أقرأ أيضاً
التاريخ: 13-6-2019
1398
التاريخ: 23-12-2019
2757
التاريخ: 26-6-2020
4171
التاريخ: 1-12-2016
1958
|
المقاطعة :
«لما رأت قريش عزة النبي «صلى الله عليه وآله» بمن معه ، وعزة أصحابه في الحبشة ، وفشوّ الإسلام في القبائل» (١) ، وأن جميع جهودها في محاربة الإسلام قد باءت بالفشل ، حاولت أن تقوم بتجربة جديدة ، وهي الحصار الاقتصادي والاجتماعي ضد الهاشميين ، وأبي طالب ؛ فإما أن يرضخوا لمطالبها في تسليم محمد لها للقتل ، وإما أن يتراجع محمد «صلى الله عليه وآله» نفسه عن دعوته.
وإما أن يموتوا جوعا وذلا ، مع عدم ثبوت مسؤولية محددة على أحد في ذلك ، يمكن أن تجر عليهم حربا أهلية ، ربما لا يمكن لأحد التكهن بنتائجها ، وعواقبها السيئة.
فكتبوا صحيفة تعاقدوا فيها على عدم التزوج والتزويج لبني هاشم ، وبني المطلب ، وأن لا يبيعوهم شيئا ، ولا يبتاعوا منهم ، وأن لا يجتمعوا معهم على أمر من الأمور ، أو يسلموا لهم رسول الله «صلى الله عليه وآله» ليقتلوه.
وقد وقع على هذه الصحيفة أربعون رجلا من وجوه قريش ، وختموها بخواتيمهم ، وعلقت الوثيقة في الكعبة مدة ويقال : «إنهم خافوا عليها السرقة ؛ فنقلوها إلى بيت أم أبي جهل» (2).
وكان ذلك في سنة سبع من البعثة على أشهر الروايات ، وقيل ست.
وأمر أبو طالب بني هاشم أن يدخلوا برسول الله «صلى الله عليه وآله» الشعب ـ الذي عرف بشعب أبي طالب ـ ومعهم بنو المطلب بن عبد مناف ، باستثناء أبي لهب لعنه الله وأخزاه (3).
واستمروا فيه إلى السنة العاشرة ، ووضعت قريش عليهم الرقباء حتى لا يأتيهم أحد بالطعام ، وكانوا ينفقون من أموال خديجة ، وأبي طالب ، حتى نفدت ، حتى اضطروا إلى أن يقتاتوا بورق الشجر.
وكان صبيتهم يتضاغون جوعا ، ويسمعهم المشركون من وراء الشعب ، ويتذاكرون ذلك فيما بينهم ، فبعضهم يفرح ، وبعضهم يتذمم من ذلك.
ويقولون : إنه ربما وجد فيهم من يتعاطف مع المسلمين ، وكان هذا يصدر غالبا ممن يتصل بهم نسبا ، كأبي العاص بن الربيع ، وحكيم بن حزام وإن كنا نحن نشك في ذلك كما سيأتي إن شاء الله تعالى.
ولم يكونوا يجسرون على الخروج من شعب أبي طالب إلا في موسم العمرة في رجب ، وموسم الحج في ذي الحجة ، فكانوا يشترون حينئذ ويبيعون ضمن ظروف صعبة جدا ، حيث إن المشركين كانوا يلتقون بكل من يقدم مكة أولا ، ويطمعونه بمبالغ خيالية ثمنا لسلعته ، شرط أن لا يبيعها للمسلمين.
وكان أبو لهب هو رائدهم في ذلك ؛ فكان يوصي التجار بالمغالاة عليهم حتى لا يدركوا معهم شيئا ، ويضمن لهم ، ويعوضهم من ماله كل زيادة تبذل لهم.
بل لقد كان المشركون يتهددون كل من يبيع المسلمين شيئا بنهب أمواله ، ويحذرون كل قادم إلى مكة من التعامل معهم.
والخلاصة : أن قريشا قد قطعت عنهم الأسواق ، فلا يتركون لهم طعاما يقدم مكة ، ولا بيعا إلا بادروهم إليه ، يريدون بذلك أن يدركوا سفك دم رسول الله «صلى الله عليه وآله» (4).
وقد استمرت هذه المحنة سنتين أو ثلاثا ، وكان علي أمير المؤمنين «عليه السلام» أثناءها يأتيهم بالطعام سرا من مكة ، من حيث يمكن ، ولو أنهم ظفروا به لم يبقوا عليه ، كما يقول الإسكافي وغيره (5).
وكان أبو طالب رضوان الله تعالى عليه كثيرا ما يخاف على النبي «صلى الله عليه وآله» البيات ؛ فإذا أخذ الناس مضاجعهم ، اضطجع النبي «صلى الله عليه وآله» على فراشه ، حتى يرى ذلك جميع من في شعب أبي طالب ، فإذا نام الناس جاء وأقامه ، وأضجع ابنه عليا مكانه (6).
وثمة أبيات شعر له «رحمه الله» مخاطبا بها ولده عليا بهذه المناسبة ، فلتراجع في مصادرها.
أموال خديجة ، وسيف علي عليهما السّلام :
هنا سؤال مفاده : إن من المعروف أن الإسلام قد قام بسيف أمير المؤمنين «عليه السلام» ، الذي قال فيه رسول الله «صلى الله عليه وآله» ـ كما سيأتي في غزوتي أحد وبدر :
لا فتى إلا علي
لا سيف إلا ذو الفقار
وبأموال خديجة رحمها الله تعالى ، التي أنفقتها في سبيل الله سبحانه فما معنى هذا الكلام وما الذي يرمي إليه؟!
فهل معنى ذلك : أن خديجة كانت ترشو الناس من أجل أن يدخلوا في الإسلام؟
وهل يمكن العثور على مورد واحد من هذا القبيل في التاريخ؟!
لعلك تقول : إن النبي «صلى الله عليه وآله» كان يتألف كثيرين على الإسلام ، فيعطيهم الأموال ترغيبا لهم في ذلك. وقضية غنائم حنين الآتية إن شاء الله أوضح دليل على ذلك ، ولا يجهل أحد سهم المؤلفة قلوبهم في الإسلام.
والجواب :
أن هذا الذي ذكر ليس معناه أنهم كانوا يأخذون الرشوة على الإسلام ، وإنما يريد الإسلام لهؤلاء أن يعيشوا في الأجواء الإسلامية ، ويتفاعلوا معها ، وينظروا لها نظرة سليمة ، ومن دون وجود أية حواجز نفسية ، أو سياسية ، أو اجتماعية فكان هذا المال المعطى لهم يساعد على التغلب على تلك الحواجز الوهمية في أكثرها ، ويجعلهم يعيشون في الأجواء والمناخات الإسلامية ، ويتعرفون على خصائص الإسلام وأهدافه.
ولتحصل لهم من ثم القناعات الوجدانية والفكرية بأحقية الإسلام ، وسمو أهدافه.
كما أن من هؤلاء من يرى : أن هذا الدين قد حرمه من المال والثروة والامتيازات التي يحبها ، فلماذا لا يدبر في الخفاء ما يزيح هذا الكابوس الخانق ، والمضر بمصالحه؟
فإذا أعطي المال ، وأفهم أن الإسلام ليس عدوا للمال : (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ ..)(7) فإنه يمكن إقناعه حينئذ بأن هدف الإسلام ليس إلا التركيز على إنسانية الإنسان ، واعتبارها المقياس الحقيقي له ، لا المال ، ولا القوة ولا الجمال ، ولا الجاه ، ولا غير ذلك ، وأنه يهدف إلى تنظيم حياة هذا الإنسان في هذا الخط ، ليكون سعيدا في الدنيا والآخرة على حد سواء.
وأما أموال خديجة ؛ فلم تكن تعطى كرشوة على الإسلام ، ولا كانت تنفق على المؤلفة قلوبهم.
وإنما كانت تسد رمق ذلك المسلم ، الذي يعاني أعظم المشاق والآلام ، في سبيل إسلامه وعقيدته ، هذا المسلم الذي لم تتورع قريش عن محاربته بكل ما تملكه من أسلحة لا إنسانية ولا أخلاقية ، حتى بالفقر والجوع.
فكانت تلك الأموال تسد رمق من يتعرض للأخطار الكبيرة ، وتخدم الإسلام عن هذا الطريق.
وهذا معنى قولهم : إن الإسلام قام بأموال خديجة.
وملاحظة لا بد منها ، وهي أن أموال خديجة التي أنفقت في المقاطعة ، كانت في غالبها من النوع الذي يمكن الانتفاع به في سد رمق الجائع ، وكسوة العاري ، وأما ما سواه ؛ فلربما لم يتعرض لذلك ؛ بسبب عدم القدرة على البيع والشراء في غالب الأحيان.
ونشير أخيرا ، إلى أن مكة مهما عظمت الثروة فيها ، فإنها لا تخرج عن كونها محدودة الإمكانات ، تبعا لموقعها ، وحجمها ؛ لأنها لم تكن مدينة كبيرة جدا ، بل كانت بلدا كبيرا بالنسبة إلى القرية ، ولذا جاء التعبير عنها في القرآن ب «أم القرى» وثروة في بلد كهذا تبقى دائما محدودة ، تبعا لمحدوديته ، وقدراته ، وإمكاناته.
حكيم بن حزام وعواطفه تجاه المسلمين :
قد تقدم أنهم يذكرون حكيم بن حزام في جملة من كان يرسل الطعام سرا إلى المسلمين في شعب أبي طالب روى ذلك ابن إسحاق وغيره (8).
ولكننا بدورنا نشك في ذلك ، فإن حكيم بن حزام كان من القوم الذين انتدبتهم قريش لقتل رسول الله «صلى الله عليه وآله» ليلة الغار ، وباتوا على باب النبي «صلى الله عليه وآله» يرصدونه بانتظار ساعة الصفر (9) وقد رد الله كيدهم إلى نحورهم.
أضف إلى ذلك : أنه كان يحتكر جميع الطعام الذي كان يأتي إلى المدينة على عهد رسول الله «صلى الله عليه وآله» (10) ، وكان من المؤلفة قلوبهم (11).
ومن كانت له نفسية كهذه ، فإنه يصعب عليه جود كهذا ، خصوصا إذا كان معه تعريض نفسه لأخطار العداء مع قريش ، إلا أن يكون يمارس ذلك بروحه الاحتكارية التجارية ؛ فيبيع المسلمين الطعام بأغلى الأثمان ، فيعرض نفسه لهذه الأخطار حبا بالمال.
ويكون حبه للمال ، وتفانيه في سبيله هو الذي يسهّل عليه كل عسير ، ويذلل له ركوب كل صعب وخطير.
أضف إلى ذلك : أنه سوف يأتي حين الكلام على إسلام أبي طالب حين الكلام على رده «صلى الله عليه وآله» هدية ملاعب الأسنة : أن النبي «صلى الله عليه وآله» ، قد رد هديته وهدية غيره ، لأنها هدية من مشرك ، فلا يعقل : أن يقبلها الآن ، ويردها بعد ذلك ، وإلا لاعترضوا عليه بقبوله لها قبل الآن.
إلا أن يدعى : أن ابن حزام إنما كان يعطي الأطفال والنساء ، وغيرهم من بني هاشم المحصورين في الشعب ، وهؤلاء كانوا يقبلون ذلك منه ، وإن كان النبي «صلى الله عليه وآله» لم يكن يقبل. فتبقى ملاحظة : إنه قد يكون إنما يأتيهم بالطعام ليبيعهم إياه بأغلى الأثمان لا دافع لها.
ومن ذلك كله يظهر أيضا : أنه لا يمكن الاطمئنان ، ولا قبول قولهم : إن أبا العاص بن الربيع كان يفعل مثل ذلك آنئذ.
ونحن لا نستبعد : أن يكون للزبيريين يد في تسجيل هذه الفضيلة لحكيم بن حزام ، لا سيما وأنه كان ممن تلكأ عن بيعة أمير المؤمنين «عليه السلام» ، وكان عثمانيا متصلبا (12).
وقد أشرنا إلى ذلك حين الكلام حول ولادة أمير المؤمنين «عليه السلام» في الكعبة ، وحين الكلام عن افتعال الأكاذيب في موضوع الوحي وكيفياته.
__________________
(١) سيرة مغلطاي ص ٢٣ ، وراجع سيرة ابن هشام ج ١ ص ٣٧٥ ، وتاريخ الخميس ج ١ ص ٢٩٧ ، عن المواهب اللدنية.
(2) هكذا جاء في بعض الروايات في البحار ج ١٩ ص ١٦ عن الخرائج والجرائح. ولا يهمنا تحقيق هذا الأمر كثيرا ..
(3) وقيل : إن أبا سفيان بن الحارث أيضا لم يدخل الشعب معهم ، ولكنه قول نادر ، والأكثر على الاقتصار على أبي لهب لعنه الله .. ولسنا هنا في صدد تحقيق ذلك ..
(4) البداية والنهاية ج ٣ ص ٨٤.
(5) شرح النهج للمعتزلي ج ١٣ ص ٢٥٦.
(6) شرح النهج للمعتزلي ج ١٣ ص ٢٥٦ وج ١٤ ص ٦٤ ، والغدير ج ٧ ص ٣٥٧ و ٣٥٨ عن كتاب الحجة لابن معد.
وذكر ذلك ابن كثير في البداية والنهاية ج ٣ ص ٨٤ من دون تصريح بالاسم ، وتيسير المطالب ص ٤٩.
(7) الآية ٣٢ من سورة الأعراف.
(8) راجع : سيرة ابن هشام ج ١ ص ٣٧٩ وغير ذلك من كتب السيرة.
(9) البحار ج ١٩ ص ٣١ ومجمع البيان ج ٤ ص ٥٣٧.
(10) دعائم الإسلام ج ٢ ص ٣٥ والتوحيد للصدوق ص ٣٨٩ والوسائل ج ١٢ ص ٣١٦ والكافي ج ٥ ص ١٦٥ والتهذيب للطوسي ج ٧ ص ١٦٠ ومن لا يحضره الفقيه ج ٣ ص ٢٦٦ ط جماعة المدرسين والاستبصار ج ٣ ص ١٥.
(11) نسب قريش ص ٢٣١.
(12) قاموس الرجال ج ٣ ص ٣٨٧.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|