أقرأ أيضاً
التاريخ: 10-02-2015
4925
التاريخ: 26-01-2015
3631
التاريخ: 15-3-2016
3068
التاريخ: 2024-04-29
830
|
لعلّ أبشع مهازل التاريخ البشري في جميع فترات التاريخ هي مكيدة ابن العاص في رفع المصاحف وقد وصفها راو حوست ميلر بأنّها من أشنع المهازل وأسوئها في التاريخ البشري ؛ وأكاد أعتقد أنّ هذه المكيدة لم تكن وليدة المصادفة أو المفاجئة فقد حيكت اُصولها ووضعت مخططاتها قبل هذا الوقت فقد كان ابن العاص على اتصال دائم أحيط بكثير مِن الكتمان مع جماعة مِن قادة الجيش العراقي في طليعتهم الأشعث بن قيس فهما اللذان دبّرا هذا الأمر وقد ذهب إلى هذا الرأي الدكتور طه حسين قال : فما أستبعد أنْ يكون الأشعث بن قيس وهو ماكر أهل العراق وداهيتهم قد اتصل بعمرو بن العاص ماكر أهل الشام وداهيتهم ودبّرا هذا الأمر بينهم تدبيراً ودبّروا أنْ يقتتل القوم ؛ فإنْ ظهر أهل الشام فذاك وإنْ خافوا الهزيمة أو أشرفوا عليها رفعوا المصاحف فأوقعوا الفرقة بين أصحاب علي وجعلوا بأسهم بينهم شديداً , وعلى أيّ حالٍ فإنّ الهزيمة لمّا بدت بأهل الشام وتفلّلت جميع قواعدهم فزع معاوية إلى ابن العاص يطلب منه الرأي فأشار عليه برفع المصاحف فأمر بالوقت برفعها فرُفعت زهاء خمسمئة مصحف على أطراف الرماح فعلت الأصوات من أهل الشام بلهجة واحدة : هذا كتاب الله بيننا وبينكم من فاتحته إلى خاتمته , مَنْ لثغور أهل الشام بعد أهل الشام؟ ومَنْ لثغور أهل العراق بعد أهل العراق؟ ومَنْ لجهاد الروم؟ ومَنْ للترك؟ ومَنْ للكفار؟ وكانت هذه الدعوى كالصاعقة على رؤوس الجيش العراقي فقد انقلب رأساً على عقب فتدافعوا كالموج نحو الإمام (عليه السّلام) وهم ينادون : لقد أعطاك معاوية الحقّ ؛ دعاك إلى كتاب الله فاقبل منه , ودلّهم الإمام (عليه السّلام) على زيف هذه الحيلة وأنّها جاءت نتيجة فشلهم في العمليات العسكرية وأنّها لمْ يقصد بها إلاّ خداعهم وأنّهم رفعوا المصاحف لا إيماناً بها وإنّما هو من الخداع والمكر,
وممّا يؤسف له أنّهم لمْ يقرروا حقّ مصيرهم ومصير الأُمّة في تلك الفترات الحاسمة من تاريخهم التي أشرفوا فيها على الفتح والنصر ولمْ يبقَ من دكِّ حصون الظلم ونسف قواعد الجور إلاّ لحظات.
يا للمصيبة والأسف! لقد أصرّوا على التمرّد والعناد فانحاز منهم اثنا عشر ألفاً وهم أهل الجباه السود فخاطبوا الإمام (عليه السّلام) باسمه الصريح قائلين : يا علي أجب القوم إلى كتاب الله إذ دعيت له وإلاّ قتلناك كما قتلنا ابن عفان فوالله لنفعلنّها إنْ لمْ تجبهم .
فكلّمهم الإمام (عليه السّلام) برقّة ولطف ليقلع روح التمرّد منهم إلاّ أنّ كلام الإمام ذهب هباءً وراح القوم في غيّهم يعمهون وهم يصرّون على إرغام الإمام على إيقاف القتال وكان الأشعث بن قيس هو الذي يدفعهم إلى ذلك وينادي بأعلى صوته بالرضاء والقبول لدعوة أهل الشام , ولمْ ير الإمام (عليه السّلام) بدّاً من إجابتهم فأصدر أوامره بإيقاف عمليات الحروب وقلبه الشريف يتقطّع ألماً وحزناً فقد أيقن أنّ الباطل قد انتصر على الحقّ وأنّ جميع متاعبه ودماء جيشه قد ذهبت سدى , وأصرّ المتمرّدون على الإمام بسحب مالك الأشتر من ساحة الحرب وكان قد أشرف على الانتصار ولم يبقَ بينه وبين الفتح إلاّ حلبة شاة فأرسل إليه الإمام (عليه السّلام) بالقدوم إليه فلم يعن بما أمر به وقال لرسول الإمام : قل لسيدي : ليست هذه بالساعة التي ينبغي لك أنْ تزيلني فيها عن موقفي إنّي قد رجوت الله أن يفتح لي فلا تعجلني , ورجع الرسول فأخبر الإمام بمقالة القائد العظيم فارتفعت أصوات اُولئك الوحوش بالإنكار على الإمام (عليه السّلام) قائلين : والله ما نراك إلاّ أمرته أن يقاتل , وامتحن الإمام (عليه السّلام) في أمرهم كأشدّ ما تكون المحنة فقال لهم : أرأيتموني ساررت رسولي إليه؟ أليس إنّما كلّمته على رؤوسكم علانية وأنتم تسمعون؟.
وأصرّوا على الغي قائلين : فابعث إليه فليأتيك وإلاّ فوالله اعتزلناك , وأجمعوا على الشرّ وأوشكوا أن يفتكوا بالإمام (عليه السّلام) فأصدر أوامره المشدّدة بانسحاب مالك من ساحة الحرب واستجاب الأشتر لأمر الإمام (عليه السّلام) فقفل راجعاً وقد تحطّمت قواه وقال ليزيد الذي كان رسول الإمام : ألرفع هذه المصاحف؟ فقال : نعم.
وعرف الأشتر مكيدة ابن العاص فقال : أما والله لقد ظننت أنّها حين رفعت ستوقع اختلافاً وفرقة إنّها مشورة ابن العاهرة , ألا ترى إلى الفتح؟ ألا ترى إلى ما يلقون؟ ألا ترى إلى الذي يصنع الله لنا؟ أينبغي أن ندع هذا وننصرف عنه؟! وأحاطه يزيد علماً بحراجة الموقف والأخطار الهائلة التي تحفّ بالإمام قائلاً : أتحبّ أنّك إنْ ظفرت هاهنا وأنّ أمير المؤمنين (عليه السّلام) بمكانه الذي هو به يفرج عنه ويسلّم إلى عدوه؟! فقال الأشتر مقالة المؤمن : سبحان الله! لا والله ما اُحبّ ذلك ؛ قال : فإنّهم قالوا : لترسلنّ إلى الأشتر فليأتينّك أو لنقتلنك بأسيافنا كما قتلنا ابن عفان أو لنسلمنّك إلى عدوّك , وقفل الأشتر راجعاً وقد استولى الحزن على إهابه فقد ذهبت آماله أدراج الرياح فتوجّه نحوهم يلومهم ويعنّفهم ويطلب منهم أن يخلّوا بينه وبين عدوهم فقد أشرف على النصر والفتح. ولمْ يذعن اُولئك الممسوخون لمقالة الأشتر فقد أصروا على الذلّ والوهن قائلين له :لا لا.
ـ أمهلوني عدوة فرس فإنّي قد طمعت في النصر.
ـ إذن ندخل معك في خطيئتك.
وانبرى الأشتر يحاججهم وينقد ما ذهبوا إليه قائلاً : حدّثوني عنكم وقد قُتل أماثلكم وبقي أرذالكم ـ متى كنتم محقّين؟ أحين كنتم تقتلون أهل الشام فأنتم الآن حين أمسكتم عن القتال مبطلون؟! أم أنتم الآن في إمساككم عن القتال محقّون؟ فقتلاكم إذن الذين لا تنكرون فضلهم وكانوا خيراً منكم في النار.
ولم يجد معهم هذا الكلام المشرق فقالوا له : دعنا منك يا أشتر قاتلناهم في الله إنا لسنا نطيعك فاجتنبنا , وردّ عليهم الأشتر بعنف حينما يئس من إصلاحهم وأخذ يحذرهم من مغبّة هذه الفتنة وأنّهم لا يرون بعدها عزاً أبداً ؛ وحقّاَ إنّهم لمْ يروا عزّاً فقد أفلت من اُفقهم دولة الحقّ وآل أمرهم إلى معاوية فأخذ يسومهم سوء العذاب , وطلب مالك من الإمام (عليه السّلام) أن يناجزهم الحرب فأبى ؛ لأنّ العارضين كانوا يمثّلون الأكثرية الساحقة في جيشه وفتْح باب الحرب يؤدي إلى أفظع النتائج ؛ فإنّ الاُمّة تقع فريسة سائغة بأيدي الاُمويِّين , وأطرق الإمام (عليه السّلام) برأسه وقد طافت به موجات من الآلام وأخذ يطيل التفكير في العاقبة المرّة التي جرّها هؤلاء العصاة للأُمّة , ويقول المؤرّخون : إنّهم قد اتخذوا سكوته رضىً منه بالتحكيم فهتفوا : إنّ علياً أمير المؤمنين قد رضي الحكومة ورضي بحكم القرآن , والإمام غارق في الهموم فقد أفلت منه الأمر وتمرّد عليه جيشه وليس باستطاعته أنْ يعمل شيئاً وقد أدلى (عليه السّلام) بما مُنِيَ به بقوله : لقد كنتُ أمس أميراً فأصبحتُ اليوم مأموراً وكنتُ أمس ناهياً فأصبحتُ اليوم منهيّاً .
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|