المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17761 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
{افان مات او قتل انقلبتم على اعقابكم}
2024-11-24
العبرة من السابقين
2024-11-24
تدارك الذنوب
2024-11-24
الإصرار على الذنب
2024-11-24
معنى قوله تعالى زين للناس حب الشهوات من النساء
2024-11-24
مسألتان في طلب المغفرة من الله
2024-11-24

جاما gamma
5-7-2019
قصة أصحاب الفيل
20-09-2015
اسما الزمان والمكان
21-7-2020
المقطع المستعرض للتنشيط activation cross-section
10-10-2017
High-Density Polyethylene
20-9-2017
الأسترونيات astronics
29-11-2017


تفسير الآية (29-36) من سورة يس  
  
9606   05:30 مساءً   التاريخ: 9-10-2020
المؤلف : إعداد : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
الكتاب أو المصدر : تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة : .....
القسم : القرآن الكريم وعلومه / التفسير الجامع / حرف الياء / سورة يس /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 9-10-2020 10543
التاريخ: 9-10-2020 9607
التاريخ: 10-10-2020 14757
التاريخ: 9-10-2020 11998

قال تعالى : { إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ (29) يَاحَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (30) أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لَا يَرْجِعُونَ (31) وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ (32) وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ (33) وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ (34) لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلَا يَشْكُرُونَ (35) سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ} [يس : 29 - 36] .

 

 

تفسير مجمع البيان

- ذكر الطبرسي في تفسير هذه الآيات (1) :

 

قال تعالى : {إن كانت إلا صيحة واحدة} أي كان إهلاكهم عن آخرهم بأيسر أمر صيحة واحدة حتى هلكوا بأجمعهم {فإذا هم خامدون} أي ساكنون قد ماتوا قيل أنهم لما قتلوا حبيب بن مري النجار غصب الله عليهم فبعث جبرائيل حتى أخذ بعضادتي باب المدينة ثم صاح بهم صيحة فماتوا عن آخرهم لا يسمع لهم حس كالنار إذا طفئت {يا حسرة على العباد} معناه يا ندامة على العباد في الآخرة باستهزائهم بالرسل في الدنيا .

ثم بين سبب الحسرة فقال {ما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزءؤن} عن مجاهد وهذا من قول الله سبحانه والمعنى أنهم حلوا محل من يتحسر عليه وقيل إن المعنى يا ويلا على العباد عن ابن عباس ويحتمل أن يكون ذلك من كلام الرجل المذكور وقال أبو العالية إنهم لما عاينوا العذاب قالوا يا حسرة على العباد يعني على الرسل حيث لم نؤمن بهم فتمنوا الإيمان وندموا حين لم تنفعهم الندامة .

قال الزجاج : إذا قال قائل ما الفائدة في مناداة الحسرة والحسرة مما لا تجيب فالفائدة في ذلك أن النداء باب تنبيه فإذا قلت للمخاطب أنا أعجب مما فعلت فقد أفدته أنك متعجب وإذا قلت وا عجباه مما فعلت ويا عجباه تفعل كذا كان دعاؤك العجب أبلغ في الفائدة والمعنى يا عجب أقبل فإنه من أوقاتك وكذلك إذا قلت ويل زيد لم فعل كذا ثم قلت يا ويل زيد لم فعل كذا كان أبلغ وكذلك في كتاب الله تعالى يا ويلتا ويا حسرتا و{يا حسرة على العباد} والحسرة أن يركب الإنسان من شدة الندم ما لا نهاية بعده حتى يبقى قلبه حسيرا .

ثم خوف سبحانه كفار مكة فقال {أ لم يروا} أي أ لم يعلم هؤلاء الكفار {كم أهلكنا قبلهم من القرون} أي كم قرنا أهلكناهم مثل عاد وثمود وقوم لوط وغيرهم {أنهم إليهم لا يرجعون} والمعنى أ لم يروا أن القرون التي أهلكناهم لا يرجعون إليهم أي لا يعودون إلى الدنيا أ فلا يعتبرون بهم ووجه التذكير بكثرة المهلكين أي أنكم ستصيرون إلى مثل حالهم فانظروا لأنفسكم واحذروا أن يأتيكم الهلاك وأنتم في غفلة وغرة كما أتاهم ويسمى أهل كل عصر قرنا لاقترانهم في الوجود {وإن كل لما جميع لدينا محضرون} معناه أن الأمم يوم القيامة يحضرون فيقفون على ما عملوه في الدنيا أي وكل الماضين والباقين مبعوثون للحساب والجزاء .

ثم قال سبحانه {وآية لهم} أي ودلالة وحجة قاطعة لهم على قدرتنا على البعث {الأرض الميتة أحييناها} أي الأرض القحطة المجدبة التي لا تنبت أحييناها بالنبات {وأخرجنا منها حبا} أي كل حب يتقوتونه مثل الحنطة والشعير والأرز وغيرها من الحبوب {فمنه يأكلون} أي فمن الحب يأكلون {وجعلنا فيها جنات} أي بساتين {من نخيل وأعناب} وإنما خص النوعين لكثرة أنواعهما ومنافعهما {وفجرنا فيها من العيون} أي وفجرنا في تلك الأرض الميتة أوفي تلك الجنات عيونا من الماء ليسقوا بها الكرم والنخيل .

ثم بين سبحانه أنه إنما فعل ذلك {ليأكلوا من ثمره} أي من ثمر النخيل رد الضمير إلى أحد المذكورين كما قال ولا ينفقونها في سبيل الله والمعنى غرضنا نفعهم بذلك وانتفاعهم بأكل ثمار الجنات {وما عملته أيديهم} أي ولم تعمل تلك الثمار أيديهم هذا إذا كان ما بمعنى النفي قال الضحاك أي وجدوها معمولة ولا صنع لهم فيها أراد أنه من صنع الخالق ولم يدخل في مقدورات الخلائق وإذا كان بمعنى الذي فالتقدير والذي عملته أيديهم من أنواع الأشياء المتخذة من النخل والعنب الكثيرة منافعها وقيل تقديره ومن ثمره ما عملته أيديهم يعني الغروس والزروع التي قاسوا حراثتها {أ فلا يشكرون} أي أ لا يشكرون الله تعالى على مثل هذه النعم وهذا تنبيه منه سبحانه لخلقه على شكر نعمائه وذكر جميل بلائه .

ثم نزه سبحانه نفسه وعظمها دالا بذلك على أنه هو الذي يستحق منتهى الحمد وغاية الشكر فقال {سبحان الذي خلق الأزواج كلها} أي تنزيها وتعظيما وبراءة عن السوء للذي خلق الأصناف والأشكال من الأشياء فالحيوان على مشاكلة الذكر للأنثى وكذلك النخل والحبوب إشكال والتين والكرم ونحوهما إشكال فلذلك قال {مما تنبت الأرض} أي من سائر النبات {ومن أنفسهم} أي وخلق منهم أولادا أزواجا ذكورا وإناثا {ومما لا يعلمون} مما في بطون الأرض وقعر البحار فلم يشاهدوه ولم يتصل خبره بهم .

_______________

1- مجمع البيان ، الطبرسي ، ج8 ، ص270-274 .

 

تفسير الكاشف

- ذكر محمد جواد مغنية في تفسير هذه الآيات (1) :

 

الصيحة هي صيحة العذاب ، وخامدون ميتون . والمعنى ان إهلاك المكذبين علينا سهل يسير ، فإذا أردناه فلا نرسل عليهم ملائكة العذاب ، بل ما هي إلا صيحة يسمعونها من السماء حتى تصبح بيوتهم قبورا لأجسامهم .

{يا حَسْرَةً عَلَى الْعِبادِ ما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُونَ} . هذا بيان وتفسير للسبب الموجب للحسرة ، وهو إصرار المشركين على تكذيب الرسل ، واتخاذهم سخريا وهزوا . وتسأل : من هو المتحسر ، مع العلم بأن اللَّه سبحانه لا يتحسر على أحد ؟

الجواب : لا متحسر في الدنيا على الإطلاق ، لأن الحسرة هنا كناية عن سوء مصيرهم وعاقبتهم الوخيمة التي يتحسرون معها حين يرون عذاب جهنم ، ويندمون على إضاعة الفرصة في الحياة الدنيا .

{أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ} . يتحسرون ويندمون في الآخرة لأنهم لم يتعظوا في الدنيا بالأمم الماضية الذين أهلكهم اللَّه لما كذبوا الرسل {أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لا يَرْجِعُونَ} . قال أكثر المفسرين القدامى والجدد ، ومنهم المراغي وصاحب الظلال ، قالوا في معنى هذه الجملة الكريمة : ألم ير المكذبون ان الأمم الذين أهلكناهم لا يعودون إلى الدنيا ثانية ! . . وفي هذا التفسير نظر ، لأن عدم عودة الأموات إلى الدنيا حجة للمكذبين بالبعث ، وليس حجة عليهم . . والمعنى الصحيح - كما نظن - ألم ير المكذبون ان اللَّه قد أهلك الماضين بقضهم وقضيضهم ، ولم يبق منهم أحد يرجع إلى المكذبين اللاحقين ينبئهم بخبر المكذبين السابقين ، وانما دل على إهلاكهم المعالم والآثار : {فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خاوِيَةً بِما ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} - 52 النمل فهذه الجملة أشبه بقوله تعالى : {فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً ولا إِلى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ} - 50 يس . {وإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ} .

كل الناس موقوفون غدا بين يدي اللَّه لنقاش الحساب وجزاء الأعمال . كان على ربك حتما مقضيا .

{وآيَةٌ لَهُمُ الأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْناها وأَخْرَجْنا مِنْها حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ وجَعَلْنا فِيها جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وأَعْنابٍ وفَجَّرْنا فِيها مِنَ الْعُيُونِ} . تقدم مثله في الآية 99 من سورة الأنعام ج 3 ص 234 والآية 4 من سورة الرعد ج 4 ص 376 والآية 5 من سورة الحج ج 5 ص 311 .

{لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وما عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلا يَشْكُرُونَ} نعم اللَّه التي لا تعد ولا تحصى . وقوله : {ما عملته أيديهم} فيه إيماء إلى أن النعمة حقا هو المال الحلال المكتسب من كد اليمين وعرق الجبين ، أما المال الحرام فهو نار وجحيم :

{إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً} [النساء - 10] : {ما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ} [البقرة - 174] .

{سُبْحانَ الَّذِي خَلَقَ الأَزْواجَ كُلَّها مِمَّا تُنْبِتُ الأَرْضُ ومِنْ أَنْفُسِهِمْ ومِمَّا لا يَعْلَمُونَ} . تنزه عن الشريك ، وتعالى علوا كبيرا الذي خلق الأنواع والأصناف في الحيوانات والطيور ، وفي النباتات والإنسان ، وفيما لا نعلم من أقطار السماء وتخوم الأرض ، وكل صنف من هذه الأصناف يختلف لونا وحجما ، وفي بعضها طعم كالنبات ، وفي آخر أخلاق كالإنسان . ويقول أهل الاختصاص : ان المادة الجامدة مؤلفة من شيئين أيضا : سالب وموجب ، ولولاهما لما وجد كائن . . ولا مصدر لذلك إلا العليم الحكيم ، أما الصدفة فلا يلجأ إليها إلا قاصر أو مكابر .

____________

1- الكاشف ، محمد جواد مغنية ، ج6 ، ص312-313 .

 

تفسير الميزان

- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1) :

 

قوله تعالى : {إن كانت إلا صيحة واحدة ، فإذا هم خامدون} أي ما كان الأمر الذي كان سبب إهلاكهم بمشيتنا إلا صيحة واحدة ، وتأنيث الفعل لتأنيث الخبر وتنكير {صيحة} وتوصيفها بالوحدة للاستحقار ، والخمود السكون واستئناف الجملة لكونها كالجواب لسؤال مقدر كأنه قيل : فما ذا كان سبب إهلاكهم؟ فقيل : إن كانت إلا صيحة واحدة .

والمعنى : كان سبب هلاكهم أيسر أمر وهي صيحة واحدة ففاجأهم السكون فصاروا ساكنين لا يسمع لهم حس وهم عن آخرهم موتى لا يتحركون .

قوله تعالى : {يا حسرة على العباد ما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزءون} أي يا ندامة العباد ونداء الحسرة عليهم أبلغ من إثباتها لهم ، وسبب الحسرة ما يتضمنه قوله : {ما يأتيهم من رسول} إلخ .

ومن هذا السياق يستفاد أن المراد بالعباد عامة الناس وتتأكد الحسرة بكونهم عبادا فإن رد العبد دعوة مولاه وتمرده عنه أشنع من رد غيره نصيحة الناصح .

وبذلك يظهر سخافة قول من قال : إن المراد بالعباد الرسل أو الملائكة أوهما جميعا .

وكذا قول من قال : إن المراد بالعباد الناس لكن المتحسر هو الرجل .

وظهر أيضا أن قوله : {يا حسرة على العباد} إلخ من قول الله تعالى لا من تمام قول الرجل .

قوله تعالى : {أ لم يروا كم أهلكنا قبلهم من القرون أنهم إليهم لا يرجعون} توبيخ لأولئك الذين نودي عليهم بالحسرة ، و{من القرون} بيان لكم ، والقرون جمع قرن وهو أهل عصر واحد .

وقوله : {إنهم إليهم لا يرجعون} بيان لقوله : {كم أهلكنا قبلهم من القرون} ضمير الجمع الأول للقرون والثاني والثالث للعباد .

والمعنى : أ لم يعتبروا بكثرة المهلكين بأمر الله من القرون الماضية وأنهم مأخوذون بأخذ إلهي لا يتمكنون من الرجوع إلى ما كانوا يترفون فيه؟ وللقوم في مراجع الضمائر وفي معنى الآية أقوال أخر بعيدة عن الفهم تركنا إيرادها .

قوله تعالى : {وإن كل لما جميع لدينا محضرون} لفظة {إن} حرف نفي و{كل} مبتدأ تنوينه عوض عن المضاف إليه ، و{لما} بمعنى إلا ، وجميع بمعنى مجموع ، ولدينا ظرف متعلق به ، ومحضرون خبر بعد خبر وهو جميع ، واحتمل بعضهم أن يكون صفة لجميع .

والمعنى : وما كلهم إلا مجموعون لدينا محضرون للحساب والجزاء يوم القيامة فالآية في معنى قوله : {ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود} [هود - 103] .

 

وقوله تعالى : {وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ (33) وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ (34) لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلَا يَشْكُرُونَ (35) سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ} [يس : 33 - 36] .

 

بعد ما قص عليهم قصة أصحاب القرية وما آل إليه أمرهم في الشرك وتكذيب الرسل ووبخهم على الاستهانة بأمر الرسالة ، وأنذرهم بنزول العذاب عليهم كما نزل على المكذبين من القرون الأولى ، وبأنهم جميعا محضرون للحساب والجزاء .

أورد آيات من الخلق والتدبير تدل على ربوبيته وألوهيته تعالى وحده لا شريك له ثم وبخهم على ترك النظر في آيات الوحدانية والمعاد والإعراض عنها والاستهزاء بالحق والإمساك عن الإنفاق للفقراء والمساكين .

قوله تعالى : {وآية لهم الأرض الميتة أحييناها وأخرجنا منها حبا فمنه يأكلون} يذكر سبحانه في الآية واللتين بعدها آية من آيات الربوبية وهي تدبير أمر أرزاق الناس وتغذيتهم من أثمار النبات من الحبوب والتمر والعنب وغيرها .

فقوله : {وآية لهم الأرض الميتة أحييناها} وإن كان ظاهره أن الآية هي الأرض إلا أن الجملتين توطئتان لقوله : {وأخرجنا منها حبا} إلخ ومسوقتان للإشارة إلى أن هذه الأغذية النباتية من آثار نفخ الحياة في الأرض الميتة وتبديلها حبا وثمرا يأكلون من ذلك فالآية بنظر هي الأرض الميتة من حيث ظهور هذه الخواص فيها وتمام تدبير أرزاق الناس بها .

وقوله : {وأخرجنا منها حبا} أي وأخرجنا من الأرض بإنبات النبات حبا كالحنطة والشعير والأرز وسائر البقولات .

وقوله : {فمنه يأكلون} تفريع على إخراج الحب وبالأكل يتم التدبير ، وضمير {فمنه} للحب .

قوله تعالى : {وجعلنا فيها جنات من نخيل وأعناب وفجرنا فيها من العيون} قال الراغب : الجنة كل بستان ذي شجر تستر بأشجاره الأرض انتهى .

والنخيل جمع نخل وهو معروف ، والأعناب جمع عنب يطلق على الشجرة وهي الكرم وعلى الثمرة .

وقال الراغب : العين الجارحة - إلى أن قال - ويستعار العين لمعان هي موجودة في الجارحة بنظرات مختلفة - إلى أن قال - ويقال لمنبع الماء عين تشبيها بها لما فيها من الماء انتهى ، والتفجير في الأرض شقها لإخراج المياه ، والباقي ظاهر .

قوله تعالى : {ليأكلوا من ثمره وما عملته أيديهم أ فلا يشكرون} اللام لتعليل ما ذكر في الآية السابقة أي جعلنا فيها جنات وفجرنا فيها العيون بشقها ليأكل الناس من ثمره .

وقوله : {من ثمره} قيل : الضمير للمجعول من الجنات ولذا أفرد وذكر ولم يقل : من ثمرها أي من ثمر الجنات ، أومن ثمرهما أي من ثمر النخيل والأعناب .

وقيل : الضمير للمذكور وقد يجري الضمير مجرى اسم الإشارة كما في قول رؤبة : فيها خطوط من سواد وبلق .

كأنه في الجلد توليع البهق .

فقد روي أن أبا عبيدة سأله عن قوله {كأنه} فقال كان ذاك .

وفي مرجع ضمير {من ثمره} أقوال أخر رديئة كقول بعضهم إن الضمير للنخيل فقط ، وقول آخر : إنه للماء لدلالة العيون عليه أو بحذف مضاف والتقدير ماء العيون وقول آخر : إن الضمير للتفجير المفهوم من {فجرنا} والمراد بالثمر على هذين الوجهين الفائدة ، وقول آخر : إن الضمير له تعالى وإضافته إليه لأنه خلقه وملكه .

وقوله : {وما عملته أيديهم} العمل هو الفعل والفرق بينهما - على ما ذكره الراغب - أن أكثر ما يستعمل العمل في الفعل المقارن للقصد والإرادة ، ولذلك يشذ استعماله في الحيوان والجماد ، ولذلك أيضا يتصف العمل بالصلاح وخلافه فيقال .

عمل صالح وعمل طالح ولا يتصف بهما مطلق الفعل .

و{ما} في {وما عملته} نافية والمعنى ولم يعمل الثمر بأيديهم حتى يشاركونا في تدبير الأرزاق بل هو مما اختصصنا بخلقه وتتميم التدبير به من دون أن نستعين بهم فما بالهم لا يشكرون .

ويؤيد هذا المعنى قوله في أواخر السورة وهو يمتن عليهم بخلق الأنعام لتدبير أمر رزقهم وحياتهم : {أ ولم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاما - إلى أن قال - ومنها يأكلون ولهم فيها منافع ومشارب أ فلا يشكرون} .

واحتمل بعضهم كون {ما} في {وما عملته} موصولة معطوفة على {ثمره} والمعنى ليأكلوا من ثمره ومن الذي عملته أيديهم من ثمره كالخل والدبس المأخوذين من التمر والعنب وغير ذلك .

وهذا الوجه وإن عده بعضهم أوجه من سابقه ليس بذاك فإن المقام مقام بيان آيات دالة على ربوبيته تعالى بذكر أمور من التدبير يخصه تعالى ولا يناسبه ذكر شيء من تدبير الغير معه وتتميم الحجة بذلك ، ولوكان المراد ذكر عملهم بما أنه منته إلى خلقه تعالى وجزء من التدبير العام كان الأنسب أن يقال : وما هديناهم إلى عمله أو ما يؤدي معناه لينتفي به توهم الشركة في التدبير .

واحتمل بعضهم كون {ما} نكرة موصوفة معطوفة على {ثمره} والمعنى ليأكلوا من ثمره ومن شيء عملته أيديهم .

هذا ويرد عليه ما يرد على سابقه .

وقوله : {أ فلا يشكرون} توبيخ واستقباح لعدم شكره وشكره تعالى منهم على هذا التدبير إظهارهم جميل نعمه بذكره قولا وفعلا أي إظهارهم أنهم عباد له مدبرون بتدبيره وهو العبادة فشكره تعالى هو الاعتراف بربوبيته واتخاذه إلها معبودا .

قوله تعالى : {سبحان الذي خلق الأزواج كلها مما تنبت الأرض ومن أنفسهم ومما لا يعلمون} إنشاء لتنزيهه تعالى ، لما ذكر عدم شكرهم له على ما خلق لهم من أنواع النبات ورزقهم من الحبوب والأثمار ، وإنما عمل ذلك بتزويج بعض النبات بعضا كما قال : { وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ} [ق : 7] أشار إلى ما هو أعظم وأوسع من خلق أزواج النبات وهو خلق الأزواج كلها وتنظيم العالم المشهود باستيلاد كل شيء من فاعل ومنفعل قبله هما أبواه كالذكر والأنثى من الإنسان والحيوان والنبات ، وكل فاعل ومنفعل يتلاقيان فينتجان بتلاقيهما أمرا ثالثا ، أشار تعالى إلى ذلك فنزه نفسه بقوله : {سبحان الذي خلق الأزواج كلها} إلخ .

فقوله : {سبحان الذي خلق الأزواج كلها} إنشاء تسبيح على ما يعطيه السياق لا إخبار .

وقوله : {مما تنبت الأرض} هو وما بعده بيان للأزواج والذي تنبت الأرض هو النبات ولا يبعد شموله الحيوان وقد قال تعالى في الإنسان وهومن أنواع الحيوان {وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا} [نوح : 17] ويؤيد ذلك أن ظاهر سياق البيان استيعابه للمبين مع عدم ذكر الحيوان في عدد الأزواج .

وقوله : {ومن أنفسهم} أي الناس ، وقوله : {ومما لا يعلمون} وهو الذي يجهله الإنسان من الخليقة أو يجهل كيفية ظهوره أو ظهور الكثرة فيه .

وربما قيل في الآية : إن المراد بالأزواج الأنواع والأصناف ، ولا يساعد عليه الآيات التي تذكر خلق الأزواج كقوله تعالى : {وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [الذاريات : 49] والمقارنة ونوع من التألف والتركب من لوازم مفهوم الزوجية .

قال الراغب : يقال لكل واحد من القرينين من الذكر والأنثى في الحيوانات المتزاوجة : زوج ، ولكل قرينين فيها وفي غيرها : زوج كالخف والنعل ، ولكل ما يقترن بآخر مماثلا له أو مضادا : زوج ، قال : وقوله : {خلقنا زوجين} فبين أن كل ما في العالم زوج من حيث إن له ضدا ما أو مثلا ما أو تركيبا ما بل لا ينفك بوجه من تركيب .

انتهى .

فزوجية الزوج هي كونه مفتقرا في تحققه إلى تألف وتركب ولذلك يقال لكل واحد من القرينين من حيث هما قرينان : زوج لافتقاره إلى قرينه ، وكذا يقال لمجموع القرينين : زوج لافتقاره في تحققه زوجا إلى التألف والتركب فكون الأشياء أزواجا مقارنة بعضها بعضا لإنتاج ثالث أو كونه مولدا من تألف اثنين .

 _________________

1- الميزان ، الطباطبائي ، ج17 ، ص67-74 .

 

تفسير الامثل

- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه الآيات (1) :

 

قال تعالى {إن كانت إلاّ صيحة واحدة فإذا هم خامدون} .

هل أنّ تلك الصيحة كانت صدى صاعقة نزلت من الغيوم على الأرض وهزّت كلّ شيء ، ودمّرت كلّ العمران الموجود ، وجعلت القوم من شدّة الخوف والوحشة يستسلمون للموت ؟

أو أنّها كانت صيحة ناتجة عن زلزلة خرجت من قلب الأرض فضجّت في الفضاء بحيث أنّ موج إنفجارها أهلك الجميع .

أيّاً كانت فإنّها لم تكن سوى صيحة لم تتجاوز اللحظة الخاطفة في وقوعها ، صيحة أسكتت جميع الصيحات ، هزّة أوقفت كلّ شيء عن التحرّك ، وهكذا هي قدرة الله سبحانه وتعالى ، وهكذا هو مصير قوم ضالّين لا نفع فيهم .

الآية الأخيرة تتعرّض إلى طريقة جميع متمردّي التاريخ إزاء الدعوات الإلهية لأنبياء الله بلهجة جميلة تأسر القلوب فتقول : {ياحسرة على العباد ما يأتيهم من رسول إلاّ كانوا به يستهزئون} .

وا أسفاه عليهم أن أغلقوا نافذة الرحمة الإلهية عليهم ! وا أسفاه عليهم أن كسّروا مصباح هدايتهم !! ، هؤلاء الضالّون المحرومون من السعادة لم يكتفوا بعدم الإستماع بآذان قلوبهم لنداء قادة البشرية العظام فقط ، بل إنّهم أصرّوا على السخرية والإستهزاء منهم ثمّ بادروا إلى قتلهم . مع أنّهم علموا المصير المشؤوم للطغاة الكفّار من قبلهم ، وسمعوا أوقرءوا على صفحات التأريخ كيف كانت خاتمتهم الأليمة ، ولكنّهم لم يعتبروا بالمواعظ وسلكوا نفس المسير ، وصاروا إلى نفس المصير .

ومن الواضح أنّ هذه الجملة هي قول الله تعالى ، لأنّ جميع هذه الآيات توضيح منه تعالى ، غير أنّ من الطبيعي أن الحسرة هنا ـ بمعناها المتعارف وهو الغمّ على ما فات ـ لا تنطبق على الله سبحانه وتعالى ، كما أنّ (الغضب) وأمثاله أيضاً لا يصدر بمفهومه المتعارف من الله سبحانه ، بل المقصود أنّ حال تلك الفئة التعيسة سيء إلى حدّ أنّ كلّ إنسان يطّلع عليه يتأسّف ويتحسّر متسائلا : لماذا غرقوا في تلك الدوامة مع توفّر كلّ وسائل النجاة؟

التعبير بـ «عباد» إشارة إلى أنّ العجب أن يكون هؤلاء العباد غارقين بنعم الله سبحانه وتعالى ثمّ يرتكبون مثل تلك الجنايات .

 

وقوله تعالى : {أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لاَ يَرْجِعُونَ (31) وَإِن كُلٌّ لَّمَّا جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ}

 

الغفلة الدائمة :

تتحدّث هاتان الآيتان ـ إستناداً إلى ما مرّ في الآيات السابقة ـ عن الغفلة المستمرّة لمجموعة كبيرة من البشر في هذا العالم على مرّ العصور والقرون ، فتقول الآية : {ألم يروا كم أهلكنا قبلهم من القرون} (2) .

فهؤلاء الكفّار ليسوا بدعاً من الأمر ، فقد كان قبلهم أقوام آخرون تمرّدوا على الحقّ مثلهم عاشوا في هذه الدنيا ، ومصائرهم الأليمة التي ملأت صفحات التأريخ ، والآثار المعبّرة التي بقيت في مدنهم المدمّرة ، كلّها شاخصة أمام العيان ، فهل يكفي ذلك المقدار لتحقّق العبرة والإعتبار؟

ولكن على من يعود ضمير الجمع في (ألم يروا) ؟

احتمل المفسّرون عدّة وجوه :

الأوّل : أنّه يعود على «أصحاب القرية» الذين تحدّثت الآيات السابقة حولهم .

والثاني : أنّه يعود على «أهل مكّة» الذين نزلت هذه الآيات لتنبيههم .

ولكن يُستدلّ من الآية السابقة {ياحسرة على العباد . . .} على أنّ المقصود هو جميع البشر ، إذ أنّ كلمة «العباد» في الآية المذكورة تشمل جميع البشر على طول التاريخ ، الذين ما إن جاءهم الأنبياء حتّى هبّوا لمخالفتهم وتكذيبهم والإستهزاء بهم ، وعلى كلّ حال فهي دعوة لجميع البشر بأن يتأمّلوا في تأريخ القدماء ، ويعتبروا من آثارهم التي خلّفوها ، بفتح قلوبهم وبصائرهم .

في آخر الآية يضيف تعالى : {أنّهم إليهم لا يرجعون} (3) .

أي أنّ المصيبة الكبرى في إستحالة رجوعهم إلى هذه الدنيا لجبران ما فاتهم وتبديل ذنوبهم حسنات ، لأنّهم دمّروا كلّ الجسور خلفهم ، فلم يبق لهم سبيل للرجوع أبداً .

هذا التّفسير يشبه بالضبط ما قاله أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه أفضل الصلاة والسلام) حينما تحدّث في أخذ العبرة من الموتى فقال : «لا عن قبيح يستطيعون إنتقالا ولا في حسن يستطيعون إزدياداً» . (4)

وتضيف الآية التالية {وإن كلّ لمّا جميع لدينا محضرون} (5) .

أي أنّ المسألة لا تنتهي بهلاكهم وعدم إستطاعتهم العودة إلى هذه الدنيا ، كلاّ فانّ الموت في الحقيقة بداية الشوط وليس نهايته ، فعاجلا سيحضر الجميع في عرصة المحشر للحساب ، ثمّ العقاب الإلهي المتلاحق والمستمر في إنتظارهم .

إذا كانت الحال كذلك أفلا ينبغي عليهم الإعتبار من مصير هؤلاء السابقين لهم ، والإستفادة من الفرصة قبل الفوت للإبتعاد عن مواجهة ذلك المصير المشؤوم .

نعم ، فلوكان الموت خاتمة لكلّ شيء ، لكان ممكناً أن يقولوا بأنّه بداية راحتهم ، ولكن ياحسرة !! وكما يقول الشاعر :

ولو أنّا إذا متنا تركنا *** لكان الموت راحة كلّ حيٍّ

ولكنّا إذا متنا بعثنا *** ونسأل بعده عن كلّ شيء

 

وقوله تعالى : {وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ (33) وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ (34) لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلَا يَشْكُرُونَ (35) سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ} [يس : 33 - 36] .

 

آيات اُخرى !!

ممّا مرّ بحثه في الآيات السابقة حول جهاد الرسل ضدّ الشرك وعبادة الأوثان ، وكذلك التعرّض إلى مسألة المعاد في الآية الأخيرة من المقطع السابق ، توضّح الآيات ـ مورد البحث ـ مسألتي التوحيد والمعاد معاً لإيقاظ المنكرين لهاتين المسألتين ودفعهم إلى الإيمان .

تتعرّض الآية الاُولى إلى قضيّة إحياء الأرض الميتة والبركات التي تعود على الإنسان من ذلك فتقول : {وآية لهم الأرض الميتة أحييناها وأخرجنا منها حبّاً فمنه يأكلون} (6) .

قضيّة الحياة والبقاء من أهمّ دلائل التوحيد ، وهي قضيّة في واقعها معقّدة ومليئة بالألغاز وباعثة على الدهشة ، إذ أنّها حيّرت عقول العلماء جميعاً ، فبرغم التطور والتقدّم الحاصل في وسائل الدراسة وفي العلوم بشكل عام ، لا زال الكثير من الأسرار تنتظر الحلّ! وحتّى الآن لم يُعلم تحت تأثير أي العوامل تتحوّل موجودات ميتة إلى خلايا حيّة؟

حتّى الآن ، لم يعرف كيف تتكوّن طبقات خلايا البذور؟ وما هي القوانين المعقدّة التي تحكمها؟ بحيث أنّها بمجرد توفّر الشرائط المساعدة تبدأ بالتحرّك والنمو والرشد . وتستلّ من ذرّات التراب الميتة وجودها ، وبهذا الطريق تتحوّل الموجودات الميتة إلى أنسجة موجودات حيّة فتعكس في كلّ يوم مظهراً مختلفاً من مظاهر حياتها ونموّها .

قضيّة الحياة في عالم النباتات والحيوانات وإحياء الأرض الميتة تعتبر من جانب دليلا على وجود معلومات وقوانين دقيقة سخّرت في خلق ذلك العالم ، ومن جانب آخر تعتبر دليلا على البعث بعد الموت .

ومن الواضح أنّ الضمير في «لهم» يعود على كلمة «العباد» التي ورد ذكرها في الآيات السابقة ، والمقصود من «العباد» هنا هم جميع الذين وقعوا في خطأً في تقدير مسألة المبدأ والمعاد ، والذي عدّ القرآن الكريم وضعهم باعثاً على الحسرة والأسف .

تنكير «آية» ، إشارة إلى عظمة وأهميّة ووضوح تلك الآية التوحيدية .

جملة (فمنه يأكلون) إشارة من جانب إلى أنّ الإنسان يستفيد من بعض بذور النباتات للتغذية ، بينما بعضها غير قابل للأكل ، ولكن له فوائد اُخرى كتغذية الحيوانات ، وصناعة الأصباغ ، والأدوية ، والاُمور الاُخرى التي لها أهميّة في حياة الإنسان .

ومن جانب آخر فإنّ تقديم «منه» على «يأكلون» والذي يدلّ عادةً على الحصر ، هو لبيان أنّ أكثر وأفضل تغذية للإنسان هي من المواد النباتية إلى درجة أنّه يمكن القول أنّ جميع غذاء الإنسان يتشكّل منها .

الآية التالية توضيح وشرح للآية الاُولى من هذه الآيات ، فهي توضّح كيفية إحياء الأرض الميتة ، فتقول : {وجعلنا فيها جنّات من نخيل وأعناب وفجّرنا فيها من العيون} .

كان الحديث في الآية الاُولى عن الحبوب الغذائية ، بينما الحديث هنا عن الفواكه المقوّية والمغذّية والتي يعدّ «التمر» و«العنب» أبرز وأهمّ نماذجها حيث يعتبر كلّ منهما غذاءً كاملا .

وكما أشرنا سابقاً فقد دلّت دراسات العلماء وبحوثهم على أنّ هاتين الفاكهتين تحتويان على الفيتامينات والمواد الحياتية المختلفة واللازمة لجسم الإنسان ، إضافةً إلى أنّ هاتين الفاكهتين يمكن حفظهما وتناولهما طازجتين أو مجفّفتين على مدار العام .

«أعناب» جمع «عنب» و«النخيل» ـ كما يقول الراغب في مفرداته ـ جمعه «نخل» ولكن بإختلاف بين الكلمتين ، (فالعنب) يطلق على الثمرة نفسها ، ومن النادر إطلاقه على شجرة العنب ولكن «النخل» اسم للشجرة ، و (الثمره) يقال له «الرطب» أو «التمر» .

يرى البعض بأنّ هذا الإختلاف في التعبير عن الفاكهتين بالإشارة إلى الشجرة مرّة وإلى الثمرة مرّة اُخرى ، بسبب أنّ النخلة ـ وكما هو معروف ـ كلّها مفيدة وقابلة للإستفادة ، جذعها وجريدها وسعفها وأخيراً ثمرها ، في حين أنّ شجرة (الكرم) غالباً ما يستفاد من «عنبها» فقط ، وأمّا ساقها وأوراقها فلا يستفاد منها إلاّ قليلا .

وأمّا ما ورد من ذكر الإثنتين بصيغة الجمع ، فيبدو أنّه إشارة إلى الأنواع المختلفة لكلّ منهما ، إذ أنّ كلا منهما لها عشرات الأنواع تختلف في أشكالها وخصائصها ومذاقها .

والجدير بالملاحظة ـ أيضاً ـ أنّ الحديث في هذه الآية تعرّض إلى إحياء الأرض الميتة دون أن يقرن ذلك بذكر المطر الذي عادةً ما يذكر في مثل هذه المواضع ، وورد الحديث هنا عن «العيون» ، وذلك لأنّ المطر كاف لزراعة الكثير من المحاصيل والنباتات ، في حين أنّ الأشجار المثمرة تحتاج إلى الماء الجاري أيضاً .

«فجّرنا» من مادّة «تفجير» وهو شقّ الشيء شقّاً واسعاً ، ومن هنا إستخدمت الكلمة للتعبير عن العيون ، لأنّها تشقّ الأرض وتدفع ماءها إلى سطح الأرض (7) .

الآية التالية تشرح وتوضّح الهدف من خلق تلك الأشجار المباركة المثمرة فتقول : إنّ الغرض من خلقها لكي يأكلوا من ثمارها دون حاجة إلى بذل جهد في ذلك ودون تدخّل الإنسان في صناعتها . . {ليأكلوا من ثمره وما عملته أيديهم أفلا يشكرون} .

نعم ، ثمار على شكل غذاء كامل تظهر على أغصان أشجارها ، قابلة للأكل بمجرّد جنيها من أغصانها ، ولا تحتاج إلى طبخ أو أيّة تغييرات اُخرى ، ذلك إشارة إلى غاية لطف الله بهذا الإنسان وكرمه .

حتّى أنّ ذلك الطعام الجاهز اللذيذ ، يمكن تجميعه وتعليبه لكي يحفظ لمدّة طويلة بدون أن ينقص من قيمته الغذائية شيء ، على خلاف الأغذية التي يصنعها الإنسان من المواد الطبيعية التي أعطاها الله له ، فهي غالباً ما تكون سريعة التلف والفساد .

ويوجد تفسير آخر أيضاً لمعنى الآية ، وهو جدير بالنظر ، وذلك أنّ القرآن الكريم يريد الإشارة إلى الفواكه التي يمكن الإستفادة منها دون إدخال تغيير عليها ، وكذلك إلى أنواع الأغذية المختلفة التي يمكن الحصول عليها من تلك الفواكه ، بالقيام ببعض الاُمور (في التّفسير الأوّل تكون (ما) في الجملة نافية ، بينما في التّفسير الثاني تكون موصولة) .

وعلى كلّ حال ، فالهدف هو تحريك حسّ تشخيص الحقّ ، والشكر في الإنسان ، لكي يضعوا أقدامهم على أوّل طريق معرفة الله عن طريق الشكر ، لأنّ شكر المنعم أوّل قدم في طريق معرفته .

الآية الأخيرة من الآيات موضع البحث ، تتحدّث عن تسبيح الله وتنزيهه ، وتشجب شرك المشركين الذي ذكرته الآيات السابقة ، وتوضّح طريق التوحيد وعبادة الأحد الصمد للجميع فتقول : {سبحان الذي خلق الأزواج كلّها ممّا تنبت الأرض ومن أنفسهم وممّا لا يعلمون} (8) .

نعم ، فالله الذي خلق كلّ هذه الأزواج في هذا العالم الواسع ، لا حدّ لعلمه وقدرته ومنزّه عن كلّ نقص وعيب ، لذا فلا شريك ولا شبيه له ، وإن عدّ بعض الناس الحجر والخشب الجامد الميّت نظائر له ، فإنّ تلك النسبة الباطلة لا تنقص من مقام كبريائه شيئاً .

بديهي أنّ الله سبحانه وتعالى ليس بحاجة إلى أن يسبّحه أحد ، إنّما ذلك تعليم للعباد ومنهاج عملي من أجل طي طريق التكامل .

أمّا ما هو المقصود من «أزواج» هنا ، فللمفسّرين أقوال كثيرة .

ما هو مسلّم به أنّ «أزواج» جمع «زوج» عادةً ، تطلق على الذكر والاُنثى من أي نوع ، سواء كان ذلك في عالم الحيوان أوفي غيره ، ثمّ شمل المعنى كلّ إثنين يقترنان مع بعضهما البعض أو حتّى إذا تضادّا ، حتّى الغرفتين المتشابهتين في البيت يقال لهما زوج ، ودفّتي الباب وهكذا ، فالمتصوّر أنّ لكلّ مخلوق زوج .

على كلّ حال فليس من المستبعد أن يكون المعنى المقصود هنا هو المعنى الخاصّ ، أي جنس المذكر والمؤنث ، والقرآن الكريم يُخبر من خلال هذه الآية عن وجود ظاهرة الزوجية في جميع عوالم النبات والإنسان والموجودات الاُخرى التي لم يطّلع عليها البشر .

هذه الموجودات يمكن أن تكون النباتات التي لم تحدّد سعة دائرة الزوجية فيها حتّى الآن . أو إشارة إلى الحيوانات التي تعيش في أعماق البحار ، وهذه الحقيقة لم تعرف سابقاً ، وما عرف منها في العصر الحاضر إلاّ جانب يسير .

أو أنّها إشارة إلى موجودات اُخرى تقطن كواكب اُخرى في هذا الكون المترامي . أو موجودات حيّة لا ترى بالعين المجرّدة ، وإن كان العلماء في وقتنا الحاضر يشيرون إلى أنّ ليس في تلك الموجودات الحيّة ذكر واُنثى ، ولكن عالم هذه الموجودات الحيّة غامض ومعقّد إلى درجة أنّ العلم البشري حتّى الآن لم يلج كلّ غوامضها ومكنوناتها .

وحتّى وجود الزوجية في عالم النبات ـ كما قلنا ـ لم يكن معلوماً منها في عصر نزول القرآن سوى بعض الحالات المحدودة كما في النخل وأمثاله ، وقد كشف القرآن الكريم الستار عن ذلك كلّه ، وقد ثبت أخيراً من البحوث العلمية أنّ الزوجية قضيّة عامّة وشاملة في عالم النبات .

كذلك احتمل أيضاً أن تكون قضيّة الزوجية هنا إشارة إلى وجود البروتونات الموجبة والالكترونات السالبة في الذرّة التي تعتبر الأساس في تشكيل كلّ الموجودات في عالم المادّة ولم يكن الإنسان مطّلعاً على هذه الحقيقة والزوجية قبل تفجير الذرّة ، ولكن بعد ذلك ثبت علمياً وجود الأزواج السالبة والموجبة في نواة الذرّة والالكترونات التي تدور حولها .

البعض اعتبر «الزوجية» هنا إشارة إلى تركيب الأشياء من «مادّة» و«صورة» أو «جوهر» و«عرض» ، والبعض الآخر قالوا : إنّها كناية عن «الأصناف والأنواع المختلفة» للنباتات والبشر والحيوانات وسائر موجودات العالم .

ولكن الواضح أنّه حينما نستطيع حمل هذه الألفاظ على المعنى الحقيقي (جنس المذكّر والمؤنّث) ولا نجد قرينة على خلاف ذلك ، فلا داعي لأن نبحث بعد ذلك عن المعاني الكنائية ، وكما لاحظنا فإنّ هناك عدّة تفاسير جميلة للزوجية بالمعنى الحقيقي لها .

وعلى كلّ حال ، فإنّ هذه الآية واحدة من الآيات التي توضّح محدودية علم الإنسان ، وتدلّل على أنّ هناك الكثير من الحقائق الخافية علينا وعن معلوماتنا حتّى الآن .

______________

1- الامثل ، ناصر مكارم الشيرازي ، ج11 ، ص130-143 .

2 ـ الإستفهام في الآية أعلاه إستفهام تقريري و«كم» خبرية ، وهي هنا بمعنى الكثرة في محلّ مفعول به للفعل (يروا) و (من القرون) توضيح لذلك . و«قرون» كما ذكرنا سابقاً تأتي بمعنى العصور وهي جمع (قرن) = مائة سنة أو بمعنى (الجيل) الذي يعيش في زمان معيّن .

3 ـ هذه الجملة بدل عن «كم أهلكنا» والتقدير «ألم يروا أنّهم إليهم لا يرجعون» البعض إحتمل أيضاً أنّ الجملة حالية (حال الهالكين) .

4 ـ نهج البلاغة ، خطبة 188 .

5 ـ المعروف بين المفسّرين حول تركيب هذه الآية : «إنّ» نافية . والبعض قال : إنّها مخفّفة لذا فإنّها لا تنصب ما بعدها ، و«لمّا» بمعنى «إلاّ» ، بلحاظ أنّ ذلك ورد في كلام العرب ، و (جميع) بمعنى «مجموع» خبر «كلّ» (تنوين كل) بدل عن مضاف إليه محذوف تقديره «هم» والأصل «كلّهم») و«محضرون» إمّا خبر بعد خبر ، أوصفة لـ «جميع» وعلى ذلك تكون الجملة في التقدير هكذا «وما كلّهم إلاّ مجموعون يوم القيامة محضرون لدينا» .

6 ـ وردت إحتمالات عديدة في إعراب الآية ، ولكن أوضحها على ما يبدو ، هو كون «آية لهم» خبر مقدّم و«الأرض الميتة» مبتدأ مؤخّر ، و«أحيينا» جملة إستئنافية وهي توضيح وتفسير للجملة السابقة .

7 ـ من الجدير بالملاحظة أنّ الصيغة الثلاثية المجردة لها «فَجْر» بمعنى (الشقّ) وهنا إستخدمت على وزن «تفعيل» بمعنى التكثير والتشديد .

8 ـ «سبحان» على قول جماعة من المفسّرين وعلماء الأدب هي «عَلَمٌ» للتسبيح ، لأنّ العَلَم (الإسم الخاصّ) يكون أحياناً للأشخاص فيسمّى «علم الشخص» ، وأحياناً للجنس فيسمّى «علم الجنس» ، وأحياناً للمعنى فيسمّى «علم المعنى» بناءً على هذا فمفهوم «سبحان» هو تنزيه وتقديس الله من كلّ عيب ونقص ، تنزيهاً يتناسب وعظمة الخالق ، والعلم لا يُضاف إلاّ في «علم المعنى» . قال البعض أيضاً أنّ «سبحان» لها معنى مصدري ، ومفعول مطلق لفعل مقدّر ، وفي أيّة صورة فهي تبيّن التنزيه الإلهي بأوكد وجه .




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .