تعريف الخبر للدكتور رفعت عارف الضبع مؤسس الخبر  

من خلال التعريفات السابقة يمكننا أن نضع تعريفة من وجهة نظرنا ويحقق دور ووظيفة الخبر (فالخبر هو "تقرير موضوعي عن واقعة أو حدث أو حادث أو فكرة أو رأي، ويتضمن معلومات نقية وجديدة ومثيرة للمتلقي، ومن مصادر موثوق منها تماما أو إضافة معلومات جديدة للمتلقي عن الحدث أو الواقعة أو الحادث أو الفكرة. ويمكن أن نلخص تعريف آخر للمؤلف للخير بأنه (عملية نقل المعلومات الصادقة النقية من مكان أو زمان لآخر) وتهم كل أو معظم المتلقين وذلك لأسباب يتفقون عليها بشكل غير مباشر على الرغم من اختلافاتهم الشخصية والثقافية والفكرية والمستوى العقلي كذلك، والخبر الصحفي كفن تحريري يحقق الوظيفة الأساسية للصحافة وهي إخبار المتلقي بما يدور حوله من نشاطات إنسانية على المستوى المحلي أو القومي أو العالمي والخير الدقيق يحقق الحرية الكاملة للصحيفة وهذا التعريف يركز على عدة أمور نوضحها فيما يلي:

1- مقياس نشر الخبر من عدمه يركز في الأساس الأول على مدى أهميته للناس، وكذلك مساحة هذا الاهتمام فعلى سبيل المثال: إن نشر خبر عن ارتفاع أسعار رغيف العيش أو خبر عن زيادة المرتبات يهم كل الناس، وأما خبر عن نشاط سيدات روتارى فإنه لا يهم كل الناس ولا معظم الناس ولكن يهم فئة معينة ومعدودة أيضا فالخبر الأول يستحق النشر وأما الخبر الثاني فإنه يأتي في المرتبة التالية بعد ذلك، كما أنه لو خبر صحفي بين نشر خبر واحد فقط من الخبرين السابقين، فإنه يفضل فوراً نشر الخبر الأول وذلك لدرجة أهميته للناس.

2- أن قيمة وأهمية الخبر تأتي كذلك من قيمة وضخامة المعلومات التي يتضمنها الخبر، والمقصود بالضخامة هنا قوة المعلومات نفسها ولنضرب مثال على ذلك : إذا نشرنا خبر بهذا الشكل: "سرقة جثمان الملك رمسيس الثاني من المتحف المصري بالقاهرة" فنجد أن المعلومات التي يتضمنها هذا الخبر ذات أهمية قصوى لأسباب كثيرة منها أن المومياء سرقت وهي تمثل تاريخ مصر القديم، وأن هذه المومياء لا تقدر بمال، وأن المتحف المصري في حاجة إلى تأمين وحراسة شديدة، أما المعلومات التي يتضمنها الخبر التالي فإنها لا تمثل أهمية للمتلقي" (س) أصيبت بكسر في العمود الفقري أثناء تصوير أحد المشاهد التليفزيونية".

3- موضوعية الخبر الصحفي والموضوعية تعني الدقة التامة في التناول وفي نقل الخبر بأمانة وصدق بحيث لا يتضمن الخبر أي تلوين لعناصره كأن يتعرض للتضخيم أو التقليل من شأنه على غير الواقع أو حجب بعض تفاصيله فالقراء قادرون على التمييز بين الأخبار الصادقة وغيرها من الأخبار الكاذبة، وذلك عن طريق وسائل الإعلام المختلفة التي جعلت العالم عند أطراف أصابع المتلقي فبلمسة واحدة لمؤشر الراديو أو التليفزيون أو الكمبيوتر يستطيع المشاهد معرفة أخبار الدنيا عن طريق عشرات المحطات التي تتبارى في تقديم الخدمة التي تجذب الجمهور.

4- ويرتبط بموضوعية الخبر الصدق كذلك الذي يرفض إثارة الغرائز الدنيا والرغبات الحسية، وصياغة الأكاذيب المضللة والنوبات الخادعة.

والصحافة في مجتمعنا يجب ألا تكون مؤسسات تسويقية للأخبار ولا تتعامل بمنطق الربح والخسارة ولكنها مؤسسات تربوية اجتماعية تنموية، لها رسالتها الأخلاقية والثقافية والتوجيهية التي يجب أن تؤديها ولذلك فإن على الصحفي لكي يحقق الصدق في مضمون الخبر أن يراعي عنصرين هامين وهما:

* ألا يتعارض ما ينشره مع القيم والعادات والتقاليد في المجتمع.

* أن يعرف الصحفي حدوده تماما ويلتزم بقوانين المجتمع ولا يجعل من الصحافة سيفا مسلطا على العدالة في المجتمع.

5- والإثارة في الخبر لا تعني الكذب أو مخاطبة الغرائز ولكنها تبرز من خلال أهمية المعلومات وقوة تأثيرها لدى المتلقي ولتوضيح مفهوم الإثارة نسوق إليك هذا المثال التالي: فمثلا: لو نشرت صحيفة كالجمهورية خبرة عن نقل مياه النيل إلى إسرائيل عبر  ترعة السلام وذلك في إطار عملية التطبيع مع إسرائيل ومن أجل إحياء عملية السلام المتعثرة في الشرق الأوسط، فإنه من تبعات هذا الخبر أن تقوم مناقشات واستجوابات في مجلس الشعب والشورى وتكون هناك مشكلة كبيرة قد أثيرت حول هذا الخبر، ومن تبعات هذه المشكلة تكذيب الخبر على الفور وفي كل وسائل الإعلام المسموعة والمرئية والمقروءة ولو افترضنا أن المعلومات التي وردت بهذا الخير سليمة وصحيحة، فإن هذا الخبر يحقق أعلى مراتب الإثارة الصحفية التي تنتج من خلال خطورة المعلومات والبيانات التي تتضمنها الخبر، فلو سلمنا بصحة هذا الخير فإن كل وكالات الأنباء العالمية ووسائل الإعلام المختلفة والصحافة العالمية وكذلك شبكة المعلومات تقوم بنقل هذا الخير وإذاعته مباشرة فإن نشر خبر مثل هذا، يحقق أعلى مراتب الإثارة الصحفية.

6- كما ينبغي ألا يحتوي الخبر على تحيزات والتحيزات تعني عدم تحيز المعلومات التي يتضمنها الخبر، لكنه لا ينصب على تحيز الصحفي في اختيار زاوية تناول الخبر نفسه. ولتوضيح هذا المفهوم نقول : أن حفلا أقامته إحدى المحافظات وحضره وزير الثقافة ومحافظ الإقليم ألقى المحافظ بكلمة رحب فيها بالضيوف وفي نهاية الحفل وزعت الجوائز وشهادات التقدير على المتفوقين في المجالات المختلفة، مثل هذا الحدث يتناوله المحرر الصحفي في صحيفة قومية بهذا الشكل: "أقامت محافظة القاهرة حفل تكريم للمتفوقين في جميع الأنشطة العام الماضي، حضر الحفل السيد وزير الثقافة، وشهده محافظ القاهرة وقد ألقى المحافظ كلمة رحب فيها بوزير الثقافة وفي نهاية الحفل سلم وزير الثقافة شهادات التقدير للمتفوقين ....... لكن صحفية في صحيفة حزبية معارضة قد يختار زاوية أخرى للتناول وقد تكون بهذا الشكل : في الاحتفال الذي أقامته محافظة القاهرة لتكريم المتفوقين بها أنفقت محافظة القاهرة كذا ألف جنيه على هذا الاحتفال وقدم المحافظ هدية قيمة لوزير الثقافة في الاحتفال تقدر بكذا ألف جنيه، ومن المعروف أن المحافظة لم تصرف مليماً واحداً على الأنشطة الثقافية عن العام الحالي، إننا نلاحظ أن كلا من الصحفيين قد أختار زاوية تتفق مع علاقته النفسية بالمحافظة، ومع علاقة وسياسة صحيفته التحريرية، فالصحيفة الأولى قومية ليس من أهدافها انتقاد المحافظة، بينما الثانية معارضة ومن سیاستها انتقاد المحافظة وبيان المشاكل والسلبيات دون استعراض الإيجابيات. والخبر إما أن يكون عن الأحداث والوقائع المحلية والنشاطات الداخلية في المجتمع، وقد يتضمن أحداثا ونشاطات على المستوى القومي، مثل الخبر الذي ينشر عن مؤتمر بالأمم المتحدة أو خبر عن مؤتمر بمجلس الأمن وقد يتعلق الخير بأحداث ونشاطات عالمية ولا يوجد مصدر خارجي أكثر أهمية ونشاطا من وكالات الأنباء وشبكة الإنترنت، وعلى وجه الخصوص بالنسبة للأخبار الخارجية، والتي تقف في مقدمتها الأخبار السياسية الهامة وأنباء الحروب والكوارث والثورات والانقلابات، تلك التي لا يمكن لوسيلة النشر أن تقلل من أهميتها، أو تتجاهل نشرها بحال من الأحوال كما تقدم الوكالات أيضا الأخبار الأخرى بدءا بأخبار الفضاء ورحلات سفنه وصور كواكبه، ومرورا بأخبار الاكتشافات العلمية الأخرى والكوارث الطبيعية، وحتى أخبار النجوم والرياضة والمشاهير في مجالات الشهرة المختلفة.

إن وكالات الأنباء تنقل إلى الصحيفة جزءا كبيرا من الحصيلة الإخبارية، قدره أحد الباحثين بنسبة أكثر من 60% من مواد الصحيفة أو المجلة، ولم يعد ذلك الاعتماد على الوكالات العالمية قاصرة على الصحف والمجلات العامة فقط، بل أن بعض الصحف والمجلات المتخصصة أو المهنية أصبحت تعتمد كذلك على هذا المصدر، ومن هنا أصبحت وكالات الأنباء وشبكة الإنترنت عنصراً جوهرياً لا غنى عنه لنقل ما يدور في جهات الدنيا ويقول صحفي "إذا أرادت صحيفة ما أن تستخدم وسائلها الخاصة فقط في الحصول على الأخبار سوف تنوء ميزانيتها بهذا العبء، حتى ولو كانت في أعلى درجات النجاح لذلك نجد أن كل الصحف مضطرة إلى الاستعانة بوكالات الأنباء، وبذلك يصبح في الإمكان توزيع تكاليف الأخبار بين عدد كبير من المستفيدين ومعنى ذلك أن الدافع إلى إنشاء مثل هذه الوكالات والاستعانة بها يقلل من الارتفاع المستمر لتكاليف المراسلين والمندوبين والمتدربين الخصوصيين، فبدل من إنشاء مكتب خاص للصحيفة في عاصمة من العواصم الكبرى مما قد يكلفها فوق طاقتها، وبدلا من تعرض العاملين بهذا المكتب لظروف العمل الخارجي وهي قاسية جدا وخطيرة في أحيان أخرى وكبديل لإرسال الصحيفة مندوبها الخاص إلى بعض المواقع الساخنة الخارجية والبعيدة ومع احتمال مواجهته لمصاعب العمل العديدة التي قد تعرقل جهوده فإن هناك ذلك الجهاز الكبير الذي يقوم بنقل هذه الأحداث من مكان أو زمان لآخر، مستخدمة في ذلك شبكته الخاصة من مئات المراسلين والمصورين والمخبرين الذين يوجدون في مكاتب الوكالة بالعواصم الكبرى وحتى بالعواصم الصغرى التي تقفز فجأة إلى سطح الأحداث على أثر انقلاب عسكري أو حرب أهلية أو حادث اغتيال أو وقوع كارثة من كوارث الطبيعة.

ولقد أوضح د. محمود أدهم في كتابه فن الخبر الصحفي بعملية حسابية التكاليف التي تتكبدها صحيفة ما عندما تعتمد على مندوبها أو مراسلها في استقصاء الأخبار العالمية وبين اعتمادها على وكالات الأنباء فيقول : لنفرض أن بعض الأحداث الهامة وقعت في منطقة عربية ولتكن المملكة العربية السعودية مثلا، وأرادت صحيفة ما أن تقوم بتغطية هذه الأحداث فإن الأمر يتطلب أولاً: موافقة إدارة الصحيفة وهي سوف توازن بدقة بين التكاليف والعائد الصحفي، وهو يتطلب ثانياً: موافقة السلطات السعودية على السماح للصحفي بالسفر والانتقال من مكان لآخر بما في ذلك التأشيرات اللازمة ولنفرض أن هذه السلطات وافقت ثم وجدت بعض المصاعب تعترض طريق المحرر الصحفي هناك وبما يهدد بقطع الطريق على العمل الذي جاء من أجله وأخيرا هناك التكاليف الخاصة بالسفر ذهابا وإيابا من مكان مقر الصحيفة إلى السعودية وكذلك تكاليف الإقامة ومع افتراض أن هذا الصحفي يعمل مندوباً لصحيفة مصرية مقرها القاهرة فإن تكاليف الرحلة سوف تصبح كالآتي: تكاليف السفر ذهابا وإيابا (تذاكر الطيران) إضافة إلى حجز فندق والمصرفات النثرية وكذلك ومصاريف الانتقال من مكان لآخر داخل السعودية وهكذا.