المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17761 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
{افان مات او قتل انقلبتم على اعقابكم}
2024-11-24
العبرة من السابقين
2024-11-24
تدارك الذنوب
2024-11-24
الإصرار على الذنب
2024-11-24
معنى قوله تعالى زين للناس حب الشهوات من النساء
2024-11-24
مسألتان في طلب المغفرة من الله
2024-11-24

تجمع الخلايا Cell Aggregation
10-10-2017
تطيّب النساء
2024-03-05
استخراج وتحضير الياف الرامي
2024-04-07
وصفة أكيدة لعلاج القلق
12-7-2019
المثنى 2
16-10-2014
العرض الذاتي والعرض الغريب
2-9-2016


رأي الإمام الخميني‏ في الحروف المقطّعة  
  
12517   04:16 مساءاً   التاريخ: 5-05-2015
المؤلف : جواد علي كسار
الكتاب أو المصدر : فهم القرآن دراسة على ضوء المدرسة السلوكية
الجزء والصفحة : ص 508- 520.
القسم : القرآن الكريم وعلومه / علوم القرآن / مواضيع عامة في علوم القرآن /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 4-05-2015 3106
التاريخ: 2024-03-18 1186
التاريخ: 22-12-2014 5907
التاريخ: 2024-04-03 844

عند ما يقف الإمام على قوله (سبحانهـ) : {طه * ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى‏}[ طه : 1- 2] ، يمرّ على عدد من الآراء حيال الحروف المقطّعة، منها ما جاء في الخبر عن سفيان الثوري، عن الإمام الصادق عليه السّلام في حديث طويل، قال فيه :

«و أمّا (طهـ) فاسم من أسماء النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم، ومعناه : يا طالب الحقّ الهادي إليه» (1).

ثمّ يبقى في السياق النقلي ذاته، ليمرّ على عدد من الوجوه، منها :

1- ما عن ابن عباس وغيره أنّ معنى «طه» : يا رجل‏ (2).

2- ما ذهب إليه بعضهم من أنّ «الطاء» إشارة إلى طهارة قلب النبي عن غير اللّه، و«الهاء» إشارة إلى اهتداء قلبه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم إلى اللّه‏ (3).

3- كما قيل أيضا أنّ «الطاء» طرب أهل الجنة، و«الهاء» هوان أهل جهنّم، على ما ذكره القرطبي‏ (4).

4- نقل الطبرسي ، عن الحسن أنّه قرأ «طه» بفتح الطاء وسكون الهاء. فإن صحّ ذلك، فأصله «طأ»، فابدل من الهمزة هاء، ليصير المعنى : طأ الأرض بقدميك جميعا (5).

والوجه في هذا التقدير الأخير ما كان عليه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم في صلاته، على ما ترسم لنا ذلك النصوص الروائية فقد روى الطبرسي في «الاحتجاج»، عن موسى بن جعفر عليه السّلام، عن آبائه، عن أمير المؤمنين عليه السّلام، قال : «و لقد قام رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم، عشر سنين على أطراف أصابعه حتّى تورّمت قدماه وأصفر وجهه، يقوم الليل أجمع حتّى عوتب في ذلك فقال اللّه عزّ وجل : {طه * ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى}‏ بل لتسعد به» (6).

كذلك ما رواه علي بن إبراهيم في تفسيره، بإسناده عن أبي جعفر وأبي عبد اللّه عليهما السّلام، قال : «كان رسول اللّه إذا صلّى قام على أصابع رجليه حتّى تورّمت، فأنزل اللّه تبارك وتعالى : (طهـ) بلغة طي : يا محمّد : {ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى‏}» (7)، ومن ثمّ جاء الخطاب إليه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم أن يطأ الأرض بقدميه جميعا (8).

بعد أن انتهى الإمام من استعراض هذه الوجوه، خلص إلى القول : «بالجملة ، هناك اختلاف شديد بالحروف المقطّعة أوائل السور» (9). وفي معرض تقويمه للآراء الكثيرة التي انشقّت عنها أذهان المفسّرين وتفتّقت بها قرائح الباحثين، خلص إلى القول : «الامور التي ذكرها بعض المفسّرين نزولا على حدسهم وتخمينهم، لا تزيد في الغالب عن كونها حدوسا باردة لا أساس لها» (10).

رمزية الحروف المقطّعة

إذا لم تحظ أغلب نظريات المفسّرين ومذاهب الباحثين برضا الإمام، فما هو التفسير الذي يتبنّاه للحروف المقطّعة؟ يميل الإمام إلى النظرية التي تذهب إلى أنّ هذه الحروف، هي من قبيل الرموز والإشارات الخاصّة بين المحبّ والمحبوب.

يكتب : «ما يوافق الاعتبار أكثر هو أنّ تلك الحروف، هي من قبيل الرمز بين المحبّ والمحبوب. ولا نصيب للآخرين في معرفتها» (11).

إذا كانت هذه الحروف رمزا، فهي حينئذ تخرج عن فهم الناس العاديّين، وتكون حكرا على من خوطب بالقرآن. هاتان نتيجتان طبيعيتان تترتبان على نظرية الرمز، أبدى الإمام استعداده للإذعان لهما، وهو يكتب : «لا يستبعد مطلقا أن تكون [الحروف المقطّعة] امورا تتجاوز القدرة البشرية على الفهم، وقد خصّ اللّه تعالى فهمها بالمختصّين بالخطاب» (12).

هذا ما كان ذكره عنها في مؤلفه «آداب الصلاة» الذي انتهى من تأليفه سنة 1361 هـ . وفي عودة مجدّدة إلى الموضوع مع كتاب «كشف الأسرار» الذي صدر بعد قرابة ثلاث سنوات من الكتاب الأوّل (1364 هـ)؛ أمعن سماحته في إضاءة النظرية ذاتها على نحو ميسّر، يتناسب ولغة الكتاب الجديد وينسجم مع أهدافه، وما كان يتوخّاه من مخاطبة الشريحة العريضة من أبناء المجتمع.

انطلق الإمام من التمييز بين أسلوبين في التعبير، أحدهما عام يتسق مع المستوى العام للمجتمع وينسجم مع ثقافته، وآخر خاصّ يتناسب مع أهل الاختصاص. إذ من الواضح أنّ ما يكتب إلى المجتمع ينبغي أن يتمتّع بخصائص كثيرة من حيث اليسر والوضوح والتفصيل، بعكس ما يكتب للمختصّين. فلو أراد الطبيب أن يكتب وصفة طبية ترتبط بالصحة العامّة للمجتمع، فلا ريب أنّه سيفعل ذلك بلغة سهلة واضحة تميل إلى التحديد والتفصيل، بعكس ما لو أراد أن يؤلّف كتابا علميا في الطب، إذ سيعمد إلى الدقّة والاختصار.

بعد أن ينتهي الإمام من هذه المقدّمة بالمثال الذي ذكرناه‏ (13)، ينعطف للقول :

«كذلك القرآن والحديث. فالقوانين العملية التي جاءا بها إلى الجمهور العام، قد توفّرا ببيانها على نحو يفهمها الناس. بيد أنّ علوم القرآن والحديث لا يستطيع كلّ إنسان فهمها، كما أنّها لم تأت [بأجمعها وبمختلف مستوياتها ودرجاتها] إلى الجميع، بل بعضها رمز بين صاحب الخطاب وفئة خاصّة، تماما كما تنطوي بعض برقيات الحكومة على الشفرة والرمز، بحيث لن يكون من مصلحة البلد الكشف عنها، بل ولا تعرف شي‏ء عن شفرتها حتّى دائرة البريد نفسها. كذلك الحال في‏ القرآن، فهو يتضمّن مثل هذه الشفرات والرموز لا يعرف معناها بحسب ما تنطق به الروايات حتّى جبرائيل نفسه الذي جاء بالقرآن، وإنّما يختصّ النبي وحده ومن علّمه بمعرفتها والقدرة على كشف هذه الرموز، مثلما هو الحال في الحروف المقطّعة في أوائل السور»‏ (14).

يبدو أنّ الإمام ما كان على استعداد للتخلّي عن رأيه هذا بالحروف المقطّعة أو تعديله، حتّى بعد أن تقدّم به العمر. ففي نص يعود إلى شهر رمضان من سنة 1404 هـ عاد يؤكّد التزامه بالنظرية ذاتها، وهو يكتب : «ثمّ في هذه المخاطبة [القرآن‏] بين الحبيب والمحبوب، والمناجاة بين العاشق والمعشوق أسرار لا سبيل للاطلاع إليها سوى له سبحانه ولحبيبه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ولا إمكان للحصول عليها قطّ. وربّما كانت الحروف المقطّعة في بعض السور، مثل (الم) و(ص) و(يس) هي من هذه القبيل وإشارة إلى تلكم الأسرار. وكذلك كثير من الآيات الكريمة التي يلجأ أهل الظاهر وأهل الفلسفة والعرفان والتصوّف إلى تفسيرها أو تأويلها كل بطريقته الخاصّة»‏ (15).

خلفية النظرية

تتلخّص الرؤية التي يتبنّاها الإمام بشأن هذه الحروف، بالنقطتين التاليتين :

1- إنّها رموز وشفرات خاصّة.

2- هذه الرموز والشفرات هي من سنخ الخطاب الخاصّ أو من قبيل النجوى بين الحبيب وحبيبه، أي بين اللّه جلّ جلاله ونبيه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم، لا مجال لمعرفة الآخرين بمحتواها، خلا من تلقّى ذلك من النبي وهم أهل بيته خاصّة، وربّما لاحت إيماءات من بعيد لأهل اللّه عبر الكشف.

لهذه النظرية بشقّيها خلفية عريضة في الفكر القرآني، على صعيد التفسير وفي نطاق البحث العامّ. فهناك شريحة من الماضين والمحدثين ذهبت إلى أنّ الحروف المقطّعة هي عبارة عن رموز، كما أنّ فيهم من ذهب إلى أنّها خطاب أو نجوى أو شفرات بين صاحب الخطاب جلّ جلاله، وبين نبيه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم. لكن لا ريب أنّ المنتمين للمدرسة العرفانية هم من بين أبرز من تبنّى هذا التفسير ومال إليه.

فمن هؤلاء ذهب إليه ابن عربي وعبد الرزاق الكاشاني، الذي كتب يقول :

«إنّها سرّ بين اللّه تعالى وبين الحبيب، لم يقصد به إفهام غيره». واحتجّ لهذا الرأي، بقوله : «و التخاطب بالحروف المفردة سنّة الأحباب في سنن المحاب»‏ (16).

كذلك ما ذهب إليه الشيخ إسماعيل البروسوي، من قوله : «إنّ من المحتمل أن يكون (الم) وسائر الحروف المقطّعة، من قبيل المواضعات المعمّيات بالحروف بين المحبّين، لا يطّلع عليها غيرهما»‏ (17).

مع الشيرازي تكرّر المعنى ذاته، بل أسهب ببيانه في مواضع عدّة من كتابه، وذكر بأنّ هذه الحروف إشارة إلى عطايا عليا ومواهب سامية وأغذية روحانية وأرزاق ملكوتية لطيفة جاءت «في كسوة الحروف المفردة على طريقة الرمز

والإشارة، إلى مقاصد أهل البشارة، لئلا يطلع عليها الأغيار، ومن لم يكن لهم أهلية الوصول إلى عالم الأسرار ومعدن الأنوار»‏ (18). كما قوله : «إنّ هذه الحروف المقطّعة القرآنية تسمّى في عالم السرّ ولسان أهل بيت النبوّة وبلدة الولاية، العارفين بمنطق الطير ب (الحروف المجملة) و(حروف أبجد). وفي هذا العالم تصير الحروف المتّصلة منفصلة». ثمّ يتحدّث عن منازل أهل اللّه والعلاقة التي تربطهم بها، وكيف ترتقي على سلّم متصاعد إلى أن تبلغ الذروة بعد أن تنكشف الحجب وتفتح أبواب البصيرة الباطنية، بحيث إذا ما بلغوا إلى «مقام القرب رأوا النقاط كلّها مستهلكة في نقطة باء بسم اللّه»‏ (19).

ممّن مال إلى المذهب ذاته وعدّ الحروف المقطّعة سرّا بين الحبيب وحبيبه، الآلوسي في «روح المعاني»، عند ما انتهى إلى القول بعد استعراض عدد من الآراء فيها : «الذي يغلب على الظنّ أنّ تحقيق ذلك علم مستور وسرّ محجوب عجزت العلماء- كما قال ابن عبّاس - عن إدراكه، وقصرت خيول الخيال عن لحاقه»‏ (20). ثمّ استشهد بالبيت التالي :

بين المحبّين سرّ ليس يفشيه‏                قول ولا قلم للخلق يحكيه‏

ليسجّل بعد ذلك : «فلا يعرفه بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم إلّا الأولياء الورثة، فهم يعرفونه من تلك الحضرة، وقد تنطق لهم الحروف عمّا فيها كما كانت تنطق لمن سبّح بكفه الحصى وكلّمه الضبّ والظبى (ص)، كما صحّ ذلك من رواية أجدادنا أهل البيت رضي اللّه تعالى عنهم. بل متى جنى العبد شجرة قرب النوافل علمها وغيرها بعلم اللّه تعالى الذي لا يعزب عن علمه مثقال ذرّة في الأرض ولا في السماء» (21). ثمّ راح يستعرض نظرية ابن عربي عن هذه الحروف وما ذكره من كلام عن أسرارها، ليخلص إلى القول : «و بالجملة، عجائب هذه الفواتح لا تنفذ ولا يحصرها العدّ» (22).

ممّن ذهب من المعاصرين إلى أنّ الحروف المقطّعة سرّ بين اللّه ونبيّه، هو البلاغي في «آلاء الرحمن»، حيث كتب بداية سورة البقرة : الم‏ علم معناها عند اللّه ورسوله ومستودعي علمه وأمنائه على وحيه، ولا غرو أن يكون في القرآن ما هو محاورة بأسرار خاصّة مع الرسول وأمناء الوحي» (23)، ولم يزد على ذلك بشي‏ء.

كذلك ذهب إلى الوجهة ذاتها الطباطبائي في «الميزان» عند حديثه عن سورة «طه»، حيث قال بعد مناقشة عدد من الوجوه وردّها : «الحقّ في الحروف‏ المقطّعة في فواتح السور، أنّها تحمل معاني رمزية ألقاها اللّه إلى رسوله» (24). لكن سبق وأن مرّ علينا إجمالا أنّ للطباطبائي رؤية أو نظرية خاصّة في تفسيرها؛ فكيف يتسق ذلك والقول برمزيتها إلى معان خاصّة؟ الحقيقة أنّ الطباطبائي بقي وفيّا لنظره هذا، عند ما عرض لتفسير الحروف المقطّعة على نحو تفصيلي مطلع سورة الشّورى، إذ بقي ملتزما برمزيتها، لكن غاية ما هناك أنّه يقول بإمكان استشعار معنى لها ناشئ عن طبيعة العلاقة بينها وبين مضمون السورة التي تفتح بها، وذلك انسجاما مع المنطق الذي يميّز في الرموز والعلوم الخاصّة بين ما يكون مستأثرا باللّه ونبيه وأهل بيته، لم يعلّموه أحدا سواهم، وبين ما يمكن تعلّمه منهم بطريق خاصّ.

و على التقديرين، فإنّ الطباطبائي لا يجزم بمعناها وأنّ ما يسوقه هو المراد منها، بل يتبنّى رمزيتها مع إمكان استشعار معنى لها يسوقه على سبيل الحدس.

و بتعبيره : «و يستفاد من ذلك أنّ هذه الحروف رموز بين اللّه سبحانه وبين رسوله صلّى اللّه عليه وآله وسلّم، خفية عنّا لا سبيل لأفهامنا العادية إليها، إلّا بمقدار أن نستشعر أنّ بينها وبين المضامين المودعة في السور ارتباطا خاصّا» (25).

المناقشة

الحقيقة أنّ ما يذهب إليه هذا التيار من رمزية الحروف المقطّعة وأنّها سرّ بين اللّه (سبحانهـ) ورسوله، هي مجرّد دعوى لا يسندها دليل، وما ذكروه لتأييدها لا يزيد على كونه نصوصا غير تامّة سندا ولا دلالة.

أبرز ما ذكروه على هذا الصعيد، هو كلام منسوب للإمام أمير المؤمنين عليه السّلام، يقول فيه : «إنّ لكلّ كتاب صفوة، وصفوة هذا الكتاب حروف التهجّي». كذلك كلام منسوب إلى أبي بكر، يقول فيه : «للّه في كلّ كتاب سرّ، وسرّه في القرآن أوائل السور». وكذلك كلام عن الشعبي، جاء فيه : «سرّ اللّه تعالى فلا تطلبوه» (26). كما احتجّ بعضهم عليه ببعض الوجوه اللغوية التي تحتمل النقاش‏ (27).

ممّا أضافه الإمام إلى هذه النصوص في الاستدلال على رأيه، هو حديث سفيان الثوري، عن الإمام الصادق عليه السّلام، حيث قال مستندا إليه : وثمّ في حديث سفيان الثوري إشارة إلى رمزيّ [تها] (28)، فقد توجّه سفيان إلى الإمام يسأله عن معنى قوله اللّه عزّ وجل : «الم، والمص، وألر، والمر، وكهيعص، وطه، وطس، وطسم، ويس، وص، وحم، وحمعسق، وق، ون؟»، فأجابه عليه السّلام بحديث طويل، جاء في بعضه : «أمّا (الم) في أوّل البقرة، فمعناه : أنا اللّه الملك. وأمّا (الم) في أوّل آل عمران، فمعناه : أنا اللّه المجيد. و(المص)، معناه : أنا اللّه المقتدر الصادق. و(الر)، فمعناه : أنا اللّه الرءوف. و(المر)، معناه : أنا اللّه المحيي المميت الرازق.

و (كهيعص)، معناه : أنا الكافي الهادي الولي العالم الصادق الوعد. وأمّا (طهـ) فاسم من أسماء النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم، ومعناه : يا طالب الحقّ الهادي إليه ... وأمّا (ص) فعين تنبع من تحت العرش، وهي التي توضّأ منها النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم لما عرج به» إلى آخر ما جاء في الرواية (29).

في كلّ الأحوال، هذا الوجه وإن كان ليس بعيدا في نفسه، إلّا أنّه يحتاج إلى الدليل. وإلّا يبقى كبقية الوجوه والاحتمالات والحدوس والأفكار والنظريات، التي أفرزها الفكر القرآني في هذا المضمار.

من جهة اخرى، تواجه هذه النظرية معارضة من جهات عدّة، منها أنّ هذه الرمزية تتعارض مع بنية القرآن وخصائصه من أنّه نور وكتاب هداية وبيان، فالنورية مثلا تشمل جميع أجزاء الكتاب حتّى الحروف المقطّعة، وإن اختلفت مراتب الرؤيا، ومن ثمّ لا بدّ وأن يكون للإنسان نصيب في فهم معنى هذه الحروف ولو على مستوى بعض المراتب.

و من جهات المعارضة هي تحدّي القرآن الآخرين للإتيان بمثله أو بعشر سور أو سورة منه، والتحدّي يكون بأمر مفهوم.

ثمّ هناك ما أمر به القرآن نفسه وحثّ على التدبّر فيه : {أَ فَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى‏ قُلُوبٍ أَقْفالُها}[ محمّد : 24] ، فهذا الأمر عام مطلق يشمل جميع الآيات دون استثناء بما في ذلك الحروف المقطّعة، ولو قال أنصار النظرية الرمزية بتخصيص ذلك العموم أو تقييد ذلك الإطلاق، لوجب عليهم سوق الدليل عليه‏ (30).

يمكن أن نقدّم بعض الاجتهادات في مواجهة هذه الاعتراضات. لكن علينا أن ننتبه في البدء إلى تنوّع الرؤى داخل التيار الرمزي، إذ هناك من يقول أنّها رموز بين اللّه ونبيّه لا سبيل لارتقاء الفهم البشري إليها، في حين هناك من يقول برمزيّتها وفي الوقت ذاته يفتح الطريق لمقاربة معناها عبر الاجتهاد الإدراكي واستخدام‏ العقل، أو من خلال الكشف والشهود وعبر السير والسلوك، أو بالطريقين كليهما.

نتذكّر جيّدا ما ذهبت إليه المدرسة الوجودية من الإيمان بتفاوت مراتب الفهم بين حدّ أقصى يمثله من خوطب بالقرآن، وحدّ أدنى يتمثّل بالقاعدة العريضة. على ضوء هذه القاعدة يمكن تبرير التفسير الرمزي للحروف المقطّعة، بأنّ من خوطب بالقرآن يعرف معناها، ثمّ يعلّمها من يشاء أو يفتح طريقا ولو خاصّا لمعرفة الآخرين بها أو ببعض مراتبها، ليرتفع الإشكال. أمّا إذا قلنا بأنّ الرمزية لا تعني غلق الطريق تماما على المعرفة بوجهيها الإدراكي والوجودي، فلا مشكلة عندئذ.

في كتاب «الأربعون حديثا» لا يستبعد الإمام أن تكون هذه الرموز بعيدة عن فهم البشر، مختصّة بمن خوطب بالقرآن‏ (31). ثمّ يعمد إلى توضيح هذا الجواب على نحو مفصّل في كتاب «كشف الأسرار»، عند ما يكتب في جواب من ذهب إلى أنّ اختصاص التأويل ومعاني أوائل السور باللّه وبالراسخين بالعلم يؤدّي إلى تزعزع النظام الحياتي؛ ما نصّه : « [إنّ هذا الكلام‏] يشبه من يقول، إذا لم تكتب الرياضيات العالية أو [كتاب‏] القانون لأبي علي [بن سينا] بلغة الجمهور، فسيبعث ذلك على تخلخل النظام الحياتي واضطرابه!». ثمّ يضيف موضحا : «مثل هذا العلم ليس عامّا، كما أنّه لا يرتبط بالحياة العامّة، بل لا يمكن كتابة أمثال هذه العلوم بصيغة بحيث يستفيد منها عامّة الناس. لقد جاء القرآن والحديث لمختلف طبقات الناس، إذ فيهما علوم يفهمها المختصّون بالوحي، ولا حظّ لبقية الناس فيها. وفيهما علوم لطبقة عالية من العلماء ولا نصيب للآخرين فيها قطّ، كما هو حال البراهين الدالّة على تجرّد الواجب وإحاطته القيّومية، فلو إنّكم راجعتم القرآن بتمامه، لما كان‏ بمقدوركم أن تستفيدوا هذه المسائل من القرآن» (32).

على ضوء هذا المنطق يخلص الإمام إلى أنّ فواتح السور هي رموز تختصّ معرفتها بمن خوطب بالقرآن ومن يعلّمهم، ولا ضرر بجهل الآخرين بها.

على أنّ وعي هذه الرؤية جيّدا يستدعي الإطلالة ولو إجمالا، على التصوّر الذي تحمله المدرسة العرفانية لعالم الحروف.

________________

(1)- معاني الأخبار : 22.

(2)- مجمع البيان 7 : 7.

(3)- نسب الشيخ الطبرسي هذا القول إلى القشيري، نقلا عن النسفي. راجع : بحار الأنوار 68 : 27.

(4)- الجامع لأحكام القرآن 11 : 166.

(5)- مجمع البيان 7 : 6.

(6)- الاحتجاج 1 : 219- 220.

(7)- تفسير القمي 2 : 58.

(8)- راجع في هذه الوجوه : شرح چهل حديث : 350- 351.

(9)- نفس المصدر : 351.

(10)- نفس المصدر.

(11)- نفس المصدر.

(12)- نفس المصدر.

(13)- كشف الأسرار : 322.

(14)- نفس المصدر.

(15)- ره عشق : 29. جدير بالذكر أنّ هذا النص المكتنز بمعان كبيرة هو رسالة كتبها الإمام الراحل إلى السيدة فاطمة طباطبائي زوجة نجله أحمد. (راجع : المظاهر الرحمانية : 46)

(16)- نقلا عن : الحروف المقطعة في القرآن الكريم : 29.

(17)- روح البيان 1 : 28، نقلا عن : الحروف المقطعة في القرآن الكريم : 29.

(18)- الحكمة المتعالية 7 : 41.

(19)- تفسير القرآن الكريم 6 : 17- 18.

(20)- روح المعاني 1 : 100.

(21)- نفس المصدر. ويلاحظ التقارب بل التطابق بين هذا الذي ذكره الآلوسي هنا، وما سبق أن أشار إليه الشيرازي، من أنّ هذه الحروف وإن كانت رمزا إلّا أنّ السبيل إلى استشراف بعض معانيها ليس مغلقا على نحو مطلق : «إنّ أوّل ما ينكشف لأولاد روح القدس في مكتب التقديس، معنى اللوح والقلم والكتابة والرقم، ومعنى‏ {الم‏} و{طه}‏ و{يس* والْقُرْآنِ الْحَكِيمِ‏} ومعنى‏ {ص* والْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ} و{ق* والْقُرْآنِ الْمَجِيدِ} و{ن * والْقَلَمِ وما يَسْطُرُونَ‏}، ومعنى الحروف الجمل وهي الحروف المقطّعة القرآنية والكلمات التامّات المفردة، وبعدها الكلمات المركّبة الفرقانية». (راجع : الحكمة المتعالية 7 : 40- 41)

أقطاب هذه المدرسة تعتقد أنّ بالمقدور نيل شي‏ء من هذه المعاني والأسرار بالكشف وغيره، لأنّها وإن كانت علوما خاصّة إلّا أنّها ليست من العلوم المستأثرة أو الأسرار الخاصّة التي لا سبيل إليها أساسا.

(22)- نفس المصدر 1 : 104.

(23)- آلاء الرحمن في تفسير القرآن 1 : 143.

(24)- الميزان في تفسير القرآن 14 : 127.

(25)- نفس المصدر 18 : 9.

(26)- راجع : مجمع البيان 1 : 68، التفسير الكبير 2 : 3، روح المعاني 1 : 100.

(27)- راجع : الحروف المقطّعة في القرآن الكريم : 26 فما بعد.

(28)- شرح چهل حديث : 351.

(29)- معاني الأخبار : 22، بحار الأنوار 89 : 373.

(30)- راجع في تفاصيل هذه المعارضات : تسنيم 2 : 102 فما بعد.

(31)- شرح چهل حديث : 351.

(32)- كشف الأسرار : 323 .

 




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .