كفؤاد عروة في الفتى والرقة
يتجشم القراء من ترقبعها بعد المشقة في قريب الشقة
لو أن ما أنفقت في ترقيعها يحصى لزاد على رمال الرقة
ان قلت بسم الله عند لبساها قرأت علي {إذا السماء انشقت}
وقال الغزال (27):
والمرء يعجب من صغيرة غيره أي امرئ إلا وفيه مقال
لسنا نرى من ليس فيه غميزة أي الرجال القائل الفعال(28)
وقال أبو حيان :
لا ترجون دوام الخير من أحد فالشر طبع وفيه الخير بالعرض
ولا تظن امرءا أسدى إليك ندى من أجل ذاتك بل أسداه للغرض
٤٣٨
وقال ابن شهيد(29):
ولما فشا بالدمع ما بين وجدنا إلى كاشحينا ما القلوب كواتم
أمرنا بإمساك الدموع جفوننا ليشجى بما نطوي عذول ولائم
أبى دمعنا يجري مخافة شامت فنظمه بين المحاجر ناظم
وراق الهوى منا عيونا كريمة تبسمن حتى ما تروق المباسم
وقال في الانتحال(30):
وبلغت أقواما تجيش صدورهم علي وإني فيهم فارغ الصدر
أصاخوا إلى قولي فأسمعت معجزاً وغاصوا على سري فأعجزهم أمري
فقال فريق: ليس ذا الشعر شعره وقال فريق أيمن الله ما ندري
فمن شاء فليخبر فإني حاضر ولا شيء أجلى للشكوك من الخبر
وينظر إلى مثل هذا قصة أبي بكر ابن بقي(31) حين استهدى من بعض إخوانه أقلاماً فبعث إليه بثلاث من القصب، وكتب معها:
خذها إليك أبا بكر العلا قصبا كأنما صاغها الصواغ من ورقه
يزهى بها الطرس حسنا ما نثرت بها مسلك المداد على الكافور من ورقيه
فأجابه أبو بكر :
أرسلت نحوي ثلاثا من قنا سلب ميادة تطعن القرطاس في درقه(32)
فالخط ينكرها والحظ يعرفها والرق يخدمها بالرق في عنقه
٤٣٩
فحسده عليه بعض من سمعه ، ونسبه إلى الانتحال ، فقال أبو بكر يخاطب صاحبه الأول:
وجاهل نسب الدعوى إلى كلمي لما رماه بمثل النبل في حدقه
فقلت من حنق لما تتعرض لي من ذا الذي أخرج اليربوع من نفقه
ما ذم شعري وأيم الله لي قسم إلا امرؤ ليست الأشعار من طرقه
والشعر يشهد أني من كواكبه بل الصباح الذي يستن من أفقه
وقال ابن شهيد أيضا في ضيف(33):
وما انفك معشوق الثناء يمده(32) ببشر وترحيب وبسط بنان
إلى أن تشهى البين من ذات نفسه وحن إلى الأهلين حنة حاني
فأتبعته ما سد خلة حاله وأتبعني ذكراً بكل مكان
وقال(33):
وبتنا نراعي الليل لم يطو برده ولم يجل شيب الصبح في فوده وخطا
تراه كملك الزنج من فرط كبره إذا رام مشيا في تبختره أبطا
مطلا على الآفاق والبدر تاجه وقد جعل الجوزاء في أذنه قرطا
وقال بعضهم في لباس أهل الأندلس البياض" في الحزن ، مع أن أهل المشرق يلبسون فيه السواد(34):
ألا يا أهل أندلس فطنتهم بلطفكم إلى أمر عجيب
٤٤٠
لبستم في مأتمكـم بياضا فجئتم منه في زي غريب
صدقتم فالبياض لباس حزن ولا حزن أشد من المشيب
وقال أبو جعفر ابن خاتمة :
هل جسوم يوم النوى ودعوها باقيات لسوء ما أودعوها
يا حداة القلوب ما العدل هذا أتبعوها أجسامها أو دعوها
وقال القسطلي يصف هول البحر(35):
إليك ركبنا الفلك تهوي كأنها وقد ذعرت عن مغرب الشمس غربان
على لجج خضر إذا هبت الصبا ترامى بها فينا ثبير وثهلان
ترعى في ذراها موائلاً كما عبدت في الجاهلية أوثان
يقتلن وموج(36) البحر والهم والدجى يموج بها فيها عيون وآذان
ألا هل إلى الدنيا معاد وهل لنا سوى البحر قبر أو سوى الماء أكفان
وقال الرمادي يهنئ ابن العطار الفقيه بمولود:
يهنيك ما زادت الأيام في عددك من فلذة برزت للسعد من كبدك
كأنما الدهر دهر كان مكتئباً من انفرادك حتى زاد في عددك
لا خلفتك الليالي تحت ظل ردى حتى ترى ولداً قد شب من ولدك
وقال ابن صارة في النار:
هات التي للأيك أصل ولادها ولها جبين الشمس في الأشماس
ينقشع الياقوت في لباتها بوساوس تشفي من الوسواس
٤٤١
أنس الوحيد وصبح عين المجتلي ولباس من أمسى بغير لباس
حمراء ترفل في السواد كأنما ضربت بعرق في بني العباس
وقال فيها أيضا(37):
لابنة الزند في الكوانين جمر كالدراري في الليلة(38) الظلماء
خبروني عنها ولا تكذبوني ألديهـا صناعة الكيمياء
سبكت فحمها سبائك(39) تبر رصعته بالفضـة البيضـاء
كلما ولول النسيم عليها رقصت في غلالة حمراء
سفرت عن جبينها(40) فأرتنا حاجب الليل بالعشاء
لو ترانا من حولها قلت قوم يتعاطون أكؤس الصهباء
وقال فيها الفقيه الأديب(41) ابن لبال:
فحم ذكا في حشاه جمر فقلت مسك وجلنـار
أو خد من قد هويت لما أطـل من فوقه العـذار
وكان أبو المطرف الزهري جالسا في باب داره مع زائر له ، فخرجت عليهما من زقاق ثان جارية سافرة الوجه كالشمس الطالعة فحين نظرتهما على غفلة منها نفرت خجلة ، فرأى الزائر ما أبهته فكلفه وصفها . فقال مرتجلا :
٤٤٢
يا ظبية نفرت والقلب مسكنها خوفاً لختلي بل عمداً لتعذيبي
لا تختشي فابن عبد الحق أنحلنا عدلا يؤلف بين الظبي والذيب
وقال ابن شهيد(42):
أصباح لاح أم بدر بدا أم سنا المحبوب أورى زندا
هب من نعسته منكسرا مسبل للكم مرخ للردا
يمسح النعسة من عيني رشا صائد في كل يوم أسدا
قلت هب لي يا حبيبي قبلة تشف من همك(43) تبريح الصدى
فانثنى بهتر مـن منكبه قائلا لا ثم أعطاني اليدا
كلما كلمني قبلته فهو ما قال كلاما رددا
قال لي يلعب صد لي طائراً فتراني الدهر أجري بالكدى
وإذا استنجزت يوما وعده قال لي يمطل ذكرني غدا
شربت أغصانه(44) خمر الصبا وسقاه الحسن حتى عربدا
رشا بل غادة ممكورة عممت صبحاً بليل أسودا
أححت(45) من عضة في نهدها ثم عضت حر وجهي عمدا
فأنا المجروح من عضتها لا شفاني الله منها ابدا
وقال محمد بن هانئ في الشيب(46):
بينتم فلولا أن أغبر لمتي عبثا وألقاكم علي غضابا
٤٤٣
لخضبت شيبا في مفارق لمتي(47) ومحوت محو النفس عنه شبابا
وخضبت مبيض(48) الحداد عليكم لو أني أجد البياض خضابا
وإذا أردت على المشيب وفادة فاجعل مطبك دونه الأحقابا
فلتأخذن من الزمان حمامة ولتدفعن إلى الزمان غرابا
وكتب ابن عمار إلى ابن رزين وقد عتب عليه أن اجتاز ببلده ولم يلقه(49):
لم تثن عنك عناني سلوة خطرت ولا فؤادي ولا سمعي ولا بصري
لكن عدتني عنكم خجلة خطرت كفاني العذر منها بيت معتذر
لو اختصرتم من الإحسان زرتكم والعذب يهجر للإفراط في الخصر
وقال ابن الحد(50):
وإني لصب للتلاقي وإنما يصد ركابي عن معاهدك العسر
أذوب حياء من زيارة صاحب إذا لم يساعدني على بيره الوفر
وقال ابن عبد ربه(51):
يا من عليه حجاب من جلالته وإن بدا لك يوما غير محجوب
ما أنت وحدك مكسوا ثياب ضنى بل كلنا بك من مضنى ومشحوب
ألقى عليك يداً للضر كاشفة كشاف ضر نبي الله أيوب
٤٤٤
وقال التحلي في مغنية :
ولاعبة الوشاح كغصن(52) بان لها أثر بتقطيع القلوب
إذا سوت طريق العود نقراً وغنت في محب أو حبيب
فيمناها تقد بها فؤادي ويسراها تعد بها ذنوبي
وقال ابن شهيد(53):
كلفت(54) بالحب حتى لو دنا أجلي لما وجدت لطعم الموت من ألم
وعاقني(55) كرمي عمن ولهت به ويلي من الحب أو ويلي من الكرم
وكان بشريش(56) صوفي حافظ للشعر ، فلا يعرض في مجلسه معنى إلا وهو ينشد عليه ، فاتفق أن عطس رجل بمجلسه ، فشمته ضرون فدعا لهم ، فرأى الصوفي أنه إن شمته قطع إنشاده بما لا يشاكله من النظم ، وإن لم يشمته كان تقصيراً في البر ، فرغب حين أصبح من الطلبة نظم هذا المعنى فقال الوزير الحسيب أبو عمرو ابن أبي محمد(57):
يا عاطسا يرحمك الله إذ أعلنت بالحمد على عطستك
ادع لنا ربك يغفر لنا وأخلص النية في دعوتك
وقل له يا سيدي رغبتي حضور هذا الجمع في حضرتك
وأنت يا رب الندى والنوى بارك رب الناس في ليلتك
فإن يكن منكم لنا عودة فأنت محمود على عودتك
٤٤٥
وهذا الوزير المذكور كان يصرف شعره في أوصاف الغزلان ومخاطبات الإخوان ، وكتب إلى الشريشي - شارح المقامات(58)- يستدعي منه كتاب العقد:
أيا من غدا سلكا لحيد معارفه ومن لفظه زهر أنيق لقاطفه
محبك أضحى عاطل الجيد فلتجد بعقد على لباته وسوالفه
ووعك في بعض الأعياد فعاده من أعيان الطلبة جملة ، فلما هموا بالانصراف أنشدهم ارتجالا:
لله در أفاضـل(59) أمجـاد شرف الندي بقصدهم والنادي
لما أشاروا بالسلام وأزمعوا أنشدتهم وصدقت في الإنشاد
في العيد عند تثم وهو يوم عروبة يا فرحتي بثلاثة الأعيـاد
قال الشريشي في شرح المقامات ولقد زرته في مرضه الذي توفي فيه رحمه الله تعالى أنا وثلاثة فتيان من الطلبة ، فسألني عنهم وعن آبائهم ، فلما أرادوا الانصراف ناول أحدهم محبرة ، وقال له : اكتب ، وأملى عليه ارتجالا :
ثلاثـة فتيان يؤلف بينهـم ندي كريم لا أرى الله بينهم
تشابه خلق منهم وخليقة فإن قلت أين الحسن فأنظره أين هم
وزينتهم أستاذهم إذ غدا لهم معلم آيات فتمم زينهم
فإن خفت من عين ففي الكل فلتقل وفى الله رب الناس للكل عينهم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- الذخيرة : ٢ : ٦٣ ، 66.
٢- م : ومن نظم المعتمد ؛ والقمر في ديوانه : ٢٢ وفي الشريشي 1: 225 .
3- ديوان المعتمد : ۱۱۹ .
4- رجع ... فيه : سقطت من م .
5- الخزرجي : سقطت من ب.
6- ترجمته في المغرب 1 : ٢٤٣ والمطمح : ۲۸ والمساك 11 : ٤٢٤ .
7- سماء في المغرب " عبد الله بن عمر الإشبيل المهيرس وكنيته أبو محمد " ( 1 : ٢٤٨ ) وفي القدح : ابو عبد الله محمد عمر المعروف بالمهيدر ( ١٩٨ ) وشعره في المصدرين.
8- القدح: 119 والمغرب 1 : ٢٤٩.
9- راجع الذخيرة (۲:٩۱) وشعره مثبت هناك
10- أثبتنا هنا نص الذخيرة .
11- مرت القطعة والتي تليها ص : ٢٤٧.
12- ترجمته في المغرب 1 : ۲۳۹ والذخيرة ٢ : ۲۳۱ والمسالك 11 : ٤٣٤ .
13- الذخيرة (۲: ۲۳۸).
14- هاتان المقطوعتان الشريشي 1 : ١٨٤ .
15- دوزي مصادف.
16- ب : إلفي ولا أهلي.
17- هو كقول الصقلي:
ايأسني التوبة من حبه طلوعه شمسا من المغرب
18- م : سقط
19- ديوان المعتمد : ۱۷ .
20- مرت هذه الأبيات ص : 196 وانظر الشريشي 1 : ۲۱۱ والجذوة : 97
21- انظر الجذوة : 97 والمطمح : 80 واليتيمة ٢ : ۱۷ والشريشي 1 : ۲۱۱
22- ب: يطيب .
23- ديوان الرصافي: ١٠٥ .
24- م : نديمي .
25- العقد 1 : ۱۳۱ والشريشي 1 : ۱۲۷ .
26- أبيات ابن سارة في أخبار وتراجم : 10 والقلائد : ٢٦١ و الشريشي 1:125 .
27- في الأصول ودوزي: الغزالي
28- ب : القائل البطال .
29- الذخيرة 1/1 : ٢٧٦ وديوانه : ۱۳۹ والشريشي 1 : ٤٦ .
30- الذخيرة : ٢٦٢ و ديوانه : ٦٨ و الشريشي 1 : ٤٦.
31- الشريشي 1:47 .
32- ب م : منادة . . . في ورقه .
31- الذخيرة : ٢٦٧ وديوانه : 168 .
32- الديوان : الثواء عمده.
33- الذخيرة : ۲۳۷ و ديوانه : ۸۸ واليتيمة ٢ : ٤٣ و الشريشي 1 : ٦٣ .
34- الشريشي 1 : ٤٩.
35- ديوان ابن دراج : ۸۷ والذخيرة 1/1 : ٧٤ .
36- في الأصول : مقاتل موج .
37- القلائد:266 .
38- القلائد : كالدراري في دجى .
39- القلائد : صفائح.
40- القلائد : سفرت في عشائها
41- م : الأديب الفقيه ؛ ولعله أبو الحسن علي بن أحمد بن لبال الشريشي ( - 583) وله ترجمة في التحفة : ٧٤ والليل والتكملة 5 : 169 .
42- مرت هذه القصيدة من: 358.
43-الرواية المشهورة : من عمك ؛ وتصحف إلى "غمك ".
44- م : أعطافه ، وهو أجود.
45- هذه رواية الذخيرة، وفي م: أحجمت.
46- ديوان ابن هانئ: ۱۹۸ – ۱۹۹ والشريشي 1: ٢١٤.
46- الديوان : في عذاري كاذبا.
47- الديوان : مسود.
48- الذخيرة ( ٢ : ١٦٠ ) و الشريشي ١ : ٢٤٣ والبيت المضمن المعري.
49- الشريشي 1: 243 .
50- م : سيد
51- ابيات ابن عبد ربه في الشريشي 1 : 305
52- ق ب : بغصن.
53- ديوان ابن شهيد : ١٤٨
54- الديوان : ألمت
55- الديوان : وذادني.
56- الشريشي 1: ٣٤١.
57- الشريشي: ابن محمد .
58- م : صاحب كتاب شرح المقامات.
59- الشريشي : در عصابة
دلَّت كلمة (نقد) في المعجمات العربية على تمييز الدراهم وإخراج الزائف منها ، ولذلك شبه العرب الناقد بالصيرفي ؛ فكما يستطيع الصيرفي أن يميّز الدرهم الصحيح من الزائف كذلك يستطيع الناقد أن يميز النص الجيد من الرديء. وكان قدامة بن جعفر قد عرف النقد بأنه : ( علم تخليص جيد الشعر من رديئه ) . والنقد عند العرب صناعة وعلم لابد للناقد من التمكن من أدواته ؛ ولعل أول من أشار الى ذلك ابن سلَّام الجمحي عندما قال : (وللشعر صناعة يعرف أهل العلم بها كسائر أصناف العلم والصناعات ). وقد أوضح هذا المفهوم ابن رشيق القيرواني عندما قال : ( وقد يميّز الشعر من لا يقوله كالبزّاز يميز من الثياب ما لا ينسجه والصيرفي من الدنانير مالم يسبكه ولا ضَرَبه ) . |
جاء في معجمات العربية دلالات عدة لكلمة ( عروُض ) .منها الطريق في عرض الجبل ، والناقة التي لم تروَّض ، وحاجز في الخيمة يعترض بين منزل الرجال ومنزل النساء، وقد وردت معان غير ما ذكرت في لغة هذه الكلمة ومشتقاتها . وإن أقرب التفسيرات لمصطلح (العروض) ما اعتمد قول الخليل نفسه : ( والعرُوض عروض الشعر لأن الشعر يعرض عليه ويجمع أعاريض وهو فواصل الأنصاف والعروض تؤنث والتذكير جائز ) . وقد وضع الخليل بن أحمد الفراهيدي للبيت الشعري خمسة عشر بحراً هي : (الطويل ، والبسيط ، والكامل ، والمديد ، والمضارع ، والمجتث ، والهزج ، والرجز ، والرمل ، والوافر ، والمقتضب ، والمنسرح ، والسريع ، والخفيف ، والمتقارب) . وتدارك الأخفش فيما بعد بحر (المتدارك) لتتم بذلك ستة عشر بحراً . |
الحديث في السيّر والتراجم يتناول جانباً من الأدب العربي عامراً بالحياة، نابضاً بالقوة، وإن هذا اللون من الدراسة يصل أدبنا بتاريخ الحضارة العربية، وتيارات الفكر العربية والنفسية العربية، لأنه صورة للتجربة الصادقة الحية التي أخذنا نتلمس مظاهرها المختلفة في أدبنا عامة، وإننا من خلال تناول سيّر وتراجم الأدباء والشعراء والكتّاب نحاول أن ننفذ إلى جانب من تلك التجربة الحية، ونضع مفهوماً أوسع لمهمة الأدب؛ ذلك لأن الأشخاص الذين يصلوننا بأنفسهم وتجاربهم هم الذين ينيرون أمامنا الماضي والمستقبل. |
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
جمعية العميد تناقش التحضيرات النهائية لمؤتمر العميد الدولي السابع
|
|
|