مقارنـات بين تجـارب الإصلاح الاقتصـادي (روسيا ودول أوروبا الشرقية في مقابل الصين) |
2230
02:10 صباحاً
التاريخ: 6-8-2021
|
أقرأ أيضاً
التاريخ: 30-5-2022
2033
التاريخ: 17-1-2019
4051
التاريخ: 25-5-2019
16258
التاريخ: 25-2-2020
2581
|
الفصل الخامـس
مقارنـات بين تجـارب الإصلاح الاقتصـادي
أولاً : روسيا ودول أوروبا الشرقية في مقابل الصين
بعد انهيار الاتحاد السوفياتي في عام 1991، لجأت روسيا إلى سياسات الإصلاح الاقتصادي وفق منهج «العلاج بالصدمة» (Shock Therapy) أو «الصيحة الكبرى» (Big Bang)، من خلال التنفيذ السريع لسياسات تحرير الأسعار وخصخصة مشروعات الدولة. وكان لهذا التسرع آثار وخيمة تمثلت في الركود الاقتصادي وترعرع الجريمة المنظمة وفقدان الاستقرار الاجتماعي ونهب أموال الدولة.
في الوقت ذاته لجأ بعض البلدان الأخرى في أوروبا الشرقية إلى أساليب أخرى للعبور إلى اقتصاد السوق، تميزت بالتدرج وحققت تطويراً اقتصادياً واجتماعياً متوازناً ، وقام عالم الاقتصاد الهنغاري جانوس كورناي بدراسة مقارنة لاستراتيجيات العبور نحو اقتصاد السوق، واستنتج أن الفرق بين استراتيجية "العلاج بالصدمة" واستراتيجية " التدرج " لا يعود إلى السرعة أو البطء، بل إلى فرق جوهري في استراتيجية العبور. فالتمييز هو بين الاستراتيجيا الأولى التي أطلق عليها " الخصخصة المتسرعة "، والثانية التي سميت " بالتطور العضوي " (1).
خصائص استراتيجية الخصخصة المتسرعة هي الآتية :
- المهمة المركزية لسياسة الخصخصة هي التخلص من الملكية العامة بأسرع ما يمكن، ولو بالتهاون الشديد في شروط البيع.
- عدم الاهتمام بهيكلية الملكية الجديدة للشركة المخصخصة بل تفضيل الملكية المشتتة
- عدم الاكتراث بضبط الإدارات المالية للمشروعات المخصخصة.
- عدم الاكتراث بتطوير المشروعات الخاصة من القاعدة إلى الأعلى.
أما خصائص استراتيجية التطوّر العضوي فهي الآتية :
- المهمة المركزية لسياسة الخصخصة في تهيئة الشروط المواتية لتطوير القطاع الخاص، بدءاً من القاعدة الدنيا نحو الأعلى (Bottom-Up Development) .
- السير في خصخصة معظم شركات القطاع العام عن طريق بيعها إلى القطاع الخاص، لكن من دون التهاون في ضرورة التزام العدالة بشروط البيع.
- الحرص في شروط البيع على هيكلية متماسكة للمالك الجديد للشركة المخصخصة، وفرض شروط صارمة لحسن الإدارة المالية للشركة المخصخصة.
يعتقد كورناي أن تجارب الدول الاشتراكية السابقة في العبور إلى اقتصاد السوق، خصوصاً هنغاريا وبولندا، برهنت عن صواب استراتيجية التطور العضوي للقطاع الخاص. ففي هنغاريا وبولندا، ترافق تطور القطاع الخاص مع الانضباط في السياسة المالية العامة ومع عملية الانتقاء الطبيعي للمشروعات الصالحة للبقاء على أساس السلامة المالية الذاتية غير المعتمدة على الاقتراض من مشروعات أخرى، وعلى كفاءة هذه المشروعات في تنفيذ الأعمال التي تتعاقد عليها. وتَعزّزَت فرص نجاح هذه السياسة بتقوية القطاع المصرفي، وتجلّى هذا النجاح في ارتفاع معدلات العمالة والإنتاجية، وفي تطوير طبقة رواد الأعمال أصحاب المبادرات الاستثمارية، جنباً إلى جنب مع تطوير نظام السوق القائم على حكم القانون .
استخدم مصطلح "الخصخصة" في بعض أقطار أوروبا الشرقية (تشيكوسلوفاكيا وبولندا وهنغاريا كأمثلة) کي يدل حصرياً على برنامج محدد هو تخلّص الدولة من أملاكها، أما في أقطار أخرى من أوروبا الشرقية (مثل رومانيا وألبانيا) فانصرف معنى الخصخصة إلى إشراك مساهمين من القطاع الخاص في ملكية منشآت الدولة، من دون تخلي الدولة عن السيطرة الإدارية على هذه المنشآت، كما انصرف إلى استثمار الحكومة المال العام في مشروعات مشتركة مع القطاع الخاص .
بدأت عملية الإصلاح الاقتصادي في تشيكوسلوفاكيا وألمانيا الشرقية وهنغاريا وبولندا بتحرير معظم الأسعار، ضمن إجراءات هدفها المحافظة على الاستقرار في الاقتصاد الكلي. عمَلت هذه الدول كلها على تصميم سياسات للإصلاح العميق متضمنة برامج للخصخصة، لكنها تفاوتت في سرعة إنجاز هذه السياسات والبرامج ووضعها موضع التنفيذ. وفي حين تشابهت السياسات الاقتصادية التي طبقتها هذه الدول على مستوى إدارة الاقتصاد الكلي (ماکرو)، اختلفت سياسات الخصخصة وبرامجها في ما بينها اختلافاً شديداً. وضمن هذه الحقبة من الحضانة لسياسات الخصخصة في هذه الدول، ظهر كم كبير من الأدبيات التي تقدم النصح والمشورات الهادفة إلى "هداية" الحكومات الجديدة في دول أوروبا الشرقية في ما هي مقبلة عليه من تحديات غير مسبوقة تمثلها عملية خصخصة ثرواتها ، ولم تستطع هذه الحكومات الاستفادة من تجارب الخصخصة في أقطار أوروبا الغربية، إذ جرت هذه التجارب ضمن أطر محدودة في اقتصادات هي أصلاً اقتصادات سوق، فلم تكن تطبيقات الخصخصة فيها لتفـيد كثيراً في تصميم برامج الخصخصة الضخمة التي كانت بصددها أقطار أوروبا الشرقية (2).
أما المثال الأسوأ لتطبيق استراتيجيا "الخصخصة المتسرعة" ، فكان في روسيا، حيث كانت هذه الاستراتيجيا حاضنة لتكوين النزعات الاحتكارية في السوق وغير ذلك من التشوهات المؤذية في الاقتصاد. ونشأ معظم الاحتكارات عن نقل ملكية قسم كبير من المشروعات المخصخصة إلى موظفين سابقين في الحكومة انتفعوا من امتيازاتهم للاستئثار بثمار الخصخصة، وكان أسوا الأمثلة على ذلك مشروعات النفط والغاز التي انتقلت ملكيتها إلى المحتكرين من المتنفذين الجدد.
اعتبر المستشارون الاقتصاديون لروسيا والدول الأخرى المنبثقة عن سقوط الاتحاد السوفياتي وتفككه أن خصخصة القطاع الحكومي ضرورة يمليها واجب إعادة توزيع الموارد على أسس أكثر عدالة. وعلى أساس هذه المشورة، نقلت روسيا بين عامي 1992 و9419 ما تملك من أسهم في أكثر من 11 ألف مؤسسة حكومية، تشكل أكثر من 70 في المئة من القطاع الصناعي فيها، إلى مساهمين من القطاع الخاص، فكانت النتيجة فشل واضح للنظرية التي مفادها أن المنافسة الفاعلة كافية في ذاتها لإنجاح عملية الخصخصة من حيث نقل ملكية الأصول المنتجة وإدارتها إلى مالكين ومديرين ذوي كفاءة وقدرة على تطوير إنتاجية هذه الأصول، ويعود فشل هذه النظرية وتعطل تطبيقها إلى غياب سوق ثانوية للأوراق المالية تظهر الأسعار العادلة للأسهم، ولذلك ذهبت تلك الأصول والموجودات ضحية النهب لأن انتقالها إلى الملكية الخاصة لم يأت نتيجة عملية مستقيمة من البيع التنافسي لقاء أثمان عادلة (3) .
في مقابل الفشل الذي تمثله «الاستراتيجيا المتسرعة» في تجربة أقطار أوروبا الشرقية، تقدم تجربة الصين في الإصلاح والخصخصة المثال المعتمد لنجاح استراتيجية التطور العضوي. وتكتسب هذه التجربة أهميتها من اعتبارات عدة :
- تمثل جانباً أساسياً من التحول من اقتصاد اشتراکي قائم على التخطيط المركزي الذي ينفذه القطاع العام إلى اقتصاد السوق.
- اتصف ذلك التحول بالتميز الواسع واللافت من التحول المناظر في دول الاتحاد السوفياتي السابق وأوروبا الشرقية.
- أنتجت سياسة الإصلاح الاقتصادي التي قادت ذلك التحول أداءً غير مسبوق في معدلات النمو الاقتصادي طوال الجزء الأكبر من العقود الثلاثة الماضية .
تضمنت الاستراتيجيا التي اتُبعت في الصين ، على سبيل المثال، نظام المسؤولية المتعاقد عليها التي طبقت في المناطق الريفية في ثمانينيات القرن الماضي، فانبثق منها ملايين المزارع الأسرية، وأطلق العنان لروح المبادرة الطبيعية عند الفلاحين الصينيين، فقادت إلى نمو المشروعات المنتجة وتكاثرها في البلدات والقرى الريفية التي فتحت أبواب السوق، وأنضجت خبرات عدد كبير من رجال الأعمال المبادرين الذين ضغطوا بدورهم من أجل انتظام عمل السوق، ما ساعد في ما بعد في إنجاح الإصلاح في المشروعات التي تملكها الدولة.
لكن لا بد من الإشارة، مع ذلك، إلى أن الإصلاح الاقتصادي في الصين كان شديد التعقيد. فعلى الرغم من وضوح الهدف النهائي للإصلاح والدقة في تحديد أبعاده، وهو تغيير نظام الاقتصاد المخطط إلى اقتصاد السوق، فإن هذه العملية انطوت على تأثير كبير ومتفاوت في مصالح فئات المجتمع المتعددة. فلا بد من أن تتأثر السياسات والإجراءات المتخذة لتحقيق هدف الانتقال إلى اقتصاد السوق بالتفاعل المتبادل بين تلك الفئات ذات المصالح المختلفة والمتضاربة. لذلك، اتخذت عملية الإصلاح طريقاً متعرجاً ، وهي أحد الموضوعات التي سيتناولها هذا الفصل .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) Janos Kornai, Ten Years after the Road to a Free Economy: The Author's Self-Evaluation,» in: Boris Pleskovic and Nicholas Stern, eds., Annual World Bank Conference on Development Economics,
.66و94 . (Washington, DC: World Bank, 2001), pp2000 .
(2)Patrick Bolton and Gerard Roland, The Economics of Mass Privatization: Czeechoslovakia, East Germany, Hungary and Poland (Discussion Paper, 155, LSE Financial Markets Group, November 1992).
(3) J. Earle, S. Extrin and L Lashchenko, Ownership Structures, Patterns of Control, and)
Enterprise Behavior in Russia (Discussion Paper, no. 315, Centre for Economic Performance, London School of Economics and Political Science, London, November 1996).
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|