المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17761 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
{افان مات او قتل انقلبتم على اعقابكم}
2024-11-24
العبرة من السابقين
2024-11-24
تدارك الذنوب
2024-11-24
الإصرار على الذنب
2024-11-24
معنى قوله تعالى زين للناس حب الشهوات من النساء
2024-11-24
مسألتان في طلب المغفرة من الله
2024-11-24



تفسير الاية (26-31) من سورة الحجر  
  
3323   06:08 مساءً   التاريخ: 30-7-2020
المؤلف : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
الكتاب أو المصدر : تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة : ......
القسم : القرآن الكريم وعلومه / التفسير الجامع / حرف الحاء / سورة الحجر /

 

قال تعالى: { وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (26) وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نَارِ السَّمُومِ (27) وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (28) فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ (29) فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (30) إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ } [الحجر: 26 - 31]

تفسير مجمع البيان
- ذكر الطبرسي في تفسير هذه  الآيات (1) :

لما ذكر سبحانه الإحياء والإماتة والنشأة الثانية عقبه ببيان النشأة الأولى فقال{ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ} يعني آدم{ من صلصال} أي: من طين يابس يسمع له عند النقر صلصلة أي: صوت عن ابن عباس والحسن وقتادة وأكثر المفسرين وقيل: طين صلب يخالطه الكثيب عن الضحاك وقيل: منتن عن مجاهد واختاره الكسائي{ من حمإ } أي: من طين متغير{ مسنون } أي: مصبوب كأنه أفرغ حتى صار صورة كما يصب الذهب والفضة وقيل: إنه الرطب عن ابن عباس وقيل: مسنون مصور عن سيبويه قال أخذ من سنة الوجه.

{ والجان } وهو إبليس عن الحسن وقتادة وقيل هو أبو الجن كما أن آدم أبو البشر عن ابن عباس وقيل: هم الجن نسل إبليس وهو منصوب بفعل مضمر معناه وخلقنا الجان{ خلقناه من قبل } أي: من قبل خلق آدم{ مِنْ نَارِ السَّمُومِ } أي: من نار لها ريح حارة تقتل وقيل: هي نار لا دخان لها والصواعق تكون منها وروى أبو روق عن الضحاك عن ابن عباس قال: كان إبليس من حي من أحياء الملائكة يقال لهم الجن خلقوا من نار السموم من بين الملائكة وخلق الجن الذين ذكروا في القرآن من مارج من نار وقيل: السموم النار الملتهبة عن أبي مسلم.

 وفي هذا إشارة إلى أن الإنسان لا يفضل بأصله وإنما يفضل بدينه وعلمه وصالح عمله وأصل آدم (عليه السلام) كان من تراب وذلك قوله خلقه من تراب ثم جعل التراب طينا وذلك قوله وخلقته من طين ثم ترك ذلك الطين حتى تغير واسترخى وذلك قوله{ من حمإ مسنون } ثم ترك حتى جف وذلك قوله{ من صلصال } فهذه الأقوال لا تناقض فيها إذ هي إخبار عن حالاته المختلفة{ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ } تقديره واذكر يا محمد إذ قال ربك للملائكة{ إني خالق } أي: سأخلق{ بشرا } أي: آدم وسمي بشرا لأنه ظاهر الجلد لا يواريه شعر ولا صوف{ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ} مر معناه{ فإذا سويته } بإتمام خلقته وإكمال خلقه وقيل: معناه عدلت صورته{ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي} والنفخ إجراء الريح في الشيء باعتماد فلما أجرى الله سبحانه الروح في آدم على هذه الصفة كان قد نفخ الروح فيه وإنما أضاف روح آدم إلى نفسه تكرمة له وتشريفا وهي إضافة الملك{ فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ } أي: اسجدوا له قال الكلبي أي فخروا له ساجدين{ فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ} هذا توكيد بعد توكيد عند سيبويه وقال المبرد ويدل قوله{ أجمعون } على اجتماعهم في السجود أي فسجدوا كلهم في حالة واحدة قال الزجاج وقول سيبويه أجود لأن أجمعون معرفة فلا يكون حالا{ إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ} أي: امتنع أن يكون معهم فلم يسجد معهم وقد سبق القول في أن إبليس هل كان من الملائكة أولم يكن واختلاف العلماء فيه وما لكل واحد من الفريقين من الحجج وذكرنا ما يتعلق بذلك من الكلام في سورة البقرة فلا معنى للإعادة وأن يكون في محل نصب أي أبي الكون مع الساجدين.

_____________

1- تفسير مجمع البيان ،الطبرسي،ج6،ص113-115.

تفسير الكاشف
- ذكر محمد جواد مغنية في تفسير هذه  الآيات (1) :

{ ولَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَأٍ مَسْنُونٍ } . تكلم الناس كثيرا حول أصل الإنسان ، واشتهر عن درون انه قرد ، وبسطنا الكلام عن درون والإنسان عند تفسير الآية 11 من سورة الأعراف ج 3 ص 305 . ونعود الآن إلى الموضوع بأسلوب آخر لمناسبة ذكر الإنسان والصلصال في الآية التي نحن بصددها .

ينحصر طريق المعرفة بالتجربة والمشاهدة والعقل والوحي ، ومن الواضح أنّا بالتحليل في المختبر نعرف ما في الإنسان من مواد ، أما كيف وجد الإنسان ، وعلى أية هيئة كان فلا تجيب عن هذا السؤال وما إليه المختبرات والمعامل . أما المشاهدة فأي إنسان رأى وشاهد بداية خلق الإنسان الأول وكيف تكوّن ووجد ؟ .

ولا شيء في الحفريات يدل دلالة واضحة على أصل الإنسان ، وشرحنا ذلك في المجلد الثالث ص 305 ، أما سؤال العقل عن أصل الإنسان وكيف كان فهوتماما كسؤاله : من هو أبو فلان ، وهل كان طويلا أو قصيرا . . فلم يبق من طريق إلى معرفة أصل الإنسان الا الوحي من خالق الإنسان .

ومن تتبع آي الذكر الحكيم يجد بعض الآيات تقول : « وهُو الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْماءِ بَشَراً - 54 الفرقان » . وبعضها يقول : « كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ - 59 آل عمران » . وآية ثالثة تقول : « هُو الَّذِي خَلَقَكُمْ  مِنْ طِينٍ - 2 الأنعام » ، والطين هو الماء والتراب وليس بحقيقة ثالثة . والآية التي نحن بصددها تقول : { ولَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَأٍ مَسْنُونٍ } .

والصلصال طين يابس . والحمأ طين متغير إلى السواد ، والمسنون طين يمكن تكييفه بسهولة . والطين بشتى أنواعه ماء وتراب فأصل الإنسان الأول ماء وتراب ، خلق اللَّه منهما أبا البشر ومنحه الحياة .

{ والْجَانَّ خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نارِ السَّمُومِ } . أنكر جماعة وجود الجن ، وفسر بعض المؤمنين الجن المذكور في القرآن ، فسره بالمكروب الذي لا يرى بالعين ، أي أخذا بالمعنى اللغوي من جن الشيء إذا استتر عن الأعين . وقال آخرون بوجود الجن ، وألفوا كتبا في عدد نفوسهم وبلادهم وعاداتهم وشعرائهم ورؤسائهم ، وزواج الإنس منهم وزواجهم من الإنس ، ونحن نؤمن بوجود الجن ، لا لشيء إلا لأن الوحي أثبته ، والعقل لا ينفيه ، ولا نصدق أحدا يدعي رؤية الجن أويتصل بهم ، ولا نقبل أي حديث عنهم إلا إذا نطق الوحي به صراحة . وقد صرحت هذه الآية والآية 15 من الرحمن ان اللَّه خلق الجن من النار . لذا نحن نؤمن بأن أصل الجن من نار ، ولكن أي نار ، وكيف كان الخلق ؟ اللَّه أعلم .

وقرأت فيما قرأت ان علماء الاختصاص اكتشفوا نوعا من الحشرات لا تحيا إلا بالهواء السام ، ونوعا آخر لا يحيا إلا في آبار البترول والمواد الملتهبة .

وعليه فمن الجائز أن يكون في كوكب الشمس أحياء تتفق في تكوينها مع حرارة الشمس ، كالسمك في الماء ، وتلون الفراشة بلون الوردة ، والسلحفاة بلون الصحراء .

{ وإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خالِقٌ بَشَراً } . قال اللَّه هذا للملائكة ، وقال له الملائكة أيضا : أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ؟ . وغرضنا من الإشارة إلى قول الملائكة التنبيه إلى ما ذكرناه عند تفسير الآية 30 من سورة البقرة من أن اللَّه سبحانه قد أفسح لهم مجال السؤال والحوار الذي يشبه الاعتراض ، ثم أفهمهم الحقيقة ، وتلطف في جوابهم . . فعسى أن يتعظ بهذا من يرى نفسه فوق أن يراجع في شيء من أقواله لمكانته العلمية ومنزلته الاجتماعية . أنظر المجلد الأول ص 81 .

{ مِنْ صَلْصالٍ } طين يابس غير مطبوخ {مِنْ حَمَأٍ } طين متغير إلى السواد {مَسْنُونٍ } مرن يمكن تكييفه وتصويره على هيئة إنسان أوغيره { فَإِذا سَوَّيْتُهُ } أتممته { ونَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي } أي جعلت الحياة فيه أنظر ج 2 ص 501{ فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ إِلَّا إِبْلِيسَ أَبى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ } سبق نظيره في الآية 34 من سورة البقرة ج 1 ص 82 .

______________

1- التفسير الكاشف، محمد جواد مغنية،ج4، صفحه 474-476.

تفسير الميزان
- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1) :

هذه هي الطائفة الثالثة من الآيات الموردة إثر ما ذكر في مفتتح السورة من استهزاء الكفار بالكتاب وبالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) واقتراحهم عليه آية أخرى غير القرآن، وقد ذكر الله سبحانه في هذه الطائفة بدء خلقة الإنسان والجان وأمره الملائكة وإبليس أن يسجدوا له وسجودهم وإباء إبليس وهو من الجن ورجمه وإغواءه بني آدم، وما قضى الله سبحانه عند ذلك من سعادة المتقين وشقاء الغاوين.

قوله تعالى:{ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ} قال الراغب في المفردات: أصل الصلصال تردد الصوت من الشيء اليابس ومنه قيل: صل المسمار وسمي الطين الجاف صلصالا، قال تعالى:{من صلصال كالفخار}{من صلصال من حمإ مسنون} والصلصلة بقية ماء سميت بذلك لحكاية صوت تحركه في المزادة وقيل: الصلصال المنتن من الطين من قولهم: صل اللحم.

وقال: والحمأة والحمأ طين أسود منتن، وقال: وقوله: من حمإ مسنون قيل: متغير وقوله: لم يتسنه معناه لم يتغير والهاء للاستراحة. انتهى.

وقوله:{ولقد خلقنا الإنسان} إلخ المراد به بدء خلقة الإنسان بدليل قوله:{ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ (7) ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ }: الم السجدة: 8، فهو إخبار عن خلقة النوع وظهوره في الأرض فإن خلق أول من خلق منهم ومنه خلق الباقي خلق الجميع.

قال في مجمع البيان: وأصل آدم كان من تراب وذلك قوله:{خلقه من تراب} ثم جعل التراب طينا وذلك قوله:{وخلقته من طين} ثم ترك ذلك الطين حتى تغير واسترخى وذلك قوله:{من حمإ مسنون} ثم ترك حتى جف وذلك قوله:{من صلصال} فهذه الأقوال لا تناقض فيها إذ هي إخبار عن حالاته المختلفة.  انتهى.

قوله تعالى:{ وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نَارِ السَّمُومِ } قال الراغب: السموم الريح الحارة تؤثر تأثير السم. انتهى.

وأصل الجن الستر وهو معنى سار في جميع ما اشتق منه كالجن والمجنة والجنة والجنين والجنان بالفتح وجن عليه الليل وغير ذلك.

والجن طائفة من الموجودات مستورة بالطبع عن حواسنا ذات شعور وإرادة تكرر في القرآن الكريم ذكرهم ونسب إليهم أعمال عجيبة وحركات سريعة كما في قصص سليمان (عليه السلام) وهم مكلفون ويعيشون ويموتون ويحشرون تدل على ذلك كله آيات كثيرة متفرقة في كلامه تعالى.

وأما الجان فهل هو الجن بعينه أو هو أبو الجن كما أن آدم (عليه السلام) أبوالبشر كما عن ابن عباس أو هو إبليس نفسه كما عن الحسن أوالجان نسل إبليس من الجن أو هو نوع من الجن كما ذكره الراغب؟ أقوال مختلفة لا دليل على أكثرها.

والذي يهدي إليه التدبر في كلامه تعالى أنه قابل في هاتين الآيتين الإنسان بالجان فجعلهما نوعين اثنين لا يخلوان عن نوع من الارتباط في خلقتهما، ونظير ذلك قوله:{ خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ (14) وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ }: الرحمن: 15.

ولا يخلو سياق ما نحن فيه من الآيات من دلالة على أن إبليس كان جانا وإلا لغا قوله:{والجان خلقناه من قبل} إلخ، وقد قال تعالى في موضع آخر من كلامه في إبليس:{ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ}: الكهف: 50، فأفاد أن هذا الجان المذكور هو الجن نفسه أو هو نوع من أنواع الجن ثم ترك سبحانه في سائر كلامه ذكر الجان من أصله ولم يذكر إلا الجن حتى في موارد يعم الكلام فيها إبليس وقبيله كقوله تعالى:{شياطين الإنس والجن}: الأنعام: 112، وقوله:{ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ }: حم السجدة: 25، وقوله:{ سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلَانِ - إلى أن قال - يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا }: الرحمن: 33.

وظاهر هذه الآيات من جهة المقابلة الواقعة فيها بين الإنسان والجان تارة وبين الإنس والجن أخرى أن الجن والجان واحد وإن اختلف التعبير.

وظاهر المقابلة بين قوله:{ولقد خلقنا الإنسان} إلخ، وقوله:{والجان خلقناه من قبل} إلخ أن خلق الجان من نار السموم المراد به الخلق الابتدائي وبدء ظهور النوع كخلق الإنسان من صلصال، وهل كان استمرار الخلقة في أفراد الجان المستتبع لبقاء النوع على سنة الخلق الأول من نار السموم بخلاف الإنسان حيث بدىء خلقه من تراب ثم استمر بالنطفة كلامه سبحانه خال عن بيانه ظاهرا غير ما في بعض كلامه من نسبة الذرية إلى إبليس كما قال:{ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي }: الكهف: 50، ونسبة الموت إليهم كما في قوله:{ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ}: حم السجدة: 25، والمألوف من نوع فيه ذرية وموت هو التناسل والكلام بعد في هذا التناسل هل هو بسفاد كسفاد نوع من الحيوان أو بغير ذلك؟.

وقوله:{خلقناه من قبل} مقطوع الإضافة أي من قبل خلق الإنسان والقرينة هي المقابلة بين الخلقين.

وعد مبدإ خلق الجان في الآية هو نار السموم لا ينافي ما في سورة الرحمن من عده مارجا من نار أي لهيبا مختلطا بدخان فإن الآيتين تلخصان أن مبدأ خلقه ريح سموم اشتعلت فكانت مارج نار.

فمعنى الآيتين: أقسم لقد بدأنا خلق النوع الإنسان من طين قد جف بعد أن كان سائلا متغيرا منتنا ونوع الجان بدأنا خلقه من ريح حارة حادة اشتعلت فصارت نارا.

قوله تعالى:{ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا } إلى آخر الآية، قال في المفردات: البشرة ظاهر الجلد والأدمة باطنه كذا قال عامة الأدباء - إلى أن قال - وعبر عن الإنسان بالبشر اعتبارا بظهور جلده من الشعر بخلاف الحيوانات التي عليها الصوف أوالشعر أوالوبر، واستوى في لفظ البشر الواحد والجمع وثنى فقال تعالى:{أ نؤمن لبشرين} وخص في القرآن في كل موضع اعتبر من الإنسان جثته وظاهره بلفظ البشر نحو:{ وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا } انتهى موضع الحاجة.

وقوله:{ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا } بإضمار فعل والتقدير: واذكر إذ قال ربك، وفي الكلام التفات من التكلم مع الغير إلى الغيبة وكان العناية فيه مثل العناية التي مرت في قوله:{وإن ربك هو يحشرهم} فإن هذه الآيات أيضا تكشف عن نبإ ينتهي إلى الحشر والسعادة والشقاوة الخالدتين.

على أن التكلم مع الغير في السابق{ولقد خلقنا}{خلقناه} من قبيل تكلم العظماء عنهم وعن خدمهم وأعوانهم تعظيما أي بأخذه تعالى ملائكته الكرام معه في الأمر وهذه العناية مما لا يستقيم في مثل المقام الذي يخاطب فيه الملائكة في إخبارهم بإرادته خلق آدم (عليه السلام) وأمرهم بالسجود له إذا سواه ونفخ فيه من روحه فافهم ذلك ومعنى الآية ظاهر.

قوله تعالى:{ فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ } التسوية جعل الشيء مستويا قيما على أمره بحيث يكون كل جزء منه على ما ينبغي أن يكون عليه فتسوية الإنسان أن يكون كل عضومن أعضائه في موضع الذي ينبغي أن يكون فيه وعلى الحال التي ينبغي أن يكون عليها. ولا يبعد أن يستفاد من قوله:{إني خالق}{فإذا سويته} أن خلق بدن الإنسان الأول كان على سبيل التدريج الزماني فكان أولا الخلق وهو جمع الأجزاء ثم التسوية وهوتنظيم الأجزاء ووضع كل جزء في موضعه الذي يليق به وعلى الحال التي تليق به ثم النفخ ولا ينافيه ما في قوله تعالى:{ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ }: آل عمران: 59، فإن قوله:{ثم قال له} إلخ ناظر إلى كينونة الروح وهو النفس الإنسانية دون البدن كما عبر عنه في موضع آخر بعد بيان خلق البدن بالتدريج بقوله:{ثم أنشأناه خلقا آخر}: المؤمنون: 14.

وقوله:{ونفخت فيه من روحي} النفخ إدخال الهواء في داخل الأجسام بفم أوغيره ويكنى به عن إلقاء أثر أوأمر غير محسوس في شيء، ويعني به في الآية إيجاده تعالى الروح الإنساني بما له من الرابطة والتعلق بالبدن، وليس بداخل فيه دخول الهواء في الجسم المنفوخ فيه كما يشير إليه قوله سبحانه:{ ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ (13) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ}: المؤمنون: 14، وقوله تعالى:{ قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ }: الم السجدة: 11.

فالآية الأولى - كما ترى - تبين أن الروح الإنساني هو البدن منشأ خلقا آخر والبدن على حاله من غير أن يزاد فيه شيء، والآية الثانية تبين أن الروح عند الموت مأخوذ من البدن والبدن على حاله من غير أن ينقص منه شيء.

فالروح أمر موجود في نفسه له نوع اتحاد بالبدن بتعلقه به وله استقلال عن البدن إذا انقطع تعلقه به وفارقه وقد تقدم بعض ما يتعلق من الكلام بهذا المقام في تفسير قوله تعالى:{ وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ}: البقرة: 154 في الجزء الأول من الكتاب.

ونرجوأن نستوفي هذا البحث في ذيل قوله:{قل الروح من أمر ربي}: الآية 85 من سورة الإسراء إن شاء الله.

وإضافة الروح إليه تعالى في قوله:{من روحي} للتكرمة والتشريف من الإضافة اللامية المفيدة للملك، وقوله:{فقعوا له ساجدين} أي اسجدوا، ولا يبعد أن يفهم منه أن خروا على الأرض ساجدين له فيفيد التأكيد في الخضوع من الملائكة لهذا المخلوق الجديد كما قيل.

ومعنى الآية فإذا عدلت تركيبه وأتممت صنع بدنه وأوجدت الروح الكريم المنسوب إلي الذي أربط بينه وبين بدنه فقعوا وخروا على الأرض ساجدين له.

قوله تعالى:{ فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (30) إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ} لفظة أجمعون تأكيد بعد تأكيد لتشديده، والمراد أن الملائكة سجدوا له بحيث لم يبق منهم أحد وقد استثنى من ذلك إبليس ولم يكن منهم لقوله تعالى:{ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ}: الكهف: 50، وأما قول من قال: إن طائفة من الملائكة كانوا يسمون الجن وكان إبليس منهم أوإن الجن بمعنى الستر فيعم الملائكة وغيرهم فمما لا يصغى إليه، وقد تقدم في تفسير سورة الأعراف كلام في معنى شمول الأمر بالسجود لإبليس مع عدم كونه من الملائكة ومعنى الآيتين ظاهر.

_____________

1- تفسير الميزان،الطباطبائي،ج12،ص122-126.

تفسير الامثل
- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه  الآيات (1) :

خلق الإنسان:

بعد ذكر خلق نماذج من مخلوقات اللّه في الآيات السابقة، تأتي هذه الآيات لتبيّن أن الهدف الأساسي من إيجاد كل الخليقة إِنّما هو خلق الإِنسان. وتتطرق الآيات إِلى جزئيات عديدة في شأن الخلق، زاخرةً بالمعاني.

وقبل الدخول في بحوث مفصلة حول بعض المسائل التي ذكرت في الآيات المباركات نشرع بتفسير إِجمالي..

يقول تعالى في البداية: { وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ}، «الصلصال» هو التراب اليابس الذي لو اصطدم به شيء أحدث صوتاً.. و «الحمأ المسنون» هو طينٌ متعفن.

{ وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نَارِ السَّمُومِ }.

«السّموم» لغة: الهواء الحارق، وسميَّ بالسموم لأنّه يخترق جميع مسامات بدن الإِنسان، وكذلك يطلق على المادة القاتلة (السم) لأنّها تنفذ في بدن الإِنسان وتقتله.

ثمّ يعود القرآن الكريم إِلى خلق الإِنسان مرّة أُخرى فيتعرض إِلى كلام اللّه تعالى مع الملائكة قبل خلق الإِنسان: { وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (28) فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي} وهي روح شريفة طاهرة جليلة { فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ }.

وبعد أن تمّ خلق الإِنسان من الجسم والروح المناسبين { فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ }.

ولم يعص هذا الأمر إِلاّ إِبليس: { إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ }.

_____________

1- تفسير الامثل،مكارم الشيرازي،ج6،ص610-611.




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .