أقرأ أيضاً
التاريخ: 29-09-2015
2098
التاريخ: 29-09-2015
1556
التاريخ: 30-09-2015
2417
التاريخ: 14-08-2015
4399
|
إذا كان في ميسور القصة تصوير الحياة في فترة من فتراتها بكل جزئياتها وملابساتها غير مقيدة بقيد ما إلا التعبير بلغة مناسبة للجو والحادثة والشخصية في كل موضع من مواضعها، فالتمثيلية تتقيد معها بهذا القيد دون ان تتمتع بالحرية التي تتمتع بها في الجوانب الاخرى!
هي أولا مقيدة بزمن محدود. زمن التمثيل. فلا
تملك ان تتجاوز حدا معيناً من الطول، ليمكن تمثيلها في فترة معقولة.
وهذا القيد الزمني الكمي، يجعلها مقيدة بقيد
آخر من حيث المجال. فهي لا تملك تناول الجزئيات وتسلسلها، لان هذا يطيلها اطالة لا
تملكها. لذلك تقتصر على تصوير أبرز المواقف في الحادثة. وتقع بين هذه المواقف
فجوات صغيرة او كبيرة. وقد تتسع هذه الفجوات الى حد ان تسقط جيلا كاملا بين الفصل
والفصل، لا نقول عنه إلا كلمة عابرة خلال السياق، تشير الى وقائع وأحداث لو
تناولتها القصة لأفرغت فيها عشرات الصفحات (1).
وهي مقيدة ثانيا بطريقة تعبير معينة. هي
الحوار. في حين تملك القصة ان تكون حوارا في بعض المواضع، ووصفا في بعضها، وتعليقا
على هذا الحوار يوضحه ويحلله .. إلخ.
وهي مقيدة ثالثا بقيود المسرح والممثل
والنظارة. فالقصة حرة في ان تختار المجال الذي تقع فيه حوادثها، في الطبيعة: في
البحار والصحاري والجبال والوهاد، وفي كل مكان يخطر لها ان تقع احداثها فيه. اما
التمثيلية فهي مقيدة – من ناحية المسرح-بمكان محدد، لا تظهر فيه الا مناظر محدودة.
وقد يستعين المخرج بالحيلة لتمثيل منظر في غابة او صحراء او جبل او بحر. ولكنه
مقيد على كل حال بسعة المسرح. لذلك تلجأ التمثيلية الحديثة – في الغالب-الى ان
تجعل مجال حوادثها داخل البيوت وما يقرب من البيوت، لأنها لا تستطيع ان تصور
مجالها في الخيال كالقصة، ولا في الواقع كالفيلم السينمائي.
ومقيدة من ناحية الممثل وقدرته على الحركة
المنظورة قدرة انسانية. فيجب ان تكون المقدرة المنظورة لجميع ابطال التمثيلية قدرة
انسانية. أما قوى الطبيعة، والقوى الخارقة على العموم فليست في متناول الممثل ولا
متناول المسرح. ولهذا تتجنبها التمثيلية الحديثة تجنبا كليا او جزئيا، بينما القصة
طليقة في تصوير جميع القوى وعرضها للخيال.
ومقيدة بالنظارة فهم يريدون حركة ينفعلون
لها. حركة منظورة بقدر الامكان، لا حركة نفسية وشعورية خفية، ولا حركة ذهنية
تجريدية، لان الحركة المحسوسة هي التي يستمتع بمشاهدتها جمع من الناس، بينما
الحركة الشعورية او الذهنية تحتاج الى فرد في وحدة، لديه فسحة للتأمل والتفكير،
ومتابعة الاحاسيس الفردية والفكر التجريدية .. وهذا يقيد التمثيلية بنوع خاص من
الاتجاه في الموضوع في التعبير، ويحتاج الى مهارة معينة للاستعاضة عن الجملة
بالحركة، وعن الخاطرة بالحادثة، وفي اختيار المواقف والحركات والمشاعر المعبرة في
ذات الوقت عن أهم حوادث الموضوع، دون تزوير أو افتعال، ودون ان تكون مع هذا مملة
او قاطعة للحركة الشعورية.
ولأن التمثيل حركة محسوسة، تتقيد التمثيلية
بالواقع المحدد اشد مما تتقيد القصة، لان النظارة لابد ان يشعروا بأنهم امام مشاهد
حقيقية – لا تمثيلية – لكي يندمجوا في الجو ويستمتعوا بالمشاهدة. ولهذا يستعين
المخرج بكل الوسائل المساعدة التي تحقق هذا الشعور، من المناظر وملابس الممثلين
وحركاتهم وانفعالاتهم. فاذا لم تكن الحوادث (واقعية) – لا بالمعنى الاصطلاحي ولكن
بمعنى طبيعية – انكشف الامر وفشل بالوسائل المساعدة. وهذا يحتم – فوق واقعية
الحوادث – ان يكون التعبير عنها مفصلا على قدود الابطال ومواقفهم وثقافتهم بقدر
الامكان. وإذا كان هذا شرطا في القصة الناجحة، فهو كذلك في التمثيلية، وبدرجة ألزم
وأشد ضرورة، لان كل انحراف غير طبيعي في التعبير او التفكير يكشفه (اللعبة) ويضيع
الجو التأثيري الذي تحاوله التمثيلية، كما يتحتم ان تكون الخاتمة متمشية مع سير
الحوادث بحيث يتوقعها المشاهد، ويراها عاقبة طبيعية غير مفتعلة ولا مستحيلة مهما
كان فيها من عنصر المفاجأة.
يتبين من هذا كله ان التمثيلية في حاجة الى
موهبة اخرى غير الموهبة القصصية. فالموهبة في القصة تصوير وتسلسل واستطراد.
والموهبة في التمثيلية تنسيق وتقطيع وحركة.
وفي القصة تنسيق لا شك فيه، في اختيار
الحوادث وترتيبها لتؤدي الى نهاية معينة طبيعية في الوقت ذاته. ولكن المسرحية تزيد
على هذا اختيارا آخر. هو اختيار أبرز الحوادث المتقطعة بحيث تغنى عن الحوادث المتسلسلة
الساقطة في الفجوات قبل الفصل الأول وبين الفصول. وهي في هذا أشبه بعمل المصور في
اختيار منظر واحد من مناظر الموضوع يوحى بما سبق من مناظره وبما لحق.
وتصوير طبيعة انسانية او موقف انساني بالوصف
شيء، وتشخيصه بالحركة المحسوسة واللفظة المنطوقة شيء آخر؛ والمقدرة التي يحتاج إليها
الكاتب ليخلق شخوصا ناطقة متحركة هي مقدرة من نوع آخر غير التي يحتاج إليها ليخلق
شخوصا موصوفة مرسومة.
والبراعة في الحوار – تلك الجمل القصيرة التي
قد تكون في بعض الاحيان لفظا واحدا – غير البراعة في الوصف المتسلسل المطرد المطلق
من جميع القيود.
والجملة الزائدة في القصة قد تستساغ لما فيها
من فن لفظي وتصويري ولكن الجملة الزائدة في الحوار قد تطفئ الموقف، وتمل النظارة، لأنها
تبطئ الحركة عن موعدها المناسب والحركة أهم من العبارة في المسرح! وكثير من
الحوادث يستساغ حين يكون اوصافاً في عبارات، ولكنه يميل ويستسخف حين يكون حوادث
وحركات.
ويتبين من هذا كذلك ان الموضوع الذي تستطيع
ان تعالجه التمثيلية ينحرف قليلا او كثيرا عن الموضوع الذي تستطيع ان تعالجه
القصة. فكل الموضوعات هي موضوعات قصصية. سواء كانت متحركة او ساكنة، وسواء تمت هذه
الحركة في الخارج او في الشعور. اي سواء تضمنت حوادث او تضمنت مشاعر. فتملك القصة
مثلا ان تستنفد أربعمائة صفحة تصف لنا فيها خواطر فرد او عدة افراد فقط دون ان يأتي
هذا الفرد بحركة ما، ودون ان يصنع هؤلاء الافراد سوى تبادل كلمات وعبارات قليلة
حول مشكلة شعورية او ذهنية تتم كلها في داخل الشخصية الانسانية. اما التمثيلية فلا
تملك هذا. لابد من حركة. وحركة منظورة غالبا. والحركة الشعورية والذهنية ان لم
تمثل في حركات محسوسة تفقد حرارتها وتمل النظارة.
ومن هنا يتعين نوع الموضوعات التي تستطيع
التمثيليات ان تعالجها. فهي الموضوعات الواقعية على وجه الإجمال، والتي يكون
مجالها هو الارض بل رقعة محدودة من الارض، والتي تكثر فيها الحركة الانسانية
المحسوسة على قدر الإمكان.
ومن هنا كذلك ندرك ان التمثيلية الرمزية
تختار ميدانا غير ميدان التمثيلية. لأنها تستعيض بالفكرة عن الشخص، وبالحركة
الفكرية عن الحركة الحسية. فتخل بشرطين اساسيين في التمثيلية: الواقعية والحركة.
وهما قوامها الاصيل.
ولذلك أخفقت تمثيليات توفيق الحكيم في مصر.
على وجه التقريب. وليس مرجع هذا الاخفاق الى الاخراج والتمثيل. بل مرجعه في الغالب
الى خروج هذه التمثيليات عن ميدانها الطبيعي، وعدم اتساقها مع الادوات الميسرة
للتعبير في التمثيلية وهي أدوات مشتركة من اللفظ والممثل والمسرح والنظارة بخلاف
الفنون الادبية الاخرى التي اداتها اللفظ وحده.
نعم ان للتمثيلية الرمزية قيمتها الادبية
المطلقة. ولكن لتقرأ لا لتمثل. اي لنأخذ وضع القصة. إلا أنها لكي تملا مكانها هنا
يجب ان تضم الى قيمتها الذهنية قيمة
شعورية انسانية، تمنحها الحرارة وتجعلها
قادرة على الايحاء الشعوري مثيرة للانفعال، وإلا بقيت باردة في المنطقة الفكرية
المجردة، لا تحمل من الرصيد الشعوري جواز المرور الى سجل (العمل الأدبي) الذي هو
كما أسلفنا: (تعبير عن تجربة شعورية في صورة موحية).
ويحسن هنا ان اوضح معنى (الواقعية) الذي
نعنيه هنا. فليس الانسان السوي هو فقط الانسان الواقعي، بل كذلك الانسان الشاذ
ارتفاعا وهبوطا، وصحة ومرضاً. فمكبث وأوديب وهملت ومجنون ليلى وعبد الرحمن القس
وروميو وجوليت. كلهم اشخاص واقعيون طبيعيون (2). لان الشاذ طبيعي كذلك، ما دام
الشذوذ داخلا في دائرة الطبيعة الواقعة.
نعم ان هناك ميلا الان الى اظهار أكثر من
جانب واحد في الشخصية الواحدة. لان الدراسات النفسية الحديثة قد اوضحت ما كان من
قبل ملحوظا من ان الشخصية الانسانية مزيج من المشاعر والاحاسيس والدوافع الخيرة
والشريرة، والعناصر الوضعية والرفيعة، وأنه ليس هناك في عالم النفس أسود خالص ولا
ابيض خالص، ولابد ان ينتفع الأدب مما تكشفه الدراسات والملاحظات في عالم النفس
وعالم الظاهر.
ولكن هذا لا ينفي ان اتجاها واحدا جارفا في
بعض النفوس غير السوية هو الذي يطبع الشخصية. فلا حرج على كاتب التمثيلية ان يبرز
هذا الجانب كاملاً واضحا في بعض الاحيان، ما دام قادرا على ان يشعرنا بحقيقة
الموقف وجديته بلا تعمل ولا افتعال.
أما الموضوع فلا تقيد فيه بغير القيود
الطبيعية للتمثيلية، وهي التي تحدثنا عنها من قبل. فيستوي بعد ذلك ان يكون تاريخية
او حاضراً او مستقبلا، ما دام العنصر الإنساني الواقعي ملحوظا فيه. ولا عبرة بما
يحتمه بعض أنصار المذاهب الاجتماعية من تقييد الأديب بموضوعات معينة تخص الصراع
الاجتماعي في فترة خاصة، او تصور رجل الشارع دون بقية الطبقات. فذلك تقييد للفن
بغير قيوده. وان كانت التمثيلية بالذات من الفنون التي تزداد حيوية حين تعالج
المشكلات المعاصرة. ولكن يجب ان ينظر الى هذا من الناحية الفنية لا من الناحية
الاجتماعية. اي ان يعالج الموضوع على اساس تأثرات الفنان الذاتية لا على أساس
إيحاء مفتعل وتوجيه من خارج النفس.
وتبقى كلمة عن لغة الحوار.
وقد قلنا ان كل انحراف غير طبيعي في التعبير
او التفكير (يكشف اللعبة ويضيع الجو التأثيري الذي تحاوله (التمثيلية) فيجب اذن ان
تكون لغة الحوار مناسبة لمستوى الشخصيات التفكيري. وإذا كان من غير الجائز ان ينطق
الرجل العلمي بالفكرة الفلسفية، كذلك ينبغي الا ننطقه بلغة كبار الادباء!
واللغة العربية – ولو انها لغة الخواص –
يستطاع تطويعها للمستويات المختلفة كما أسلفنا في القصة. وهذا التطويع هنا ألزم، لأنه
جزء اساسي من كيان التعبير في التمثيلية.
وهذا يسوقنا الى التمثيلية المنظومة. وفي
اعتقادي ان العصر لم يعد يحتمل ان تكتب التمثيلية. فلم يعد من الطبيعي ان يعبر
الشعر عن غير اللحظات الفائقة في الحياة كما أسلفنا. والتمثيلية التي تمثل الواقع
الطبيعي ليست كلها لحظات فائقة بطبيعة الحال، وموضوعاتها الحاضرة موضوعات عصبية في
الغالب، لان هذه هي انسب الموضوعات.
ويجوز في بعض الاحيان ان يعبر عن مواقف خاصة
في التمثيلية شعراً إذا كان موضوعها تاريخيا او عاطفية. ولكني لا أكاد أتصور ان
يقف جماعة من الناس ساعتين او ثلاث يتخاطبون بالشعر، لا في هذا العصر، ولا حتى في
العصور القديمة، إلا ان الموقف في هذا العصر اعجب والتزوير أوضح .. لقد انقضى عصر
التمثيلية الشعرية ولا فائدة من بعث قديم مات!
__________________
(1)
تخلصت التمثيلية الحديثة من شرط الوحدات
الثلاث: فلم تعد وحدة الزمن قيدا فيها كما كانت في العصر القديم.
(2)
لم آخذ هنا بالاصطلاحات الاجنبية عن
(الرومانسية) و(الواقعية) ... إلخ إنما نظرت الى طبيعة هذه الشخصيات وإمكان وجودها
في الحياة، واستخدمت كلمة (واقعية) بمعنى جائزة الوقوع.
دلَّت كلمة (نقد) في المعجمات العربية على تمييز الدراهم وإخراج الزائف منها ، ولذلك شبه العرب الناقد بالصيرفي ؛ فكما يستطيع الصيرفي أن يميّز الدرهم الصحيح من الزائف كذلك يستطيع الناقد أن يميز النص الجيد من الرديء. وكان قدامة بن جعفر قد عرف النقد بأنه : ( علم تخليص جيد الشعر من رديئه ) . والنقد عند العرب صناعة وعلم لابد للناقد من التمكن من أدواته ؛ ولعل أول من أشار الى ذلك ابن سلَّام الجمحي عندما قال : (وللشعر صناعة يعرف أهل العلم بها كسائر أصناف العلم والصناعات ). وقد أوضح هذا المفهوم ابن رشيق القيرواني عندما قال : ( وقد يميّز الشعر من لا يقوله كالبزّاز يميز من الثياب ما لا ينسجه والصيرفي من الدنانير مالم يسبكه ولا ضَرَبه ) . |
جاء في معجمات العربية دلالات عدة لكلمة ( عروُض ) .منها الطريق في عرض الجبل ، والناقة التي لم تروَّض ، وحاجز في الخيمة يعترض بين منزل الرجال ومنزل النساء، وقد وردت معان غير ما ذكرت في لغة هذه الكلمة ومشتقاتها . وإن أقرب التفسيرات لمصطلح (العروض) ما اعتمد قول الخليل نفسه : ( والعرُوض عروض الشعر لأن الشعر يعرض عليه ويجمع أعاريض وهو فواصل الأنصاف والعروض تؤنث والتذكير جائز ) . وقد وضع الخليل بن أحمد الفراهيدي للبيت الشعري خمسة عشر بحراً هي : (الطويل ، والبسيط ، والكامل ، والمديد ، والمضارع ، والمجتث ، والهزج ، والرجز ، والرمل ، والوافر ، والمقتضب ، والمنسرح ، والسريع ، والخفيف ، والمتقارب) . وتدارك الأخفش فيما بعد بحر (المتدارك) لتتم بذلك ستة عشر بحراً . |
الحديث في السيّر والتراجم يتناول جانباً من الأدب العربي عامراً بالحياة، نابضاً بالقوة، وإن هذا اللون من الدراسة يصل أدبنا بتاريخ الحضارة العربية، وتيارات الفكر العربية والنفسية العربية، لأنه صورة للتجربة الصادقة الحية التي أخذنا نتلمس مظاهرها المختلفة في أدبنا عامة، وإننا من خلال تناول سيّر وتراجم الأدباء والشعراء والكتّاب نحاول أن ننفذ إلى جانب من تلك التجربة الحية، ونضع مفهوماً أوسع لمهمة الأدب؛ ذلك لأن الأشخاص الذين يصلوننا بأنفسهم وتجاربهم هم الذين ينيرون أمامنا الماضي والمستقبل. |
|
|
كل ما تود معرفته عن أهم فيتامين لسلامة الدماغ والأعصاب
|
|
|
|
|
ماذا سيحصل للأرض إذا تغير شكل نواتها؟
|
|
|
|
|
جامعة الكفيل تناقش تحضيراتها لإطلاق مؤتمرها العلمي الدولي السادس
|
|
|