أقرأ أيضاً
التاريخ: 27-11-2014
1466
التاريخ: 27-04-2015
1869
التاريخ: 17-10-2014
1582
التاريخ: 27-11-2014
1539
|
ذهب جماعة من محدثي الشيعة والحشوية وجماعة من محدثي أهل السنة إلى وقوع التحريف بمعنى النقص والتغيير في اللفظ أو الترتيب دون الزيادة فلم يذهب إليها أحد من المسلمين كما قيل.
واحتجوا على نفي الزيادة بالإجماع وعلى وقوع النقص والتغيير بوجوه
كثيرة :
الوجه الأول : الأخبار
الكثيرة المروية من طرق الشيعة وأهل السنّة الدالّة على سقوط بعض السور والآيات وكذا الجمل وأجزاء الجمل والكلمات والحروف في الجمع الأول الذي ألف فيه القرآن في زمن أبي بكر، وكذا في الجمع الثاني الذي كان في زمن عثمان وكذا التغيير وهذه روايات كثيرة روتها الشيعة في جوامعها المعتبرة وغيرها، وقد ادّعى بعضهم أنّها تبلغ ألفي حديث، وروتها أهل السنّة في صحاحهم كصحيحي البخاري ومسلم وسنن أبي داود والنسائي وأحمد وسائر الجوامع وكتب التفاسير وغيرها وقد ذكر الآلوسي في تفسيره أنها فوق حدّ الإحصاء.
و هذا غير ما يخالف فيه مصحف عبد اللّه بن مسعود المصحف المعروف مما ينيف على ستين موضعا، وما يخالف فيه مصحف أبي بن كعب المصحف العثماني وهو في بضع وثلاثين موضعا، وما تختلف فيه المصاحف العثمانية التي اكتتبها وأرسلها إلى الآفاق وهي خمسة أو سبعة أرسلها إلى مكة وإلى الشام وإلى البصرة وإلى الكوفة وإلى اليمن وإلى البحرين وحبس واحدا بالمدينة والاختلاف الذي فيما بينها يبلغ خمسة وأربعين حرفا، وقيل : بضع وخمسين حرفا.
وغير الاختلاف في الترتيب بين المصاحف العثمانية والجمع الأول في زمن أبي بكر فقد كانت سورة الأنفال في التأليف الأول في المثاني وسورة براءة في المئين وهما في الجمع الثاني موضوعتان في الطوال على ما ستجيء روايته.
وغير الاختلاف في ترتيب السور الموجود بين مصحفي عبد اللّه بن مسعود وأبي بن كعب على ما وردت به الرواية وبين المصاحف العثمانية، وغير الاختلافات القرائية الشاذة التي رويت عن الصحابة والتابعين فربما بلغ عدد المجموع الألف أو زاد عليه.
الوجه الثاني : أن العقل يحكم
بأنه إذا كان القرآن متفرقا متشتتا منتشرا عند الناس وتصدّى لجمعه غير المعصوم يمتنع عادة أن يكون جمعه كاملا موافقا للواقع.
الوجه الثالث : ما روته العامة والخاصة أن عليا عليه السّلام
اعتزل الناس بعد رحلة النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ولم يرتد إلّا للصلاة حتى جمع القرآن ثم حمله إلى الناس وأعلمهم أنه القرآن الذي أنزله اللّه على نبيه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم وقد جمعه فردوه واستغنوا عنه بما جمعه لهم زيد بن ثابت ولو لم يكن بعض ما فيه مخالفا لبعض ما في مصحف زيد لم يكن لحمله إليهم وإعلامهم ودعوتهم إليه وجه، وقد كان عليه السّلام أعلم الناس بكتاب اللّه بعد نبيه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم وقد أرجع الناس إليه في حديث الثقلين المتواتر وقال في الحديث المتفق عليه : «عليّ مع الحق والحق مع عليّ».
الوجه الرابع : ما ورد من الروايات أنه يقع في هذه الأمة ما وقع في بني إسرائيل
حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة، وقد حرّفت بنو إسرائيل كتاب نبيّهم على ما يصرح به القرآن الكريم والروايات المأثورة، فلا بد أن يقع نظيره في هذه الأمة فيحرفوا كتاب ربهم وهو القرآن الكريم.
ففي صحيح البخاري عن أبي سعيد الخدري أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم قال :
لتتبعنّ سنن من كان قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع حتى لو دخلوا جحر ضبّ لتبعتموه، قلنا : يا رسول اللّه بآبائنا وأمهاتنا اليهود والنصارى؟
قال فمن؟
والرواية مستفيضة مروية في جوامع الحديث عن عدة من الصحابة كأبي سعيد الخدري- كما مرّ- وأبي هريرة وعبد اللّه بن عمر، وابن عباس وحذيفة وعبد اللّه بن مسعود وسهل بن سعد وعمر بن عوف وعمرو بن العاص وشداد بن أوس والمستورد بن شداد في ألفاظ متقاربة.
وهي مروية مستفيضة من طرق الشيعة عن عدة من أئمة أهل البيت عليهم السّلام عن النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم كما في تفسير القمي عنه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم : لتركبنّ سبيل من كان قبلكم حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة لا تخطئون طريقهم ولا تخطئ شبر بشبر وذراع بذراع وباع بباع حتى أن لو كان من قبلكم دخل جحر ضبّ لدخلتموه قالوا : اليهود والنصارى تعني يا رسول اللّه؟ قال : فمن أعني؟ لتنقضنّ عرى الإسلام عروة عروة فيكون أول ما تنقضون من دينكم الأمانة وآخره الصلاة.
والجواب عن استدلالهم بإجماع الأمة على نفي تحريف القرآن بالزيادة بأنها حجة مدخولة لكونها دورية.
بيان ذلك : أن الإجماع ليس في نفسه حجة عقلية يقينية بل هو عند القائلين باعتباره حجة شرعية لو أفاد شيئا من الاعتقاد فإنما يفيد الظن سواء في ذلك محصله ومنقوله على خلاف ما يزعمه كثير منهم أن الإجماع المحصّل مفيد للقطع وذلك أن الذي يفيده الإجماع من الاعتقاد لا يزيد على مجموع الاعتقادات التي تفيدها آحاد الأقوال والواحد من الأقوال المتوافقة لا يفيد إلّا الظن بإصابة الواقع، وانضمام القول الثاني الذي يوافقه إليه إنما يفيد قوة الظن دون القطع لأن القطع اعتقاد خاص بسيط مغاير للظن وليس بالمركّب من عدة ظنون.
وهكذا كلما انضم قول إلى قول تراكمت الأقوال المتوافقة وزاد الظن قوة وتراكمت الظنون واقتربت من القطع من غير أن تنقلب إليه كما تقدم، هذا في المحصّل من الإجماع وهو الذي نحصله بتتبع جميع الأقوال والحصول على كل قول قول، وأما المنقول منه الذي ينقله الواحد والاثنان من أهل العلم والبحث فالأمر فيه أوضح فهو كآحاد الروايات لا يفيد إلّا الظن إن أفاد شيئا من الاعتقاد.
فالإجماع حجة ظنية شرعية دليل اعتبارها عند أهل السنّة مثلا قوله صلّى اللّه عليه وآله وسلّم «لا تجتمع أمتي على خطاء أو ضلال» وعند الشيعة دخول قول المعصوم في أقوال المجمعين أو كشف أقوالهم عن قوله بوجه.
فحجية الإجماع بالجملة متوقفة على صحة النبوة وذلك ظاهر، وصحة النبوة اليوم متوقفة على سلامة القرآن من التحريف المستوجب لزوال صفات القرآن الكريمة عنه كالهداية وفصل القول وخاصة الإعجاز فإنه لا دليل حيا خالدا على خصوص نبوة النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم غير القرآن الكريم بكونه آية معجزة، ومع احتمال التحريف بزيادة أو نقيصة أو أي تغيير آخر لا وثوق بشيء من آياته ومحتوياته أنه كلام اللّه محضا وبذلك تسقط الحجة وتفسد الآية، ومع سقوط كتاب اللّه عن الحجية يسقط الإجماع عن الحجية.
ولا ينفع في المقام ما قدمناه في أول الكلام أن وجود القرآن المنزل على النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم فيما بأيدينا من القرآن في الجملة من ضروريات التاريخ.
وذلك لأن مجرد اشتمال ما بأيدينا منه على القرآن الواقعي لا يدفع احتمال زيادة أو نقيصة أو أي تغيير آخر في كل آية أو جملة أريد التمسك بها لإثبات مطلوب.
والجواب عن الوجه الأول
الذي أقيم لوقوع التحريف بالنقص والتغيير وهو الذي تمسك فيه بالأخبار :
أما أولا فبأن التمسك بالأخبار بما أنها حجة شرعية يشتمل من الدور على ما يشتمل عليه التمسك بالإجماع بنظير البيان الذي تقدم آنفا.
فلا يبقى للمستدل بها إلّا أن يتمسك بها بما أنها أسناد ومصادر تاريخية وليس فيها حديث متواتر ولا محفوف بقرائن قطعية تضطرّ العقل إلى قبوله بل هي آحاد متفرقة متشتتة مختلفة منها صحاح ومنها ضعاف في أسنادها ومنها قاصرة في دلالتها فما أشذّ منها ما هو صحيح في سنده تام في دلالته. وهذا النوع على شذوذه وندرته غير مأمون فيه الوضع والدسّ فإن انسراب الإسرائيليات وما يلحق بها من الموضوعات والمدسوسات بين رواياتنا لا سبيل إلى إنكاره ولا حجية في خبر لا يؤمن فيه الدسّ والوضع.
ومع الغض عن ذلك فهي تذكر من الآيات والسور ما لا يشبه النظم القرآني بوجه، ومع الغضّ عن جميع ذلك فإنها مخالفة للكتاب مردودة.
أما ما ذكرنا أن أكثرها ضعيفة الأسناد فيعلم ذلك بالرجوع إلى أسانيدها فهي مراسيل أو مقطوعة الأسناد أو ضعيفتها، والسالم منها من هذه العلل أقلّ قليل.
وأما ما ذكرنا أن منها ما هو قاصر في دلالتها فإن كثيرا مما وقع فيها من الآيات المحكيّة من قبيل التفسير وذكر معنى الآيات لا من حكاية متن الآية المحرّفة وذلك كما في روضة الكافي عن أبي الحسن الأول في قول اللّه : {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا} [النساء : 63]
وما في الكافي عن الصادق عليه السّلام في قوله تعالى : { وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا } [النساء : 135] قال : «إن تلووا الأمر وتعرضوا عما أمرتم به فإن اللّه كان بما تعملون خبيرا» إلى غير ذلك من روايات التفسير المعدودة من أخبار التحريف.
ويلحق بهذا الباب ما لا يحصى من الروايات المشيرة إلى سبب النزول المعدودة من أخبار التحريف كالروايات التي تذكر هذه الآية هكذا :
«يا أيها الرسول بلّغ ما أنزل إليك في علي» والآية نازلة في حقه عليه السّلام، وما روي أن وفد بني تميم كانوا إذا قدموا على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم وقفوا على باب الحجرة ونادوه أن اخرج إلينا فذكرت الآية فيها هكذا : «إن الذين ينادونك من وراء الحجرات بنو تميم أكثرهم لا يعقلون» فظن أن في الآية سقطا.
ويلحق بهذا الباب أيضا ما لا يحصى من الأخبار الواردة في جري القرآن وانطباقه كما ورد في قوله : «و سيعلم الذين ظلموا آل محمد حقهم» وما ورد من قوله : «و من يطع اللّه ورسوله في ولاية علي والأئمة من بعده فقد فاز فوزا عظيما» وهي كثيرة جدا.
و يلحق بها أيضا ما أتبع فيه القراءة بشيء من الذكر والدعاء فتوهّم أنه من سقط القرآن كما في الكافي عن عبد العزيز بن المهتدي قال : سألت الرضا عليه السّلام عن التوحيد فقال : كل من قرأ قل هو اللّه أحد وآمن بها فقد عرف التوحيد، قال : [قلت] كيف نقرؤها؟ قال : كما يقرؤها الناس وزاد فيه كذلك اللّه ربي كذلك اللّه ربي.
ومن قبيل قصور الدلالة ما نجد في كثير من الآيات المعدودة من المحرّفة اختلاف الروايات في لفظ الآية كالتي وردت في قوله تعالى : «و لقد نصركم اللّه ببدر وأنتم أذلة» ففي بعضها أن الآية هكذا : «و لقد نصركم اللّه ببدر وأنتم ضعفاء» وفي بعضها : «و لقد نصركم اللّه ببدر وأنتم قليل».
وهذا الاختلاف ربما كان قرينة على أن المراد هو التفسير بالمعنى كما في الآية المذكورة، ويؤيده ما ورد في بعضها من قوله صلّى اللّه عليه وآله وسلّم : لا يجوز وصفهم بأنهم أذلة وفيهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم.
وربما لم يكن إلّا من التعارض والتنافي بين الروايات القاضي بسقوطها كآية الرجم على ما ورد في روايات الخاصة والعامة وهي في بعضها : «إذا زنى الشيخ والشيخة فارجموهما البتة فإنهما قضيا الشهوة»، وفي بعضها : «الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة فإنهما قضيا الشهوة»، وفي بعضها : «بما قضيا اللذة» وفي بعضها آخرها : «نكالا من اللّه واللّه عليم حكيم» وفي بعضها : «نكالا من اللّه واللّه عزيز حكيم». وكآية الكرسي على التنزيل التي وردت فيها روايات فهي في بعضها هكذا : اللّه لا إله إلّا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم له ما في السموات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى عالم الغيب والشهادة فلا يظهر على غيبه أحدا من ذا الذي يشفع عنده- إلى قوله- وهو العلي العظيم والحمد للّه رب العالمين.
وفي بعضها- إلى قوله- هم فيها خالدون والحمد للّه رب العالمين، وفي بعضها هكذا «له ما في السموات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم» إلخ، وفي بعضها : «عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم بديع السماوات والأرض ذو الجلال والإكرام رب العرش العظيم» وفي بعضها : «عالم الغيب والشهادة العزيز الحكيم».
وما ذكره بعض المحدثين أن اختلاف هذه الروايات في الآيات المنقولة غير ضائر لاتفاقها في أصل التحريف. مردود بأن ذلك لا يصلح ضعف الدلالة ودفع بعضها لبعض.
وأما ما ذكرنا من شيوع الدس والوضع في الروايات فلا يرتاب فيه من راجع الروايات المنقولة في الصنع والإيجاد وقصص الأنبياء والأمم والأخبار الواردة في تفاسير الآيات والحوادث الواقعة في صدر الإسلام وأعظم ما يهم أمره لأعداء الدين ولا يألون جهدا في إطفاء نوره وإخماد ناره وإعفاء أثره هو القرآن الكريم الذي هو الكهف المنيع والركن الشديد الذي يأوى إليه ويتحصن به المعارف الدينية، والسند الحي الخالد لمنشور النبوة وموادّ الدعوة لعلمهم بأنه لو بطلت حجة القرآن لفسد بذلك أمر النبوة واختل نظام الدين ولم يستقر من بنيانه حجر على حجر.
والعجب من هؤلاء المحتجين بروايات منسوبة إلى الصحابة أو إلى أئمة أهل البيت عليهم السّلام على تحريف كتاب اللّه سبحانه وإبطال حجيته، وببطلان حجة القرآن تذهب النبوة سدى والمعارف الدينية لغى لا أثر لها، وما ذا يغني قولنا : إن رجلا في تاريخ كذا ادعى النبوة وأتى بالقرآن معجزة أما هو فقد مات وأما قرآنه فقد حرّف، ولم يبق بأيدينا مما يؤيد أمره إلّا أن المؤمنين به أجمعوا على صدقه في دعواه وأن القرآن الذي جاء به كان معجزا دالا على نبوته، والإجماع حجة لأن النبي المذكور اعتبر حجيته أو لأنه يكشف مثلا عن قول أئمة أهل بيته؟
وبالجملة احتمال الدس- وهو قريب جدا مؤيد بالشواهد والقرائن- يدفع حجية هذه الروايات ويفسد اعتبارها فلا يبقى معه لها لا حجية شرعية ولا حجية عقلائية حتى ما كان منها صحيح الإسناد فإن صحة السند وعدالة رجال الطريق إنما يدفع تعمدهم الكذب دون دس غيرهم في أصولهم وجوامعهم ما لم يرووه. وأما ما ذكرناه أن روايات التحريف تذكر آيات وسورا لا يشبه نظمها النظم القرآني بوجه فهو ظاهر لمن راجعها فإنه يعثر فيها بشيء كثير من ذلك كسورتي الخلع والحفد اللتين رويتا بعدة من طرق أهل السنّة فسورة الخلع هي : «بسم اللّه الرحمن الرحيم اللهم إنا نستعينك ونستغفرك، ونثني عليك ولا نكفرك، ونخلع ونترك من يفجرك» وسورة الحفد هي : «بسم اللّه الرحمن الرحيم اللهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد، وإليك نسعى ونحفد، نرجو رحمتك ونخشى نقمتك إن عذابك بالكافرين ملحق».
وكذا ما أورده بعض الروايات من سورة الولاية وغيرها أقاويل مختلفة رام واضعها أن يقلد النظم القرآني فخرج الكلام عن الأسلوب العربي المألوف ولم يبلغ النظم الإلهي المعجز فعاد يستبشعه الطبع وينكره الذوق ولك أن تراجعها حتى تشاهد صدق ما ادعيناه، وتقضي أن أكثر المعتنين بهذه السور والآيات المختلفة المجعولة إنما دعاهم إلى ذلك التعبّد الشديد بالروايات والإهمال في عرضها على الكتاب ولو لا ذلك لكفتهم للحكم بأنها ليست بكلام إلهي نظرة.
وأما ما ذكرنا أن روايات التحريف على تقدير صحة إسنادها مخالفة للكتاب فليس المراد به مجرد مخالفتها لظاهر قوله تعالى : { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } [الحجر : 9] وقوله : {وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ (41) لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ } [فصلت : 41، 42]الآيتان، حتى تكون مخالفة ظنية لكون ظهور الألفاظ من الأدلة الظنية بل المراد مخالفتها للدلالة القطعية من مجموع القرآن الذي بأيدينا حسب ما قررناه في الحجة الأولى التي أقمناها لنفي التحريف.
كيف لا؟ والقرآن الذي بأيدينا متشابه الأجزاء في نظمه البديع المعجز كاف في رفع الاختلافات المتراءاة بين آياته وأبعاضه غير ناقص ولا قاصر في إعطاء معارفه الحقيقية وعلومه الإلهية الكلية والجزئية المرتبطة بعضها ببعض المترتبة فروعها على أصولها المنعطفة أطرافها على أوساطها إلى غير ذلك من خواصّ النظم القرآني الذي وصفه اللّه بها.
والجواب عن الوجه الثاني
أن دعوى الامتناع العادي مجازفة بيّنة نعم يجوّز العقل عدم موافقة التأليف في نفسه للواقع إلّا أن تقوم قرائن تدل على ذلك وهي قائمة كما قدمنا، وأما أن يحكم العقل بوجوب مخالفتها للواقع كما هو مقتضى الامتناع العادي فلا.
والجواب عن الوجه الثالث
أن جمعه عليه السّلام القرآن وحمله إليهم وعرضه عليهم لا يدل على مخالفة ما جمعه لما جمعوه في شيء من الحقائق الدينية الأصلية أو الفرعية إلّا أن يكون في شيء من ترتيب السور أو الآيات من السور التي نزلت نجوما بحيث لا يرجع إلى مخالفة في بعض الحقائق الدينية.
ولو كان كذلك لعارضهم بالاحتجاج ودافع فيه ولم يقنع بمجرد إعراضهم عما جمعه واستغنائهم عنه كما روي عنه عليه السّلام في موارد شتى، ولم ينقل عنه عليه السّلام فيما روي من احتجاجاته أنه قرأ في أمر ولايته ولا غيرها آية أو سورة تدل على ذلك وجبّههم على إسقاطها أو تحريفها.
وهل كان ذلك حفظا لوحدة المسلمين وتحرزا عن شق العصا فإنما كان يتصور ذلك بعد استقرار الأمر واجتماع الناس على ما جمع لهم لا حين الجمع وقبل أن يقع في الأيدي ويسير في البلاد.
وليت شعري هل يسعنا أن ندعي أن ذلك الجم الغفير من الآيات التي يرون سقوطها وربما ادعوا أنها تبلغ الألوف كانت جميعا في الولاية أو كانت خفية مستورة عن عامة المسلمين لا يعرفها إلّا النزر القليل منهم مع توفر دواعيهم وكثرة رغباتهم على أخذ القرآن كلما نزل وتعلمه، وبلوغ اجتهاد النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم في تبليغه وإرساله إلى الآفاق وتعليمه وبيانه، وقد نص على ذلك القرآن قال تعالى : { وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ } [الجمعة : 2]، وقال : {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل : 44] فكيف ضاع؟ وأين ذهب؟ ما يشير إليه بعض المراسيل أنه سقط في آية من أول سورة النساء بين قوله { وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى} [النساء : 3] إلى قوله : {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء : 3]أكثر من ثلث القرآن أي أكثر من ألفي آية، وما ورد من طرق أهل السنّة أن سورة براءة كانت مبسملة تعدل سورة البقرة، وأن الأحزاب كانت أعظم من البقرة وقد سقطت منه مائتا آية إلى غير ذلك!.
أو أن هذه الآيات وقد دلت هذه الروايات على بلوغها في الكثرة- كانت منسوخة التلاوة كما ذكره جمع من المفسرين من أهل السنّة حفظا لما ورد في بعض رواياتهم أن من القرآن ما أنساه اللّه ونسخ تلاوته.
فما معنى إنساء الآية ونسخ تلاوتها؟ أ كان ذلك لنسخ العمل بها فما هي هذه الآيات المنسوخة الواقعة في القرآن كآية الصدقة وآية نكاح الزانية والزاني وآية العدة وغيرها؟ وهم مع ذلك يقسمون منسوخ التلاوة إلى منسوخ التلاوة والعمل معا ومنسوخ التلاوة دون العمل كآية الرجم.
أم كان ذلك لكونها غير واجدة لبعض صفات كلام اللّه حتى أبطلها اللّه بإمحاء ذكرها وإذهاب أثرها فلم يكن من الكتاب العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ولا منزها من الاختلاف، ولا قولا فصلا ولا هاديا إلى الحق وإلى طريق مستقيم، ولا معجزا يتحدى به ولا، ولا، فما معنى الآيات الكثيرة التي تصف القرآن بأنه في لوح محفوظ، وأنه كتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وأنه قول فصل، وأنه هدى، وأنه نور، وأنه فرقان بين الحق والباطل، وأنه آية معجزة، وأنه، وأنه؟
فهل يسعنا أن نقول : إن هذه الآيات على كثرتها وإباء سياقها عن التقييد مقيدة بالبعض فبعض الكتاب فقط وهو غير المنسي ومنسوخ التلاوة لا يأتيه الباطل وقول فصل وهدى ونور وفرقان ومعجزة خالدة؟
وهل جعل الكلام منسوخ التلاوة ونسيا منسيا غير إبطاله وإماتته؟ وهل صيرورة القول النافع بحيث لا ينفع للأبد ولا يصلح شأنا مما فسد غير إلغائه وطرحه وإهماله؟ وكيف يجامع ذلك كون القرآن ذكرا؟
فالحق أن روايات التحريف المروية من طرق الفريقين وكذا الروايات المروية في نسخ تلاوة بعض الآيات القرآنية مخالفة للكتاب مخالفة قطعية.
والجواب عن الوجه الرابع :
أن أصل الأخبار القاضية بمماثلة الحوادث الواقعة في هذه الأمة لما وقع في بني إسرائيل مما لا ريب فيه، وهي متظافرة أو متواترة، لكن هذه الروايات لا تدل على المماثلة من جميع الجهات، وهو ظاهر بل الضرورة تدفعه.
فالمراد بالمماثلة هي المماثلة في الجملة من حيث النتائج والآثار، وحينئذ فمن الجائز أن تكون مماثلة هذه الأمة لبني إسرائيل في مسألة تحريف الكتاب إنما هي في حدوث الاختلاف والتفرق بين الأمة بانشعابها إلى مذاهب شتى يكفّر بعضهم بعضا وافتراقها إلى ثلاث وسبعين فرقة كما افترقت النصارى إلى اثنتين وسبعين واليهود إلى واحدة وسبعين وقد ورد هذا المعنى في كثير من هذه الروايات حتى ادعى بعضهم كونها متواترة.
ومن المعلوم أن الجميع مستندون فيما اختاروه إلى كتاب اللّه، وليس ذلك إلا من جهة تحريف الكلم عن مواضعه، وتفسير القرآن الكريم بالرأي والاعتماد على الأخبار الواردة في تفسير الآيات من غير العرض على الكتاب وتمييز الصحيح منها من السقيم.
وبالجملة أصل الروايات الدالة على المماثلة بين الأمتين لا يدل على شيء من التحريف الذي يدّعونه نعم وقع في بعضها ذكر التحريف بالتغيير والإسقاط، وهذه الطائفة على ما بها من السقم مخالفة للكتاب كما تقدم «1».
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|