اعلم أنّ «الذي أنزل الداء أنزل الدواء» (1) ووعد الشفاء، فالصبر وإن كان شاقاً ولكن يمكن تحصيله بمعجون العلم والعمل، بتقوية باعث الدين، وتضعيف باعث الهوى بالمجاهدة والرياضة وذكر قلة قدر الشدة ودقتها، وإضرار الجزع وقبحه، وأن يكثر فكره في ما ورد في فضل الصبر وحسن عواقبه في الدنيا والآخرة (2) وأن يعلم أن ثواب الصبر على المصيبة أكثر ممّا فات (3) وأنّه بسبب ذلك مغبوط بالمصيبة، إذ فاته ما لا يبقى معه إلا مدة الحياة الدنيا وحصل له ما يبقى بعد موته أبد الدهر.

ومن أسلم خسيساً (4) في نفيس (5) فلا ينبغي أن يحزن لفوات الخيس (6) في الحال، وأن يعوّد هذا الباعث مصارعة باعث الهوى تدريجاً حتى يدرك لذة الظفر بها فيستجرئ عليها ويقوي منته في مصارعتها، فإنّ الاعتياد والممارسة للأعمال الشاقة تؤكد القوى التي تصدر منها تلك الأعمال، ومن عوّد نفسه مخالفة الهوى غلبها مهما أراد.

ثم إن كان ذلك بتعب قوي فتصبّر وإن كان بيسير فصبر، وإن كان بجهد ففرض وإن كان بتلذذ فشكر، وهو بالغيبة عن حظوظ النفس والشهود مع الله تعالى وعدم التميز بين الألم واللذة (7).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الدعوات، الراوندي: 180 ــ 181، فصل في التداوي بتربة مولانا وسيدنا أبي عبد الله الحسين عليه السلام/ ح1.

(2) نذكر ههنا بعض المصادر التي وضعت للصبر أبوابا، منها:

الكافي، الكليني: 2/ 87، كتاب الإيمان والكفر، باب الصبر. وسائل الشيعة، الحر العاملي: 3/ 255، باب 76 استحباب الصبر. ارشاد القلوب، الديلمي: 1/ 126، الباب الثامن والثلاثون في الصبر.

(3) انظر: غرر الحكم ودرر الكلم، الآمدي: 282، الباب الثاني النفس وما حولها، الفصل السابع في الصبر والحلم والاستقامة، الصبر على البلية.

(4) الخسيس: الدنيء. وخس الشيء يخس ويخس خسة وخساسة، فهو خسيس: رذل.

لسان العرب، ابن منظور: 6/ 64، مادة "خسس".

(5) النفيس والمنفس المال له قدر وخطر، ثم عم فقال: كل شيء له خطر وقدر فهو نفيس ومنفس.

لسان العرب، ابن منظور: 6/ 238، مادة "نفس".

(6) الإنسان يخيس في المخيس حتى يبلغ منه شدة الغم والأذى ويذل ويهان.

كتاب العين، الفراهيدي: 4/288، مادة "خيس".

(7) انظر: جامع السعادات، النراقي: 3/ 299 ــ 300، فصل طريق تحصيل الصبر؛ إحياء علوم الدين، الغزالي: 4/ 66 ــ 70، كتاب الصبر والشكر، بيان دواء الصبر وما يستعان به عليه.