تعريف الجغرافيا

يربط كثير من الناس للأسف علم الجغرافيا بمعرفة الخرائط وطول الأنهار وأسماء الدول وعواصمها ومواقع الموارد الطبيعية (2008 .Getis et al). ومن الواضح أن هذا النوع من المعرفة الواقعية له مكانه في الجغرافيا، لأنه يتيح لنا وضع الأحداث والأمكنة والظواهر في إطار مكاني مفيد. ولكن معرفة سبب وجودها في أمكنة متميزة وفهمه هي أمور أكثر أهمية بكثير، وهذه هي الأهمية الحقيقية للجغرافيا (1999 Holt-Jensen). ولذلك، فالجغرافيا هي أكثر بكثير من مجرد معرفة أسماء الأمكنة وعلم الخرائط والمواقع. ويحاول الجغرافيون فهم الأمكنة والعلاقة التي تربط بينها، ومن ثم، يركز الجغرافيون العسكريون جهودهم على فهم العلاقة بين العمليات العسكرية والمشاهد الطبيعية. ولفهم  هذه العلاقة، على المختص بالجغرافيا العسكرية أن يفهم ديناميات المشهدين الطبيعي والبشري وعملياتها بالإضافة إلى أنماطها المكانية والزمانية (1998 Winters).

إن التحقيق في التباين المكاني؛ أي كيف ولماذا تختلف الأشياء من مكان إلى آخر؟ يعطي الجغرافيا هدفا ومنهجية (1978Lanegran and Palm). وتعرف الجغرافيا كذلك من خلال دراسة كيفية تطور الأنماط المكانية عبر الزمن، ومن ثم، فإن إدراك الأمكنة هو مجرد خطوة أولية مهمة في فهم سبب وجود الأشياء حيث هي، وفهم الأحداث والعمليات التي تحدد التغيير والتوزيع على مر الزمن. على سبيل المثال، قد تشمل الأسئلة العسكرية المعاصرة ما يلي: " لماذا أسهمت الانقسامات العرقية والممارسات غير المستدامة والتغييرات البيئية مجتمعة في إشعال ص راع عنيف في بعض الأمكنة، وليس في أمكنة غيرها؟ " أو " لماذا دارت عشرون معركة من أهم المعارك في العالم ضمن مساحة محددة جغرافية في بلجيكا وشمال شرقي فرنسا؟  ."بالإجابة عن هذين السؤالين، يركز الجغرافيون العسكريون تساؤلاتهم على الرابط بين الشعوب والحكومات، وعلاقتهم بالبيئة الطبيعية (2008 .Getis et al). وبالتالي، فإن الجغرافيا - والجغرافيا العسكرية - تعنى بالمكان ومحتوي هذا المكان (2003 Palka). ولأن الجغرافيين العسكريين عادة ما يوظفون نهجة متكاملا في استفساراتهم، فإنهم على معرفة واسعة بتنوع العمليات التي تؤثر في مكان ما.

واكتسبت الجغرافيا والجغرافيا العسكرية أهمية كبيرة خلال العقدين الماضيين، نظرة السرعة العولمة، وانهيار الاتحاد السوفيتي، وتداعيات أحداث الحادي عشر من سبتمبر (2003 Janelle et al. 2004; Palka). وكل من هذه الديناميات العالمية المهمة لها منشأ جغرافي أساسي، والجغرافيا هي الاختصاص الوحيد المكرس لفهم كيف ولماذا تختلف العمليات الطبيعية والبشرية من مكان إلى آخر؟ ويحتوي هذا الكتاب فصولا مخصصة لإعطاء القارئ معرفة أساسية حول كثير من المسائل الأمنية البارزة التي تشكل عالمنا. إضافة إلى ذلك، إن معرفة أجندة البحث الجغرافي المستمر هي شيء أساسي لإدراك القضايا الأمنية العالمية وفهمها، والتي تسيطر على العالم الحديث. فالتأثيرات الأمنية للتغير البيئي، والتكاثر، والمخاوف الأمنية المرتبطة بالمناطق المهجورة، والتأثيرات التراكمية للنمو السكاني، والموارد المائية العالمية، والشبكات الإرهابية، والتأثيرات السلبية للممارسات غير المستدامة في البيئات الهامشية، لها أبعاد مكانية، والجغرافيا هي الاختصاص الأكثر ملاءمة لتوضيحها (2007 .de Blij et al).