المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية


Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية



عليكم أن تنظموا لدى أبنائكم صفة الطلب  
  
1514   10:03 صباحاً   التاريخ: 23-2-2022
المؤلف : السيد علي أكبر الحسيني
الكتاب أو المصدر : العلاقات الزوجية مشاكل وحلول
الجزء والصفحة : ص325ــ329
القسم : الاسرة و المجتمع / الحياة الاسرية / الأبناء /

أتدرون كيف يزرع الفلاح الزهور؟ فكما أن الفلاحة لها أصولها وقواعدها، فإن تربية وتنشئة الفرد أيضاً لها أصولها وقواعدها. فالمربون (الأب أو الأم أو المعلم والأستاذ) يجب أن يعرفوا أصول وقواعد تربية وتنشئة أبنائهم وجميع الأطفال الذين يتولون تربيتهم وعلى ضوء ذلك يضعوا في كل فصل من الفصول برنامجاً معيناً لهؤلاء الأطفال. ولكن التقصير من جانب المربي وعدم تمتعه ببعد النظر يجعل الطفل يواجه الخمول والذبول وينمي في نفسه وأعماقه الأشواك بدل الأزهار والرياحين.

الرسالة التالية تتضمن نموذجاً لهذه الحالة:

الرسالة:... المشكلة التي أواجهها هي ابنتي التي تدرس في الجامعة وهي فتاة رائعة الجمال وذكية ولكنها سيئة الأخلاق كثيرة الطلبات مغرورة ومعتدّة بنفسها وكلما تتقدم في دراستها وتزداد معلوماتها تزداد أخلاقها سوءاً. إنها مغرورة إلى درجه أني أنا والدتها لا أجرؤ أذ أتكلم معها أي كلام، لأنها تنزعج وتتأثر بسرعة وتقاطعني ولا تتكلم معي لعدة أسابيع. إني أسألكم إذا كنت لا أرشدها إلى التصرف الصحيح والتصرف غير الصحيح فمن سيرشدها ويوجهها إذاً؟ وعندما تعود إلى البيت بعد الظهر لا تسلّم عليّ ولا تبدي أي احترام لوالدها ولا تتصرف بشكل لائق مع إخوتها وأخواتها الأصغر منها...

يشهد الله أن والدها لم يقصر في حقها أبداً ولم يتوان عن تربية كل ما تطلبه وتريده منذ أن كانت طفلة وحتى الان ولكنها بدل أن تعرب عن شكرها تذكرنا دائما بالملابس الغالية الثمن التي ترتديها صديقاتها وتقول لنا دائماً: صديقتي الفلانية اشترت ثوباً (فستاناً) قيمته... البنت الفلانية اشترت أساور ذهبية قيمتها... والفتاة الفلانية تلبس العقد الفلاني والخواتم الذهبية الفلانية... إنها لا ترى ما لديها بل تنظر إلى ما عند الآخرين. إنها لا تقوم بأي عمل داخل البيت وبالطبع فأنا لا أطلب منها أن تقوم بشيء لأني أعلم أنها مشغولة بالدراسة.

توضيح ورد: أيتها الأخت الكريمة يبدو أن لديك مشكلة وهي ابنتك ولكن ابنتك هذه التي تصفينها بأنها جميلة وقبيحة في نفس الوقت لديها مشكلة أيضاً. أتدرين ما هي مشكلتها؟ أتدرين لماذا لا تتحسن أخلاقها وتصرفاتها رغم تطورها وتقدمها في الدراسة؟ إن مشكلتها هي والدتها، التي كانت تعتبرها البنت الوحيدة وبالتالي لم تسمح لها بالقيام بأي عمل. كما أن مشكلتها هي والدها الذي وفّر لها كل ما طلبته منذ صغرها وحتى الآن ولم يتوان عن تقديم أية خدمة لها (ولكن ما قام به هذا الوالد من أجل ابنته لا يمكن أن نسميه خدمة لها بل هو ظلم لها).

١- أيتها الأخت الكريمة: ليس من أصول التربية أن يسمح الفلاح لأية حشائش ضارة بأن تنمو وتكبر ويقوم بسقيها والاعتناء بها. إن طلبات الأبناء مثلها كمثل تلك الطفيليات التي تنمو داخل قلوبهم ويجب أن يقصها الفلاح بمقصه ويجتثها من جذورها حتى بعض الأعشاب التي هي غير ضارة ولكنها غير ضرورية يجب على الفلاح أن يقتلعها من جذورها لكي يصبح قلب الابن نظيفاً من كل القبائح والشرور.

لقد كنت أنت وزوجك (والدها) السبب في زرع بذور السوء والشرّ في وجود ابنتك بعد أن سمحتما لتلك الأعشاب الضارة بالنمو والتكاثر من خلال الاستجابة لجميع طلباتها والآن فإنك تشتكين من أن ابنتك سيئة الأخلاق كثيرة الطلبات عصبية المزاج حساسة سيئة التصرفات عديمة الرضا.

٢- إن طفلك إذا أعطيته كل ما يريد من طعام وشراب يمرض لأن تماديه في الأكل والشرب يجعله سيئ، الحال أبلهاً كثير الطلبات لا يشبع. وعندما يصبح الطفل حريصا على الأكل ويطلب المزيد من الطعام فيجب في هذه الحالة أن نعلمه آداب وأصول تناول الطعام وهي أن يبدأ تناوله بترديد عبارة بسم الله الرحمن الرحيم وأن تكون اللقمة الأولى التي يتناولها صغيرة مهما أمكن. ويتناول الطعام بيده اليمنى ويمضغه جيداً ولا يتناول القمة أخرى إلا بعد أن يبتلع الأولى - وعليه لا ينظر إلى الآخرين وهم يأكلون وأن يكف عن تناول الطعام قبل أن يشبع تماماً ويشكر الله ولا يجلس إلى المائدة إلّا وهو جائع.

فعندما تنشأ لدى الطفل الرغبة الجامحة في الطلب والحصول على ما يريد فإننا إذا قمنا بتلبية جميع طلباته ورغباته يصبح مريض النفس حريصاً وولعاً يتصف بالشراهة وطلب المزيد كما أنه يصبح كثير الطلبات يشعر باستمرار بالجوع النفسي ويعاني من حالة عدم الرضا. إذا علينا في هذه الحالة أن نقوم بتوجيه صفة الطلب عند أولادنا مثلما نقوم بتوجيه غريزة الأكل لديهم وعلينا أن نعلمهم آداب الطلب - التي هي كآداب الأكل - وهم في مرحلة الطفولة ومرحلة المراهقة - لنضمن سلامتهم النفسية لكي لا تلحق الأمراض الخلقية والنفسية الأذى بهم وبأسرتهم.

٣- لا بأس أن تعلم ابنتك الذكية بأن الإنسان خلق هلوعاً فهو كائن محتاج ومتطلب وأن متطلباته واحتياجاته ليس لها حدود ولا يشبعها إلا مصدر الفيض الإلهي وثروة ولطف الباري تعالى اللذين لا نهاية لهما. فذلك الينبوع الإلهي هو الذي يروي ظمأ القلوب البشرية ويمنحها الهدوء والاستقرار. وإذا لم يتجه القلب إلى ذلك الينبوع الفياض فإنه يبقى ظمآناً حيث ما توجه ويبقى معذباً بنار العطش وحرقة الظمأ ونراه يلجأ إلى هذا السراب وذلك سعياً إلى الماء ولكن هذا الإنسان حتى لو امتلك الكثير من الملابس والبدلات الغالية الثمن فإنه مع ذلك يرى نفسه عرياناً ومحتاجاً وحتى لو امتلك مئات القطع من المجوهرات والذهب مع ذلك يرى نفسه أنه لا يملك شيئاً، ومجرداً من أية جوانب جمالية وينظر إلى ما عند الآخرين من مال وثروة وهو من شدة العطش ينظر إلى الكؤوس التي يشرب منها الآخرون ويتحسر على ذلك.

حبذا لو نعلم جميعاً بأن قصة أخلاق وطباع هذه الفتاة الذكية الجميلة هي كقصة نفسنا. لأن نفسنا أيضاً مغرورة ومتكبّرة وكثيرة الطلبات وطماعة ومتمردة وغير شاكرة. إذا أطلقنا للنفس عنان ملذاتها ومتطلباتها فإننا نواجه الشقاء والبؤس وإذا تجاهلنا تمنياتها ولم نكترث لغضبها وسخطها ووقفنا بكل قوة وحزم أمام صفاتنا وسجايانا السيئة القبيحة فإن هذه النفس تتروض وتستسلم شيئاً فشيئاً وتصبح أخلاقها جميلة حسنة. وإذا كبحنا جماح النفس (هذه الفتاة) ومنعناها من التمرد والهياج من خلال تحميلها مشقة الجوع والصيام ومشقة الخدمة والعبادة، فإنها تهدأ وتستسلم شيئاً فشيئاً وتتصالح وتسلم على الجميع وتشارك سائر أفراد الأسرة أفراحهم وأتراحهم وتصبح ودية ومسايرة ذات أخلاق طيبة وسامية. فالإمام أمير المؤمنين عليه السلام يقول: [اقمعوا هذه الأنفس الحريصة لأنها تكمن لكم وإذا أطعتم النفس فإنها تجعلكم تواجهون أسوأ العواقب...](1).

بقية الرسالة:... ورغم أنها تتصرف معي ومع سائر أفراد الأسرة بشكل سيء فإني أستقبل صديقاتها اللواتي تأتي بهن وتدعوهن إلى البيت ولا أدع زميلاتها يعرفن بأن ابنتي قطعت علاقاتها معي ومع جميع أفراد الأسرة. وإذا جاء إلينا من يريد طلب يدها والزواج منها فإنها ترفضه بمختلف الحجج والأعذار وتقول: إنه لا يلق بي.

أرجو منكم أن تقدموا النصح لها وتقولوا لها بأن تتزوج بأسرع ما يمكن لعل أخلاقها تتحسن وأرتاح أنا من كبريائها وغرورها وأخلاقها السيئة ومشاكلها...

توضيح ورد: أيتها الأخت العزيزة! إذا كان الرفق والمداراة والمساعدة والمحبة قد أعطت مثل هذه النتيجة فإنك مهما تصرفت معها برفق ومودة ومحبة فسوف تزداد تمرداً وعصياناً وغروراً. ورغم أن: [الشدة من أقبح أساليب التربية] كما يقول الإمام أمير المؤمنين عليه السلام فعندما لا ينفع الرفق ولا تنفع النصائح المتكررة فمن المفيد استخدام أسلوب الحزم والشدة. والنقطة الأخرى التي أريد أن اشير إليها في هذ المجال هي أنك ليتك أقدمت على تزويج ابنتك في وقت مبكر ولم تتأخري في موضوع زواجها حتى بلغت هذه السن، فقد يكون سبب سوء خلق ابنتك وحساسيتها الزائدة وتصرفاتها الحادة هذه، هو حاجتها إلى الزواج ولكن أي زوج يستطيع أن يعيش مع ابنتك حياة هادئة موفقة وهي بهذه الخلق والصفات السيئة التي ذكرتها؟! نسأله تعالى أن يوفقنا ويعيننا على تربية أنفسنا ويمنحنا السيطرة على أهواء النفس.

_______________________________________

(١) غرر الحكم ودرر الكلم، مضمون كلام أمير المؤمنين عليه السلام. 




احدى اهم الغرائز التي جعلها الله في الانسان بل الكائنات كلها هي غريزة الابوة في الرجل والامومة في المرأة ، وتتجلى في حبهم ورعايتهم وادارة شؤونهم المختلفة ، وهذه الغريزة واحدة في الجميع ، لكنها تختلف قوة وضعفاً من شخص لآخر تبعاً لعوامل عدة اهمها وعي الاباء والامهات وثقافتهم التربوية ودرجة حبهم وحنانهم الذي يكتسبونه من اشياء كثيرة إضافة للغريزة نفسها، فالابوة والامومة هدية مفاضة من الله عز وجل يشعر بها كل اب وام ، ولولا هذه الغريزة لما رأينا الانسجام والحب والرعاية من قبل الوالدين ، وتعتبر نقطة انطلاق مهمة لتربية الاولاد والاهتمام بهم.




يمر الانسان بثلاث مراحل اولها الطفولة وتعتبر من اعقد المراحل في التربية حيث الطفل لا يتمتع بالإدراك العالي الذي يؤهله لاستلام التوجيهات والنصائح، فهو كالنبتة الصغيرة يراقبها الراعي لها منذ اول يوم ظهورها حتى بلوغها القوة، اذ ان تربية الطفل ضرورة يقرها العقل والشرع.
(أن الإمام زين العابدين عليه السلام يصرّح بمسؤولية الأبوين في تربية الطفل ، ويعتبر التنشئة الروحية والتنمية الخلقية لمواهب الأطفال واجباً دينياً يستوجب أجراً وثواباً من الله تعالى ، وأن التقصير في ذلك يعرّض الآباء إلى العقاب ، يقول الإمام الصادق عليه السلام : « وتجب للولد على والده ثلاث خصال : اختياره لوالدته ، وتحسين اسمه ، والمبالغة في تأديبه » من هذا يفهم أن تأديب الولد حق واجب في عاتق أبيه، وموقف رائع يبيّن فيه الإمام زين العابدين عليه السلام أهمية تأديب الأولاد ، استمداده من الله عز وجلّ في قيامه بذلك : « وأعني على تربيتهم وتأديبهم وبرهم »)
فالمسؤولية على الاباء تكون اكبر في هذه المرحلة الهامة، لذلك عليهم ان يجدوا طرقاً تربوية يتعلموها لتربية ابنائهم فكل يوم يمر من عمر الطفل على الاب ان يملؤه بالشيء المناسب، ويصرف معه وقتاً ليدربه ويعلمه الاشياء النافعة.





مفهوم واسع وكبير يعطي دلالات عدة ، وشهرته بين البشر واهل العلم تغني عن وضع معنى دقيق له، الا ان التربية عُرفت بتعريفات عدة ، تعود كلها لمعنى الاهتمام والتنشئة برعاية الاعلى خبرة او سناً فيقال لله رب العالمين فهو المربي للمخلوقات وهاديهم الى الطريق القويم ، وقد اهتمت المدارس البشرية بالتربية اهتماماً بليغاً، منذ العهود القديمة في ايام الفلسفة اليونانية التي تتكئ على التربية والاخلاق والآداب ، حتى العصر الاسلامي فانه اعطى للتربية والخلق مكانة مرموقة جداً، ويسمى هذا المفهوم في الاسلام بالأخلاق والآداب ، وتختلف القيم التربوية من مدرسة الى اخرى ، فمنهم من يرى ان التربية عامل اساسي لرفد المجتمع الانساني بالفضيلة والخلق الحسن، ومنهم من يرى التربية عاملاً مؤثراً في الفرد وسلوكه، وهذه جنبة مادية، بينما دعا الاسلام لتربية الفرد تربية اسلامية صحيحة.