أقرأ أيضاً
التاريخ: 29-01-2015
3385
التاريخ: 2023-11-06
1534
التاريخ: 2023-11-15
1810
التاريخ: 29-01-2015
3676
|
لم تكن قريش لتنسى هزيمتها الساحقة في معركة بدر ومقتل صناديدها ورجالها وكثير من أبطالها فعزمت على الثأر من المسلمين ردّا لاعتبارها الذي فقدته ، ولم يمض سوى عام حتى استكملت قريش عدّتها ، واجتمع إليها أحلافها من المشركين واليهود ، وانضمّ إليهم كلّ حاقد وناقم على الدين الإسلامي ، فاتّفقت كلمة الكفر ، واتّحدت قوى الباطل لمواجهة الحقّ ، وخرج جيش الكفر باتّجاه المدينة وقد تجاوز عدده ثلاثة آلاف ، وذلك في أوائل شوال من السنة الثالثة للهجرة ، وما أن وصل خبرهم إلى مسامع النبيّ ( صلّى اللّه عليه وآله ) حتى جمع المسلمين واستشارهم في الموقف المناسب الذي يجب أن يتّخذوه ، تمّ خطب فيهم وحثّهم على القتال والصبر والثبات ، ووعدهم بالنصر والأجر ، وتجهّز للخروج بمن معه وكانوا ألفا أو يزيدون ، ودفع لواءه لعليّ بن أبي طالب ( عليه السّلام ) ووزّع الرايات على وجوه المهاجرين والأنصار ، وأبى النفاق إلّا أن يأخذ دوره في إضعاف المسلمين ، فرجع عبد اللّه ابن ابيّ بمن تبعه في منتصف الطريق ، وكان عددهم يناهز الثلاثمائة[1].
واستمرّ النبيّ ( صلّى اللّه عليه وآله ) في مسيره قدما حتى بلغ أحدا ، فأعدّ أصحابه للقتال ووضع تخطيطا سليما محكما للمعركة يضمن لهم النصر ، حيث أمر خمسين رجلا من الرماة أن يكونوا من وراء المسلمين إلى جانب الجبل ، وأكّد عليهم بأن يلزموا أماكنهم ولا يتركوها حتى لو قتل المسلمون جميعا [2].
ووصلت قريش إلى « أحد » وأعدّوا أنفسهم للقتال ، فقسّموا الأدوار ووزّعوا المهام كما بدا لهم ، وأعطوا لواءهم لبني عبد الدار ، وأوّل من استلمه منهم طلحة بن أبي طلحة ، ولمّا علم النبيّ بذلك أخذ اللواء من عليّ ( عليه السّلام ) وسلّمه إلى مصعب بن عمير وكان من بني عبد الدار ، وبقي معه إلى أن قتل ، وحينئذ ردّه النبيّ ( صلّى اللّه عليه وآله ) إلى عليّ ( عليه السّلام )[3] ، وكانت معركة « أحد » قد وقعت في شوال من العام الثالث من الهجرة .
وفي اللحظة التي كمل فيها التنظيم انطلقت شرارة المعركة عندما برز كبش الشرك وحامل رايتهم طلحة بن أبي طلحة الذي كان يعدّ من شجعان قريش ، يتقدّم نحو المسلمين رافعا صوته متحدّيا لهم مستخفّا بجمعهم قائلا : يا معشر أصحاب محمد ! إنّكم تزعمون أنّ اللّه يجعلنا بسيوفكم إلى النار ويعجلكم بسيوفنا إلى الجنّة ؛ فهل أحد منكم يعجله سيفي إلى الجنّة أو يعجلني سيفه إلى النار ؟
فخرج اليه عليّ ( عليه السّلام )[4] وبرزا بين الصفّين ورسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله ) جالس في عريش اعدّ له يشرف على المعركة ويراقب سيرها ، فضرب عليّ طلحة فقطع رجله وسقط على الأرض وسقطت الراية ، فذهب علي ليجهز عليه فكشف عورته وناشده اللّه والرحم ، فتركه عليّ ( عليه السّلام ) فكبّر رسول اللّه وكبّر معه المسلمون فرحا بنتيجة هذه الجولة .
ثمّ تقدّم أخوه عثمان بن أبي طلحة فحمل الراية فحمل عليه حمزة بن عبد المطلب فضربه فقتله ، فحمل اللواء من بعده أخوهما أبو سعيد ، فحمل عليه عليّ ( عليه السّلام ) فقتله ، ثمّ أخذ اللواء أرطاة بن شرحبيل فقتله عليّ ، وهكذا تعاقب على حمل اللواء تسعة من بني عبد الدار قتلوا بأجمعهم بسيف عليّ [5] أو سيف حمزة ، وكان آخر من حمل اللواء هو غلام لبني عبد الدار يدعى « صواب » فحمل عليه عليّ وقتله ، وسقط اللواء من بعده في ساحة المعركة ولم يجرؤ أحد أن يحمله ، فدبّ الرعب في قلوب المشركين ، وانهارت معنوياتهم ، وانكشف المشركون لا يلوون على شيء حتى أحاط المسلمون بنسائهم ، وبدت المعركة وكأنّها قد حسمت لصالح المسلمين .
وهنا عصفت النازلة العظمى بالمسلمين حيث ترك الرماة موقعهم فوق الجبل ، وانحدروا يشاركون إخوتهم غنائم المعركة ، ولم يثبت على الجبل إلّا عشرة رماة .
فنظر خالد بن الوليد - وكان على خيل المشركين - خلوّ الجبل وقلّة الثابتين صاح بخيله ، وكرّ يحمل على الرماة وتبعه عكرمة فقتلوهم ، وهنا تغيّر ميزان القوة ورجحت كفّته لصالح المشركين ، فاستطاعوا أن ينفذوا ويشقّوا صفوف المسلمين [6]، وكانت المأساة التي لم يعرف المسلمون لها مثيلا ، فارتبك المسلمون وضاع صوابهم ، فكانت هزيمة بعد نصر وانكسارا بعد انتصار ، وتفرّق الناس كلّهم عن رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله ) وأسلموه إلى أعدائه بعد أن استشهد عمّه حمزة ومصعب بن عمير ، ولم يبق معه أحد إلّا عليّ ونفر قليل من المهاجرين والأنصار .
في هذه اللحظات الحاسمة والحرجة سجّل التأريخ موقف الصمود والفداء الذي وقفه عليّ ( عليه السّلام ) من رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله ) ، وقف ليدافع عن النبيّ ( صلّى اللّه عليه وآله ) بكلّ قوة وبسالة وهمّه سلامة الرسول والرسالة ، إذ كان يحمل الراية بيد والسيف بالأخرى يصدّ الكتائب ويردّ الهجمات عن الرسول ، وكأنّه جيش بكامل عدّته وعدّته ، وكان الرسول كلّما رأى جماعة تهجم عليه قال لعليّ ( عليه السّلام ) : يا عليّ احمل عليهم ، فيحمل عليهم ويفرّقهم ، فلم يزل عليّ يقاتل حتى أثخنته جراحات عديدة في وجهه ورأسه وصدره وبطنه ويديه[7].
فأتى جبرئيل ( عليه السّلام ) النبيّ ( صلّى اللّه عليه وآله ) فقال : إنّ هذه لهي المواساة ، فقال رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله ) : إنّه منّي وأنا منه ، فقال جبرئيل : وأنا منكما ، فسمعوا صوتا في السماء ينادي : لا سيف إلّا ذو الفقار ولا فتى إلّا عليّ[8].
وهكذا استطاع أمير المؤمنين ( عليه السّلام ) أن يحافظ على حياة الرسول الأكرم ( صلّى اللّه عليه وآله ) ، وأن يوصل نتيجة المعركة إلى حالة من التوازن دون أن يحرز أحد الطرفين نصرا حاسما .
[1] الكامل في التأريخ : 2 / 150 ، وسيرة ابن هشام : 3 / 64 .
[2] مغازي الواقدي : 1 / 224 ، والكامل في التأريخ : 2 / 152 ، وسيرة ابن هشام : 3 / 66 .
[3] تأريخ الطبري : 2 / 199 ط مؤسسة الأعلمي .
[4] سيرة ابن هشام : 3 / 73 .
[5] الكامل في التاريخ : 2 / 152 - 154 .
[6] تأريخ الطبري : 2 / 194 ط مؤسسة الأعلمي .
[7] الكامل في التأريخ : 2 / 154 ، وأعيان الشيعة : 1 / 288 ، وبحار الأنوار : 20 / 54
[8] الكامل في التأريخ : 2 / 154 ، وفرائد السمطين للحمويني : 1 / 257 الحديث 198 ، 199 ، وتأريخ دمشق لابن عساكر : 1 / 148 ، وروضة الكافي : الحديث : 90 .
|
|
دور النظارات المطلية في حماية العين
|
|
|
|
|
العلماء يفسرون أخيرا السبب وراء ارتفاع جبل إيفرست القياسي
|
|
|
|
|
معرض الكتاب السنوي الدولي العاشر .. رافد الثقافة والإبداع الكاظمي
|
|
|