أقرأ أيضاً
التاريخ: 7-08-2015
1969
التاريخ: 6-08-2015
806
التاريخ: 5-07-2015
1081
التاريخ: 20-11-2014
823
|
اعلم أنّ القائلين بأنّ الحسن والقبح عقليّان اختلفوا في أنّهما ذاتيّان مطلقا ـ بمعنى أنّ كلّ ذات فعل له حسن أو قبح في الواقع ونفس الأمر ، لا أنّ كلّ حسن أو قبح منسوب إلى الذات ؛ لأنّ الظاهر أنّ صيرورة الحسن بالذات قبيحا بالعرض ، وبالعكس كالصدق الضارّ والكذب النافع المنجي للنفس المحترمة من الهلاك ممّا لا ينكره أحد ـ أو بالوجوه والاعتبارات ، أو نحو ذلك مطلقا ، أو بالتفصيل على أقوال ، ونحن نكتفي في ذلك بذكر كلمات بعض المتكلّمين.
ففي المواقف وشرحه : « ( ثمّ إنّهم اختلفوا
، فذهب الأوائل منهم ) إلى أنّ حسن الأفعال وقبحها لذواتها لا بصفات (1) فيها
تقتضيهما.
وذهب بعض من بعدهم من المتقدّمين ( إلى
إثبات صفة ) حقيقيّة ( توجب ذلك مطلقا ) أي في الحسن والقبح جميعا ، فقالوا : ليس
حسن الفعل أو قبحه لذاته كما ذهب إليه من تقدّمنا من أصحابنا ، بل لما فيه من صفة
موجبة لأحدهما.
( و ) ذهب ( أبو الحسين من متأخّريهم إلى
إثبات صفة في القبيح ) مقتضية لقبحه ( دون الحسن ) ؛ إذ لا حاجة به إلى صفة محسّنة
له ، بل يكفيه لحسنه انتفاء الصفة المقبّحة.
( و ) ذهب ( الجبائيّ إلى نفيه ) أي نفي
الوصف الحقيقيّ ( فيهما مطلقا ) فقال : ليس حسن الأفعال وقبحها بصفات حقيقيّة فيها
، بل بوجوه اعتباريّة وأوصاف إضافيّة تختلف بحسب الاعتبار ، كما في لطم اليتيم
تأديبا وظلما » (2) انتهى.
ومثله ذكر الشارح القوشجي في شرح الكتاب
(3) وكذا غيره.
والحاصل : أنّ الأقوال في المسألة خمسة :
الأوّل : أنّ الحسن والقبح ذاتيان بالمعنى
المذكور كما عن القدماء.
الثاني : أنّهما لصفة لازمة لذات الشيء ،
موجبة لهما.
الثالث : أنّهما بالوجوه والاعتبارات ؛
لترتّب مصلحة أو مفسدة ظاهرة أو كامنة ، ولكن حكم العقل مخصوص بالصورة الأولى.
الرابع : أنّ الحسن ذاتيّ ، والقبح لصفة
مقبّحة كما عن أبي الحسين.
الخامس : أنّهما للقدر المشترك الأعمّ ،
كما اختاره أستاذ الأستاذ (4) حاكيا عن غير المعتزلة ، وهو ظاهر المقدّس
الأردبيليّ أيضا ؛ حيث قال : « ينبغي أن يختار أنّه قد يكون لذاته كما في الصدق
والكذب ، وقد يكون لصفة ذاتيّة ، وقد يكون لوجوه واعتبارات كما في لطم اليتيم » (5).
والحقّ هو الأوّل كما عن الأوائل (6).
ويشهد على كونهما ذاتيّين أنّ من استوى في
تحصيل غرضه الصدق والكذب بحيث لا مرجّح أصلا ، ولا علم باستقرار الشرائع على تحسين
الصدق وتقبيح الكذب ، فإنّه يؤثر الصدق قطعا، ويترك الكذب حتما ، وما ذاك إلاّ لأنّ
حسنه بالمعنى المتنازع فيه ذاتيّ ضروريّ عقليّ ، وكذا إنقاذ من أشرف على الهلاك
حيث لا يتصوّر له نفع وغرض ولو كان مدحا وثناء.
وتوهّم أنّ إيثار الصدق لملاءمة الطبع
والمصلحة العامّة ، وإنقاذ الهالك لرقّة الجنسيّة المجبولة في الطبيعة كأنّه
يتصوّر لنفسه مثل تلك الحالة فيستحسنه من نفسه كما يستحسنه من غيره في حقّه فاسد ؛
لما لا يخفى.
فإن قلت : الذاتيّ لا يختلف ولا يتخلّف ،
والحسن والقبح يختلفان ويتخلّفان كما في الصدق الضارّ والكذب النافع الموجب لنجاة
النفس المحترمة ، فلا يمكن كونهما ذاتيين.
قلت : عدم تخلّف الذاتيّ إنّما هو بحسب نفس
الأمر ، فلا ينافي صيرورة الحسن بالذات قبيحا بالعرض ، وبالعكس ، كما لا يخفى.
وبالجملة ، فالأحكام الشرعيّة الفرعيّة
التكليفيّة كالوجوب والحرمة مترتّبة على الحسن والقبح الواقعيّين ـ ذاتيّين كانا
أم عارضيّين لمصلحة بارزة أو كامنة ـ وتسمّى تلك الأحكام شرعيّة ؛ لكون الشرع
كاشفا ، أو مؤكّدا لا جاعلا كما هو مذهب الأشاعرة ؛ حيث جعلوا العقل معزولا ،
وجعلوا الشرع جاعلا في الأحكام الشرعيّة الفرعيّة التكليفيّة كالوضعيّة.
وكيف كان ، فبعد ثبوت كون حسن الأشياء
وقبحها عقليّين ذاتيّين نقول : إنّ أفعال الله تعالى كلّها ـ حتّى التكليف ونحوه ـ
حسنة بالحسن العقليّ الذاتيّ أو العارضيّ بسبب الوجوه والاعتبار ، وليس فيها قبح
وغبار ، كما أشار إليه المصنّف بقوله : ( واستغناؤه وعلمه يدلاّن على انتفاء القبح
من أفعاله تعالى مع قدرته عليه ؛ لعموم النسبة ، ولا ينافي الامتناع اللاحق ).
بيان ذلك : أنّ الله تعالى عالم بالعلم
الذاتيّ بجميع الأشياء التي منها حسن الأشياء وقبحها الواقعيّان ... والعالم بقبح
القبيح المستغني عنه لا يفعله ببديهة العقل ؛ لعدم الداعي إليه ووجود الصارف عنه ،
مضافا إلى أنّه لو صدر عنه تعالى القبيح لزم ترجيح المرجوح ، فتجويز صدور القبيح
عنه تعالى تجويز لكونه تعالى موردا للذمّ عقلا ، وهو ممتنع ضرورة ، فلا يكون خالقا
للكفر والعصيان ، وإلاّ كان التعذيب عليهما قبيحا ، والقبيح لا يصدر عنه تعالى،
فيلزم أن لا يكون واقعا ، فيكون الإخبار بإيقاعه كذبا ، وهو محال عنه تعالى.
وبالجملة ، فهو تعالى لا يفعل القبيح ولا
يخلّ بالواجب ، بل جميع أفعاله حسنة بالحسن العامّ ؛ لأنّه عالم بالحسن ، وقادر
على إيجاد الحسن من غير صارف ، فالداعي موجود ، والمانع مفقود، فالأثر لازم ؛
لامتناع تخلّف المعلول عن العلّة التامّة.
وقال الشارح القوشجي : « قد أجمعت الأمّة
إجماعا مركّبا على أنّ الله تعالى لا يفعل القبيح ولا يترك الواجب ، فالأشاعرة من
جهة أنّه لا قبيح منه ، ولا واجب عليه ، ولا يتصوّر منه فعل قبيح ولا ترك واجب.
وأمّا المعتزلة فمن جهة أنّ ما هو قبيح يتركه ، وما يجب عليه يفعل ، لأنّ الله
تعالى مستغن عن غيره ـ قبيحا كان أو حسنا ـ وعالم بحسن الأعمال وقبحها ، وقد علم
بالضرورة أنّ العالم بالقبيح ، المستغني عنه لا يصدر عنه » (7).
وفيه أوّلا : أنّ الأشاعرة يقولون بقبح
المعاصي شرعا ، ومع ذلك يقولون بأنّ الله تعالى يفعلها ويخلقها ؛ ولهذا قال
العلاّمة في الشرح : « ونازع الأشعريّة في ذلك وأسندوا القبائح إليه تعالى» (8).
وقال الشارح القديم : « أمّا الأشاعرة ،
فلأنّهم لمّا أسندوا جميع الممكنات الموجودة إلى الله تعالى ، جوّزوا صدور القبيح
عنه » (9).
وثانيا : أنّ إطلاق الإجماع المركّب على
ذلك الاتّفاق المدّعى ـ لو سلّم تحقّقه ـ خلاف مصطلح الأصوليّين ، كما لا يخفى.
وكيف كان ، فالقائلون بعدم صدور القبيح عن
الله تعالى اختلفوا في أنّه تعالى قادر عليه ، أم لا؟ فالأكثر على أنّه تعالى قادر
عليه. والنظّام ـ على ما حكي (10) عنه ـ اختار أنّه تعالى لا يقدر على خلق القبيح.
واختار المصنّف مذهب الأكثر ؛ فإنّه الصحيح.
واحتجّ عليه بأنّ نسبة القدرة إلى جميع
الممكنات على السواء ، والقبائح منها ، فيكون قادرا عليها.
واحتجّ النظّام بأنّ فعل القبيح محال ؛
لأنّه يدلّ على الجهل ، أو الحاجة ، وكلاهما محال ، وما يؤدّي إلى المحال محال ،
والمحال غير مقدور (11).
والجواب : أنّ الامتناع الوقوعيّ من جهة
القبح لاحق للإمكان الأصليّ بالنظر إلى الحكمة ، فلا ينافي القدرة الذاتيّة ؛ فإنّ
المحال الوقوعيّ مقدور ذاتيّ.
وصل
هذا الاعتقاد من أصول المذهب التي عليها
بناء مذهب الاثني عشريّة ، فمن أنكره فهو خارج عن المذهب ، لا الدين ، كما لا
يخفى.
__________________
(1) في المصدر : « لا لصفات ».
(2) « شرح المواقف » 8 : 184.
(3) « شرح تجريد العقائد » : 337 ـ 339.
(4) اختاره الحكيم السبزواريّ حاكيا عن الشيخ
البهائيّ في « زبدة الأصول » وحواشيها. راجع « شرح الأسماء » : 322.
(5) « الحاشية على إلهيّات الشرح الجديد
للتجريد » : 120.
(6) « كشف المراد » : 302 ؛ « شرح تجريد العقائد
» للقوشجي : 338 ؛ « شرح الأسماء» : 318 ؛ « شرح المواقف » 8 : 184.
(7) « شرح تجريد العقائد » : 339.
(8) « كشف المراد » : 305.
(9) الشرح القديم غير متوفّر لدينا.
(10) حكي عنه في « المحصّل » : 418 ؛ « كشف
المراد » : 306 ؛ « إرشاد الطالبين » : 188 ؛ « شرح تجريد العقائد » للقوشجي : 339
؛ « شرح الأصول الخمسة » : 213.
(11) « المحصّل » : 418 ؛ « إرشاد الطالبين »
: 188 ؛ « شرح تجريد العقائد » : 399.
|
|
5 علامات تحذيرية قد تدل على "مشكل خطير" في الكبد
|
|
|
|
|
لحماية التراث الوطني.. العتبة العباسية تعلن عن ترميم أكثر من 200 وثيقة خلال عام 2024
|
|
|