أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-03-04
1074
التاريخ: 5-05-2015
12516
التاريخ: 2024-03-21
942
التاريخ: 4-05-2015
2624
|
يرى علماء الدلالة المحدثون إن اللغوي الفرنسي (ميشال بريال) يعتبر مؤسس علم الدلالة المتعارف عليه اليوم ، وهو الذي وجه الاهتمام لدراسة المعاني بذاتها ، وقد اقترنت أهمية ريال هذه بمحاولة الناقدين اللغويين الإنكليزيين : أوجدن وريتشاردز) اللذين حوّلا مسار الدلالة بكتابهما المشترك : معنى المعنى الصادر عام 1923 (1).
وذلك بتساؤلهما الحيث عن ماهية المعنى من حيث هو عمل متزاوج من اتحاد وجهي الدلالة : أي الدال والمدلول ، فوجّها العناية بالعلاقة التي تربط مكونات الدلالة التي يجب أن تبدأ من الفكرة أو المحتوى الفعلي الذي تستدعيه الكلمة والذي يومي إلى الشيء (2).
فالدلالة لدى هؤلاء مجتمعين- كما يبدو- عبارة عن اتحاد شامل بإطار متكامل بين الدال والمدلول غير قابل للتجزئة والفصل.
وفي ضوء هذا الفهم الأولي للدلالة أخذت البحوث تشق طريقها إلى استكناه مفهوم الدلالة ومصطلحها لدى المحدثين من العرب والأوروبيين حين لمسوا أن التعميم الفضفاض غير كاف لإعطاء صيغة علمية أو فنية متميزة تنهض بالاصطلاح مستويا على قدميه. ومن هنا حاولوا جعل الدال والمدلول قسيمين أساسيين لمفهوم الدلالة.
يستوقفنا الدكتور بسام بركة ، في تقسيمه وتعقيبه حين يقول : «أما الدال فهو الصورة الصوتية التي تنطبع مباشرة في ذهن السامع ، وهو بعبارة أخرى : الإدراك النفسي للكلمة الصوتية ، وأما المدلول فهو الفكرة التي تقترن بالدال» (3).
ويهمنا من هذا المنحنى التأكيد على صلة اللغة بالفكر فيما يوحيه من علاقة مباشرة قد تكون ضرورية بين عناصر الإشارات المتولدة في الذهن نتيجة لاقتران الدال والمدلول خلف الدلالة ، في حين يقول بعض الدارسين العرب : «لا تقتصر دلالة الكلمة على مدلولها فقط ، وإنما تحتوي على كل المعاني التي قد نتخذها ضمن السياق اللغوي. وذلك لأن الكلمات ، في الواقع ، لا تتضمن دلالة مطلقة بل تتحقق دلالتها في السياق الذي ترد فيه ، وترتبط دلالة الجملة بدلالة مفرداتها» (4).
ومع تقويمنا للنصين السابقين واعتدادنا بهما فإن بالإمكان أن نتصور- بكل تواضع وسماح- أن للألفاظ ظاهرتين متلازمتين تتمم إحداهما الأخرى :
الظاهرة الأولى
: ظاهرة حسية ، باعتبار الألفاظ أصواتا تنطلق بها الأوتار الصوتية من داخل الجهاز الصوتي- ابتداء من أقصى الحلق وانتهاء بانطباق الشفتين لتتصل بالأسماع ، وتصل إلى الآذان.
الظاهرة الثانية
: ظاهرة معنوية ، باعتبار الألفاظ رموزا تشتمل على أصواتها لدى انطباقها على مسمياتها ، وإن كانت غيرها.
وتأسيسا على هذه الرؤية يتحقق لنا لمس إطارين حيّين للألفاظ بعامة :- إطار خارجي ، يتمثل بالصوت اللساني لكل لفظ ، وإطار داخلي يحمل لنا الصورة الذهنية لذلك الصوت.
والإطار الخارجي ، وهو الظاهرة الحسية ، يمثل الشكل.
والإطار الداخلي ، وهو الظاهرة المعنوية ، يمثل المضمون.
و يراد بالشكل هنا- كما هو مفهوم من السياق - مادة اللفظ الصوتية أو الوترية ، وبالمضمون دلالة اللفظ الانطباقية أو المعنوية.
ولتنظير هذا الفهم نرى أن دلالة أي لفظ من الألفاظ على معناه المحدد له ، ترتبط فيما يوحيه هذا اللفظ في الأذهان من انصراف وتبادر إلى مشخصاته الخارجية إن كان عينا ، أو ما يرمز إليه في التصور الذهني إن كان معنى ، بحيث يكسبه هذا وذاك دلالته عند التطبيق الخارجي الذي لا يلتبس بمفهوم آخر في الإدراك حتى يعود رمزا له ، أو علامة تشير إليه ، وفي هذا الضوء تشترك الرموز الصوتية لأي لفظ في الدلالة عليه لتشكل أصلا في كيانه بتصور جملي دفعة واحدة سواء أ كان الاستعمال على جهة الحقيقة اللغوية ، أم على جهة الاستعمال المجازي إذ مناسبة الصلة بين الاستعمالين الحقيقي والمجازي قائمة على إرادة المعنى المحدود دون التباس أو إيهام لتوافر القرينة الدالة على ذلك.
وفيما نرى فلعل استيفن أولمان أستاذ علم اللغة بجامعة ليدز بإنكلترا قد صاغ دلالة الألفاظ بإطار موجز واضح ، فاللفظ عنده : الصيغة الخارجية للشكل ، والمدلول : الفكرة التي يستدعيها اللفظ (5).
وقد أوجد بهذا مقارنة سليمة بين المصطلحين ، فلاحظ أن بينهما علاقة متبادلة ، فليس اللفظ وحده هو الذي يستدعي المدلول ، بل إن المدلول أيضا قد يستدعي اللفظ ، وهذه العلاقة المزدوجة هي القوة التي تربط الدال بالمدلول ، أي الصيغة الخارجية للكلمة بالمحتوى الداخلي لها.
وقد أيد هذا المذهب اللغوي الفرنسي (أندريه مارتينيه) فذهب أن اللفظ لا يمكن له أن يمثل الوحدة العضوية الصغرى في الكلام ، لأن اللغة الإنسانية تقوم بإزاء تلفظ مزدوج مركب من اللفظ المكوّن من مجموعات صوتية ومن المدلول في إعطاء المعنى ، فاللفظ دال ، ومعنى ذلك اللفظ مدلول (6).
ومضافا إلى اقتناعنا بهذا المنهج ، فإن المحدثين من علماء الدلالة الأوروبيين ، مقتنعون أيضا ولكن بصعوبة تحديد الكلمة في شتى اللغات ، غير أنهم مجمعون أن الأساس الصوتي وحده لا يصلح لتحديد معالم الكلمات وأنه لا بد أن تشترك معه الكلمة أو وظيفتها اللغوية ليمكن تحديدها.
وقد اتضح للعالم المشهور ساپير أن تحليل الكلام إلى عناصر أو وحدات ذات دلالة ، يقسم هذا الكلام إلى مجموعات صوتية منها ما ينطبق على الكلمة ، ومنها ما ينطبق على جزء من كلمة ، ومنها ما ينطبق على كلمتين أو أكثر (7).
وطبيعي أن مفهوم ساپير لهذه الدلالات ينطبق على الأحداث والأسماء والحروف ، ودلالة الإضافة في وحدة المضاف ، والمضاف إليه مما يعني تغايرا حقيقيا بين مفهومه ومفهوم القدامى القائلين : «الكلمة قول مفرد ، أو لفظ مفرد» (8).
فهل أل التعريف من هذا القول ؟ وهل الباء كحرف جر من هذا اللفظ؟ وهل الضمائر المتصلة كالتاء منه على وجه ما ؟ وهي مع اندماجها في الأفعال ... هل تشكل قولا مفردا أم قولين؟ أو لفظا مفردا أم لفظين ؟
إن استقلالية الألفاظ في اللغة العربية تعني الفصل في الدلالة ، فلكل من الأفعال والأسماء والحروف والضمائر دلالات خاصة.
ومع هذا التغاير ، فإن الفهم النحوي للكلمات عند القدامى يختلف عن المفهوم النقدي والبلاغي عندهم في الدلالات.
وقد كشف الأستاذ مطاع صفدي عمق الفروق بين النظرية والتطبيق في المجال الدلالي فرأى : أن الأهمية المميزة للدلالة ، إنها لدى تطبيقها على حقل ما لا يتوقف عند حد تفكيك بنيته ، ولكنها عند ما تنجح في هذه المهمة ، وتكشف مدلوله ، تتغير علاقته بالوعي ، يصبح خطابا آخر بمستويات من الدلالة ذات أنساق متناظرة ، تضفي على منظر الخطاب عمقا استراتيجيا جديدا.
لذلك فإن الباحثين في نظرية الدلالة ، محتاجون دائما إلى ممارسة نظرياتهم عبر الخطابات والنصوص التي يطبقون عليها مناهجهم الدلالية لأن هذا التطبيق ذاته لا يبرهن على نجوع المنهج فحسب وإنما يطوّره ، يعطي الخطاب من ذاته ، ويأخذ منه الحس الحي بعمقه العضوي الجديد.
إن خصب الدلالة حقق شكلية التداخل المنهجي بين العلوم الإنسانية وجعلها تعكس ظلالها بعضها على بعض ، حولها إلى مرايا لبعضها ، وغني عن البيان أن تقدم العلوم الإنسانية لا يزال مرتبطا إلى ما لا نهاية بالكشوف المنهجية ، وأهم هذه الكشوف التي ساهمت في نهضتها هي المناهج المساعدة على استنباط أجهزة الإنتاج المعرفية لموضوع البحث وللخطاب العلمي المفسر للموضوع في وقت واحد (9).
ومع اتساع هذا العرض في الاستدلال ، فقد يراد بهذا التعبير مشاركة الدلالة في إرساء مناهج المعرفة الإنسانية ضمن تعدد خصائصها الفنية ، وبرامجها في التنقل بين حقول الحضارة المختلفة تراثية وحداثة في آن واحد.
والذي يهمنا من هذا المنظور هو المنهج النقدي الذي يرتبط بالدلالة تكونا جماليا.
ويقول الدكتور عناد غزوان - وهو يتحدث عن طبيعة هذا المنهج في وجهاته الجمالية المتنوعة - :
«فقد يكون المنهج شكليا يهتم بالبنية الشكلية- العضوية والتجريدية للتجربة الأدبية أو قد يكون تحليليا قائما على تحليل عناصر التركيب الأدبي وخصائصه البيانية والبلاغية ، أو قد يكون منهجا تقنيا فنيا جديدا يدرس هذه التجربة أو تلك على أساس كونها ظواهر حضارية إنسانية تخضع لمثل جديدة في تقدير قيمتها النقدية- الفنية الجمالية- التي تخلق الإعجاب والتقدير في طبيعة العمل الأدبي بالنسبة للقارئ والمتذوق» (10).
واحسب أن التطور الدلالي هو من النوع الأخير ، لأن الحركة النقدية المعاصرة التي اهتمت بالمنطق السمانيكي (علم الدلالة) وعلاقته بالرمز تارة ، وبالصورة الفنية تارة أخرى ، وبالخيال غيرهما تذهب إلى قيمة الدلالة باعتبارها كائنا حضاريا متطورا يمثل قوة الإدراك في حياة الألفاظ والمعاني ، وإن اهتمت بالخصائص البيانية والبلاغية في توجيه مسيرتها النقدية.
على أن المحدثين من الأوروبيين يختلفون في أولوية الدلالة بين اللفظ والمعنى وينقسمون في ذلك إلى مدرستين نقديتين «المدرسة التحليلية» التي ترى أن المعنى يمكن تحليله إلى عناصره ووحداته الأساسية ، و«المدرسة العملية» التي ترى أن الكلمة ترمز إلى فكرة أو إشارة وأخيرا إلى مجمل المعنى العام في الجملة أو التعبير. وتدرس هذه المدرسة الكلمات ذاتها مرتبطة بحدثها وعلاقتها العملية مع غيرها دونما اهتمام مباشر بالمعنى قبل الكلمة (11).
وهذه النظرة التي ترجمها لنا عن الأوروبيين الدكتور عناد غزوان يحللها بقوله :- «و اختلاف المدرستين يعود إلى مدى اهتمامهما بالقارئ ، السامع قبل المتكلم ، أو بالمتكلم قبل السامع ، فعلاقة اللغة بالفكر ليست من القضايا البسيطة لتداخلهما من جهة ، لأنهما روح الحضارة الإنسانية من جهة أخرى فما ينشأ عن هذا العلاقة من غموض أو وضوح من إشارة أو رمز ، من صواب أو خطأ ، من حقيقة أو مجاز يتوقف على قدرة اللغة في توصيل فكرها إلى الآخرين وفي الإفصاح عن تلك التجربة الأدبية ، وهنا يبرز دور النقد الأدبي حضاريا من خلال تحليله لعناصر التجربة بحثا عن فكرها ودلالتها ، ومدى ارتباطها بالأحداث الذاتية والإنسانية» (12).
ومهما يكن من أمر فإن طبيعة البحث الدلالي في نظرية المحدثين من عرب وأوروبيين ، لا تعدو إطار التعريف لكل من الدال والمدلول وعلاقة الألفاظ والمعاني ، ومشاركة هذه العلاقة في إرساء دعائم الحضارة الإنسانية ضمن إشارات ثقافية ولمسات منهجية بأسلوب تغلب عليه السلاسة حينا ، والنعومة حينا آخر ، والتعقيد في المؤدى ثالثا ، وتزاحم عليه الألفاظ ، وتغاير التعبيرات ، وتراكم الصيغ بين هذا وذاك في كثير من الأحيان.
ونحن بدورنا نؤيد ما أورده الدكتور إبراهيم أنيس في عدم وضوح الرؤية لدى هؤلاء الباحثين في التفرقة بين أصول الدلالات ومحدثاتها فهم يتجاهلون تأثير العامل التأريخي في اكتساب الألفاظ دلالتها بمرور الزمن ، فيقول : «و الأمر الذي لم يبد واضحا في علاج كل هؤلاء الباحثين هو وجوب التفرقة بين الصلة الطبيعية الذاتية والصلة المكتسبة ، ففي كثير من ألفاظ كل لغة لحظ تلك الصلة بينهما وبين دلالتها ولكن هذه الصلة لم تنشأ مع تلك الألفاظ أو تولد بمولدها وإنما اكتسبتها اكتسابا بمرور الأيام وكثرة التداول والاستعمال.
وهي في بعض الألفاظ أوضح منها في البعض الآخر ، ومرجع هذا إلى الظروف الخاصة التي تحيط بكل كلمة في تأريخها وإلى الحالات النفسية المتباينة التي تعرض للمتكلمين والسامعين في أثناء استعمال الكلمات» (13).
وهذا تعقيب يعنى بالجانب التاريخي للفظ من جهة وبالجانب النفسي من جهة أخرى.
وهذا الملحظان لم يغب تصورهما الدقيق عن الذهن العربي الإسلامي في القرون السابقة وهو ما ستجده فيما بعد.
ولعل عميد الأدب العربي المرحوم الدكتور طه حسين (ت : 1973م) قد أجمل المنظور القديم والحديث في دلالة الألفاظ على شكل تساؤل إيحائي في إطار نقدي يعنى بمفهوم الأدب فقال : «وما عسى أن تكون هذه الصياغة ، أ هي التأليف بين المعاني أو بين هذه الصور لتلتئم وتأتلف ، والدلالة عليها بالألفاظ التي يؤديها إلى القراء؟ أم هي شيء آخر؟ فإن تكن الأولى ففيم الأخذ والرد والجدال الطويل وقد قلت لهم : إن الألفاظ وحدها لا تغني شيئا ، وإنّ الأدب لا يكون إلا إذا ائتلفت المعاني بينهما ، وائتلفت الألفاظ فيما بينها وبين المعاني ، كان الجمال الفني هو الذي ألف بينها فأحسن التأليف ، وإن تكن الصياغة شيئا آخر فما عسى أن تكون» (14).
هذه روح الدلالة عند العرب بأسلوب واضح كما سترى ، لأن الفروق التعبيرية بين حالتين- كما هو الظاهر- عند المحدثين من الأوروبيين والقدامى من العرب ، تتجلى في نتائج البحث عن الدلالة ، فكأنت لا تلمس شيئا محسوسا في التعبير الحديث ، بينما تضع بصماتك على الأثر الجلي في المدرسة الدلالية عند العرب ، فهناك الألفاظ الأخاذة دون حصيلة مجدية ، وهناك الأصالة العلمية في المقدمات والنتائج الموضوعية ، ولا يعني هذا العرض الغض من معطيات المدرسة الحديثة بقدر ما يعني الاعتداد بما أسداه الأوائل ضمن صفائهم الفطري للموروث الحضاري الإنساني المتصاعد.
ولا بد لي من الوقوف قليلا بل الإشارة تلميحا إلى ما حققه اثنان من علماء الأمة العربية المعاصرين بل علمان من أعلامها : في مجال التنظير الدلالي في رؤية تراثية تستلهم القرآن العظيم عند الأول ، والشعر العربي القديم عند الثاني :
1- لقد استلهم أستاذنا وصديقنا العلامة المرحوم الدكتور أحمد عبد الستار الجواري روح الدلالة في المنظور القرآني من خلال حذف القول في العبارات القرآنية التي تدل معانيها على مرادها ، دون استخدام الألفاظ لهذا الغرض ، مما يحمل السامع على توقع أمر ذي بال ، كما هي الحال في الانقطاع والالتفات وسواهما في عبارة القرآن فيقرع بهما أسماعا غير واعية ، ويهز مشاعر غير صاغية ، يقول المرحوم الجواري :
«و مما يكثر وروده في العبارة القرآنية حكاية القول دون العناية بذكر القول ، وهو أشبه ما يكون بلوحة أسقط منها ما لا حاجة به من خطوط ابتغاء التنويه بجوهر الموضوع ، صورة قصد فيها إلى إهمال ما لا يتعلق بالمعنى أو الفكرة التي أريد التعبير عنها ، والالتفات إلى الأصل والأساس. ولو اتصل الكلام لما أثار قدرا من الانتباه والاهتمام مثل الذي يثيره الانقطاع ، كالذي يسير في طريق ممهدة لا حبة ، تقوده قدماه حتى لا يعود يتلفت حوله ، ولا يثنيه لما يحيط به حتى يفاجئه انحراف في الطريق ، أو التواء ، أو انقطاع ، يسلم إلى منحدر أو مرتقى فيفتح عينيه ، ويرهف حواسه بعد ذلك الانقطاع» (15).
وينظر إلى هذا الملحظ بالتأمل في قوله تعالى :
{فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (30) وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ} [القصص : 30 ، 31].
2- وقد استفاد أستاذنا الجليل الدكتور جميل سعيد عضو المجمع العلمي العراقي أن في لغة الشعر الجاهلي ألفاظا استعملت ولا يسدّ غيرها مسدّها. وكانت تلك الألفاظ قد استخدمت في لغة التخاطب والحديث «تلك اللغة ذات الألفاظ الواضحة المتداولة المفهومة ، يقولها- امرؤ القيس- : وكأنه لا يرى استبدال هذه الألفاظ بغيرها يسد مسدها ، يتذكر الحوار ، ويعيد الحديث الذي سلّى به صاحبه ، يعيده وكأنه يرى فيه تسلية وعزاء لنفسه ، يقول «16» :
بكى صاحبي لما رأى الدرب دونه |
وأيقن أنا لا حقان بقيصرا |
|
فقلت له : لا تبك عينك إنما |
نحاول ملكا ، أو نموت فنعذرا |
|
فلغة الشعر عند امرئ القيس وسواه تهبط إلى لغة الحديث التي يتبع بها أسلوب الحوار ، وأسلوب السؤال والجواب ، ولغة الحديث هذه ، هي لغة النثر التي يقصد بها الأفهام. ومن هنا تكون واضحة ذات جمل قصيرة ، وتكون بعيدة عن الصناعة اللفظية التي تعمد إلى التزويق في الألفاظ ، وإلى الاستعارات والمجازات» (17).
فكأن الغرض الفني عند العربي بفطرته- كما يرى ذلك أستاذنا الدكتور جميل سعيد- أن يقصد بالألفاظ إيصال المعنى المراد إلى المتلقي بما يفهمه ويسبر غوره ، وتلك روح الدلالة عند العرب.
ولعل في تعقب الصفحات الآتية ما يعطي صيغة مقنعة أو مرضية في هذا المنحنى المقارن الذي لا يخلو من طرافة استدلالية على صحة هذا المنظور المجرد عن الحساسية والإثارة بقدر ما هو أصيل في مصادره الريادية الأولى ، عسى أن يكون ذلك مؤشرا ينبه على قيمة هذا التراث بين هذه السطور التي لا تعدو كونها نماذج في مسيرة الدلالة.
(2) ظ. د. موريس أبو ناصر ، مدخل إلى علم الدلالة الألسني ، الفكر العربي المعاصر ، آذار ، 1982+ كمال محمد بشر ، دراسات في علم اللغة : 2/ 159.
(3) د. بسام بركة ، اللغة والفكر بين علم النفس وعلم اللسانية (بحث). ظ : المصادر.
(4) د. ميشال زكريا ، المكون الدلالي في القواعد التوليدية والتحويلية (بحث). ظ :
المصادر.
(5) ظ. ستيفن أولمان ، دور الكلمة في اللغة : 64.
(6). 16.p . 0791.Mrtinet ,Elemrents de Linguitigue General ,Paris
(7) ظ. إبراهيم أنيس. دلالة الألفاظ : 42 وما بعدها.
(8) ابن هشام ، شذور الذهب : 12.
(9) ظ : مطاع صفدي ، نظرية الدلالة وتطبيقاتها ، الفكر العربي المعاصر : آذار 1982.
(10) عناد غزوان ، التحليل النقدي والجمالي للأدب : 29.
(11) ظ. عناد غزوان ، المصدر السابق : 32 بتصرف.
(12) عناد غزوان ، المرجع السابق : 32 وما بعدها.
(13) إبراهيم أنيس ، دلالة الألفاظ : 71.
(14) طه حسين ، خصام ونقد : 102.
(15) أحمد عبد الستار الجواري ، نحو القرآن : 38.
(16) امرؤ القيس ، الديوان : 72.
(17) جميل سعيد ، لغة الشعر «بحث» مستل من المجلد الثاني والعشرين من مجلة المجمع العلمي العراقي ، مطبعة المجمع ، بغداد 1973.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|