المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية


Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
{افان مات او قتل انقلبتم على اعقابكم}
2024-11-24
العبرة من السابقين
2024-11-24
تدارك الذنوب
2024-11-24
الإصرار على الذنب
2024-11-24
معنى قوله تعالى زين للناس حب الشهوات من النساء
2024-11-24
مسألتان في طلب المغفرة من الله
2024-11-24



تراجم من المطمح  
  
1317   08:46 صباحاً   التاريخ: 2023-03-06
المؤلف : أحمد بن محمد المقري التلمساني
الكتاب أو المصدر : نفح الطِّيب من غصن الأندلس الرّطيب
الجزء والصفحة : مج3، ص:541-557
القسم : الأدب الــعربــي / الأدب / الشعر / العصر الاندلسي /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-08-08 394
التاريخ: 27-3-2022 2527
التاريخ: 2024-10-28 283
التاريخ: 2024-04-13 1095

تراجم من المطمح

1- وكتب الوزير أبو عبد الله ابن عبد العزيز(1) إلى المنصور صاحب بلنسية ، ويعرف بالمنصور الصغير قطعة أولها:

يا أحسن الناس آداباً وأخلاقا                       وأكرم الناس أغصاناً وأوراقا

ويا حيا الأرض لم نكبت عن سني                وسفت نحوي إرعاداً وإبراقا

ويا ستنا الشمس لم أظلمت في بصري           وقد وسعت بـلاد الله إشراقا

من أي باب سعت غير الزمان إلى                 رحيب صدرك حتى قيل قد ضاقا

قد كنت أحسبني في حسن رأيك لي              أني أخذت على الأيام ميثاقا

فالآن لم يبق لي بعد انحرافك ما                    آسى عليه وأبدي منه إشفاقا

فأجابه بهذه القطعة:

ما زلت أوليك إخلاصا وإشفاقا                  وأنثني عنك مهما غبت مشتاقا

وكان من أملي أن أقتنيك أخاً                        فأخفق الأمل المأمول إخفاقا

فقلت غرس من الإخوان أكلؤه                    حتى أرى منه إثماراً وإبراقا

فكان لما زهت أزهاره ودنت                       أثمارها حنظلا مرا لمن ذاقا

فلست أول إخـوان سقيتهم                        صفوي وأعلقتهم بالقلب إعلاقا

فما جزوني بإحساني ولا عرفوا                   قدري ولا حفظوا عهدا وميثاقا

والوزير المذكور قال في حقه في المطمح: إنه وزير المنصور بن عبد العزيز، ورب السبق في وده والتبريز، ومنقض الأمور ومبرمها، ومحمد الفتن ومضرمها ، اعتقل بالدهي ، واستقل" بالأمر والنهي ، على انتهاض بين الأكفاء، واعتراض المحو لرسومه والإعفاء ، فاستمر غير مراقب ، وأمر

 

٥٤١

ما شاء غير ممتثل للعواقب ، ينتضي عزائم تنتضى ، فإن ألمت من الأيام مظلمة أضا ، إلى أن أودى ، وغار منه الكوكب الأهدى ، فانتقل الأمر إلى ابنه أبي بكر ، فناهيك من أي عرف ونكثر ، فقد أربى على الدهاة وما صبا إلى الظبية ولا إلى المهاة ، واستقل" بالهول يقتحمه ، والأمر يسديه ويلحمه فأي ندى أفاض ، وأي أجنحة بمدى هاض ، فانقادت إليه الآمال بغير خطام ، ووردت من نداه ببحر طام ، ولم يزل بالدولة قائما ، وموقظا من بهجتها ما كان نائماً ، إلى أن صار الأمر إلى المأمون بن ذي النون أسد الحروب ، ومسد الثغور والدروب ، فاعتمد عليه والكل ، ووكل الأمر إلى غير وكيل ، فما تعدى الوزارة إلى الرياسة ، ولا تردى بغير التدبير والسياسة ، فتركه مستبدا ، ولم يجد من ذلك بدا . وكان أبو بكر هذا ذا رفعة غير متضائلة ، وآراء لم تكن آفلة ، أدرك بها ما أحب ، وقطع غارب كل منافس وجب ، إلى أن طلحه العمر وأنضاه ، وأغمده الذي انتضاه ، فخلى الأمر إلى ابنيه ، فتبلدا في التدبير ، ولم يفرقا بين القبيل والدبير ، فغلب عليهما القادر بن ذي النون ، وجلب إليهما كل خطب(2)، ما خلا المتنونون ، فانجلوا ، بعدما ألقوا ما عندهم وتخلوا، وكان لأبي . عبد الله نظم مستبدع ، يوضع بين الجوانح ويودع ؛ انتهى المقصود من الترجمة.

2- وكان للوزير أبي الفرج(3) ابن مكبود قد أعياه علاجه ، وتهيأ للفساد مزاجه ، فدل على خمر قديمة ، فلم يعلم بها إلا عند حكم ، وكان وسيما ، وللحسن قسيماً ، فكتب إليه(4):

أرسل بها مثل ودك                             أرق من ماء خدك

 

٥٤٢

شقيقة النفس فانضح                          بها جوى ابني وعبدك

وكتب رحمه الله تعالى معتذراً ، عما جناه منذراً:

ما تغيبت عنك إلا لعذر                     ودليلي في ذاك حرصي عليكا

هبك أن الفرار من عظم ذنب              أتراه يكـون إلا إليكا

 

وقال في المطمح في حق أبي الفرج : من ثنية رياسة ، وعشرة نفاسة ، ما منهم إلا من تحلى بالإمارة، وتردى بالوزارة ، وأضاء في آفاق الدول ، ونهض بين الخيل والحول ، وهو أحد أمجادهم ، ومتقلد نجادهم ، فاتهم أدباً ونبلا ، وباراهم كرما تخاله وبلا ، إلا أنه بقي وذهبوا ، ولقي من الأيام ما رهبوا ، فعاين تنكرها ، وشرب عكرها وجال في الآفاق ، واستدر أخلاف الأرزاق ، وأجال للرجاء(5) قداحاً متواليات الإخفاق ، فأخمل قدره ، وتوالى عليه جور الزمان وغدره ، فاندفعت آثاره ، وعفت أخباره ، وقد أثبت له بعض ما قاله وحاله قد أدبرت ، والخطوب إليه قد انبرت ؛ أخبرني الوزير الحكيم أبو محمد المصري وهو الذي آواه ، وعنده استقرت نواه ، وعليه كان قادما ، وله كان منادما أنه رغب إليه في أحد الأيام أن يكون من جملة ندمائه وأن لا يحجب عنه وتكون منة من أعظم نعمائه ، فأجابه بالإسعاف ، واستساغ منه ما كان يعاف ، لعلمه بقلته ، وإفراط خلته، فلما كان ظهر(6) ذلك اليوم كتب إليه:

أنا قد أهبت بكم وكلكم هوى                     وأحقكم بالشكر مني السابق

فالشمس أنت وقد أظل طلوعها                  فاطلع وبين يديك فجر صادق

 

٥٤٣

3 - وقال الوزير أبو عامر ابن مسلمة(7):

حج الحجيج منى ففازوا بالمنى             وتفرقت عن خيفه الأشهاد

ولنا بوجهك حجة مبرورة                  في كل يوم تنقضي وتعاد

وقال الفتح في حقه ما صورته : نبتة(8) شرف باذخ ، ومفخر على ذوائب الجوزاء شامخ ، وزروا للخلفاء ، فانتجعتهم اوانتسبت لهم النعماء ، وتنفست عن نور بهجتهم الظلماء ، وأبو عامر هذا هو جوهرهم المنتخل ، وجوادهم الذي لا يبخل ، وزعيمهم المعظم ، وسلك مفخرهم المنظم، وكان في المدام ، ومستفتى الندام ، وأكثر من النعت للراح والوصف ، وآثر الأفراح والقصف ، وأرى قينات السرور بجلوة، وآيات الحسن متلوة ، وله كتاب سماه و حديقة الارتياح في وصف حقيقة الراح ، واختص بالمعتضد اختصاصاً جرعه رداه ، وصرعه في مداه ، فقد كان في المعتضد من عدم تحفظه للأرواح ، وتهاونه بالثوام في ذلك واللواح ، فاطمأن إليه أبو عامر واغتر ، وأنس إلى ما بستم من مؤانسته وافتر ، حتى أمكنته في اغتياله فرصة ، لم يعلق فيها حصة، ولم يطلق عليه إلا أنه زلت به قدمه فسقط في البحيرة وانكفا ، ولم يعلم به إلا بعدما طفا ، فأخرج وقد قضى ، و وأدرج . في الكفن حسام المجد منتضى ، فمن محاسنه قوله يصف السوسن ، وهو مما أبدع فيه وأحسن:

وسوسن راق مرآه ومخبره                             وجل في أعين النظار منظره

كأنه اكوس البلور قد صنعت                       مسندسات تعالى الله مظهره

وبينها ألسن قد طوقت ذهباً                         من بينها قائم بالملك يؤثره

 

٥٤٤

إلى أن قال: واجتمع بجنة بخارج إشبيلية مع إخوان له علية، فبينما هم يديرون الراح ، ويشربون من كأسها الأفراح ، والجو صاح ، إذا بالأفق قد غيم ، وأرسل الديم ، بعدما كسا الجو بمطارف اللاذ(9) ، وأشعر الغصون زهر قباذ(10) ، والشمس منتقبة(11) بالسحاب والرعد يبكيها بالانتحاب ، فقال(12):

يوم كأن سحابه                         ليست عمامات الصوامت

حجبت به شمس الضحى                  بمثال أجنحة الفواخت

والغيث يبكي فقدها                           والبرق يضحك مثل شامت

والرعد يخطب مفصحا                       والجو كالمحزون ساكت

وخرج إلى تلك الجميلة والربيع قد نشر رداه ، ونثر على معاطف الغصون نداه ، فأقام بها وقال:

وخميلة رقم الزمان أديمها                   بمفضض ومقسم ومشوب

رشفت قبيل الصبح ريق غمامة            رشف المحب مراشف المحبوب

وطردت في أكنافها ملك الصبا            وقعدت واستوزرت كل أديب

وأدرت فيها اللهو حق مداره          مع كل وضاح الجبين حسيب(13)

4- وقال الوزير الكاتب أبو حفص أحمد بن برد(14) :

قلبي وقلبك لا محالة واحد                 شهدت بذلك بيننا الألحاظ

 

٥٤٥

فتعال فلنغظ الحسود بوصلنا                        إن الحسود بمثل ذاك يغاظ

وقال:

يا من حرمت للاذني بمسيره                         هذي النوى قد صعترت لي خدها

زود جفوني من جمالك نظرة                        والله يعلم إن رأيتك بعدها

وقال في المطمح في ابن برد المذكور إنه غذي بالأدب(15)، وعلا إلى أسمى(16)  الرتب ، وما من أهل بيته إلا شاعر كاتب، لازم لباب السلطان راتب(17)، ولم يزل في الدولة العامرية بسبق يذكر، وحق لا ينكر، وهو بديع الإحسان، بليغ القلم واللسان ، مليح الكتابة، فصيح الخطابة ، وله " رسالة السيف والقلم "(18)، وهو أول من قال بالفرق بينهما ، وشعره مثقف المباني ، مرهف كالحسام اليماني ، وقد أثبت منه ما يلهيك سماعا ، وبريك الإحسان لماعاً ، فمن ذلك قوله يصف البهار:

تأمل فقد شق البهار كمائما                   وأبرز عن نواره الحضل الندي

مداهن تبر في أنامل فضة                     على أذرع مخروطة من زبرجد

وله يصف معشوقاً ، أهيف القد" ممشوقا، أبدى صفحة ورد ، وبدا في ثوب لازورد:

لما بدا في لازور                                   دي الحرير وقد بهر

كبرت من فرط الجمال                         وقلت: ما هذا بشر

فأجابني لا تنكرن                               ثوب السماء على القمر

 

٥٤٦

5 - وقال الوزير الكاتب أبو جعفر ابن اللمائي(19):

انا فديتكما تستلم                                منازل سلمى على ذي سلم

منازل كنت بها نازلا                           زمان الصبا بين جيد وفم

أما تجدن الثرى عاطراً                         إذا ما الرياح تنفسن ثم

وقال في المطمح فيه إمام من أئمة الكتابة ومفجر ينبوعها ، والظاهر على مصنوعها بمطبوعها إذا كتب نشر الدار في المهارق ، وتمت فيه أنفاسه كالمسك في المفارق، وانطوى ذكره على انتشار إحسانه، [وقصر أمره مع امتداد لسانه، فلم تطل لد وحته فروع ، ولا اتصل لها من نهر الإحسان كروع ، فاندفنت محاسنه من الإهمال في قبر ، وانكسرت الآمال' بعدم بدائعه كسراً بعد جبر ، وكان كاتب علي بن حمود العلوي وذكر أنه كان يرتجل بين يديه ولا يروي ، فيأتي على البديه ، بما يتقبله المروي ويبديه(20)، فمن ذلك ما كتب به معتنيا من بعض رسالة : روض القلم في فنائك موفق وغصن الأدب بمائك مورق ، وقد قذف بحر الهند درره ، وبعث روض نجد زهره ، فأهدى ذلك على يدي فلان الجاري في حمده ، على مباني قصده .

6- وقال الوزير حسان بن مالك بن أبي عبدة في المهرجان(21):

أرى المهرجان قد استبشرا                   غداة بكى المزن واستعبراً

وسربلت الأرض أمواهها                  وجللت السندس الأخضرا

وهز الرياح صنابيرها                          فضوعت المسك والعنبرا

تهادی به الناس الطافه                        وسامي المقبل به المكثرا

 

٥٤٧

وقال في حقه في المطمح: من بيت جلالة ، وعترة(22) أصالة ، كانوا مع عبد الرحمن الداخل، وتوغلوا معه في متشعبات تلك المداخل ، وسعوا في الخلافة حتى حضر مبايعها ، وكثر مشايعها ، وجدوا في الهدنة وانعقادها ، وأخمدوا نار الفتنة عند انتقادها ، فانبرمت(23) عراها ، وارتبطت أولاها وأخراها ، فظهرت البيعة واتضحت ، وأعلنت الطاعة وأفصحت ، وصاروا تاج متفرقها، ومنهاج طرقها ، وهو ممن بلغ الوزارة بعد ذلك وأدركها ، وحل مطلعها وفككتها ، مع اشتهار في اللغة والآداب ، وانخراط في سلك الشعراء والكتاب ، وإبداع ألف ، وانتهاض بما تكلف ، ودخل على المنصور وبين يديه كتاب ابن السري وهو به كلف ، وعليه معتكف ، فخرج وعمل على مثاله كتاباً سماه "ربيعة وعقيل" ، جرد له من ذهنه أي سيف صقيل ، وأتى به منتسخاً مصوراً في ذلك اليوم من الجمعة الأخرى ، وأبرزه والحسن يتبسم عنه ويتفرى ، فسر به المنصور وأعجب ، ولم يتغيب عن بصره ساعة ولا حجب ، وكان له بعد هذه المدة حين أدجت الفتنة ليلها وأزجت إبلها وخيلها ، اغتراب کاغتراب الحارث بن مضاض، واضطراب بين القوافي والمواضي ، كالحية النضناض ، ثم اشتهر بعد ، وافتر له السعد ، وفي تلك المدة يقول يتشوق إلى أهله :

سقى بلداً أهلي به وأقاربي                             غواد بأثقال الحيا وروائح

وهبت عليهم بالعشي وبالضحى          نواسم برد والظلال فوائح

تذكرتهم والنأي قد حال دونهم           ولم أنس لكن أوقد القلب لافح

ومما شجاني هاتف فوق أيكة                 ينوح ولم يعلم بما هو نائح

فقلت اتشد يكفيك أني نازح               وأن الذي أهواه عني نازح

ولي صبية مثل الفراخ بقفرة                مضى حاضناها فاطحتها الطوائح(24)

 

 

٥٤٨

إذا عصفت ريح أقامت رؤوسها                  فلم يلقها إلا طيور بوارح

فمن لصغار بعد فقد أبيهم                            سوى سانح في الدهر لو عن سانح

واستوزره المستظهر عبد الرحمن بن هشام أيام الفتنة فلم يرض بالحال ، ولم يمض في ذلك الانتحال ، وتثاقل عن الحضور في كل وقت ، وتغافل في ترك الغرور بذلك المقت ، وكان المستظهر يستبد بأكثر تلك الأمور دونه ، وينفرد مغيبا عنه شؤونه ، فكتب إليه :

إذا غبت لم أحضر وإن جئت لم أسل              فستان مني مشهـد ومغيب

فأصبحت تيميا وما كنت قبلها                     لتيم ولكن الشبيـه نسيب

وله :

رأت طالعاً للشيب بين ذوائبي                     فباحث بأسرار الدموع السواكب

وقالت : أشيب ؟ قلت : صبح تجاربي           أنار على أعقاب ليل نوائبي

ولما مات رثاه الوزير أبو عامر ابن شهيد بقوله:

أفي كل عام مصرع لعظيم                                  أصاب المنايا حادثي وقديمي

وكيف اهتدائي في الخطوب إذا دجت                وقد فقدت عيناي ضوء نجوم

مضى السلف الوضاح إلا بقية                          كغرة مسود القميص بهيم

فإن ركبت مني الليالي هضيمة                      فقبلي ما كان اهتضام تميم

أبا عبدة إنا غدرناك عندما                            رجعنا وغادرناك غير ذميم

أنخذل من كنا نرود بأرضه                           ونكرع منه في إناء علوم

ويجلو العمى عنا بأنوار رأيه                          إذا أظلمت ظلماء ذات غيوم

كأنك لم تلقح بريح من الحجى                      عقـائم أفكـار بغير عقيم

ولم نعتمد مغناك غدوا ولم نزر                       رواحا(25) لفصل الحكم دار حكيم

 

٥٤٩

7 - وقال الوزير الفقيه أبو أيوب ابن أبي أمية(26):

أمسك دارين حياك النسيم به                       أم عنبر الشحر أم هذي البساتين

بشاطئ النهر حيث النور مؤتلق                   والراح تعبق أم تلك الرياحين

وحلاه في المطمح بقوله واحد الأندلس الذي طوقتها فخارا ، وطبقها بأوانه افتخاراً ما شئت من وقار لا تحيل الحركة سكونته، ومقدار يتمنى مخبر أن يكونه ، إذا لاح رأيت المجد مجتمعاً ، وإذا فاه أضحى كل شيء مستمعاً ، تكتحل منه مقتل المجد ، وتنتحل المعالي أفعاله انتحال ذي كلف بها ووجد ، لو تفرقت في الخلق سجاياه لحمدت الشيم ، ولو استسقيت بمحياه لما استمسكت الديم ، ودعي للقضاء فما رضي ، وأعفي عنه فكأنه ما استقضي ، لديه تثبت الحقائق ، وتنبت العلائق وبين يديه يسلك عين الجدد(27) ، ويدع اللدد اللدد(28)، وله أدب إذا حاضر به فلا البحر إذا عصف ، ولا أبو عثمان إذا وصف ، مع حلاوة مؤانسة تستهوي الجليس ، وتهوي حيث شاءت بالنفوس ، وأما تحبيره وإنشاؤه ، ففيهما للسامع تحييره وانتشاؤه ، وقد اثبت له بدعا ، يثني إليها الإحسان جيدا وأخدعاً ، فمن ذلك قوله في منزل حله متنزها :

يا منزل الحسن أهواه والفـه                          حقا لقد جمعت في صحنك البدع

الله ما اصطنعت نعماك عندي في                    نعمت يوم به والشمل مجتمع

وحل منية صهره الوزير أبي مروان ابن الدب بعدوة إشبيلية المطلة على النهر ، المشتملة على بدائع الزهر ، وهو معرس ببنته(29)، فأقام بها أياما متأنسا،

 

550

ولجذوة السرور مقتبساً، فوالى عليه من التحف ، وأهدى إليه من الطرف ما غمر كثرة ، وبهر نفاسة وأثرة ، فلما ارتحل وقد اكتحل من حسن ذلك الموضع بما اكتحل، كتب إليه :

قل للوزير وأين الشكر من منن           جاءت على سنن تترى وتتصل

غشيت مغناك والروض الأنيق به         بندى وصوب الحيا يهمي وينهمل

وجال طرفي في أرجائه مرحاً                    وفق اجتيازي يستعلى ويستفل

تدعو بلفته حيث ارتمى زهر                عليه من منثني أفنانه كلل

محل أنس نعمنا فيه آونة                       من الزمان وواتانا به الامل

وحل بعد ذلك متنزها بها على عادته ، فاحتفل في موالاة ذلك البر وإعادته ، فلما رحل كتب إليه :

يا دار أمنك الزمان                             صروفه ونوائبه

وجرت(30) سعودك بالذي              يهوى نزيلك آيبه

فلنعم مأوى الضيف انت                   إذا تحاموا جانبه

خطر شأوت به الديار                  وأذعنت(31) لك قاطبه

وصنع له ولد ابن عبد الغفور(32) رسالة سماها ؛ والساجعة ، حذا بها حذو أبي العلاء المعري في " الصاهل والشاحج" وبعث بها إليه ، فعرضها عليه ، فأقامت عنده أياما ثم استدعاها منه فصرفها إليه ، وكتب معها : بكر رفضتها أعزك الله تعالى نحوك ، وهززت بمقدمها سناك وسروك ، فلم ألفظها عن شبع ، ولا

 

551

جهلت ارتفاعها عما يجتلى من نوعها ويستمع ، ولكن لما أنسته(33) من انسك بانتجاعها، وحرصك على ارتجاعها دفعت في صدر الولوع، وتركت بينها وبين مجاثمها تلك الربوع حيث الأدب غض"، وماء البلاغة مرفض"، فأسعد أعزك الله بكرتها ، وسلها عن أفانين معرتها، بما تقطفه من ثمارك ، وتغرفه من بحارك ، وترتاح له ولإخوانه من نتائج أفكارك، وإنها لشنشنة أعرفها فيكم من أخزم ، وموهبة حزتموها وأحرزتم السبق فيها منذ كم انتهى.

8- وابن عبد الغفور هو الوزير أبو القاسم الذي قال فيه الفتح(34): فتى زكا فرعاً وأصلا، وأحكم البلاغة معنى وفصلا ، وجرد من ذهنه على الأعراض تصلا ، قدها به وقراها ، وقدح زند المعالي حتى أوراها ، مع صون يرتديه ، ولا يكاد يبديه ، وشبيبة ألحقته بالكهول ، فأقفرت منه ربعها المأهول ، وشرف ارتداه ، وسلف اقتفى أثره الكريم واقتداه، وله شعر بديع السرد مشرف البرد، وقد أثبت له منه ما ألفيت، وبالدلالة عليه اكتفيت، فمن ذلك قوله:

 

تركت التصابي للصواب وأهله           وبيض الطلى للبيض والسمر للسمر

مدامي مدادي والكؤوس محابري         وندماي أقلامي ومنقلتي سفري

وله :

لا تنكروا أننا في رحلة أبدا                            نحث في نفنف(35) طوراً وفي هدف

فدهرنا سدفة ونحن أنجمها                         وليس ينكر مجرى النجم في السدف

لو أسفر الدهر لي أقصرت عن سفري وملت عن كلفي بهذه الكلف

 

552

وله من قصيدة :

رويدك يا بدر التمام فإنني                             أرى العيس حسري واكب ظلعا

كان أديم الصبح قد أنجما                             وغودر درع الليل فيها مرقعا

فإني وإن كان الشباب محببا                            إلي وفي قلبي أجل وأوقعا

لأنف من حسن بشعري مفترى                    وأنف من حسن بشعري قنعا

 

 

9ـ وقال الوزير أبو الوليد ابن حزم(36):

إليك أبا حفص وما عن ملالة             ثنيت عناني والحبيب حبيب

مقالا يطير الحمر عن جنباته                ومن تحته قلب عليك يذوب

مضيت لك في أفياء ظلي قولة              لها بين أحناء الضلوع دبيب

ولكن أبي إلا إليك التفاته                   فزاد عليه من هواك رقيب

وكم بيننا لو كنت تحمد ما مضى          إذ العيش غض والزمان قشيب

وتحت جناح الغيم أحشاء روضة        بها لخفوق العاصفات وجيب

وللزهر في ظل الرياض تبسم              وللطير منها في الغصون نحيب

وقال في الزهد :

ثلاث وستون قد جزتها                      فماذا تؤمل أو تنتظر

وحل عليك نذير المشيب                    فما ترعوي أو فما تزدجر

نمر لياليك مرا حثيثاً                           وأنت على ما أرى مستمر

فلو كنت تعقل ما ينقضي                    من العمر لاعتضت خير أبشر

فما لك لا تستعد إذن                           لدار المقام ودار المقر

أترغب عن فجأة للمنون                    وتعلم أن ليس منها مفر

 

553

فإما إلى جنة أزلفت                                      وإما إلى سفر تستعر

10- وقال ابن أبي زمنين(37):

الموت في كل حين ينشر الكفنا                      ونحن في غفلة عما يراد بنا

لا تطمئن إلى الدنيا وبهجتها                          وإن توشحت من أثوابها الحسنا

أين الأحبة والجيران ؟ ما فعلوا ؟                 أين الذين هم كانوا لنا سكنا ؟

سقاهم الموت كأساً غير صافية                   فصيرتهم لأطباق الثرى رهنا

تبكي المنازل منهم كل منسجم            بالمكرمات وترثي البر والمننا

حسب الحمام لو ابقاهم وأمهلهم         أن لا يظن على معلوة حسنا

وقال في المطمح الفقيه أبو عبد الله محمد بن أبي زمنين فقيه متبتل ، وزاهد لا منحرف إلى الدنيا ولا منقتل(38)، هجرتها هجر المنحرف ، وحل أوطانه فيها محل المعترف ، لعلمه بارتحاله(39) عنها وتقويضه(40) ، وإبداله منها وتعويضه ، فنظر بقلبه لا بعينه ، وانتظر يوم فراقه وبينه ، ولم يكن له بعد ذلك بها اشتغال ، ولا في شعاب تلك المسالك إيغال ، وله تواليف في الوعظ والزهد وأخبار الصالحين تدل على تخليته عن الدنيا واتراكه ، والتفلت من حبائل الاغترار وأشراكه ، والتنقل من حال إلى حال ، والتأهب للارتحال ، ويستدل به على ذلك الانتحال، فمنها قوله :

الموت في كل حين ينشر الكفنا

فذكر الأبيات، انتهى .

 

554

11- وقال خلف بن هرون يمدح الحافظ أبا محمد ابن حزم(41) :

يخوض إلى المجد والمكرمات               بحار الخطوب وأهوالهـا

وإن ذكرت للعلا غاية                        ترقى إليهـا وأهوى لها

وقال في المطمح فيه فقيه مستنبط ، ونبيه بقياسه مرتبط ، ما تكلم تقليداً ، ولا عدا(4٢) اختراعاً وتوليداً، ما تمنت به الأندلس أن تكون كالعراق ، ولا حنت الأنفس معه إلى تلك الآفاق ، أقام بوطنه ، وما برح عن عطنه ، فلم يشرب ماء الفرات ، ولم يقف عيشة الثمرات(43)، ولكنه أربى على من من ذلك غذي ، وأزرى على من هنالك نعل وحدي ، تفرد بالقياس ، واقتبس نار المعارف أي اقتباس ، فناظر بها أهل فاس ، وصنف وحبر حتى أفنى الأنقاس ، ونابل الدنيا ، وقد تصدت له بأفتن محيا ، وأهدت إليه أعيق عرف وريا ، وخلع الوزارة وقد كسته ملاها ، وألبسته حلاها وتجرد للعلم وطلبه ، وجد في اقتناء نخبه ، وله تأليف كثيرة ، وتصانيف أثيرة ، منها "الإيصال إلى فهم كتاب الخصال" وكتاب " الإحكام لأصول الأحكام " وكتاب " الفصل(44) في الأهواء والملل والنحل " وكتاب " مراتب العلوم "(45) وغير ذلك ، مما لم يظهر مثله من هنالك ، مع سرعة الحفظ ، وعفاف اللسان واللحظ ، وفيه يقول خلف بن هرون :

يخوض إلى المجد والمكرمات

ولابن حزم في الأدب سبق" لا ينكر ، وبديهة لا يعلم أنه روى فيها ولا

 

555

فكر، وقد أثبت من شعره ما يعلم أنه أوحد، وما مثله فيه أحد ، ثم ذكر جملة من نظمه ذكرناها في غير هذا الموضع.

12- وكتب أبو عبد الله ابن مسرة(46) إلى أبي بكر اللؤلؤي يستدعيه في يوم طين ومطر، لقضاء أرب من الأنس ووطر:

أقبل فإن اليوم يوم دجن                     إلى مكان كالضمير مكني

لعلنا نحكم أشهى فن                         فأنت في ذا اليوم أمشى مني

وقال في المطمح: إن ابن مسرة كان على طريق من الزهد والعبادة سبق فيها ، وانتسق في سلك مقتفيها، وكانت له إشارة غامضة ، وعبارة عن منازل الملحدين غير داحضة، ووجدت له مقالات ردية ، واستنباطات مردية ، نسب بها إليه رهق ، وظهر له فيها مزحل عن الرشد ومزهق ، فتتبعت مصنفاته بالحرق ، واتسع في استباحتها الخرق ، وغدت مهجورة ، على التالين محجورة ، وكان له تنميق في البلاغة وتدقيق لمعانيها ، وتزويق لأغراضها وتشييد لمبانيها ، انتهى . وهو من نمط الصوفية الذين تكلم فيهم ، والتسليم أسلم ، والله تعالى بأمرهم أعلم .

13- ومن حكايات أهل الأندلس في الانقباض عن السلطان ، والفرار من المناصب ، مع العذر اللطيف : ما حكاه في المطمح في ترجمة الفقيه أبي عبد الله الخشني(47) إذ قال : كان فصيح اللسان ، جزيل البيان(48)، وكان أنوفا منقبضاً عن السلطان ، لم يتشبث بدنيا ، ولم ينكث له مبرم عليا ، دعاه الأمير محمد إلى

 

556

القضاء فلم يجب، ولم يظهر رجاءه المحتجب، وقال : أبيت عن أمانة هذه الديانة ، كما أبت السموات والأرض عن حمل الأمانة، إباية إشفاق، لا إباية عصيان ونفاق ، وكان الأمير قد أمر الوزراء بإجباره ، أو حمل السيف إن تمادى على تأبيه وإصراره، فلما بلغه قوله هذا أعفاه ، قال: وكان الغالب عليه علم النسب ، واللغة والأدب ، ورواية الحديث ، وكان مأمونا ثقة ، وكانت القلوب على حبه متفقة ، وله رحلة دخل فيها العراق ، ثم عاد إلى هذه الآفاق ، وعندما اطمأنت داره ، وبلغ أقصى مناه مداره ، قال:

كأن لم يكن بين ولم تك فرقة

الأبيات ، انتهى .

وهذه الأبيات قدمناها في الباب الخامس في ترجمة القاضي ابن أبي عيسى . فأنت ترى كلام الفتح قد اضطرب في نسبتها ، فمرة نسبها إلى هذا ، ومرة نسبها إلى ذاك، وهي قطعة عرفها ذاك.

 

 

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1- المطبخ : ۱۱ - ۱۳ .

2- ب : جلب.

3- المطمح  15 – 16.

4- انظر ما سبق ص : ٤٠٨ .

5- م ب: الرجاء.

6- ظهر : سقطت من ب .

7- المطمح: ٢٣ – ٢٤.

8- المطمح : بيت .

9- م: الرذاذ.

10- م : دهر قباذ .

11- ب : متنقبة

12- مرت الأبيات ص : ٤٨٥ .

13- ب والمطمح : مهوب .

14- المطمح ٢٤ – ٢٥ .

15- المطمح: ماء ثنية غذيت بالأدب.

16- المطمح : وربت في سماء.

17- ق ب ودوزي : مراتب.

18- راجع هذه الرسالة في الأخيرة ٢/١ : 435.

19- المطمح : ۲۰ - ۲۹ .

20- المطمح : ويفديه ؛ وفي م : بما يفعله ؛ ب : يفعله ؛ دوزي : يتقبله .

21- المطمح : ٢٦ – ۲۷ .

22- المطمح : وغرة ؛ ب : ومحمدة 4 م : وتجرة .

23- المطمح فأبرمت.

24- المطمح منى حضناها طوحتها الطوائح .

25- المطمح : ولم نزل تؤم .

26- المطمح : ۲۸ – ۲۹ ؛ وقد سقط "أبو أيوب" ، من م .

27- ب : مسلك ؛ دوزي : يسلك من الحق الجدد.

28- ق في : الألد الدد.

29- ب : معرس مبيته، م : معرس بابنته .

30- ب والمطمح : ودنت .

31- ب : فأذعنت.

32- هو صاحب إحكام صنعة الكلام ؛ وقد تحدث عن رسالة " الساجسة"، هنالك ، وسقطت لفظة " ولد " من م .

33- ب م : انست.

34- المطمح : ۲۹ – ۳۰

35- ب م : ثقف

36- المطمح ٣١ – ٣٤.

37- المطمح : ٤٩- 50 وزاد في م : في الزهد

38- المطمح : متنقل

39- ق ب : بارتحالها عنه.

40- في الأصول : وتفويضه .

41- المطمح ٥٥ – ٥٦.

42- المطمح : تعدى.

43- كذا ، ولعله : عشية السمرات .

44- م ب ق : القصد.

45- هذه رسالة نشرتها ضمن « رسائل ابن حزم ، ( القاهرة ١٩٥٤ ) .

46- المطمح: 58 .

47- المطمح : ٥٦ – ٥٧ وفي ب م : الحسني.

48- ب: التبيان .

 





دلَّت كلمة (نقد) في المعجمات العربية على تمييز الدراهم وإخراج الزائف منها ، ولذلك شبه العرب الناقد بالصيرفي ؛ فكما يستطيع الصيرفي أن يميّز الدرهم الصحيح من الزائف كذلك يستطيع الناقد أن يميز النص الجيد من الرديء. وكان قدامة بن جعفر قد عرف النقد بأنه : ( علم تخليص جيد الشعر من رديئه ) . والنقد عند العرب صناعة وعلم لابد للناقد من التمكن من أدواته ؛ ولعل أول من أشار الى ذلك ابن سلَّام الجمحي عندما قال : (وللشعر صناعة يعرف أهل العلم بها كسائر أصناف العلم والصناعات ). وقد أوضح هذا المفهوم ابن رشيق القيرواني عندما قال : ( وقد يميّز الشعر من لا يقوله كالبزّاز يميز من الثياب ما لا ينسجه والصيرفي من الدنانير مالم يسبكه ولا ضَرَبه ) .


جاء في معجمات العربية دلالات عدة لكلمة ( عروُض ) .منها الطريق في عرض الجبل ، والناقة التي لم تروَّض ، وحاجز في الخيمة يعترض بين منزل الرجال ومنزل النساء، وقد وردت معان غير ما ذكرت في لغة هذه الكلمة ومشتقاتها . وإن أقرب التفسيرات لمصطلح (العروض) ما اعتمد قول الخليل نفسه : ( والعرُوض عروض الشعر لأن الشعر يعرض عليه ويجمع أعاريض وهو فواصل الأنصاف والعروض تؤنث والتذكير جائز ) .
وقد وضع الخليل بن أحمد الفراهيدي للبيت الشعري خمسة عشر بحراً هي : (الطويل ، والبسيط ، والكامل ، والمديد ، والمضارع ، والمجتث ، والهزج ، والرجز ، والرمل ، والوافر ، والمقتضب ، والمنسرح ، والسريع ، والخفيف ، والمتقارب) . وتدارك الأخفش فيما بعد بحر (المتدارك) لتتم بذلك ستة عشر بحراً .


الحديث في السيّر والتراجم يتناول جانباً من الأدب العربي عامراً بالحياة، نابضاً بالقوة، وإن هذا اللون من الدراسة يصل أدبنا بتاريخ الحضارة العربية، وتيارات الفكر العربية والنفسية العربية، لأنه صورة للتجربة الصادقة الحية التي أخذنا نتلمس مظاهرها المختلفة في أدبنا عامة، وإننا من خلال تناول سيّر وتراجم الأدباء والشعراء والكتّاب نحاول أن ننفذ إلى جانب من تلك التجربة الحية، ونضع مفهوماً أوسع لمهمة الأدب؛ ذلك لأن الأشخاص الذين يصلوننا بأنفسهم وتجاربهم هم الذين ينيرون أمامنا الماضي والمستقبل.