أقرأ أيضاً
التاريخ: 18-10-2017
1525
التاريخ: 5-2-2018
1663
التاريخ: 1-07-2015
1651
التاريخ: 1-07-2015
1745
|
قال : ( ومنها المسموعات ، وهي الأصوات الحاصلة من التموّج المعلول للقرع والقلع ).
أقول : من الكيفيّات المحسوسة الأصوات ،
وهي المدركة بالسمع.
واعلم أنّ الصوت عرض قائم بالمحلّ.
وقد ذهب قوم غير محقّقين ـ على ما حكي (1)
ـ إلى أنّ الصوت جوهر ينقطع بالحركة.
وهو خطأ ؛ لأنّ الجوهر يدرك باللمس والبصر
، والصوت ليس كذلك ، مع أنّ استلزام ما ذكر النقص بل الاضمحلال في محلّ الصوت
بالانقطاع الجوهري ، وليس كذلك.
وذهب آخرون إلى أنّه عبارة عن التموّج
الحاصل في الهواء من القلع والقرع (2).
وآخرون قالوا : إنّه القرع والقلع (3).
وهذان المذهبان أيضا باطلان ، وسبب غلطهم
أخذ سبب الشيء مكانه ؛ فإنّ الصوت معلول للتموّج المعلول للقلع أو القرع ، فليس هو
أحدهما ؛ لأنّا ندركه بحسّ البصر لا بالسمع ، فهما خلاف الصوت.
إذا عرفت هذا ، فاعلم أنّ القلع أو القرع
إذا حصل حدث صراخ بين القارع والمقروع في الهواء ، وهي كيفيّة تحدث في الهواء
فتموّج ذلك الهواء وانتقل ذلك التموّج إلى سطح الصماخ فأدرك الصوت.
ولا نعني بذلك أنّ تموّجا واحدا انتقل
بعينه إلى الصماخ ، بل يحصل تموّج بعد تموّج عن صدم بعد آخر ، كما في تموّج الماء
إلى أن يصل إلى الحسّ.
قال : ( بشرط المقاومة ).
أقول : القرع إنّما يحصل معه الصوت إذا
حصلت المقاومة بين القارع والمقروع ؛ فإنّك إذا ضربت خشبة على وجه الماء بحيث تحصل
المقاومة ، فإنّه يحدث الصوت ، ولو وضعتها عليه بسهولة لم يحصل الشرط.
ولا تشترط الصلابة ؛ لحصول الصوت من الماء
والهواء ولا صلابة هناك.
وكذا حكم القلع ؛ لحصول الصوت في قلع
الكرباس دون القطن.
ويشهد على ذلك الاستقراء الناقص المفيد
للقطع بضميمة الحدس وإن لم يكن بالذات إلاّ كونه مفيدا للظنّ ، كما في مشاهدة خروج
البول والغائط من الأسفل في بعض الحيوان والإنسان ، فإنّها بضميمة الحدس تفيد
القطع بأنّ المخرج الطبيعي هو الأسفل.
قال : ( في الخارج ).
أقول : ذهب قوم (4) إلى أنّ الصوت ليس
بحاصل في الخارج ، بل إنّما يحصل عند الصماخ ، وهو ما إذا تموّج الهواء وانتهى
التموّج إلى أن قرع سطح الصماخ فيحصل الصوت.
وهو خطأ ، بل هو حاصل في الخارج ، وإلاّ لم
يدرك الجهة ولا البعد كما في اللمس حيث كان إدراكه بالملاقاة.
ولا يمكن أن يقال (5) : إنّ إدراك الجهة
إنّما كان لأنّ القرع توجّه من تلك الجهة ، وإدراك البعد لأنّ ضعف الصوت أو قوّته
يدلّ على القرب أو البعد.
لأنّا لو سددنا الأذن اليسرى لأدركنا
باليمنى جهة الصوت الحاصل من جهة اليسرى ، والضعف لو كان للبعد لم يفرق بين القويّ
البعيد والضعيف القريب.
قال : ( ويستحيل بقاؤه لوجوب إدراك الهيئة
الصوريّة ).
أقول : الصوت غير قارّ الأجزاء ، ويستحيل
عليه البقاء ، بل توجد أجزاؤه على سبيل التجدّد والتقضّي ، كما في الحركة والزمان
، خلافا للكراميّة (6).
والدليل عليه أنّا إذا سمعنا لفظة « زيد »
أدركنا الهيئة الصوريّة ، أعني ترتيب الحروف وتقدّم بعضها على بعض.
ولو كانت أجزاء الحروف باقية لم يكن إدراك
هذا الترتيب أولى من باقي الترتيبات الخمسة [التي ] يقال لها التقليبات.
واعترض (7) عليه بأنّ حدوث حروف « زيد » ـ
مثلا ـ ابتداء على هذه الهيئة المخصوصة دون غيرها يرجّح بقاءها وإدراكها ، فهي
أولى.
فالأولى التمسّك بالبداهة ، لبداهة عدم
البقاء في الخارج والحسّ. والترتّب في السماع بالنسبة إلى البعيد والقريب من جهة
احتياج حدوث صوت آخر للبعيد إلى تموّج زائد موجب لحدوث مثل مسموع القريب لا عينه
بشخصه.
قال : ( ويحصل منه آخر ).
أقول : الصوت ـ كما مرّ ـ إنّما يحصل
باعتبار التموّج في الهواء الواصل إلى سطح الصماخ ، وقد بيّنّا وجوده في الخارج ،
فإذا تأدّى التموّج إلى جسم كثيف مقاوم لذلك التموّج كالجبل والجدار ردّه فيحصل
منه تموّج آخر ، وحصل من ذلك التموّج الآخر صوت آخر ، وهو الصدى.
قال : ( وتعرض له كيفيّة مميّزة يسمّى
باعتبارها حرفا ).
أقول : قد تعرض للصوت كيفيّة يتميّز بها عن
صوت آخر مثله تميّزا في المسموع ، ويسمّى الصوت باعتبار تلك الكيفيّة ـ أو مجموع
العارض والمعروض ، لا نفس الكيفيّة كما عن الشيخ(8) ـ حرفا ، وهي حروف التهجّي
الحاصلة عند خروج الصوت من مقطع الفم ؛ ولهذا زدنا كلمة « قد ».
وحصرها غير معلوم بالبرهان.
قال : ( إمّا مصوّت أو صامت ، متماثل أو
مختلف بالذات أو بالعرض ).
أقول : ينقسم الحرف إلى قسمين : مصوّت
وصامت.
فالمصوّت هو حرف المدّ ـ أعني الواو والألف
والياء ـ إذا كانت ساكنة ، وكانت حركة ما قبلها من جنسها واتّصلت بالهمزة أو
السكون ؛ فإنّها لامتدادها كأنّها مصوّتة مولّدة للصوت. وإمّا صامت وهو ما عداها.
والصامت إمّا متماثل لا اختلاف بينهما لا
بالذات ولا بالعوارض المسمّاة بالحركة والسكون ، كالباءين الساكنتين أو
المتحرّكتين بنوع واحد من الحركات ، أو مختلف. والمختلف إمّا بالذات كالجيم والخاء
، أو بالعرض كالجيمين إذا كان أحد الجيمين ـ مثلا ـ ساكنا والآخر متحرّكا ، أو
يكون أحدهما متحرّكا بحركة والآخر بضدّها.
والظاهر جريان القسمة الأخيرة في مطلق
الحروف من غير اختصاص بالصامت وإن كان ظاهر العبارة.
قال : ( وينتظم منها الكلام بأقسامه ).
أقول : هذه الحروف المسموعة إذا تألّفت
تأليفا مخصوصا ـ أي بحسب الوضع ـ كانت كلاما. فحدّ الكلام ـ على هذا ـ هو ما انتظم
من الحروف المسموعة ، ويدخل فيه المفرد وهو الكلمة الواحدة ، والمؤلّف التامّ. وهو
المحتمل للصدق والكذب وغير المحتمل لهما من الأمر والنهي والاستفهام والتعجّب
والنداء ، وغير التامّ التقييديّ وغيره.
وإلى هذا أشار بقوله : « بأقسامه ».
قال : ( ولا يعقل غيره ).
أقول : يريد أنّ الكلام إنّما هو المنتظم
من الحروف المسموعة ، ولا يعقل غيره ، وهو ما أطلق عليه الأشاعرة (9) وأثبتوا معنى
آخر سمّوه الكلام النفسانيّ غير المؤلّف من الحروف والأصوات ، وهو المعنى القائم
بالنفس الذي يدلّ هذا الكلام عليه. وهو مغاير للإرادة ؛ لأنّ الإنسان قد يأمر بما
لا يريد ؛ إظهارا لتمرّد العبد عن السلطان ، فيحصل عذر في ضربه. ومغاير لتخيّل
الحروف ؛ لأنّ تخيّلها تابع لها ويختلف باختلافها ، وهذا المعنى لا يختلف ، وظاهر
أنّه مغاير للحياة والقدرة وغيرهما من الأعراض.
والمعتزلة بالغوا في إنكار هذا المعنى (10)
، وادّعوا الضرورة في نفيه ، وقالوا : إذا صدرمن المتكلّم خبر ، فهناك ثلاثة أشياء
: العبارة الصادرة عنه ، وعلمه بثبوت النسبة أو انتفائها ، ونفس ثبوت تلك النسبة
وانتفائها في الواقع ؛ والأخيران ليسا كلاما حقيقيّا اتّفاقا ، فتعيّن الأوّل.
وإذا صدر عنه أمر أو نهي فهناك شيئان : أحدهما : لفظ صادر عنه. والثاني : إرادة أو
كراهة قائمة بنفسه متعلّقة بالمأمور به أو المنهيّ عنه ، وليست الإرادة والكراهة
أيضا كلاما حقيقيّا اتّفاقا ، فتعيّن اللفظ. وقس على ذلك سائر أقسام الكلام.
ومدلول الكلام اللفظي الذي يسمّيه الأشاعرة
كلاما نفسيّا ليس أمرا وراء العلم في الخبر ، والإرادة في الأمر ، والكراهة في
النهي ، وهي غير الكلام بالضرورة.
ولا فرق في ذلك بين كلامنا وكلام الله
عندنا وعند المعتزلة (11) ، خلافا للأشاعرة.
بيان ذلك : أنّ الأشاعرة (12) قالوا : إنّ
الكلام على قسمين :
لفظيّ مؤلّف من هذه الحروف.
ونفسي وهو المعنى القائم بالنفس الذي هو مدلول
الكلام اللفظي ، كما قال الشاعر :
إنّ الكلام لفي الفؤاد وإنّما جعل اللسان على الفؤاد دليلا
وقالوا : إنّ كلام الله صفة له ، فليس من
جنس الأصوات والحروف ، بل هو معنى قائم بذاته تعالى يسمّى الكلام النفسيّ ، وهو
مدلول الكلام اللفظي ، وهو قديم.
وردّ (13) : بأنّه خلاف الضرورة الحاكمة
بأنّ المنتظم من الحروف المسموعة ، المفتتح بالتحميد ، المختتم بالاستعاذة قرآن ،
ولهذا قال صاحب المواقف ـ على ما حكي (14) عنه ـ : إنّ لفظ « المعنى » يطلق تارة
على مدلول اللفظ ، وأخرى على الأمر القائم بالغير ، فالشيخ الأشعري لمّا قال :
الكلام هو المعنى النفسي فهم الأصحاب منه أنّ مراده مدلول اللفظ وحده ، وهو القديم
عنده ، وأمّا العبارات فإنّما تسمّى كلاما مجازا ؛ لدلالتها على ما هو كلام حقيقة
، ولزم مفاسد كثيرة : كعدم كون القرآن معجزة ، فوجب حمل كلامه على ما يعمّ اللفظ
والمعنى ، وهو الأمر القائم بذات الله تعالى لفظا كان أو معنى ، وأنّ ترتّب الحروف
في التلفّظ حادث والملفوظ قديم (15).
وردّ (16) : بأنّه أمر خارج عن طور العقل ؛
ولهذا قال المصنّف ; : « لا يعقل غيره ».
والإنصاف أنّ النزاع ناشئ عن عدم الفرق بين
معاني الكلام ؛ فإنّ الكلام بمعنى القدرة على إيجاد ما يدلّ على المراد صفة له
تعالى قديم بل عين ذاته ، وبمعنى إيجاد ما يدلّ على المراد صفة له تعالى في مقام
الفعل ، وهو حادث بعد المشيئة. وبمعنى المتكلّم به ، معلول له تعالى ، ومجعول
بجعله ومخلوق كسائر خلقه ، وهو أيضا حادث اسمه القرآن مثلا ، وبه وقع التحدّي
والمعارضة ، وهو من المعجزات الباقية ، والموصوف بكونه ذكرا (17) عربيّا (18)
مقروءا (19) محفوظا (20) ونحو ذلك من الصفات الثابتة للقرآن بالضرورة. وحينئذ يصير
النزاع ها هنا لفظيّا.
__________________
(1) حكاه العلاّمة
في « كشف المراد » 221 ونسبه في « نهاية المرام » 1 : 560 إلى إبراهيم النظّام.
(2),(3) « المباحث
المشرقيّة » 1 : 420 ؛ « نهاية المرام » 1 : 560 ـ 561 ؛ « شرح المواقف» 3 : 273 ،
ولمزيد معرفة الأقوال في هذه المسألة انظر : « الشفاء » 2 : 70 ـ 76، الفصل الخامس
من المقالة الثانية من كتاب النفس.
(4) انظر : « الشفاء » 2 : 72 وما بعدها ؛ « نهاية المرام » 1 :
570 ـ 572 ؛ « شرح المواقف » 5 : 263 ـ 267 ؛ « شرح المقاصد » 2 : 273 ـ 274.
(5) أورد الإشكال وجوابه الفخر الرازي في « المباحث
المشرقيّة » 1 : 421. وانظر : « نهاية المرام » 1 : 570 ـ 571 ؛ « شرح المواقف » 5
: 266 ـ 267 ؛ « شرح المقاصد » 2 : 274 ـ 275.
(6) انظر : « نهاية المرام » 1 : 569 ؛ « كشف المراد
» : 222 ؛ « شوارق الإلهام » : 412.
(7) راجع « نهاية المرام » 1 : 569 ـ 570 ؛ « شرح
تجريد العقائد » : 245.
(8) راجع « نهاية المرام » 1 : 575 ؛ « شرح المواقف » 5 : 268 ـ
269 ؛ « شرح المقاصد » 2 : 279 ؛ « شرح تجريد العقائد » : 245 ؛ « شوارق الإلهام :
413.
(9) راجع « المحصّل » 403 ـ 408 ؛ « شرح المواقف » 8 : 94 وما بعدها
؛ « شرح المقاصد » 4 : 144 وما بعدها ؛ « شرح تجريد العقائد » : 245 ـ 246.
(10) انظر : « المغني » 7 : 14 للقاضي عبد الجبّار.
(11) راجع « النافع يوم الحشر في شرح الباب الحادي عشر » : 16 ـ 18
؛ « مفتاح الباب الحادي عشر » : 121 ـ 128 ؛ « إحقاق الحقّ » 1 : 302 وما بعدها ؛
« دلائل الصدق » 1 : 255 ؛ « المغني » 7 : 84 ؛ « شرح الأصول الخمسة » 528 ؛ « المحصّل
» : 403 ـ 404 ؛ « شرح المواقف » 8 : 9 وما بعدها ؛ « شرح تجريد العقائد » : 316.
(12) « المحصّل » : 403 ـ 408 ؛ « شرح المواقف »
8 : 91 ـ 97 ؛ « شرح المقاصد » 4 : 143 و 147 ؛ « شرح تجريد العقائد » : 316 ؛ « إحقاق
الحقّ » 1 : 204 ـ 206.
(13) هذا الردّ هو أحد الوجوه الذي تمسّك به المعتزلة
في المقام ، انظر : « شرح المقاصد » 6 : 151 ؛ « شرح تجريد العقائد » : 316.
(14) حكاه القوشجي في « شرح تجريد العقائد » : 319.
(15) نقله الجرجاني عن صاحب المواقف من مقالته المفردة
في تحقيق كلام الله تعالى. انظر : « شرح المواقف » 8 : 103 ـ 104.
(16) الرادّ هو القوشجي في « شرح تجريد العقائد
» : 319.
(17) كقوله تعالى في سورة آل عمران ، الآية 58 :
{ذَلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ}.
(18) كقوله تعالى في سورة يوسف ، الآية 2 : {إِنَّا
أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ}.
(19) كقوله تعالى في سورة المزمّل ، الآية 20 :
{فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ }.
(20) كقوله تعالى في سورة الحجر ، الآية 9 : {إِنَّا
نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|