أقرأ أيضاً
التاريخ: 2-7-2022
1693
التاريخ: 2024-08-10
422
التاريخ: 20-9-2016
4790
التاريخ: 5-6-2020
1801
|
لا إشكال في أنّ نسبة حديث نفي الضرر إلى أدلّة الأحكام الأوّلية نسبة العموم من وجه، فدليل وجوب الوضوء- مثلا- يدلّ على وجوب الوضوء في حالتي الضرر و عدمها، و حديث نفي الضرر يدلّ على نفي الحكم الضرري، سواء كان من قبيل وجوب الوضوء أو غيره، فذاك يشمل حالة الضرر و غيرها، و هذا يشمل وجوب الوضوء و غيره.
ومادة الاجتماع التي يتعارضان فيها هي الوضوء الضرري، فإنّ أحدهما يثبت الوجوب فيها و الآخر ينفيه.
والمناسب في موارد المعارضة بنحو العموم من وجه هو تساقط الدليلين في مادة المعارضة لا تقديم أحدهما، و معه فلما ذا يقدّم حديث نفي الضرر على الأدلّة الأوّلية؟
ونلفت النظر إلى أنّه لا إشكال بين الأعلام في تقدّم حديث نفي الضرر، و إنّما الإشكال و التساؤل عن النكتة الفنيّة لذلك.
وفي هذا المجال ذكرت عدّة أجوبة كان أحدها كون التقديم من جهة حكومة الحديث.
وحينما انجرّ الحديث إلى الحكومة وقع اختلاف ثان في المقصود من مصطلح الحكومة فهل يقصد منه نظر أحد الدليلين إلى الآخر أو يقصد منه شيء آخر؟
وانجرّ الحديث إلى اختلاف ثالث و هو: ما هي النكتة الفنيّة التي لأجلها يقدّم الدليل الحاكم على الدليل المحكوم؟
انّ هذه مواطن ثلاثة للاختلاف نحاول المرور عليها بشكل سريع.
وجه التقدّم :
أمّا بالنسبة إلى وجه تقدّم الحديث على الأدلّة الأوّلية فهناك عدّة آراء، نذكر من بينها :
١- انّ حديث نفي الضرر حينما نلحظه بالقياس إلى كل دليل من أدلّة الأحكام الأوّلية بانفراده فالنسبة و إن كانت هي العموم من وجه، إلّا أنّه حينما نلحظه بالقياس إلى مجموع الأدلّة الأوّلية فالنسبة نسبة العموم والخصوص المطلق، فإن دليل وجوب الصلاة لو ضمّ إلى دليل وجوب الصوم و الحجّ و ... صار مجموعها بمنزلة دليل واحد يقول :
تجب الصلاة والصوم و بقية الواجبات، و نسبة هذا الدليل الواحد الملحوظ بهذا الشكل إلى حديث لا ضرر نسبة العموم و الخصوص المطلق، فحديث لا ضرر بمنزلة الأخص و يقدّم من جهة الأخصيّة.
والوجه في صيرورته أخصّ: انّ دليل وجوب الصوم و الصلاة و ... و إن كان يثبت وجوب الامور المذكورة في حالة الضرر و عدمها- و هو من هذه الناحية أعمّ- إلّا أنّ حديث نفي الضرر يصير خاصّا و تنتفي عنه جهة العمومية، لأنّه إنّما كان أعمّ باعتبار أنّه ينفي الحكم الضرري، سواء كان وجوب الصلاة أو وجوب الصوم أو بقية الأحكام، فإذا فرض انّ كل الأحكام لوحظت بمنزلة حكم واحد فلا تبقى له عمومية.
وفيه : انّ ملاحظة مجموع الأدلّة الأوّلية بمنزلة دليل واحد عناية تحتاج إلى ما يبرّرها بعد فرض انّ كلّ واحد منها دليل مستقلّ حقيقة، و لا مبرّر يثبت ذلك.
٢- لو لم يقدّم حديث لا ضرر على الأدلّة الأوّلية يلزم الغاؤه رأسا و عدم بقاء مورد له، و هذا بخلاف ما لو قدّم فإنّه لا يلزم إلغاء الأدلّة الأوّلية رأسا، و إنّما يلزم اختصاصها بموارد عدم الضرر. و كلّما دار الأمر بين دليلين من هذا القبيل قدّم ما يلزم من عدم تقديمه الغاؤه رأسا، و هو حديث لا ضرر في المقام.
وفيه : انّ هذا الوجه جيّد، و لكن لا ينحصر وجه التقديم به كما سيتّضح.
٣- ما ذكره الآخوند في الكفاية. و حاصله: انّه كلّما كان عندنا دليلان، أحدهما: وارد لبيان الحكم الأوّلي للشيء، و الآخر: لبيان الحكم الثانوي له فالعرف يوفّق بينهما بحمل الأوّل على الحكم الاقتضائي و الثاني على الحكم الفعلي، و في المقام حيث إنّ الضرر عنوان ثانوي للأشياء فالعرف يحمل حديث نفي الضرر على بيان الحكم الفعلي و أنّ الوضوء محكوم فعلا بعدم الوجوب و انّ الوجوب الذي كان ثابتا له ثابت بنحو الاقتضاء، أي أنّ في الوضوء مصلحة و اقتضاء للوجوب بدون أن يصل ذلك إلى مرحلة الفعلية.
انّ الآخوند يعتقد أنّه كلّما اجتمع دليلان: أوّلي و ثانوي فالعرف يوفّق بينهما بحمل الأوّلي على الاقتضائي، و الثانوي على الفعلي.
وعند اجتماع الحكم الفعلي و الاقتضائي لا إشكال في لزوم الأخذ بالحكم الفعلي.
وفيه : أنّه ليس بوسعنا التصديق بورود الأدلّة الأوّلية لبيان الحكم الاقتضائي. و كيف يحتمل ورود مثل قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} [المائدة: 6] لبيان الحكم الاقتضائي ، وانّ هناك مقتضيا و مصلحة في الوضوء تقتضي وجوبه من دون أن يكون دالّا على وجوبه الفعلي؟!
و إذا قيل: ليس المدّعى أنّ دليل وجوب الوضوء يدلّ على الحكم الاقتضائي دائما و في جميع الحالات، و إنّما المدّعى دلالته على ذلك عند كونه مضرّا. و بتعبير أوضح هو يدلّ على الوجوب الفعلي عند عدم كونه مضرّا، و على وجوبه الاقتضائي عند كونه مضرّا.
قلنا: إنّ الدليل الواحد إمّا أن يدلّ على الوجوب الفعلي فقط، أو يدلّ على الوجوب الاقتضائي فقط، و لا معنى لأن يدلّ على هذا في حالة و على ذاك في حالة اخرى؛ إذ ذلك مخالف للظاهر جزما، فإنّ ظاهر كلّ دليل الدلالة على حكم واحد و ليس على حكمين.
٤- انّ دليل القاعدة و الأدلّة الأوّلية متعارضان، و بعد التعارض و التساقط يرجع إلى الأصل العملي، و هو يقتضي البراءة التي هي تتّفق مع نتيجة تقديم قاعدة لا ضرر.
وفيه : انّ المعارضة و التساقط غير تامين، لإمكان الجمع العرفي بالحكومة كما سنذكر.
٥- أن يكون الوجه في ذلك هو حكومة حديث لا ضرر على الأدلّة الأوّلية، و هذا الوجه هو المعروف بين المتأخّرين.
وما ذا تعني الحكومة ؟
الحكومة :
انّها تعني نظر أحد الدليلين إلى الآخر بحيث يكون الأوّل لغوا لو لم يفرض الثاني في مرحلة أسبق و هذا كما هو الحال في مقامنا، فإنّ حديث لا ضرر ينفي الضرر من زاوية التشريع، فلا بدّ من فرض تشريع و أحكام في مرحلة سابقة لينفيها حديث لا ضرر في حالة الضرر.
هذا، و هناك رأي ثان (١) في تفسير الحكومة يقول : إنّ الدليلين متى ما كان لسان أحدهما مسالما للدليل الثاني فالأوّل هو الحاكم و الثاني هو المحكوم، فلو قيل: أكرم العالم، ثمّ قيل لا تكرم العالم الفاسق، كان لسان الثاني منافيا للأوّل، أمّا لو قيل بدل الدليل الثاني: الفاسق ليس بعالم، كان لسانه مسالما للأوّل.
وإذا كان اللسان مسالما فهو مورد الحكومة، و إذا لم يكن مسالما فهو مورد التخصيص.
وتظهر الثمرة بين التفسيرين فيما إذا فرض أنّ حديث لا ضرر لم يثبت نظره إلى الأدلّة الأوّلية- كما هو رأي الآخوند- فإنّه على الرأي الأوّل لا يكون حاكما، في حين أنّه على الرأي الثاني يكون حاكما، لأنّ لسانه مسالم للأدلّة الأوّلية.
ثمّ إنّ الآخوند في الكفاية رفض تقديم حديث لا ضرر من ناحية الحكومة، باعتبار أنّها متقوّمة بالنظر و لم يثبت نظر حديث لا ضرر إلى الأدلّة الأوّلية، و بنى على كون التقديم من جهة التوفيق العرفي بالبيان المتقدّم.
ولعلّ السبب في إنكاره للنظر أنّ حديث لا ضرر كأنّه يقول بلسانه: أنا لا أجعل حكما ضرريا، وواضح انّ مثل هذا اللسان لا يتوقّف على افتراض وجود أحكام مسبقة، فإنّ اللسان المذكور يصحّ حتى لو فرض عدم تشريع أحكام مسبقة، إذ عدم جعل حكم ضرري لا يتوقّف على وجود أحكام مسبقة.
ويردّه : انّ ذلك يتمّ لو فرض انّا كنّا نحتمل أنّ المولى لم يشرّع حكما سوى قاعدة لا ضرر، أمّا بعد جزمنا بوجود شريعة و أحكام فلا بدّ من كون الحديث ناظرا إلى تلك الشريعة و الأحكام ليبيّن أنّها غير ثابتة في حالة الضرر.
نكتة تقدم الحاكم :
يبقى علينا أن نعرف نكتة تقدّم الدليل الحاكم على الدليل المحكوم، فإنّ من المسلّم بين جميع الأعلام تقديم الدليل الحاكم، و إنّما اختلفوا في نكتة تقدّمه. و في هذا المجال يوجد رأيان:
١- ما أفاده الشيخ النائيني (2).
وحاصله : أنّ الدليل المحكوم يتكفّل إثبات الحكم على تقدير ثبوت الموضوع و لا يتكفّل إثبات الموضوع و أنّه متحقّق بالفعل أو لا في حين أن الدليل الحاكم ينفي تحقّق الموضوع، و مثل هذين لا تعارض بينهما، فدليل أكرم العالم - مثلا- يقول : على تقدير كون هذا أو ذاك عالما يجب اكرامه، أمّا أنّ هذا أو ذاك عالم بالفعل فلا يتكفّل اثباته، فإذا جاء دليل ثان يقول الفاسق ليس بعالم فلا يكون معارضا للأوّل ليتأمّل في وجه تقدّمه عليه.
ويردّه : انّ دليل أكرم العالم يثبت وجوب الإكرام لمن كان عالما حقيقة و واقعا كما هو شأن كل دليل حيث يثبت الحكم للموضوع الواقعي، و واضح أنّ دليل الفاسق ليس بعالم لا ينفي العالمية واقعا لكي لا يتنافى و وجوب إكرام كلّ عالم.
٢- أن يكون وجه التقدّم هو النظر، فإنّ كون الدليل الحاكم ناظرا إلى الدليل المحكوم هو بنفسه نكتة تكفي في نظر العرف للتقدّم، لأنّ معنى كونه ناظرا هو أنّ المتكلّم قد أعدّه لتوضيح المقصود من الدليل المحكوم، و واضح أنّ ما اعدّ لتوضيح المقصود من غيره يكون هو المقدّم في نظر العرف.
____________
(١) تبنّاه السيّد السيستاني (دام ظلّه) في قاعدة لا ضرر: ٢٣٩.
(2) رسالة لا ضرر: ٢١٣، و تبنّى هذا الرأي السيّد الخوئي أيضا في مصباح الاصول ٢:
٥٤٢.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|