المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 16361 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
ونواقض الوضوء وبدائله
2024-05-02
معنى مثقال ذرة
2024-05-02
معنى الجار ذي القربى
2024-05-02
{واللاتي‏ تخافون نشوزهن}
2024-05-02
ما هي الكبائر
2024-05-02
شعر لأحمد بن أفلح
2024-05-02

الأفعال التي تنصب مفعولين
23-12-2014
صيغ المبالغة
18-02-2015
الجملة الإنشائية وأقسامها
26-03-2015
اولاد الامام الحسين (عليه السلام)
3-04-2015
معاني صيغ الزيادة
17-02-2015
انواع التمور في العراق
27-5-2016


تفسير الأية (1-6) من سورة الأنبياء  
  
4145   03:30 مساءً   التاريخ: 11-9-2020
المؤلف : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
الكتاب أو المصدر : تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة : ......
القسم : القرآن الكريم وعلومه / التفسير الجامع / حرف الألف / سورة الأنبياء /

 

قال تعالى: {اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ (1) مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ (2) لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ (3) قَالَ رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَهُو السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (4) بَلْ قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُو شَاعِرٌ فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ (5) مَا آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ } [الأنبياء: 1 - 6]

______________

تفسير مجمع البيان
- ذكر الطبرسي في تفسير هذه  الآيات (1) :

{اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ} اقترب افتعل من القرب والمعنى اقترب للناس وقت حسابهم يعني القيامة كما قال {اقتربت الساعة} أي: دنا وقت محاسبة الله إياهم ومسألتهم عن نعمه هل قابلوها بالشكر وعن أوامره هل امتثلوها وعن نواهيه هل اجتنبوها وإنما وصف ذلك بالقرب لأنه آت وكل ما هو آت قريب ولأن أحد أشراط الساعة مبعث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) فقد قال بعثت أنا والساعة كهاتين وأيضا فإن الزمان يقرب بكثرة ما مضى وقلة ما بقي فيكون يسيرا بالإضافة إلى ما مضى {وهم في غفلة} من دنوها وكونها {معرضون} عن التفكر فيها والتأهب لها وقيل عن الإيمان بها وتضمنت الآية الحث على الاستعداد ليوم القيامة.

 { مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ} يعني القرآن {محدث} أي: محدث التنزيل مبتدأ التلاوة كنزول سورة وآية بعد آية {إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ} أي: لم يستمعوه استماع نظر وتدبر وقبول وتفكر وإنما استمعوه استماع لعب واستهزاء وقال ابن عباس معناه يستمعون القرآن مستهزئين غافلة قلوبهم عما يراد بهم {وأسروا النجوى} أي: تناجوا فيما بينهم يعني المشركين ثم بين من هم فقال: {الذين ظلموا} أي: أشركوا بالله ثم بين سبحانه سرهم الذي تناجوا به فقال {هل هذا إلا بشر مثلكم} أي: أنه آدمي مثلكم ليس مثل الملائكة { أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ} أي: أفتقبلون السحر وأنتم تعلمون أنه سحر نفروا الناس عنه بشيئين (أحدهما) أنه بشر (والآخر) أن ما أتى به سحر وقيل: إن أسروا معناه أظهروا هذا القول فإن هذا اللفظ مشترك بين الإخفاء والإظهار والأول أصح.

 ثم أمر سبحانه نبيه فقال: {قال} يا محمد {ربي} الذي خلقني واصطفاني { يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ} أي:يعلم أسرار المتناجين لا يخفى عليه شيء من ذلك {وهو السميع} لأقوالهم {العليم} بأفعالهم وضمائرهم {بَلْ قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ} بل للإضراب عما حكى سبحانه أنهم قالوه أولا وللإخبار عما قالوه ثانيا أي: قالوا إن القرآن تخاليط أحلام رآها في المنام عن قتادة {بل افتراه} أي: ثم قالوا لا بل افتراه أي: تخرصه وافتعله {بل هو شاعر} أي: ثم قالوا بل هو شاعر وهذا قول المتحير الذي بهره ما سمع فمرة يقول سحر ومرة يقول شعر ومرة يقول حلم ولا يجزم على أمر واحد. وهذه مناقضة ظاهرة.

 {فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ} معناه: فليأتنا بآية ظاهرة يستدركها الخاص والعام كما أتى بها الأولون من الأنبياء قال ابن عباس بآية مثل الناقة والعصا وقال الزجاج اقترحوا بالآيات التي لا يكون معها إمهال وفي قوله سبحانه {مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ} دلالة ظاهرة على أن القرآن محدث لأنه تعالى أراد بالذكر القرآن بدلالة قوله {وهذا ذكر مبارك أنزلناه} وقوله { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} وقد وصفه بأنه محدث ويوضحه قوله {ألا استمعوه} .

لما تقدمت الحكاية عن الكفار بأنهم اقترحوا الآيات قال سبحانه مجيبا لهم {مَا آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا} أي: لم يؤمن قبل هؤلاء الكفار من أهل قرية جاءتهم الآيات التي طلبوها فأهلكناهم مصرين على الكفر {أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ} عند مجيئها هذا إخبار عن حالهم وإن سبيلهم سبيل من تقدم من الأمم طلبوا الآيات فلم يؤمنوا بها وأهلكوا فهؤلاء أيضا لوأتاهم ما اقترحوه لم يؤمنوا ولاستحقوا عذاب الاستئصال وقد حكم سبحانه في هذه الآية أن لا يعذبهم عذاب الاستئصال فلذلك لم يجبهم في ذلك وقيل ما حكم الله سبحانه بهلاك قرية إلا وفي المعلوم أنهم لا يؤمنون فلذلك لم يأت هؤلاء بالآيات المقترحة.

________________

1- تفسير مجمع البيان ،الطبرسي،ج7،ص71-73.

تفسير الكاشف
- ذكر محمد جواد مغنية في تفسير هذه  الآيات (1) :

{اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسابُهُمْ وهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ}. المراد بالحساب هنا يوم القيامة ، وهو قريب من كل انسان لأنه آت لا محالة ، وان طال الزمن ، ويتلخص المعنى بقول الإمام علي ( عليه السلام ) : لا تغفل فليس بمغفول عنك . وقال أيضا : وما عسى أن يكون بقاء من له يوم لا يعدوه ، وطالب حثيث يحدوه في الدنيا حتى يفارقها . {ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وهُمْ يَلْعَبُونَ}.

يستقبلون الحق بالتكذيب ، والنصيحة بالسخرية ، والتحذير من العواقب بالاستخفاف {لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ}عن الحق ، لا يبالون بشيء ، ولا يشعرون بمسؤولية الحساب والجزاء ، تماما كالحيوانات والحشرات .

{وأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا هَلْ هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ}. قال بعض المشركين لبعض في الخفاء عمن اهتدى وأسلم ، قال : من هو محمد حتى نطيعه ونتبعه ؟

وهل هو إلا واحد من الناس يأكل الطعام ويمشي في الأسواق ؟ أما العلم والفضائل فكلام بلا معنى ، وأما المعجزات فهي سحر وتمويه {أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ}.

تأتون هنا بمعنى تقبلون ، وتبصرون بمعنى تعلمون ، ولا عجب أن ينعتوا بالكذب آيات اللَّه ودلائله التي جاءت على يد الرسول الأعظم (صلى الله عليه واله وسلم).. فكل مكابر عنود يتذرع بمثل هذه الأباطيل إذا لزمته الحجة ، ولم يجد منها مهربا.

{قالَ رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّماءِ والأَرْضِ وهُو السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} قالوا عن النبي ( صلى الله عليه واله وسلم ): انه ساحر. فأجابهم بأن اللَّه يعلم صدقه ، ويعلم قولهم هذا ، لأنه تعالى لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء ، وسيحاسبكم ويجازيكم بما  تستحقون . . ولا جواب لمن التوى عن الحق وعانده إلا أن يحيله إلى محكمة الحق والعدل {بَلْ قالُوا أَضْغاثُ أَحْلامٍ بَلِ افْتَراهُ بَلْ هُو شاعِرٌ}. رفضوا الاعتراف بالحق ، وبحثوا عن حيلة يتذرعون بها فتاهوا في حيرتهم يعمهون ، قال صاحب مجمع البيان :« وهكذا المتحير الذي بهره ما سمع . . فمرة يقول هذا سحر ، ومرة يقول هو شعر ، ومرة يقول إنه حلم ، ولا يجزم على أمر .. وهذه مناقضة ظاهرة» .

{فَلْيَأْتِنا بِآيَةٍ كَما أُرْسِلَ الأَوَّلُونَ}. قال مشركوقريش لمحمد ( صلى الله عليه واله وسلم ) : ان كنت نبيا فأتنا بمعجزة كناقة صالح ، وعصا موسى وغيرهما من معجزات الأنبياء السابقين ، فأجاب سبحانه عن هذا الطلب بقوله : {ما آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها}. ومعنى هذا الجواب : صحيح ان الأنبياء السابقين جاؤوا بالخوارق كالناقة والعصا ، ولكن قومهم لم يؤمنوا بها ، بل رفضوها وكذبوها ، مع أنهم هم الذين طلبوها واقترحوها ، ومن أجل ذلك أهلكناهم ، فينبغي لكم أنتم يا مشركي قريش أن تنظروا إلى النتائج التي ترتبت على الخوارق ، لا إلى نفس الخوارق ، وعين الشيء يحدث لكم لواستجاب اللَّه لاقتراحكم {أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ}أي لم يؤمن الذين كانوا قبلهم بالمعجزات التي اقترحوها فكذلك هم لا يؤمنون بالمعجزات التي اقترحوها ، وتكون النتيجة أن يهلكوا كما هلك الأولون ، حيث قضت حكمته تعالى أن يهلك من يكذب بمعجزة هو الذي طلبها واقترحها .

_______________

1- التفسير الكاشف، ج 5، محمد جواد مغنية، ص 262-263.

تفسير الميزان
- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1) :

غرض السورة الكلام حول النبوة بانيا ذلك على التوحيد والمعاد فتفتتح بذكر اقتراب الحساب وغفلة الناس عن ذلك وإعراضهم عن الدعوة الحقة التي تتضمن الوحي السماوي فهي ملاك حساب يوم الحساب وتنتقل من هناك إلى موضوع النبوة واستهزاء الناس بنبوة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ورميهم إياه بأنه بشر ساحر بل ما أتى به أضغاث أحلام بل مفتر بل شاعر! فترد ذلك بذكر أوصاف الأنبياء الماضين الكلية إجمالا وأن النبي لا يفقد شيئا مما وجدوه ولا ما جاء به يغاير شيئا مما جاءوا به.

ثم تذكر قصص جماعة من الأنبياء تأييدا لما تقدم من الإجمال وهم موسى وهارون وإبراهيم وإسحاق ويعقوب ولوط ونوح وداود وسليمان وأيوب وإسماعيل وإدريس وذوالكفل وذوالنون وزكريا ويحيى وعيسى.

ثم تتخلص إلى ذكر يوم الحساب وما يلقاه المجرمون والمتقون فيه، وأن العاقبة للمتقين وأن الأرض يرثها عباده الصالحون ثم تذكر أن إعراضهم عن النبوة إنما هولإعراضهم عن التوحيد فتقيم الحجة على ذلك كما تقيمها على النبوة والغلبة في السورة للوعيد على الوعد وللإنذار على التبشير.

والسورة مكية بلا خلاف فيها وسياق آياتها يشهد بذلك.

قوله تعالى:{ اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ} الاقتراب افتعال من القرب واقترب وقرب بمعنى واحد غير أن اقترب أبلغ لزيادة بنائه ويدل على مزيد عناية بالقرب، ويتعدى القرب والاقتراب بمن وإلى يقال: قرب أواقترب زيد من عمرو أو إلى عمرو والأول يدل على أخذ نسبة القرب من عمرو والثاني على أخذها من زيد لأن الأصل في معنى من ابتداء الغاية كما أن الأصل في معنى إلى انتهاؤها.

ومن هنا يظهر أن اللام في{للناس} بمعنى إلى لا بمعنى{من} لأن المناسب للمقام أخذ نسبة الاقتراب من جانب الحساب لأنه الذي يطلب الناس بالاقتراب منهم والناس في غفلة معرضون.

والمراد بالحساب – وهو محاسبة الله سبحانه أعمالهم يوم القيامة - نفس الحساب لا زمانه بنحوالتجوز أوبتقدير الزمان وإن أصر بعضهم عليه ووجهه بعض آخر بأن الزمان هو الأصل في القرب والبعد وإنما ينسب القرب والبعد إلى الحوادث الواقعة فيه بتوسطه.

وذلك لأن الغرض في المقام متعلق بتذكره نفس الحساب لتعلقه بأعمال الناس إذ كانوا مسئولين عن أعمالهم فكان من الواجب في الحكمة أن ينزل عليهم ذكر من ربهم ينبههم على ما فيه مسئوليتهم، ومن الواجب عليهم أن يستمعوا له مجدين غير لاعبين ولا لاهية قلوبهم نعم لو كان الكلام مسوقا لبيان أهوال الساعة وما أعد من العذاب للمجرمين كان الأنسب التعبير بيوم الحساب أوتقدير الزمان ونحوذلك.

والمراد بالناس الجنس وهو المجتمع البشري الذي كان أكثرهم مشركين يومئذ لا المشركون خاصة وإن كان ما ذكر من أوصافهم كالغفلة والإعراض والاستهزاء وغيرها أوصاف المشركين فليس ذلك من نسبة حكم البعض إلى الكل مجازا بل من نسبة حكم المجتمع إلى نفسه حقيقة ثم استثناء البعض الذي لا يتصف بالحكم كما يلوح إليه أمثال قوله:{وأسروا النجوى الذين ظلموا} وقوله:{فأنجيناهم ومن نشاء} على ما هو دأب القرآن في خطاباته الاجتماعية من نسبة الحكم إلى المجتمع ثم استثناء الأفراد غير المتصفة به.

وبالجملة فرق بين أخذ المجتمع موضوعا للحكم واستثناء أفراد منه غير متصفة به وبين أخذ أكثر الأفراد موضوع الحكم ثم نسبة حكمه إلى الكل مجازا وما نحن فيه من القبيل الأول دون الثاني.

وقد وجه بعضهم اقتراب الحساب للناس بأن كل يوم يمر على الدنيا تصير أقرب إلى الحساب منها بالأمس، وقيل: الاقتراب إنما هو بعناية كون بعثته (صلى الله عليه وآله وسلم) في آخر الزمان كما قال (صلى الله عليه وآله وسلم): بعثت أنا والساعة كهاتين، وأما الوجه السابق فإنما يناسب اللفظ الدال على الاستمرار دون الماضي الدال على الفراغ من تحققه ونظيره أيضا توجيهه بأن الاقتراب لتحقق الوقوع فكل ما هو آت قريب.

وقوله:{ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ} ذلك أنهم تعلقوا بالدنيا واشتغلوا بالتمتع فامتلأت قلوبهم من حبها فلم يبق فيها فراغ يقع فيها ذكر الحساب وقوعا تتأثر به حتى أنهم لوذكروا لم يذكروا وهو الغفلة فإن الشيء كما يكون مغفولا عنه لعدم تصوره من أصله قد يكون مغفولا عنه لعدم تصوره كما هو حقه بحيث تتأثر النفس به.

وبهذا يظهر الجواب عن الإشكال بأن الجمع بين الغفلة وهي تلازم عدم التنبه للشيء والإعراض وهو يستلزم التنبه له جمع بين المتنافيين، ومحصل الجواب أنهم في غفلة عن الحساب لعدم تصورهم إياه كما هو حقه وهم معرضون عنه لاشتغالهم عن لوازم العلم بخلافها.

وأجاب عنه الزمخشري بما لفظه: وصفهم بالغفلة مع الإعراض على معنى أنهم غافلون عن حسابهم ساهون لا يتفكرون في عاقبتهم ولا يتفطنون لما يرجع إليه خاتمة أمرهم مع اقتضاء عقولهم أنه لا بد من جزاء للمحسن والمسيء، وإذا قرعت لهم العصا ونبهوا عن سنة الغفلة وفطنوا لذلك بما يتلى عليهم من الآيات والنذر أعرضوا وسدوا أسماعهم ونفروا. انتهى.

والفرق بينه وبين ما وجهنا به أنه أخذ الإعراض في طول الغفلة لا في عرضه، والإنصاف أن ظاهر الآية اجتماعهما لهم في زمان واحد، لا ترتب الوصفين زمانا.

ودفع بعضهم الإشكال بأخذ الإعراض بمعنى الاتساع فالمعنى وهم متسعون في غفلة، وآخرون بأخذ الغفلة بمعنى الإهمال ولا تنافي بين الإهمال والإعراض، والوجهان من قبيل الالتزام بما لا يلزم.

والمعنى: اقترب للناس حساب أعمالهم والحال أنهم في غفلة مستمرة أوعظيمة معرضون عنه باشتغالهم بشواغل الدنيا وعدم التهيؤ له بالتوبة والإيمان والتقوى.

قوله تعالى:{ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ} الآية بمنزلة التعليل لقوله:{وهم في غفلة معرضون} إذ لولم يكونوا في غفلة معرضين لم يلعبوا ولم يتلهوا عند استماع الذكر الذي لا ينبههم إلا على ما يهمهم التنبه له ويجب عليهم التهيؤ له، ولذلك جيء بالفصل من غير عطف.

والمراد بالذكر ما يذكر به الله سبحانه من وحي إلهي كالكتب السماوية ومنها القرآن الكريم، والمراد بإتيانه لهم نزوله على النبي وإسماعه وتبليغه، ومحدث بمعنى جديد وهو معنى إضافي وهو وصف ذكر فالقرآن مثلا ذكر جديد أتاهم بعد الإنجيل والإنجيل كان ذكرا جديدا أتاهم بعد التوراة وكذلك بعض سور القرآن وآياته ذكر جديد أتاهم بعد بعض.

وقوله:{إلا استمعوه} استثناء مفرغ عن جميع أحوالهم و{استمعوه} حال و{هم يلعبون}{لاهية قلوبهم} حالان من ضمير الجمع في{استمعوه} فهما حالان متداخلتان.

واللعب فعل منتظم الأجزاء لا غاية له إلا الخيال كلعب الأطفال واللهواشتغالك عما يهمك يقال: ألهاه كذا أي شغله عما يهمه ولذلك تسمى آلات الطرب آلات اللهو وملاهي، واللهو من صفة القلب ولذلك قال:{لاهية قلوبهم} فنسبه إلى قلوبهم.

ومعنى الآية: وما يأتيهم - بالنزول والبلوغ - ذكر جديد من ربهم في حال من الأحوال إلا والحال أنهم لاعبون لاهية قلوبهم فاستمعوه فيها أي إن إحداث الذكر وتجديده لا يؤثر فيهم ولا أثرا قليلا ولا يمنعهم عن الاشتغال بلعب الدنيا عما وراءها وهذا كناية عن أن الذكر لا يؤثر فيهم في حال لا أن جديده لا يؤثر وقديمه يؤثر وهو ظاهر.

قوله تعالى:{ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ } الإسرار يقابل الإعلان فإسرار النجوى هو المبالغة في كتمان القول وإخفائه فإن إسرار القول يفيد وحدة معنى النجوى فإضافته إلى النجوى تفيد المبالغة.

وضمير الفاعل في{أسروا النجوى} راجع إلى الناس غير أنه لما لم يكن الفعل فعلا لجميعهم ولا لأكثرهم فإن فيهم المستضعف ومن لا شغل له به وإن كان منسوبا إلى الكل من جهة ما في مجتمعهم من الغفلة والإعراض أوضح النسبة بقوله:{الذين ظلموا} فهو عطف بيان دل به على أن النجوى إنما كان في الذين ظلموا منهم خاصة.

وقوله:{ هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ} هو الذي تناجوا به، وقد كانوا يصرحون بتكذيب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ويعلنون بأنه بشر وأن القرآن سحر من غير أن يخفوا شيئا من ذلك لكنهم إنما أسروه في نجواهم إذ كان ذلك منهم شورى يستشير بعضهم فيه بعضا ما ذا يقابلون به النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ويجيبون عما يسألهم من الإيمان بالله وبرسالته؟ فما كان يسعهم إلا كتمان ما يذكر فيما بينهم وإن كانوا أعلنوا به بعد الاتفاق على رد الدعوة.

وقد اشتمل نجواهم على قولين قطعوا عليهما أوردوهما بطريق الاستفهام الإنكاري وهما قوله:{هل هذا إلا بشر مثلكم} وقد اتخذوه حجة لإبطال نبوته وهو أنه كما تشاهدونه - وقد أتوا باسم الإشارة دون الضمير فقالوا: هل هذا؟ ولم يقولوا: هل هو؟ للدلالة على العلم به بالمشاهدة - بشر مثلكم لا يفارقكم في شيء يختص به فلوكان ما يدعيه من الاتصال بالغيب والارتباط باللاهوت حقا لكان عندكم مثله لأنكم بشر مثله، فإذ ليس عندكم من ذلك نبأ فهو مثلكم لا خبر عنده فليس بنبي كما يدعي.

وقولهم:{ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ } وهو متفرع بفاء التفريع على نفي النبوة بإثبات البشرية فيرجع المعنى إلى أنه لما لم يكن نبيا متصلا بالغيب فالذي أتاكم به مدعيا أنه آية النبوة ليس بآية معجزة من الله بل سحر تعجزون عن مثله، ولا ينبغي لذي بصر سليم أن يذعن بالسحر ويؤمن بالساحر.

قوله تعالى:{ قَالَ رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ } أي أنه تعالى محيط علما بكل قول سرا أوجهرا وفي أي مكان وهو السميع لأقوالكم العليم بأفعالكم فالأمر إليه وليس لي من الأمر شيء.

والآية حكاية قول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لهم لما أسروا النجوى وقطعوا على تكذيب نبوته ورمي آيته وهو كتابه بالسحر وفيها إرجاع الأمر وإحالته إلى الله سبحانه كما في غالب الموارد التي اقترحوا عليه فيها الآية وكذلك سائر الأنبياء كقوله:{ قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ}: الملك: 26، وقوله:{ قَالَ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ وَأُبَلِّغُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ:} الأحقاف: 23، وقوله:{ قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ}: العنكبوت: 50.

قوله تعالى:{ بَلْ قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ} تدرج منهم في الرمي والتكذيب، فقولهم: أضغاث أحلام أي تخاليط من رؤى غير منظمة رآها فحسبها نبوة وكتابا فأمره أهون من السحر، وقولهم:{بل افتراه} ترق من سابقه فإن كونه أضغاث أحلام كان لازمه التباس الأمر واشتباهه عليه لكن الافتراء يستلزم التعمد، وقولهم:{بل هو شاعر} ترق من سابقه من جهة أخرى فإن المفتري إنما يقول عن ترووتدبر فيه لكن الشاعر إنما يلفظ ما يتخيله ويروم ما يزينه له إحساسه من غير ترووتدبر فربما مدح القبيح على قبحه وربما ذم الجميل على جماله وربما أنكر الضروري وربما أصر على الباطل المحض، وربما صدق الكذب أوكذب الصدق.

وقولهم:{ فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ} الكلام متفرع على ما تقدمه والمراد بالأولين الأنبياء الماضون أي إذا كان هذا الذي أتى به وهو يعده آية وهو القرآن أضغاث أحلام أوافتراء أوشعر فليس يتم بذلك دعواه النبوة ولا يقنعنا ذلك فليأتنا بآية كما أتى الأولون من الآيات مثل الناقة والعصا واليد البيضاء.

وفي قوله:{كما أرسل الأولون} وكان الظاهر من السياق أن يقال: كما أتى بها الأولون إشارة إلى أن الآية من لوازم الإرسال فلوكان رسولا فليقتد بالأولين فيما احتجوا به على رسالتهم.

والمشركون من الوثنيين منكرون للنبوة من رأس فقول هؤلاء: فليأتنا بآية كما أرسل الأولون دليل ظاهر على أنهم متحيرون في أمرهم لا يدرون ما يصنعون؟ فتارة يواجهونه بالتهكم وأخرى يتحكمون وثالثة بما يناقض معتقد أنفسهم فيقترحون آية من آيات الأولين وهم لا يؤمنون برسالتهم ولا يعترفون بآياتهم.

وفي قولهم:{ فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ}، مع ذلك وعد ضمني بالإيمان لوأتى بآية من الآيات المقترحة.

قوله تعالى:{ مَا آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ} رد وتكذيب لما يشتمل عليه قولهم:{فليأتنا بآية كما أرسل الأولون} من الوعد الضمني بالإيمان لوأتى بشيء مما اقترحوه من آيات الأولين.

ومحصل المعنى على ما يعطيه السياق أنهم كاذبون في وعدهم ولوأنزلنا شيئا مما اقترحوه من آيات الأولين لم يؤمنوا بها وكان فيها هلاكهم فإن الأولين من أهل القرى اقترحوها فأنزلناها فلم يؤمنوا بها فأهلكناهم، وطباع هؤلاء طباع أوليهم في الإسراف والاستكبار فليسوا بمؤمنين فالآية بوجه مثل قوله:{ فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ}: يونس: 74.

وعلى هذا ففي الآية حذف وإيجاز والتقدير نحو من قولنا: ما آمنت قبلهم أهل قرية اقترحوا الآيات فأنزلناها عليهم واهلكناهم لما لم يؤمنوا بها بعد النزول أ فهم يعني مشركي العرب يؤمنون وهم مثلهم في الإسراف فتوصيف القرية بقوله:{أهلكناها} توصيف بآخر ما اتصفت بها للدلالة على أن عاقبة إجابة ما اقترحوه هي الهلاك لا غير.

____________

1- تفسير الميزان ،الطباطباطئي،ج14،ص198-206.

تفسير الامثل
- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه  الآيات (1) :

أعذار متنوّعة:

تبدأ هذه السورة ـ كما أشرنا ـ بتحذير قوي شديد موجّه لعموم الناس، تحذير يهزّ الوجدان ويوقظ الغافلين، فتقول: {اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ}.

إنّ عمل هؤلاء يدلّ على أنّ هذه الغفلة عمّت كلّ وجودهم، وإلاّ فكيف يمكن للإنسان أن يؤمن بإقتراب الحساب .. الحساب الدقيق المتناهي في الدقّة، ومع كلّ ذلك لا يكترث بالاُمور ويرتكب أنواع الذنوب!!

كلمة (إقترب) لها دلالة على التأكيد أكثر من (قرب) وهي إشارة إلى أنّ هذا الحساب قد أصبح قريباً جدّاً.

والتعبير بـ(الناس) وإن كان يشمل عموم الناس ظاهراً، وهو يدلّ على أنّ الجميع في غفلة، إلاّ أنّ ممّا لا شكّ فيه أنّ الذين لهم قلوب واعية يقظة على الدوام، ويفكّرون بالحساب ويعملون له فهم مستثنون من هذا العموم.

والجميل في الأمر أنّه يقول: إقترب الحساب للناس، لا أنّ الناس إقتربوا للحساب، فكأنّ الحساب يسرع لإستقبال الناس.

ثمّ إنّ الفرق بين «الغفلة» و «الإعراض» يمكن أن يكون من جهة أنّ هؤلاء غافلون عن إقتراب الحساب، وهذه الغفلة هي تسبّب الإعراض عن آيات الله سبحانه، فـ«الغفلة عن الحساب» علّة في الحقيقة، و «الإعراض عن الحقّ» معلول لتلك العلّة. أو أنّ المراد هو الإعراض عن نفس الحساب، وعن الإستعداد للإجابة في تلك المحكمة الكبرى، أي إنّهم لمّا كانوا غافلين، فإنّهم لا يهيّؤون أنفسهم لذلك ويعرضون عنه.

وهنا يأتي سؤال، وهو: ما معنى إقتراب الحساب والقيامة؟

لقد قال البعض: إنّ المراد منه هو أنّ ما بقي من الدنيا قليل في مقابل ما مضى منها، ولهذا فإنّ القيامة ستكون قريبة ـ قرباً نسبيّاً ـ خاصة وأنّه قد روي عن الرّسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه قال: «بعثت أنا والساعة كهاتين»(2) وأشار إلى السبابة والوسطى اللتين تقع إحداهما إلى جنب الاُخرى.

وقال البعض الآخر: إنّ هذا التعبير لكون القيامة موجودة، كما نرى ذلك في المثل السائر كلّ ما هو آت قريب.(3)

ولا منافاة بين هذين التّفسيرين ويمكن أن تكون الآية إشارة إلى كلا الأمرين.

وإحتمل بعض المفسّرين ـ كالقرطبي ـ أن يكون الحساب هنا إشارة إلى «القيامة الصغرى»، أي الموت، لأنّ جزءاً من المحاسبة وجزاء الأعمال يصل إلى الإنسان حين الموت(4). إلاّ أنّ ظاهر الآية ناظر إلى القيامة الكبرى.

ثمّ تبيّن الآية التالية علامة من علامات إعراض هؤلاء بهذه الصورة: {مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ} فلم يتّفق لهم أن يتدبّروا ساعة في كلام الله المجيد، ويتأمّلوا في آياته بجدّية، ويحتملوا ـ على الأقل ـ أن تكون مؤثّرة في حياتهم وعاقبة أمرهم ومصيرهم. فهم لا يفكّرون في الحساب الإلهي، ولا في تحذيرات الله سبحانه.

وأساساً فإنّ أحد أسباب شقاء الجهلة والمتكبّرين هو إتّخاذهم النصائح ومواعظ الأخيار لهواً ولعباً دائماً، وهذا هو السبب في عدم تنبّههم من غفلتهم، في حين أنّهم لو تعاملوا بصورة جديّة مع تلك النصائح ولو مرّة واحدة، فربّما تغيّر مسير حياتهم في تلك اللحظة!

كلمة «ذكر» في الآية إشارة إلى كلّ كلام منبّه يوقظ الغافلين، والتعبير بـ(محدث) إشارة إلى أنّ الكتب السماوية كانت تنزل الواحد تلو الآخر، وتحتوي كلّ سورة من سور القرآن، وكلّ آية من آياته محتوى جديداً ينفذ إلى قلوب الغافلين بطرق مختلفة، لكن أي فائدة مع مَن يتّخذ كلّ ذلك هزواً؟

وأساساً، فإنّ هؤلاء يفرقون من كلّ جديد، ويتمسكّون ويفرحون لكلّ الخرافات القديمة التي ورثوها من الآباء والأجداد، وكأنّهم قد تعاهدوا عهداً دائماً على أن يخالفوا كلّ حقيقة جديدة، مع أنّ أساس تكامل الإنسان مبتن على أن يواجه الإنسان كلّ يوم مسائل جديدة.

ثمّ تقول من أجل زيادة التأكيد: {لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ} لأنّهم في الظاهر يتّخذون كلّ المسائل الجديّة لهواً ولعباً ـ كما تشير جملة «يلعبون» إلى ذلك، حيث وردت بصيغة فعل مضارع مطلق ـ وهم في الباطن مشغولون باللهو والمسائل التي لا قيمة لها، والتي تجعلهم في غفلة عن الواقع. ومن الطبيعي أنّ مثل هؤلاء الأشخاص سوف لا يجدون طريق السعادة، ولا يوفّقون إليه.

ثمّ تشير إلى جانب من الخطط الشيطانيّة فتقول: {وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ}(5) وإذا لم يكن سوى بشر إعتيادي، فلابدّ أن تكون أعماله الخارقة ونفوذ كلامه سحراً، ولا يمكن أن يكون شيئاً آخر: {أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ }؟

قلنا: إنّ هذه السورة نزلت في مكّة، وفي تلك الأيّام التي كان فيها أعداء الإسلام في غاية القوّة والمنعة، فأي داع يدعوهم لإخفاء كلامهم، بل وحتّى نجواهم؟ (وينبغي الإلتفات إلى أنّ القرآن يقول إنّهم كانوا يخفون حتّى مناجاتهم).

قد يكون ذلك من أجل أنّ هؤلاء كانوا يتشاورون في المسائل التي تتّصف بالتخطيط والتآمر، حتّى يظهروا أمام عامّة الناس موقفاً واحداً ضدّ النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم). إضافة إلى أنّ هؤلاء كانوا من ناحية القوّة متفوقّين حتماً، إلاّ أنّ النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم)والمسلمين كانوا من ناحية المنطق والقوّة ونفوذ الكلام أكثر تفوّقاً، وهذا التفوّق هو الذي دفع هؤلاء إلى أن يتشاوروا في الخفاء لإنتخاب الأجوبة المصطنعة في مقابل النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم).

على كلّ حال، فإنّ هؤلاء قد أكّدوا على مسألتين في أقوالهم: إحداهما: كون النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بشراً، والاُخرى: تهمة السحر، وستأتي الإتّهامات الاُخرى في الآيات التالية أيضاً، ويتصدّى القرآن الكريم لجوابها.

إلاّ أنّ القرآن يجيبهم بصورة عامّه على لسان النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فيقول: {قَالَ رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ} فلا تتصوّروا أنّ نجواكم ومؤامراتكم المخفيّة تخفى عليه {وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} فهو يعلم كلّ شيء، ومطّلع على كلّ شيء، فلا يسمع كلامكم وحسب، بل هو مطّلع حتى على الأفكار التي تمرّ في أذهانكم، والقرارات التي في صدوركم.

بعد ذكر نوعين من تذرّعات المخالفين، يتطرّق القرآن إلى ذكر أربعة أنواع أُخرى منها، فيقول: {بَلْ قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ }(6) وهم يعتقدون أنّها حقيقة.

وقد يغيّرون كلامهم هذا أحياناً فيقولون: (بَلِ افْتَرَاهُ) ونسبه إلى الله.

ويقولون أحياناً: {بَلْ هُوَ شَاعِرٌ}، وهذه الآيات مجموعة من خيالاته الشعرية.

وفي المرحلة الرّابعة يقولون: إنّا نتجاوز عن كلّ ذلك فإذا كان مرسلا من الله حقّاً {فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ}.

إنّ التحقيق في هذه الإدّعاءات المتضادّة المتناقضة في حقّ النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم)سيوضّح أنّها بنفسها دليل على أنّهم لم يكونوا طلاّب حقّ، بل كان هدفهم خلق الأعذار، وإخراج خصمهم من الحلبة بأيّة قيمة وثمن، وبأي صورة كانت.

فهم يعتبرونه ساحراً تارةً، وأُخرى شاعراً، وثالثة مفترياً، وأُخرى إنساناً يختلط الأمر عليه ويهجر ـ والعياذ بالله ـ فهو يحسب مناماته المضطربة وحياً! ويقولون حيناً: لماذا أنت بشر؟ ويتذرّعون أحياناً بطلب معجزة جديدة مع كلّ تلك المعاجز.

إذا لم يكن لدينا دليل على بطلان كلامهم إلاّ هذا الإضطراب والتمزّق، فإنّه كاف لوحده، ولكنّنا سنرى في الآيات التالية أنّ القرآن سيجيبهم جواباً حاسماً من طرق أُخرى أيضاً.

أشارت الآية التالية إلى المعجزات المقترحة لاُولئك، ونقصد منها: المعجزات المقترحة حسب أهوائهم تذرّعاً، فنقول: إنّ جميع المدن والقرى التي أهلكناها سابقاً كانت قد طلبت مثل هذه المعاجز، ولكن لمّا استجيب طلبهم كذّبوا بها، فهل يؤمن هؤلاء؟: {مَا آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ}؟ وهي تنذرهم بصورة ضمنيّة بأنّ الآيات لو تحقّقت على ما إقترحتم ثمّ لم تؤمنوا، فإنّ فناءكم حتمي!

ويحتمل أيضاً في تفسير هذه الآية أنّ القرآن يشير ـ في هذه الآية ـ إلى كلّ إشكالات هؤلاء المتناقضة ويقول: إنّ هذا التعامل مع دعوة الأنبياء الحقيقيين ليس جديداً، فإنّ الأفراد العنودين كانوا يتوسّلون دائماً بهذه الأساليب، ولم تكن عاقبة عملهم وأمرهم إلاّ الكفر، ثمّ الهلاك والعذاب الأليم.

_______________

1- تفسير الامثل ،ناصر مكارم الشيرازي،ج8،ص229-234.

2ـ مجمع البيان. ذيل الآيات مورد البحث.

3- اصول الكافي ،ج8،ص81.

4ـ تفسير القرطبي. الجزء6 ص4307.

5ـ في لغة العرب إذا كان الفعل إسماً ظاهراً فيؤتى عادةً بفعل مفرد، إلاّ أنّ هذه ليست قاعدة عامّة وثابتة، بل يأتون ـ لعلل خاصّة ـ بالفعل بصيغة الجمع وبالفاعل إسماً ظاهراً وجملة (وأسّروا النجوى الذين ظلموا) من هذا القبيل أيضاً.

6ـ «أضغاث» جمع ضِغْث، وهو حزمة الحطب أو الأعشاب اليابسة وما شاكل ذلك، و «الأحلام» جمع حُلم وهو المنام والرؤية، ولمّا كان جمع حزمة حطب يحتاج أن يجمعوا عدّة أشياء متفرّقة إلى بعضها، فإنّ هذا التعبير اُطلق على المنامات المضطربة المتفرّقة.




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .



جمعيّة العميد وقسم الشؤون الفكريّة تدعوان الباحثين للمشاركة في الملتقى العلمي الوطني الأوّل
الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية السابق: جناح جمعية العميد في معرض تونس ثمين بإصداراته
المجمع العلمي يستأنف فعاليات محفل منابر النور في واسط
برعاية العتبة العباسيّة المقدّسة فرقة العبّاس (عليه السلام) تُقيم معرضًا يوثّق انتصاراتها في قرية البشير بمحافظة كركوك