مرحلة الشباب أو القوة :

أثناء عملية بناء الدولة وتطويرها قد تطرأ ظروف جديدة تدريجيا أو فجائيا، فتتحول الدولة من مرحلة النشأة (الطفولة) إلى مرحلة الشباب، وتبلغ الدولة هذه المرحلة عندما تنتهى من تكتيل أجزائها المختلفة والتأليف بين مجموعاتها البشرية التى تعيش فيها. وعادة ينظر إلى مثل هذه الدول على أنها مصدر للأخطار التى تهدد العالم؛ لأن الدول التى تمر بهذه المرحلة تتميز بالشعور بعدم الرضا أو الاقتناع بالواقع وبحدودها ومواردها الحالية، ولذلك تسعى إلى فتح أسواق جديدة والحصول على موارد جديدة، والمواد الخام اللازمة لصناعاتها، ولذلك تسعى لتوسيع نفوذها السياسي والاقتصادي خارج حدودها السياسية. وقد حدث ذلك عندما سيطر الاتحاد السوفيتي على جميع الدول الصغيرة وخاصة دول بحر البلطيق (لاتفيا ولتوانيا واستونيا) الواقعة على حدوده الغربية، وعندما سيطر على أجزاء من العالم الإسلامي فى جنوبه الغربي، وكما حدث بالنسبة لألمانيا قبيل الحرب العالمية الأولى ١٩١٤، وقبيل الحرب العالية الثانية١٩٣٩،عندما ضمت إليها النمسا وتشيكوسلوفاكيا.

وكما حدث لليابان التى بلغت تلك المرحلة فى عام ١٩٣٥عندما امتد نفوذها إلى جنوب شرق آسيا وشمالا حتى جزر سخالين، وتوغلت غربا فى منشوريا والصين، كما بلغت هذه المرحلة إيطاليا فى عام ١٩١١ عندما هاجمت الإمبراطورية العثمانية وضمت إليها بعض أملاكها فى أوربا وأفريقيا.

وليس من الضروري أن تتحول الدول من مرحلة الطفولة إلى مرحلة الشباب، فقد تتحول الدولة القديمة التى فى مرحلة النضج أو الشيخوخة إلى مرحلة الشباب، وذلك بالكشوف الجديدة أو الاختراعات الحديثة كما حدث بالنسبة لإسبانيا والبرتغال، فقد تحولتا إلى مرحلة الشباب عقب كشف طريق رأس الرجاء الصالح حول أفريقيا، وكشف العالم الجديد مما ساعد على التوسع فى المناطق الجديدة وتوفر فرص الاستغلال، وكما حدث أيضا بالنسبة لبريطانيا أثناء القرن التاسع عشر ونتيجة تطورها الصناعي الذى أدى إلى رغبتها فى الحصول على المواد الخام و توفير أسواق لتصريف منتجاتها، وبذلك سعت للسيطرة على مناطق فى كل من أفريقيا وجنوب شرق آسيا لتحقيق هذا الغرض، وكذلك بالنسبة لألمانيا واليابان وإيطاليا قبيل الحرب العالمية الثانية.

وقد أدت فترة الشباب إلى كثير من الحروب بين بعض الدول التى تمر بهذه المرحلة، فأحيانا يكون حكام هذه الدول من الديكتاتوريين أو العسكريين الذين يسعون إلى افتعال الأسباب لإشباع رغباتهم وإرضاء طموحاتهم، كما حدث بالنسبة لألمانيا مما يؤدى فى كثير من الأحيان إلى قيام الاضطرابات والثورات والاستعداد فى الدول الأخرى سعيا لمواجهة الاعتداء الخارجي وهذا بدوره يحولها إلى مرحلة الشباب.