أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-05-16
649
التاريخ: 18-11-2014
2021
التاريخ: 18-11-2014
1852
التاريخ: 11-10-2014
1757
|
قال تعالى : {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ...} [البقرة : 30]
تعتمد هذه القصة عنصر (الحوار) في عرضها لقضية (المولد البشري)...
و(الحوار) ـ كما هو المألوف في الادب القصصي ـ قد يشكل (جزءا) من اللغة القصصية التي تعتمد كلا من (السرد) و (الحوار) ، أو تستقل بأحدهما في صياغة القصة.
وأهمية (الحوار) تتمثل في مساهمتها بجملة من ظواهر القصص الفنية ، منها : الكشف عن الأحداث وتطويرها ، والكشف عن أعماق الابطال فيما لا يتاح لنا ان نحيط بخفاياها لولا هذا العنصر الحيوي في القصة.
المهم ان مستويات (الحوار) وأشكاله ستتحدد عند متابعتنا للقصص القرآن لاحقا ، ويعنينا الآن ان نقف عند أول نماذجه ، وهو قصة آدم فيما بدأت بهذا النحو من الحوار بين (الله) والملائكة :
{وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ } :
{ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً }.
{قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ؟}
{ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ}
لقد كشف هذا الحوار عن (التصور الملائكي) للتجربة الأرضية الجديدة ، مثلما كشف عن حجم (المعرفة) التي اوكلتها السماء إليهم.
الملائكة يشكلون نموذجا خاصا من مخلوقات الله ، كما ان طبيعة تركيبتهم قائمة على الامتثال لأوامر الله : نظرا لكونهم لا يتجاذبهم طرفان من الدوافع التي تطبع الكائن الآدمي (العقل والشهوة) بل يتحركون من خلال (دافع) واحد هو : (العقل) أو (الخير) أو (الموضوعية).
وهذا يعني ، ان القارئ ـ وهو مقتنع بالسمة الملائكية المذكورة ـ يظل في تساؤل ودهشة حيال موقفهم من وجود (خليفة) في الأرض.
بيد ان الأهم من ذلك ، ان عنصر (الحوار) هو الذي تكفل بالكشف عن أسرار الفكر الملائكي في هذا الصدد.
كان من الممكن مثلا ، أن تفصح القصة عن موقف الملائكة المذكور من خلال عنصر (السرد) ، كأن تقول القصة :
خيل للملائكة بان وجود الآدميين في الأرض يستتبع فسادا وسفكا للدم ، بخلاف العنصر الملائكي الذي يتمحض للحمد والتقديس.
إلا ان القصة إتجهت الى (الحوار) بدلا من (السرد) ، مستهدفة من ذلك ـ في احتمالنا الفني ـ حقيقتين :
إحداهما : ان نتعرف على دقائق افكار الملائكة ، من حلال ألسنتهم مباشرة ، مادمنا ندرك جميعا أن الاستماع المباشر أشد حيوية وإمتاعا من مجرد النقل والإخبار.
ثانيا : ان نتعرف على (المفارقات) التي يشي بها سلوك الشخصية المتحاورة ، فيما ينبغي أن تعهد إليها مباشرة دون (تدخل) من مبدع النص ، إلا بعد انتهاء الحوار. وهو أمر قد حققته القصة فعلا ، حينما عقبت على موقف الملائكة ، بهذه الاجابة : { قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ}.
(الحوار) ـ إذا ـ تكفل بمهمة فنية هي : الكشف عن أفكار الملائكة بكل دقائقها حيال خليفة الأرض.
طبيعي ، قد يتساءل القارئ عن سبب هذا الموقف الملائكي حيال خليفة الأرض ، مع معرفته بتركيبتهم التي يتجاذبها طرفان من الصراع بين الخير والشر ، أو العقل والشهوة.
القصة ساكتة ـ فنيا ـ عن هذا الجانب. الا أن النصوص المفسرة ، تكفلت بشيء من توضيح الجانب المذكور ، فيما أو ضح بعضها ان تساؤل الملائكة كان على نحو الاستخبار ، وليس على وجه الاعتراض. بيد أن نصوصا تفسيرية أخرى ، قررت بأن الملائكة ادركوا خطأ موقفهم ، وتابوا إلى الله.
وأيا كان ، فإن وجه التساؤل هو (حسب بعض النصوص المفسرة) وجود تجربة أرضية لعنصر (الجان) ، حيث أفسدوا في الأرض ، فبعث الله الملائكة واجلوهم عنها ، وجعلوا مكانهم. ولذلك تساءلوا عن السر في إعادة تجربة أرضية جديدة.
والأهم من ذلك هو : أن سكوت النص عن تحديد السبب ، يظل (من الوجهة الفنية) مرتبطا بهدف القصة التي تشدد على إبراز (علم الله) ، والى ان (الملائكة) الذين اختيروا وفق تركيبة خاصة ،... حتى هؤلاء لا يمكنهم ان يقفوا على الأسرار وما تنطوي عليه من الحكم والمصالح.
ومن هنا جاء تعقيب القصة على تساؤلهم المذكور ، بان الله (يعلم ما لا يعلمون) تأكيدا لهذه الحقيقة الفنية التي اشرنا إليها.
مضافا لذلك ، فإن سرا فنيا آخر ، يكمن وراء الحقيقة المذكورة ، وهي : إكساب الشخصية الآدمية قدرا ضخما من التقدير والتفضيل ، تكفل القسم الثاني من القصة بتحديده.
القسم الثاني من القصة ، يبدأ على النحو :
{وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ} [البقرة : 31]
{فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } [البقرة : 31]
{قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ } [البقرة : 32]
{ قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ} [البقرة : 33]
ان هذا الحوار الجديد بين الله والملائكة ، يكشف عن أسرار فنية جديدة تتصل بسمات الملائكة والآدميين.
القارئ يستكشف بان هدف القصة في هذه الشريحة الجزئية منها ، هو : إبراز (علم الله) الذي لا يرقى إليه المخلوقون أيا كانوا ، من جانب ، وإكساب الشخصية الآدمية قيمة قد تفوق الملائكة ، من جانب آخر.
فها هم الملائكة الذين تساءلوا عن سر التجربة الأرضية الجديدة ، قد واجهوا تجربة جديدة لم تخطر ببالهم ، ألا وهي : ان آدم الذي تساءلوا عنه قد أفاض الله عليه (علما) لم يكن الملائكة على إحاطة به. وهنا اقروا بعدم علمهم ، وادركوا بان تساؤلهم ـ أو بالاحرى ، أدرك القارئ ـ بأن التساؤل المذكور ناجم من القصور المعرفي عند الكائنات جميعا ، والى ان الله جعل من الخلافة الأرضية تجربة خاصة أكسبها للآدميين بنحو فضلهم من خلاله على كثير ممن خلق تفضيلا...
هذا الاستخلاص للدلالة المذكورة ، لم تحدده القصة مباشرة ، بل تركتنا ـ نحن القراء ـ نستكشفه من خلال لغة الفن الذي يكتسب خطورة بقدر ما يجعل القارىء مساهما في عمليات الاستكشاف الذهني ،... وهي حقيقة يعرفها كل من اوتي خبرة في تذوق النص القصصي.
ومن هنا يمكننا ان ندرك دلالة ما أوضحه الامام علي ـ عليه السلام ـ حينما قرر حقيقة التركيبة الدافعية لكل من الآدميين والملائكة ، على النحو الذي استشهدنا به سابقا وتعقبه على ذلك :
(فمن غلب عقله شهوته كان خيرا من الملائكة)
وسنرى ـ فضلا عما تقدم ـ ان الأمر بسجود الملائكة لآدم ، يظل حاملا شيئا من الحقيقة المذكورة ، وهو ما يتكفل القسم الثالث من القصة بعرضه.
يبدأ القسم الثالث من القصة ، على هذا النحو :
{وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ} [البقرة : 34]
لقد تدرجت القصة ـ فنيا ـ في صياغتها لهذه الحقيقة ، ونعني بها : أهمية الكائن الآدمي. ففي القسم الاول من القصة (اني جاعل في الأرض خليفة) حددت بنحو مجمل أهمية هذا الكائن ، بحيث سحبت عليه سمة (الخليفة). وفي القسم الثاني ، أو ضحت بعض الأسرار المتصلة بهذا الكائن ، فجعلته موضع تقدير خاص هو : إيداعه (علما) لم يتوفر حتى عند الملائكة. وفي القسم الثالث ، جاءت المطالبة بسجود الملائكة له ، أشعارا بأهميته المذكورة ، بعد ان مهدت لذلك ، بعضا من أسباب الأمر بالسجود له.
وبهذا النحو من البناء العماري للأقسام الثلاثة من القصة ، أفرزت أهمية (الخليفة) في الأرض : من حيث الموازنة بينه وبين الملائكة.
وأما من حيث العلاقة بين الكائنين [الآدميين والملائكة] فقد تدرجت القصة ـ فنيا ـ في صياغة الموقف الملائكي من الخليفة في الأرض. فأولا ، مهدت القصة بموقف متحفظ لدى الملائكة ، هو : التساؤل والدهشة من جعل مثل هذا الخليفة. ثم انتقلت من موقف (متحفظ) لدى الملائكة ، الى رسم موقف (متمرد) صراحة.
في هذا القسم من القصة ، او في هذا الموقف (المتمرد) على السجود ، تدخل القصة شخصية جديدة هي (إبليس).
وقد أحاطت القصة ، هذه الشخصية بغموض فني من حيث صلته بعنصر الملائكة.
وسبب هذا الغموض ، يعود إلى أسرار فنية تخص صياغة الشكل القصصي. فالقصة ـ كما قلنا سابقا ـ ليست في صدد عرض الحقائق المتصلة بتركيبة الملائكة وافتراقهم عن الآدميين ، أو نقاط الالتقاء بين العنصرين ، بقدر ما هي في صدد إبراز أهمية الكائن الآدمي عبر ممارسته لوظيفة العبادة أو الخلافة. لذلك أهملت كل ما يتصل بالفارقية بين العنصرين ، وشددت على ابراز كل ما يتصل بأهمية العنصر الآدمي.
أما نصوص التفسير ، فهي التي تتكفل بإبراز سائر الحقائق المتصلة بهذا الجانب أو ذاك ، ما دام هدفها توضيح ما أبهم ، بخلاف (القصة) التي يظل هدفها عرض الحقائق وفق هندسة خاصة تتصل بعملية التلقي وطرائق الاستجابة المؤثرة.
والمهم ان نصوص التفسير ، قد تفاوتت في تحديد شخصية (إبليس) الذي ابهمها النص ، ولم يتعرض لتحديد هويتها مفصلا. فثمة نصوص تذهب إلى ان (إبليس) من عنصر (الملائكة) أنفسهم ، وبعضها يذهب إلى أنه من عنصر (الجن). وفي الحالي ، فإن منطق القصة النفي ، يعزز كلا من التفسيرين. اما الذهاب الى انه من عنصر (الملائكة) ، فان ابراز موقفهم من آدم وفق التدرج الذي ذكرناه ، يظل من الوضوح بمكان كبير. وأما الذهاب إلى أنه من (الجن) ، فإن تميزهم عن الآدميين ، وتماثلهم مع الملائكة من حيث كونهم عنصرا غير مرئي ، يظل بدوره متوافقا مع عملية التدرج الفني التي أشرنا اليها.
والمهم ، ان (ابليس) وهو يدخل شخصية جديدة في القصة ، سينهي دور (الملائكة) ، أو لنقل : ان دور (الملائكة) بصفتهم ابطالا ثانويين في القصة ، قد انتهى مع عملية التساؤل واعلامهم بحقيقة الامر. وجاء الآن دور ابليس الذي لم يقف بعد عند (التمرد) ، بل ـ كما سنرى ـ في القسم الرابع من القصة ، ان لدخول هذه الشخصية ، آثارا ستعكس فاعليتها على احداث القصة لاحقا ، على النحو الذي سيحدده القسم الرابع منها.
يبدأ القسم الرابع من قصة الميلاد البشري ، بالنحو التالي :
{وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ} [البقرة : 35]
{فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ } [البقرة : 36]
{فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ } [البقرة : 37]
{قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (38) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة : 38 ، 39]
بهذا القسم ، نتنهي قصة الميلاد البشري.
ويلاحظ ، ان هذا القسم من القصة ، قد دخلته شخصية جديدة هي : حواء. كما ان أحداثا جديدة قد انتظمته ، متمثلة في : سكنى الجنة ، والأكل منها ، والنهي عن الشجرة ، وازلال الشيطان لآدم وحواء ، واخراجهما من الجنة ، وتوبة آدم عليه السلام. ثم هبوطهما والذرية الى الأرض.
ان هذه الاحداث السريعة ، المتلاحقة ،... تمت صياغتها وفق عمارية ممتعة ، وانتخاب من بين وقائع متنوعة ، مفصلة ، تكفلت بها نصوص قصصية اخرى.
ويعنينا ان نشير الى الأسرار الفنية التي تقف وراء انتقاء وقائع خاصة دون سواها من هذه القصة.
ان القصة لم تتحدث عن تفصيلات تتصل بطريقة إبليس في إزلال آدم ، ولا بطريقة الخروج من الجنة وما واكبها من تفصيلات ذكرت في قصص أخرى.
لقد اعتمدت القصة في بداية هذا القسم ، عنصر (المفاجأة) فيما يتصل ببطل جديد هو (حواء) أو زوجة آدم فيما لم يسبق ذلك أي تمهيد للبطل المذكور. ورسمت لنا بيئة أولية للبطلين ، هي : الجنة. ثم شددت على ملمح خاص من البيئة المذكورة ، هي : شجرة مبهمة أمر البطلان بعدم تناول شيء منها. ثم طوت الاحداث ، وأبرزت دخول الشيطان إلى بيئة القصة ، حيث أزل البطلين ، فأخرجا من الجنة.
ثم : رسمت القصة قضية (التوبة) ، وقبولها. بعد ذلك إتجه رسم القصة إلى هبوط الكائن الجديد الى الأرض ، ثم : تجربة الأرض بعامة من حيث كونها مستقرا الى حين ، ومن حيث ترتيب آثار العقاب والثواب ، على التجربة المذكورة.
والسؤال هو : لماذا لم نلحظ ـ ليس تفصيلات البيئة التي تحرك آدم من خلالها فحسب ـ بل حتى التفصيلات المتصلة بموقف ابليس منذ بداية القصة مثلا... حيث لوحظ ان كل ذلك قد اختزل ، وان المواقف والوقائع قد انتخبت ، خاطفة ، سريعة ، لماحة كالبرق : لا تحمل ادنى تفصيل.
ونجيب :
ان القصة ما دامت تستهدف قضية (العلم) و(الخلافة) في الأرض ، ثم ما يقف حيالهما من طرفي (الصراع) ،... حينئذ فان رسم المواقف والوقائع والشخصيات ، يظل خاضعا لعملية (انتخاب) خاص ، يتناسب والاهداف المذكورة.
ان وجود (خليفة) في الأرض ، مزود بطاقة (علمية) تنيرله معالم الخلافة ، هو عصب القصة. كما ان وجود طرف آخر يقف حجرا أمام الطريق هو المسوغ لدلالة التجربة الجديدة : ميلاد البشرية. فالتجربة تتطلب طرفين من الصراع ، من الممكن تجاوزها مادام (العلم) الذي اودعته السماء في الشخصية الآدمية ، كفيل بإنارة الطريق لها ، وتنكب الدروب التي تنشر الحجارة فيها هنا وهناك هذا هو (الهدف) الذي ينتظم القصة... والمهم (من الزاوية الفنية) ان القصة ، رسمت (موازنة) بين تجربة (الخلافة) في الارض ، وبين تجربتها قبل الهبوط الى الأرض. بين تجربة أدم ـ عليه السلام ـ وهو في الجنة : يتعرض لصراع ، وبين تجربة الآدميين وهم في الأرض : يتعرضون لصراع... هذه (الموازنة) ينبغي ان نقف عندها ، ونتأملها بدقة ، ما دمنا نعرف أن القصص القرآني حينما يتجه الى شكل فني خاص ، إنا يستهدف من ذلك ، إلقاء انارة ضخمة على دلالات القصة قبل كل شيء وافادتنا ـ نحن القراء ـ من ذلك ، في محاولتنا لتعديل السلوك عبر مهمة خلافتنا في الأرض.
وفي ضوء هذا ، يمكننا الآن أن نتابع تفصيلا ، طريقة رسم الوقائع والمواقف والشخصيات ، حتى نتبين اسرار الفن وراء ذلك.
ولعل الوقوف على رسم (الابطال) ، يتكفل بتوضيح سائر العناصر القصصية الاخرى.
فلنقف ـ اذن ـ عندها.
لقد انشطر شخوص القصة الى ملامح محددة مثل : آدم ، حواء ، ابليس. والى ملامح مبهمة مثل : الملائكة.
وانشطروا الى نمطين ايضا ، شخصيات رئيسة مثل آدم ، وثانوية مثل : ابليس ، حواء ، الملائكة.
كما ان الأبطال قد انشطروا الى نمطين : انس وملائكة ، أو إنس وملائكة مضافا الى جنسهم المماثل : الجن.
وأخيرا ، رسم الابطال جميعا ، بملامح النمو حسب اللغة القصصية ، أي : رسموا ذوي مواقف غير ثابتة ، بحيث بدأوا في القصة بملامح معينة ، وانتهوا بملامح اخرى.
والآن ، ما هي المسوغات الفنية لمثل هذا الرسم للأبطال المذكورين :
من حيث تحديد هوية الابطال أو إبهامهم ،... نجد ان تحديد شخصية مثل آدم يظل متناسبا مع خطورة المولد البشري ، فيما يتطلب المعرفة برجوعنا الى اصل محدد.
وحواء ، محكومة بنفس الطابع.
أما التحديد لشخصية (ابليس) ، فيتناسب بدوره مع خطورة الشخصية المذكورة ، وتمثيلها طرف الصراع الآخر من تجربة الأرض.
وهذا كله بخلاف شخوص (الملائكة) الذي رسموا ذوي ملامح مبهمة ، عامة ، غير محددة. فالمهمة التي انيطت بهم ، مهمة جماعية ، ومواقفهم جماعية ، فيما كانت منصبة على تساؤلهم عن سر الخليفة في الأرض ، واقرارهم بعدم المعرفة ، والسجود لآدم عليه السلام ، دون ان يكون البعض منهم متميزا عن الآخر.
ومن هنا جاء رسمهم ابطالا مبهمين ، أمرا يتناسب والطابع المذكور.
اما فيما يتصل بتقسيم الابطال إلى رئيسين وثانويين ، فيمكننا ان نذهب الى تطبيع آدم بكونه شخصية رئيسة ، يظل امرا من الوضوح بمكان كبير. فما دامت هذه الشخصية مجسدة للآدميين في تجربتهم الخلافية في الأرض ، حينئذ ينبغي ان ترسم شخصية (رئيسة) تتحرك في الاقسام الأربعة من القصة. ففي القسم الاول من القصة ، تحرك آدم من خلال جعله (خليفة).
وفي القسم الثاني تحرك آدم من خلال تعلمه الأسماء كلها.
وفي القسم الثالث ، أمرت الملائكة وابليس بالسجود له. وفي القسم الرابع ، تم سكناه في الجنة ، وهبوطه الى الأرض.
وهذا بخلاف الأبطال الآخرين : الملائكة ، ابليس ، حواء : فيما رسموا (ثانويين) يمارسون وظائفهم في نطاق محدد ، ثم يخلون من مسرح الاحداث ، بعد ان يكونوا قد ألقوا إنارة على الموقف.
فالملائكة مثلا ، قد انتهى دورهم في نطاق التساؤل عن سر الخلافة والسجود ، حيث القوا إنارة على الموقف متمثلة في عدم علمهم بأسرار الخلافة ، وتحسيسنا بأهميتها في تجربة الأرض.
وأما حواء فتجسد شخصيتها عنصر التزاوج الذي لا مناص منه في استمرارية النسل البشري. ولذلك لم تدخل بيئة القصة إلا في القسم الأخير منها بما واكبه من السكنى والهبوط من الجنة.
وأما شخصية إبليس فقد دخلت القصة في نطاق التمرد والتضليل اللذين يمثلان مرحلة تالية على جعل آدم خليفة ، والأمر بالسجود له.
وأخيرا ، فإن الرسم للشخوص ، بطابع (النمو) والانقلاب في المواقف ، يمكننا أن نلحظه متناسبا مع قضية المولد البشري الذي يتطلب صراعا مع طرفي التجاذب في السلوك.
(فإبليس) ، رسم (شخصية نامية) ، بدأت (مطيعة) وانتهت (متمردة). وآدم وحواء اللذان بدءا بالسكنى في الجنة بشكل اعتيادي ، إذا بها يتعرضان للإزلال ، مما استتبع هبوطهما إلى الأرض. والملائكة بدأوا في القصة متسائلين ، وانتهوا عارفين بحقيقة الآمر... كل هذه المستويات من (الانقلاب) داخل الابطال ، تظل متناسبة مع تجربة جديدة لا عهد للأبطال بها ، حيث دفعهم ذلك الى (التسرع) في الاستجابة حيال هذا المثير أو ذاك ، بغض النظر عن مستوى المفارقة التي تفاوت الابطال في درجتها.
واذا استثنينا شخصية (ابليس) التي جسدت قمة (المفارقة) ، فإن الشخصيات الأخرى ، لم تتجاوز دائرة ترك ما هو مندوب إليه من السلوك ، بخاصة : شخصية آدم عليه السلام.
أما الملائكة ، فقد تفاوتت النصوص المفسرة ـ كما سبق القول ـ في تحديد مفارقتها ، فيما ذهب بعضها الى ان تساؤلها كان على نحو الاستعلام ، وبعضها : ذهب الى انهم تابوا الى الله.
والمهم ، ان (نمو) هذه الشخصيات ، وعدم رسمها (مسطحة) ، فرضته التجربة الجديدة : كما سبق توضيح ذلك ، مما يفسر لنا جانبا من الأسرار الفنية وراء الرسم المذكور.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|