المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17757 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
معنى قوله تعالى زين للناس حب الشهوات من النساء
2024-11-24
مسألتان في طلب المغفرة من الله
2024-11-24
من آداب التلاوة
2024-11-24
مواعيد زراعة الفجل
2024-11-24
أقسام الغنيمة
2024-11-24
سبب نزول قوله تعالى قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون الى جهنم
2024-11-24

Arthur Jules Morin
19-7-2016
معنى كلمة موت‌
2-1-2016
Claude Mylon
18-1-2016
عُمر الخيّام
23-3-2016
حيود فرينل fresnel diffracion
18-6-2019
الحق في الاحتفاظ بالمستوى الصحي للتكامل الجسدي
22-3-2016


تفسير الأية (83-91) من سورة الكهف  
  
9676   01:27 صباحاً   التاريخ: 31-8-2020
المؤلف : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
الكتاب أو المصدر : تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة : ......
القسم : القرآن الكريم وعلومه / التفسير الجامع / حرف الكاف / سورة الكهف /

 

قال تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُوعَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا (83) إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا (84) فَأَتْبَعَ سَبَبًا (85) حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِنْدَهَا قَوْمًا قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا (86) قَالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا (87) وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا (88) ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا (89) حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْرًا (90) كَذَلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْرًا } [الكهف:83-91]

______________

تفسير مجمع البيان
- ذكر الطبرسي في تفسير هذه  الآيات (1) :

بين سبحانه قصة ذي القرنين فقال { وَيَسْأَلُونَكَ } يا محمد { عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ} أي: عن خبره وقصته لا عن شخصه واختلف فيه فقيل إنه نبي مبعوث فتح الله على يديه الأرض عن مجاهد وعبد الله بن عمر وقيل إنه كان ملكا عادلا وروي عن علي بن أبي طالب (عليه السلام) أنه كان عبدا صالحا أحب الله وأحبه الله وناصح الله وناصحه قد أمر قومه بتقوى الله فضربوه على قرنه ضربة بالسيف فغاب عنهم ما شاء الله ثم رجع إليهم فدعاهم إلى الله فضربوه على قرنه الآخر بالسيف فذلك قرناه وفيكم مثله يعني نفسه (عليه السلام).

 وفي سبب تسميته بذي القرنين أقوال أخر ( منها ) أنه سمي به لأنه كانت له ضفيرتان عن الحسن ( ومنها ) أنه كان على رأسه شبه القرنين تواريه العمامة عن يعلى بن عبيد ومنها أنه بلغ قطري الأرض من المشرق والمغرب فسمي بذلك لاستيلائه على قرن الشمس من مغربها وقرنها من مطلعها عن الزهري واختاره الزجاج ( ومنها ) أنه رأى في منامه أنه دنى من الشمس حتى أخذ بقرنيها في شرقها وغربها فقص رؤياه على قومه فسموه ذا القرنين عن وهب ( ومنها ) أنه عاش عيش قرنين فانقرض في وقته قرنان من الناس وهو حي ( ومنها ) أنه كان كريم الطرفين من أهل بيت الشرف من قبل أبيه وأمه قال معاذ بن جبل كان من أبناء الروم واسمه الإسكندر وهو الذي بنى الإسكندرية.

 { قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا} معناه: قل يا محمد سأقرأ عليكم منه خبرا وقصة { إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ} أي: بسطنا يده في الأرض وملكناه حتى استولى عليها وقام بمصالحها وروي عن علي (عليه السلام) أنه قال سخر الله له السحاب فحمله عليها ومد له في الأسباب وبسط له النور فكان الليل والنهار عليه سواء فهذا معنى تمكينه في الأرض وهو أنه سهل عليه المسير فيها وذلل له طريقها وحزونها حتى تمكن منها أنى شاء.

 { وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا} أي: فأعطيناه من كل شيء علما يتسبب به إلى إرادته ويبلغ به إلى حاجته عن ابن عباس وقتادة والضحاك وقيل: معناه وآتيناه من كل شيء يستعين به الملوك على فتح البلاد ومحاربة الأعداء عن الجبائي وقيل: معناه وآتيناه من كل شيء سبيلا كما قال سبحانه لعلي أبلغ الأسباب أسباب السماوات أي سبلها { فَأَتْبَعَ سَبَبًا} معناه: فاتبع طريقا واحدا في سلوكه قال الزجاج : معناه فاتبع سببا من الأسباب التي أوتي بها وذلك أنه أوتي من كل شيء سببا فاتبع من تلك الأسباب التي أوتي سببا في المسير إلى المغرب ومن قرأ فأتبع سببا فمعناه لحق كقوله فأتبعه الشيطان والأصل فيه ما مر ذكره في الحجة { حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ} أي: موضع غروبها أنه انتهى إلى آخر العمارة من جانب المغرب وبلغ قوما لم يكن وراءهم أحد إلى موضع غروب الشمس ولم يرد بذلك أنه بلغ إلى موضع الغروب لأنه لا يصل إليه أحد { وجدها تغرب } معناه: وجدها كأنها تغرب { فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ } وإن كانت تغرب في ورائها عن الجبائي وابن مسلم والبلخي لأن الشمس لا تزايل الفلك ولا تدخل عين الماء ولأنه قال { وَوَجَدَ عِنْدَهَا قَوْمًا} ولكن لما بلغ ذوالقرنين ذلك الموضع تراءى له كان الشمس تغرب في عين كما أن من كان في البحر رآها كأنها تغرب في الماء ومن كان في البر يراها كأنها تغرب في الأرض الملساء والعين الحمئة هي ذات الحمأة وهي الطين الأسود المنتن والحامية الحارة وعن كعب قال : أجدها في التوراة تغرب في ماء وطين وقوله { ووجد عندها قوما } معناه: ووجد عند العين ناسا { قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا} في هذا دلالة على أن القوم كانوا كفارا والمعنى إما أن تعذب بالقتل من أقام منهم على الشرك وإما أن تأسرهم وتمسكهم بعد الأمر لتعلمهم الهدى وتستنقذهم من العمى وقيل: معناه وإما أن تعفو عنهم واستدل من ذهب إلى أن ذا القرنين كان نبيا بهذا قال لأن أمر الله تعالى لا يعلم إلا بالوحي والوحي لا يجوز إلا على الأنبياء وقال الكلبي : إن الله تعالى ألهمه ولم يوح إليه وقال ابن الأنباري : إن كان ذوالقرنين نبيا فإن الله تعالى قال له كما يقول للأنبياء إما بتكليم أوبوحي وإن لم يكن نبيا فإن معنى قلنا ألهمنا لأن الإلهام ينوب عن الوحي قال سبحانه وأوحينا إلى أم موسى أي وألهمناها قال قتادة فقضى ذوالقرنين فيهم بقضاء الله تعالى وكان عالما بالسياسة { قَالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ } أي: أشرك عن ابن عباس { فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ} أي: نقتله إذا لم يرجع عن الشرك { ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ} بعد قتلي إياه { فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا} أي: منكرا غير معهود يعني في النار وهو أشد من القتل في الدنيا .

{ وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى } مر معناه { وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا} أي: سنقول له قولا جميلا وسنأمره بما يتيسر عليه ولا نؤاخذه بما مضى من كفره { ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا} أي: طريقا آخر من الأرض ليؤديه إلى مطلع الشمس ويوصله إلى المشرق { حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ} أي: بلغ موضع ابتداء العمارة من الجانب الذي تطلع منه الشمس { وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْرًا} معناه: أنه لم يكن بها جبل ولا شجر ولا بناء لأن أرضهم لم يكن يثبت عليها بناء فكانوا إذا طلعت الشمس يغورون في المياه والأسراب وإذا غربت تصرفوا في أمورهم عن الحسن وقتادة وابن جريج.

 وروى أبو بصير عن أبي جعفر (عليه السلام) قال لم يعلموا صنعة البيوت وقوله { كذلك } معناه: مثل ذلك القبيل الذي كانوا عند مغرب الشمس في أن حكمهم حكم أولئك قيل: إن معناه أنه أتبع سببا إلى مطلع الشمس مثل ما أتبع سببا إلى مغرب الشمس وتم الكلام عند قوله { كذلك } ثم ابتدأ سبحانه فقال { وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْرًا} أي: علمنا ما كان عند ذي القرنين من الجيوش والعدة وآلات السياسة وقيل معناه أحطنا علما بصلاحه واستقلاله بما ملكناه قبل أن يفعله كما علمناه بعد أن فعله ولم يخف علينا حاله وفي قوله { بما لديه } إشارة إلى حسن الثناء عليه والرضا بأفعاله لامتثاله أمر الله تعالى في كل أحواله.

____________

1- تفسير مجمع البيان ،الطبرسي،ج6،ص379-382.

تفسير الكاشف
- ذكر محمد جواد مغنية في تفسير هذه  الآيات (1) :

{ ويَسْئَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُوا عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْراً } . اختلفوا في ذي القرنين هذا من هو؟ . قيل : انه كان ملكا من الملائكة ، وهذا غريب . وقيل : بل هو نبي . وعن الإمام علي ( عليه السلام ) انه عبد صالح . ولا ريب في صلاحه ، لأن أفعاله وأقواله التي سجلها اللَّه في كتابه تشهد له بالفضل والصلاح . وقيل : هو إسكندر المقدوني تلميذ أرسطو، وكان قبل الميلاد بنحو330 سنة . . وهذا أغرب الأقوال لأن إسكندر المقدوني وثني يعبد الأصنام ، وذوالقرنين يؤمن باللَّه واليوم الآخر ، ونقل الرازي وأبو حيان الأندلسي عن أبي الريحان البيروني ان ذا القرنين عربي يمني من قبيلة حمير ، واسمه أبوبكر .

وأيضا اختلفوا : لما ذا لقب بذي القرنين ؟ . فقيل : لأنه كريم الأبوين ، وقيل : كانت له ضفيرتان ، وقيل : لأنه ملك الشرق والغرب ، إلى غير ذلك من الأقوال والخلافات التي لا تمت إلى مقاصد القرآن بسبب . . ومتى اهتم القرآن بالأسماء وأسباب التسمية ؟ ولوكان فيها شيء من النفع والخير لما سكت عنها .

فغريب من المفسرين أن يشغلوا أنفسهم والناس معهم بما لا خير فيه دنيا وآخرة .

ومن أجل هذا نقف عند ظاهر النص ، ونقول : ان أناسا سألوا الرسول الكريم ( صلى الله عليه واله وسلم ) عن رجل يقال له ذا القرنين ، فأمره اللَّه سبحانه أن يقول للسائلين : سأخبركم بطرف من سيرته .

{ إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الأَرْضِ وآتَيْناهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً } . والمراد بالسبب هنا كل ما يتوصل به الإنسان إلى ما يطلبه ويبتغيه ، كالعلم والقدرة والصحة والمال والرجال والآلات ، وفوق ذلك توفيق اللَّه وعنايته ، وقد توافرت هذه القوى بكاملها لذي القرنين ، وبها أصبح قويا مهابا ، وهذا هو معنى تمكينه في الأرض . .

وتدل الآية دلالة واضحة على أن اللَّه سبحانه يوجد الأشياء بأسبابها .

{ فَأَتْبَعَ سَبَباً } . مهّد اللَّه الأسباب وهيأها لذي القرنين ، فاغتنمها واستغلها في الخير وصالح الأعمال . من ذلك ذهابه إلى المغرب الذي أشار إليه سبحانه بقوله : {حَتَّى إِذا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَها تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ } . المراد بمغرب الشمس بلاد المغرب ، ومن الواضح ان الشمس لا تدخل العين فتعين ان يكون المراد بالعين الحمئة البحر الذي يتراءى للإنسان ان الشمس تغيب فيه ، وهذا البحر من بحار المغرب ، وكان على شاطئه طين أسود ، ولكن أي بحر هو؟ اللَّه أعلم . ويقول الشيخ المراغي : انه المحيط الأطلنطي .

{ ووَجَدَ عِنْدَها قَوْماً قُلْنا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً } . ضمير عندها يعود إلى العين ، وظاهر الآية بمفردها يدل على أن اللَّه سبحانه ترك لذي القرنين أمر التصرف في أهل تلك البلاد ، ان شاء عذبهم ، وان شاء أحسن إليهم . . ومن الواضح ان هذا لا يتفق مع عدالته تعالى ، ولكن إذا عطفنا هذه الآية على الآيات الآمرة بقتل الكفار والمشركين ان أصروا على الكفر والشرك ، إذا جمعنا الآيات في كلام واحد دلت بمجموعها على أن القوم الذين وجدهم ذوالقرنين في المغرب كانوا كفارا ، وانه عرض عليهم الايمان فامتنعوا .

وتسأل : هل يجوز الإحسان إلى الكفار ؟ .

الجواب : يجوز إذا لم يقاتلونا في الدين ، ولم يخرجوا أحدا من دياره ، قال تعالى : « لا يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ ولَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ » - 8 الممتحنة .

{ قالَ » - ذوالقرنين - « أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذاباً نُكْراً وأَمَّا مَنْ آمَنَ وعَمِلَ صالِحاً فَلَهُ جَزاءً الْحُسْنى وسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنا يُسْراً } . هذا هوالدستور لحكم ذي القرنين وسلطانه ، ويتلخص بهذه الكلمة :

السيف لمن عصى اللَّه ، والحسنى لمن أطاعه . . ان المال والعلم والسلطان نعمة عظمى يمتحن اللَّه بها عباده ، فأما الأشرار فتزيدهم كفرا وطغيانا ، واما الأخيار

فيتخذونها وسيلة إلى طاعة اللَّه ومرضاته ، كما فعل ذوالقرنين .

{ ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً } رجع ذوالقرنين من المغرب إلى المشرق الذي أشار إليه تعالى بقوله : { حَتَّى إِذا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَها تَطْلُعُ عَلى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِها سِتْراً } . المراد بمطلع الشمس المشرق ، وضمير وجدها ودونها يعودان إلى الشمس ، والمراد بالستر هنا البناء وما إليه كالأكواخ والخيام والكهوف ، والمعنى ان ذا القرنين حين وصل إلى بلاد في الشرق وجد قوما في أرض مكشوفة للشمس ، وحياتهم بدائية كوحوش الفلوات ، ورجح بعض المفسرين ان هذه الأرض تقع على شاطئ إفريقية الشرقي . . ولم يذكر سبحانه ما ذا فعل ذوالقرنين بهؤلاء :

هل أحسن لمن آمن وعمل صالحا منهم ، وعذّب من أصر على الكفر ، أوتركهم وشأنهم لأنهم كالحيوانات غير مسؤولين عن شيء ، أولسبب آخر ؟ اللَّه أعلم .

{ كَذلِكَ وقَدْ أَحَطْنا بِما لَدَيْهِ خُبْراً } أي هذا هو أمر ذي القرنين الذي أحطنا بجميع أخباره وأحواله .

_______________

1- التفسير الكاشف، ج 5، محمد جواد مغنية، ص 156-158.

تفسير الميزان
- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1) :

الآيات تشتمل على قصة ذي القرنين، وفيها شيء من ملاحم القرآن: قوله تعالى:{ وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا} أي يسألونك عن شأن ذي القرنين.

والدليل على ذلك جوابه عن السؤال بذكر شأنه لا تعريف شخصه حتى اكتفى بلقبه فلم يتعد منه إلى ذكر اسمه.

والذكر إما مصدر بمعنى المفعول والمعنى قل سأتلوعليكم منه أي من ذي القرنين شيئا مذكورا، وإما المراد بالذكر القرآن - وقد سماه الله في مواضع من كلامه بالذكر والمعنى قل سأتلوعليكم منه أي من ذي القرنين أومن الله قرآنا وهو ما يتلو هذه الآية من قوله:{إنا مكنا له} إلى آخر القصة، والمعنى الثاني أظهر.

قوله تعالى:{ إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا} التمكين الإقدار يقال: مكنته ومكنت له أي أقدرته فالتمكن في الأرض القدرة على التصرف فيه بالملك كيفما شاء وأراد.

وربما يقال: إنه مصدر مصوغ من المكان بتوهم أصالة الميم فالتمكين إعطاء الاستقرار والثبات بحيث لا يزيله عن مكانه أي مانع مزاحم.

والسبب الوصلة والوسيلة فمعنى إيتائه سببا من كل شيء أن يؤتى من كل شيء يتوصل به إلى المقاصد الهامة الحيوية ما يستعمله ويستفيد منه كالعقل والعلم والدين وقوة الجسم وكثرة المال والجند وسعة الملك وحسن التدبير وغير ذلك وهذا امتنان منه تعالى على ذي القرنين وإعظام لأمره بأبلغ بيان، وما حكاه تعالى من سيرته وفعله وقوله المملوءة حكمة وقدرة يشهد بذلك.

قوله تعالى:{فأتبع سببا} الإتباع اللحوق أي لحق سببا واتخذ وصلة وسيلة يسير بها نحو مغرب الشمس.

قوله تعالى:{ حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِنْدَهَا قَوْمًا} تدل{حتى} على فعل مقدر وتقديره{فسار حتى إذا بلغ} والمراد بمغرب الشمس آخر المعمورة يومئذ من جانب الغرب بدليل قوله:{ووجد عندها قوما}.

وذكروا أن المراد بالعين الحمئة العين ذات الحمأة وهي الطين الأسود وأن المراد بالعين البحر فربما تطلق عليه، وأن المراد بوجدان الشمس تغرب في عين حمئة موقف على ساحل بحر لا مطمع في وجود بر وراءه فرأى الشمس كأنها تغرب في البحر لمكان انطباق الأفق عليه قيل: وينطبق هذه العين الحمئة على المحيط الغربي وفيه الجزائر الخالدات التي كانت مبدأ الطول سابقا ثم غرقت.

وقرىء{في عين حامية} أي حارة، وينطبق على النقاط القريبة من خط الاستواء من المحيط الغربي المجاورة لإفريقية ولعل ذا القرنين في رحلته الغربية بلغ سواحل إفريقية.

قوله تعالى:{ قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا} القول المنسوب إليه تعالى في القرآن يستعمل في الوحي النبوي وفي الإبلاغ بواسطة الوحي كقوله تعالى:{وقلنا يا آدم اسكن}: البقرة: 35 وقوله:{ وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ}: البقرة: 58، ويستعمل في الإلهام الذي ليس من النبوة كقوله { وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ}: القصص: 7.

وبه يظهر أن قوله:{قلنا يا ذا القرنين} إلخ لا يدل على كونه نبيا يوحى إليه لكون قوله تعالى أعم من الوحي المختص بالنبوة ولا يخلوقوله:{ثم يرد إلى ربه فيعذبه} إلخ حيث أورد في سياق الغيبة بالنسبة إليه تعالى من إشعار بأن مكالمته كانت بتوسط نبي كان معه فملكه نظير ملك طالوت في بني إسرائيل بإشارة من نبيهم وهدايته.

وقوله:{ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا} أي إما أن تعذب هؤلاء القوم وإما أن تتخذ فيهم أمرا ذا حسن، فحسنا مصدر بمعنى الفاعل قائم مقام موصوفه أوهو وصف للمبالغة، وقد قيل: إن في مقابلة العذاب باتخاذ الحسن إيماء إلى ترجيحه والكلام ترديد خبري بداعي الإباحة فهو إنشاء في صورة الإخبار، والمعنى لك أن تعذبهم ولك أن تعفو عنهم كما قيل، لكن الظاهر أنه استخبار عما سيفعله بهم من سياسة أوعفو، وهو الأوفق بسياق الجواب المشتمل على التفصيل بالتعذيب والإحسان{أما من ظلم فسوف نعذبه} إلخ إذ لو كان قوله:{إما أن تعذب} إلخ حكما تخييريا لكان قوله:{أما من ظلم} إلخ تقريرا له وإيذانا بالقبول ولا كثير فائدة فيه.

ومحصل المعنى: استخبرناه ما ذا تريد أن تفعل بهم من العذاب والإحسان وقد غلبتهم واستوليت عليهم؟ فقال: نعذب الظالم منهم ثم يرد إلى ربه فيعذبه العذاب النكر، ونحسن إلى المؤمن الصالح ونكلفه بما فيه يسر.

ولم يذكر المفعول في قوله:{إما أن تعذب} بخلاف قوله:{ إِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا} لأن جميعهم لم يكونوا ظالمين، وليس من الجائز تعميم العذاب لقوم هذا شأنهم بخلاف تعميم الإحسان لقوم فيهم الصالح والطالح.

قوله تعالى:{ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا} النكر والمنكر غير المعهود أي يعذبه عذابا لا عهد له به، ولا يحتسبه ويترقبه.

وقد فسر الظلم بالإشراك.

والتعذيب بالقتل فمعنى{أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ} أما من أشرك ولم يرجع عن شركه فسوف نقتله، وكأنه مأخوذ من مقابلة{من ظلم} بقوله:{ مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا} لكن الظاهر من المقابلة أن يكون المراد بالظالم أعم ممن أشرك ولم يؤمن بالله أوآمن ولم يشرك لكنه لم يعمل صالحا بل أفسد في الأرض، ولولا تقييد مقابله بالإيمان لكان ظاهر الظلم هو الإفساد من غير نظر إلى الشرك لأن المعهود من سيرة الملوك إذا عدلوا أن يطهروا أرضهم من فساد المفسدين، وكذا لا دليل على تخصيص التعذيب بالقتل.

قوله تعالى:{ وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى} إلخ{صالحا} وصف أقيم مقام موصوفه وكذا الحسنى، و{جزاء} حال أوتمييز أومفعول مطلق والتقدير: وأما من آمن وعمل عملا صالحا فله المثوبة الحسنى حال كونه مجزيا أومن حيث الجزاء أونجزيه جزاء.

وقوله:{ وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا} اليسر بمعنى الميسور وصف أقيم مقام موصوفه والظاهر أن المراد بالأمر الأمر التكليفي وتقدير الكلام وسنقول له قولا ميسورا من أمرنا أي نكلفه بما يتيسر له ولا يشق عليه.

قوله تعالى:{ ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا (89) حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ} إلخ أي ثم هيأ سببا للسير فسار نحوالمشرق حتى إذا بلغ الصحراء من الجانب الشرقي فوجد الشمس تطلع على قوم بدويين لم نجعل لهم من دونها سترا.

والمراد بالستر ما يستتر به من الشمس، وهو البناء واللباس أوخصوص البناء أي كانوا يعيشون على الصعيد من غير أن يكون لهم بيوت يأوون إليها ويستترون بها من الشمس وعراة لا لباس عليهم، وإسناد ذلك إلى الله سبحانه في قوله:{لم نجعل لهم} إلخ إشارة إلى أنهم لم يتنبهوا بعد لذلك ولم يتعلموا بناء البيوت واتخاذ الخيام ونسج الأثواب وخياطتها.

قوله تعالى:{ كَذَلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْرًا} الظاهر أن قوله:{كذلك} إشارة إلى وصفهم المذكور في الكلام، وتشبيه الشيء بنفسه مبنيا على دعوى المغايرة يفيد نوعا من التأكيد، وقد قيل في المشار إليه بذلك وجوه أخر بعيدة عن الفهم.

وقوله:{ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْرًا} الضمير لذي القرنين، والجملة حالية والمعنى أنه اتخذ وسيلة السير وبلغ مطلع الشمس ووجد قوما كذا وكذا في حال أحاط فيها علمنا وخبرنا بما عنده من عدة وعدة وما يجريه أويجري عليه، والظاهر أن إحاطة علمه تعالى بما عنده كناية عن كون ما اختاره وأتى به بهداية من الله وأمر، فما كان يرد ولا يصدر إلا عن هداية يهتدي بها وأمر يأتمره كما أشار إلى مثل هذا المعنى عند ذكر مسيره إلى المغرب بقوله:{قلنا يا ذا القرنين} إلخ.

فالآية أعني قوله:{وقد أحطنا} إلخ في معناها الكنائي نظيرة قوله:{واصنع الفلك بأعيننا ووحينا}: هود: 37، وقوله:{أنزله بعلمه}: النساء: 166، وقوله:{وأحاط بما لديهم}: الجن: 28.

وقيل: إن الآية لإفادة تعظيم أمره وأنه لا يحيط بدقائقه وجزئياته إلا الله أولتهويل ما قاساه ذوالقرنين في هذا المسير وأن ما تحمله من المصائب والشدائد في علم الله لم يكن ليخفى عليه، أولتعظيم السبب الذي أتبعه، وما قدمناه أوجه.

______________

1- تفسير الميزان ،الطباطبائي،ج13،ص290-293.

تفسير الامثل
- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه  الآيات (1) :

قصّة «ذو القرنين» العجيبة:

قُلنا في بداية حديثنا عن أصحاب الكهف: إِنَّ مجموعة مِن قريش قرَّرت اختبار الرّسول الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم)، وقامت هذه المجموعة بالتنسيق مع اليهود واستشارتهم بطرح ثلاث قضايا هى: تأريخ الفتية مِن أصحاب الكهف.

السؤال عن ماهية الروح، أمّا القضية الثّالثة فقد كانت حول «ذو القرنين».

وفي القرآن، جاءَ الردّ على قضية الروح في سورة الإِسراء، أمّا الإِجابة على السؤالين الآخرين فقد جاءت في سورة الكهف.

ونحنُ الآن بصدد قصّة «ذو القرنين»:

وأشرنا سابقاً إِلى أنَّ سورة الكهف أشارت إِلى ثلاث قصص تختلف في الظاهر عن بعضها، ولكنّها تشترك في جوانب معينة، والقصص الثلاث هي قصّة أصحاب الكهف، وموسى والخضر، وقصّة «ذو القرنين».

إِنَّ في القصص الثلاث هذه مضامين تنقلنا مِن حياتنا العادية إِلى أفق آخر، يكشف لنا أنَّ العالم في حقائقه وأسراره لا يُحَدُّ فيما ألفناه مِنهُ، وفيما يحيطنا مِنهُ، واعتدنا عليه.

إِنَّ قصة «ذو القرنين» تدور حول شخصية أثارت اهتمامات الفلاسفة والباحثين منذ القدم. وقد بُذلت جهود ومساعي كثيرة للتعرُّف على هذه الشخصية.

وسنقوم أوّلا بتفسير الآيات الست عشرة الخاصّة بذي القرنين حيث أن حياته مع قطع النظر عن جوانبها التاريخية بمثابة درس كبير ومليء بالعبر ، ثمّ ننتقل إِلى بحوث لمعرفة شخصية ذي القرنين نفسه مستفيدين في ذلك مِن الرّوايات الإِسلامية، وممّا أشار إِليه المؤرّخون في هذا الصدد.

بتعبير آخر: إِنَّ ما يهمنا أوّلا هو الحديث عن شخصية ذي القرنين، وهو ما فعلهُ القرآن، حيث يقول تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ}.

فيكون الجواب على لسان الرّسول المصطفى(صلى الله عليه وآله وسلم): {قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا}.

ولأنَّ «السين» في (سأتلوا) تستخدم عادة للمستقبل القريب، والرّسول هنا يتحدَّث مُباشرة إِليهم عن ذي القرنين، فمن المحتمل أن يكون ذلك مِنهُ(صلى الله عليه وآله وسلم)احتراماً ومراعاة للأدب; الأدب الممزوج بالهدوء والتروي، الأدب الذي يعني استلهامه للعلم مِن الله تبارك وتعالى، ونقلهُ إِلى الناس.

إِنَّ بداية الآية تبيّن لنا أنَّ قصة «ذو القرنين» كانت متداولة ومعروفة بين الناس، ولكنّها كانت محاطة بالغموض والإِبهام، لهذا السبب طالبوا الرّسول الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم) الإِدلاء حولها بالتوضيحات اللازمة.

وفي إستئناف الحديث عن ذي القرنين يقول تعالى: {إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ}. أي منحناه سُبل القوة والقدرة والحكم.

{وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا}.

بالرغم من أنّ مفهوم (السبب) يعني الحبل المستخدم في تسلُّق النخيل، الاّ أن بعض المفسّرين يحصره في الوسائل المستخدمة في إِنجاز الأعمال، إِلاَّ أنَّ الواضح مِن مفهوم الآية أنَّ الكلمة المذكورة يُراد مِنها معناها ومفهومها الواسع، حيث أنَّ الله تبارك وتعالى منحَ «ذو القرنين» أسباب الوصول لكل الأشياء: العقل، العلم الكافي، الإِدارة السليمة، القوّة والقدرة، الجيوش والقوى البشرية، بالإِضافة إِلى الإِمكانات المادية. أي إِنَّهُ مُنحَ كل الأسباب والسبُل المادية والمعنوية الكفيلة بتحقيق الأهداف المنشودة.

ثمّ يشير القرآن بعد ذلك إِلى استفادة ذي القرنين مِن هذه الأسباب والسبل فيقول: {فَأَتْبَعَ سَبَبًا}.

ثمّ {حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ}.

فرأي أنّها تغرب في بحر غامق أو عين ذات ماء آجن: {وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ}(2).

{وَوَجَدَ عِنْدَهَا قَوْمًا} أي مجموعة من الناس فيهم الصالح والطالح، هؤلاء القوم هم الذين خاطب الله ذا القرنين في شأنهم: { قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا}(3).

ويرى بعض المفسّرين في كلمة (قلنا) دليلا على نبوة ذي القرنين. ولكن مِن المحتمل أن يكون المقصود بهذا التعبير هو الإِلهام القلبي الذي يمنحهُ الخالق جلَّ وعلا لغير الأنبياء أيضاً، هذا وليسَ بالإِمكان انكار أنَّ التعبير الآنف الذكر يشير بالفعل إِلى معنى النّبوة.

بعد ذلك تحكي الآيات جواب «ذي القرنين» الذي قال: { قَالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا}(4). أي إِنَّ الظالمين سينالون العذاب الدنيوي والأخروي معاً.

{وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى}.

{وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا}.

أي أنّنا سنتعامل معهُ بالقول الحسن، فضلا عن أنّنا سنخفف عنهُ ولا نجعلهُ يواجه المشاكل والصعاب، بالإِضافة إِلى أنّنا سوف لن نجبي مِنهُ ضرائب كثيرة.

والظاهر أنَّ ذا القرنين أراد مِن ذلك أن الناس سينقسمون مقابل دعوتي الى التوحيد والإِيمان والنهي عن الظلم والفساد إِلى مجموعتين، الأُولى: هي المجموعة التي سترحب ببرنامجه الإِلهي ودعوته للتوحيد والإِيمان وهذه ستجزى بالحسنى وستعيش حياة آمنة ومطمئنة. أمّا الثّانية: فستتخذ موقفاً عدائياً مِن دعوة ذي القرنين وتقف في الجبهة المناوئة، وتستمر في شركها وظلمها، وتواصل فسادها. وهي لذلك ستعاقب نتيجة موقفها هذا أشدّ العقاب.

وبمقارنة قوله: (مَن ظلم) وقوله: {مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا} يتبيّن لنا أنَّ الظلم يعني هنا الشرك والعمل غير الصالح الذي يُعدُّ مِن ثمار شجرة الشرك المشؤومة.

وعندما إنتهى «ذو القرنين» مِن سفره إِلى الغرب توجه إِلى الشرق حيثُ يقول القرآن في ذلك: {ثمّ أتَبَع سَبَاً} أي استخدم الوسائل والإِمكانات التي كانت بحوزته.

{حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ}. وهنا رأى أنّها: {وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْرًا}. وفي اللفظ كناية عن أنَّ حياة هؤلاء الناس بدائية جدّاً، ولا يملكون سوى القليل مِن الملابس التي لا تكفي لتغطية أبدانهم مِن الشمس.

أمّا بعض المفسّرين فلم يستبعدوا افتقار هؤلاء الناس إِلى المساكن التي تحميهم مِن الشمس(5).

وهناك احتمال آخر يطرحه البعض، ويرى أن يكون هؤلاء القوم في أرض صحراوية تفتقر للجبال والأشجار والملاجيء، وأن ليسَ في تلك الصحراء ما يمكِّن هؤلاء القوم مِن حماية أنفسهم مِن الشمس مِن غطاء أو غير ذلك(6).

بالطبع ليسَ هناك تعارض بين التفاسير هذه، قوله تعالى: {كَذَلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْرًا}. هكذا كانت أعمال «ذو القرنين» ونحن نعلم جيداً بإِمكاناته.

بعض المفسّرين قال: إِنَّ هذه الآية تُشير إِلى الهداية الإِلهية لذي القرنين في برامجه ومساعيه(7).

______________

1- تفسير الامثل،ناصر مكارم الشيرازي،ج7،ص572-575.

2- (حمئة) تعني في الأصل الطين الأسود ذا الرائحة الكريهة; أو الماء الآسن الموجود في المستنقعات. وهذا الوصف يُبَيِّن لنا بأنَّ الأرض التي بلغها «ذو القرنين» كانت مليئة بالمستنقعات، بشكل كان ذو القرنين يشعر معهُ بأنَّ الشمس كانت تغرب في هذه المستنقعات، تماماً كما يشعر بذلك مسافر البحر، وسكّان السواحل الذين يشعرون بأنَّ الشمس قد غابت في البحر أو خرجت مِنهُ!.

3- يظهر أن جملة (إِمّا أن تعذب ... ) إِستفهامية بالرغم من أنَّ ظاهرها أنّها جملة خبرية.

4- «نكر» مُشتقة مِن «مُنكر» بمعنى الشيء المجهول; أي العذاب المجهول الذي لم يمكن تصوره.

5- أشارت بعض الرّوايات الواردة عن أهل البيت(عليهم السلام) إِلى التّفسير الأوّل، فيما أشارت روايات أُخرى إِلى التّفسير الثّاني. وليسَ ثمّة تناقض بين الإثنين (يراجع نور الثقلين، ج 3، ص 306).

6-  تفسير في ظلال القرآن، والفخر الرازي أثناء تفسير الآية.

7-  الميزان، ج 13، ص 391.




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .