المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

الفقه الاسلامي واصوله
عدد المواضيع في هذا القسم 7461 موضوعاً
المسائل الفقهية
علم اصول الفقه
القواعد الفقهية
المصطلحات الفقهية
الفقه المقارن

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
الإمام علي (عليه السلام) صاحب رسول الله ورفيقه في الجنة
2024-05-08
الإمام علي (عليه السلام) قسيم النار والجنة
2024-05-08
معنى نصيبا مفروضا
2024-05-08
{ان يدعون من دونه الا اناثا وان يدعون الا شيطانا مريدا}
2024-05-08
من يتبع غير طريق الهدى
2024-05-08
من أنواع الصدقة
2024-05-08

الأفعال التي تنصب مفعولين
23-12-2014
صيغ المبالغة
18-02-2015
الجملة الإنشائية وأقسامها
26-03-2015
اولاد الامام الحسين (عليه السلام)
3-04-2015
معاني صيغ الزيادة
17-02-2015
انواع التمور في العراق
27-5-2016


حجية الظواهر  
  
2108   09:15 صباحاً   التاريخ: 23-7-2020
المؤلف : الشيخ محمد علي الأراكي
الكتاب أو المصدر : أصول الفقه
الجزء والصفحة : ج‏1، ص: 484
القسم : الفقه الاسلامي واصوله / علم اصول الفقه / مباحث الحجة /

في أنّ ظهور اللفظ متّبع في تشخيص مراد المتكلّم أو لا، وينبغي أوّلا تحرير محلّ الكلام فنقول: الإرادة على قسمين، إرادة لبيّة وتسمّى بالأغراض، وإرادة استعماليّة وهي إرادة تفهيم معنى كلّ لفظ عند التنطق به.

 

فهنا كلام بعد إحراز الإرادة الثانية في أنّها مطابقة للاولى أولا؟، كما لو علم بأنّ المتكلّم أراد معاني الألفاظ التي تكلّم بها لنصوصيّتها، ولكن لا يعلم مطابقتها مع غرضه اللبّي ومقصوده الجدّي، فإذا قال: أكرم العلماء فيعلم أنّه أراد بالإرادة الاستعماليّة إيجاب إكرام جميع العلماء، ولكن لا يعلم أنّه بحسب الجدّ أيضا كذلك أو يستثنى بعض الأفراد، وأخّر بيانها لمصلحة، ثمّ يبيّنه قبل حضور وقت العمل، فيقال عند هذا الشكّ: إنّ الأصل العقلائي على التطابق بين الإرادتين، والكلام في هذا المقام وهذا الأصل ليس مهمّا لنا في هذا المقام.

وكلام في إحراز إرادة المتكلّم معاني ألفاظه بعد الفراغ عن مدلول اللفظ التصوّري الانتقاشي الذي لو سمع من الجدار أيضا يكون مصحوبا للفظ، أي ينتقش في الذهن، أعمّ من أن يكون وضعيّا أم انصرافيّا، أم حاصلا بقرينة حاليّة على التجوّز أو مقاليّة، ويسمّى هذا بالدلالة التصوّريّة، ثمّ البناء بعده والحكم بأنّ المتكلّم أراد من اللفظ تفهيم هذا المعنى بالإرادة الاستعماليّة يسمّى بالدلالة التصديقيّة.

فنقول: هنا ثلاثة مقدّمات إذا صارت بجميعها مسلّمة متيقّنة تكون نتيجتها القطع:

الاولى: أنّ غرض المتكلّم إفادة المراد باللفظ لا شي‏ء آخر كالتعلّم للغة العرب في التكلّم بالعربي مثلا.

والثانية: عدم وجود قرينة حاليّة أو مقاليّة في البين دالّة على إرادة خلاف الظاهر.

والثالثة: عدم غفلة المتكلّم عن نصب القرينة على مراده.

فعند تحقّق هذه الثلاثة ومسلميّتها يحصل القطع بأنّ المتكلّم أراد المعاني‏ التصوريّة الظاهرة من الألفاظ بإرادة استعماليّة وإلّا لزم نقض الغرض، مثلا لو قال:

أكرم العلماء، وعلم أنّه يكون بصدد إفادة المطلب، وليس التكلّم لغرض آخر وأنّه لا قرينة في البين، وكان ملتفتا غير عاقل، فلو كان حينئذ مريدا من هذا الكلام ضرب حجر على رأس زيد مثلا فهو ناقض للغرض؛ فإنّ غرضه إفادة ما هو مريد له في مرحلة الاستعمال باللفظ، فاتى بلفظ لا يفيده بل يفيد الخلاف، ونقض الغرض لا يحتاج إلى إثبات قبحه ليتمسّك لعدمه بحكمة الشارع، بل هو ولو فرض عدم قبحه، بل حسنه لا يصدر من أدنى جاهل، بل من واحد من الحيوان فضلا عن الإنسان العاقل.

فالكلام إنّما هو في صورة الشكّ في إحدى تلك المقدّمات، كما لو شكّ في أنّه تكلّم لغرض الإفادة أو لغرض آخر، أو شكّ بعد العلم بأنّه يتكلّم للإفادة في وجود القرينة وعدمها، فهل هنا أصل عقلائي على الحمل على أنّه تكلّم للإفادة في المقام الأوّل، أو أنّه أراد ظاهر اللفظ بإرادة استعماليّة في المقام الثاني، أو ليس.

لا كلام في وجوده في المقام الأوّل، فجرى سيرة العقلاء على حمل التكلّم على صدوره بغرض الإفادة ولو عند الشكّ، فلو أمر المولى عبده فترك العبد الإطاعة معتذرا بأنّي لم أعرف أنّك تريد الإفادة واحتملت أنّ غرضك مجرّد إيجاد الكلام لما تقبّل هذه المعذرة عند العقلاء في رفع العقوبة عنه.

وهذا غير مقام البيان الذي قد اشتهر في باب الإطلاق أنّه لا بدّ من إحرازه من الخارج، وإلّا يعامل مع اللفظ معاملة الإهمال؛ فإنّ الإطلاق أمر زائد على مفاد اللفظ، وهذا الأصل إنّما هو بالنسبة إلى ما هو مفاد اللفظ، فمجراه في باب الإطلاق هو المهملة، فلو جهل بأنّه تكلّم بالمطلق خاليا عن إرادة المعنى رأسا حتّى المهملة فهذا الأصل يدفعه.

وبالجملة، فباب الشكّ من هذه الجهة مسدود بهذا الأصل العقلائي، كما أنّ باب الغفلة في كلام الشارع غير محتمل، وفي غيره مسدود أيضا بالأصل العقلائي، فيمحّض منشأ الشكّ في إرادة المتكلّم استعمالا لما هو المنتقش من اللفظ بما هو عليه‏ من الحالات والخصوصيّات في احتمال وجود القرينة الصارفة، بمعنى أنّه يحتمل أنّها كانت واختفت علينا، فالكلام في هذا المقام قد انعقد لدفع هذا الشكّ.

وكذلك لا كلام في الجملة في اتّباع الظهور في المقام الثاني وعند الشكّ في وجود القرينة، إلّا أنّ الكلام في أمرين يختلف الحال بحسبهما وهو أنّه هل اتّكالهم في ذلك على أصالة الحقيقة أو أصالة عدم القرينة.

وتوضيح الأوّل أنّ اللفظ إذا وضع لمعنى يحصل طبع (1)‏، فمقتضى طبع اللفظ بعد الوضع كونه مستعملا في معناه الموضوع له، فإنّه وضع لاجل ذلك، فاستعماله في غير معناه خروج عن مقتضى طبع اللفظ الموضوع، وبناء العقلاء في جميع الأشياء هو البناء على ما هو قضيّة الطبع الأوّلي للشي‏ء إلى أن يعلم بما يكون حدوثه من جهة الطواري.

ومن هذا القبيل الحكم بحيضيّته دم المرأة المردّد بين الحيض والاستحاضة؛ فإنّ الاستحاضة مرض بخلاف الحيض، ومقتضى الطبع الأوّلي للمرأة صحّة المزاج، والمرض يحدث بالعرض، فعند الشكّ يبنى على بقائها على صحّة المزاج التي هي مقتضى طبعها الأوّلي، فيحكم بحيضيّة دمها.

ومن هذا القبيل أصالة الصحّة في جميع الأشياء؛ فإنّ الفساد في كلّ شي‏ء يكون على خلاف الطبع، فالبطّيخ بحسب طبعه الأوّلي صحيح وفساده يطرأ عليه بالعرض، وبالجملة، الطبع الأوّلي للفظ بقاءه في الاستعمال الشخصي على معناه الذي وضع له.

وتوضيح الثاني أنّه كثر(2)خروج اللفظ في الاستعمالات عن مقتضى طبعه واستعماله في خلاف معناه مع نصب القرينة إلى حدّ صار له قابليّة الانقسام إلى قسمين: اللفظ الجاري على طبعه وهو ما ليس معه قرينة، والجاري على خلاف طبعه وهو ما يقترن بقرينة، فحينئذ يصير ذاك اللفظ أعني ما هو مقسم القسمين بلا أثر وطبع، بل الطبع حصل للفظ المجرّد، فكما نحتاج في الحمل على المعنى المجازي إلى إحراز القيد وهو وجود القرينة، فكذلك في الحمل على الحقيقي أيضا نحتاج إلى إحراز القيد وهو التجرّد عن القرينة.

وتظهر الثمرة بين هذين الوجهين فيما إذا كان في الكلام ما يصلح للقرينيّة، فإن قلنا بأنّ الاتّكال على أصالة الحقيقة فنحكم بإرادة المعنى الحقيقي للمساعدة مع طبع اللفظ ما لم يعلم الخلاف، وإن قلنا بكون الاتّكال على أصالة عدم القرينة فلا نحكم بإرادة المعنى الحقيقي ولا المجازي، بل نتوقّف ويكون الكلام مجملا؛ فإنّ البناء على عدم القرينة إنّما هو فيما إذا كان الشكّ في أصل الوجود، وأمّا لو كان الوجود محرزا، وكان الشكّ في قرينيّة الموجود، فليس البناء على عدم القرينيّة.

وتظهر أيضا فيما إذا تعقّب العام باستثناء كان له قدر متيقّن وكان في الباقي محتملا، فإن كان الاتّكال على أصالة الحقيقة يقتصر على القدر المتيقّن ويؤخذ بالباقي لمساعدة طبع العام، وإن كان الاتّكال على أصالة عدم القرينة فيسري الإجمال بالنسبة إلى الباقي إلى العام؛ لأنّ الشكّ ليس في وجود القرينة، بل في قرينيّة الموجود، وهذا في الحقيقة مثال للفرض المتقدّم.

وشيخنا المرتضى قدّس سرّه في غير موضع من رسائله ذكر الوجهين على سبيل الترديد ولم يجزم بشي‏ء منهما، والإنصاف أيضا عدم إمكان الجزم، وإذن فالقدر المتيقّن أنّهم يتّبعون الظهور في ما إذا لم يكن في البين ما يصلح للقرينيّة وشكّ في وجود القرينة، وأمّا أنّه للاتّكال على أيّ من الأصلين فليس معلوما.

نعم لو كان معلوما اتّباع الظهور عند وجود ما يصلح للقرينيّة تبيّن أنّ الاتّكال على أصالة الحقيقة، ولكن لم يعلم اتّباعهم الظهور في هذا المورد، بل يحكمون بالإجمال ويتوقّفون.

فإن قلت: إذا كان التوقّف في هذا المورد لأنّها مساويا لأصالة عدم القرينة فبه يثبت أنّ الأصل الذي ملاك العقلاء في باب الظهورات هو هذا الأصل، لا أصالة الحقيقة، فما معنى قولك: إنّه مع ذلك لا يعلم أنّ الاتّكال على أيّ من الأصلين.

قلت: لا نسلّم أنّه لازم مساو، بل أعمّ؛ إذ من المحتمل أن يكون اتّكالهم على أصالة الحقيقة في ذلك المورد- أعني الشكّ في وجود القرينة- دون غيره والأمر سهل.

إذا عرفت ذلك فالمدّعى في هذا المقام أنّ ظهور اللفظ (3) في معنى يورث حمله‏ على هذا المعنى عند الشكّ في إرادة المتكلّم له للشكّ في وجود القرينة مع عدم ما يصلح للقرينيّة في البين، وهذا الظهور متّبع مطلقا، سواء حصل الظنّ الفعلي على وفاقه أم لا، خلافا للمحقّق القمّي قدّس سرّه حيث خصّ حجيّة ظهور الألفاظ بصورة وجود الظنّ الفعلي منه بإرادة المتكلّم إيّاه من اللفظ، فإن لم يحصل هذا الظنّ فليس الظهور حجّة.

وسواء حصل الظّن الفعلي الغير المعتبر على خلافه، أم لا، خلافا لمن اعتبر في حجيّة الظهور عدم الظن بإرادة خلاف الظاهر، وسواء بالنسبة إلى من قصد إفهامه ومن لم يقصد، خلافا للمحقّق القمّي قدّس سرّه حيث ذهب إلى أنّ الأخذ بالظواهر حقّ لمن قصد إفهامه وليس لغيره حقّ ذلك، فلعلّه كان بين المتخاطبين مطلب معهود فاريد من الكلام خلاف ظاهره بقرينة العهد، لأنّ من مقدّماته الأصلي اللفظي لزوم نقض الغرض، وهذا غير جار هنا؛ إذ لو كان في البين قرينة معهودة مخفية على هذا السامع الغير المقصود إفهامه بالخطاب لما لزم نقض الغرض.

و فيه أنّ هذا المطلب ليس طريق صحّته وسقمه إلّا العرض على أهل السوق، فإذا رأيناهم يمشون بخلافه يعنى لا يفرقون بين من قصد وغيره بعد الشركة في التكليف في صحة الاحتجاج فهذا معنى الحجيّة، إذ هذا مقصودنا من حجيّة الظواهر لا كشف الواقع وإدراكه، وإلّا فكيف يعقل استكشاف الواقع من طرف الوهم، والحال أنّ معنى الوهم أنّ احتمال كون الواقع في خلافه أرجح.

ألا ترى أنّه لو فرضنا المقام غير مقام الاحتجاج بين العبد والسيّد، كما لو قال رفيق لرفيقه: اشتر المتاع الفلاني؛ فإنّ فيه النفع، أو لا تشتره فإنّ فيه الضرر وكان‏ المخاطب ظانّا بالنفع في الثاني والضرر في الأوّل فإنّه لا يتّبع في المقامين إلّا ظنّ نفسه.

فلو أمر المولى أحد عبيده بأمر وكان بعض عبيده الآخر يسمع كلام المولى وعلم أنّه يشترك جميع العبيد في الحكم فترك هذا العبد الغير المواجه العمل بظاهر كلام المولى ليس للمولى إذا علم بسماعه عقابه.

وبالجملة، فالمدّعى حجيّة الظهور عند الشكّ في وجود القرينة من غير تقييد بالظّن بالوفاق ولا بعدم الظّن بالخلاف، ومن غير فرق بين من قصد إفهامه ومن لم يقصد، والدليل في الجميع هو سيرة العقلاء على العمل بالظهور في الموارد المذكورة، ثمّ بضميمة عدم ردع الشارع يصير حجّة شرعيّة، فلا بدّ لإثبات المرام من إثبات مطلبين، الأوّل: وجود السيرة المذكورة، والثاني: عدم ردع الشارع.

أمّا الأوّل فنقول: يمكن لنا إثبات الدعاوي الثلاث بالمرتكز في طبعنا؛ فإنّ العقلاء يأخذون بالظواهر حجّة لهم وعليهم، فربّما كان حجّة للمتكلّم على المخاطب فيؤاخذ المتكلّم المخاطب محتجّا بأنّه: أما قلت لك كذا؟ وربّما يكون حجّة للمخاطب على المتكلّم فيؤاخذ المخاطب المتكلّم محتجّا بأنّه أ لم تقل كذا؟، ولا نعني بالحجيّة هنا إلّا ذلك أعني صحّة المؤاخذة والاحتجاج لا الكشف عن الواقعيات، فلا يرد أنّ الأخذ بالشكّ في مقام الواقع بل بالوهم مقامه ليس من طريقة جاهل فضلا عن عاقل، فكيف يمكن الحجيّة مع عدم الظّن بالوفاق، بل مع الظّن بالخلاف.

فنقول مثبتا لسيرة العقلاء في كلّ من المقامات الثلاثة على الترتيب موضحا بالتمثيل: لو قال مولى لعبده: أضف جميع طلّاب البلد، فاحتمل العبد عدم إرادة المولى واحدا معيّنا منهم، لما شاهد من عدم معاملة المولى مع هذا الواحد معاملة المحبّة فلأجل هذا الاحتمال لم يخبره بالضيافة، فإذا حضر الجميع إلّا هذا الواحد فلم ير المولى إيّاه فيما بينهم، فهل ترى من وجدانك وطبعك مانعا من صحّة مؤاخذة العبد بأنّه لم ما أخبرت الشخص الفلاني، ولو اعتذر العبد بأنّه ما ظننت من قولك إرادته هل يصحّ جوابه بأنّ الأمر لو كان كذلك لقلت: إلّا فلان، فهذا الذي فعلت فعلته من جانب نفسك، أو لا يصحّ.

وفي عين هذا المثال الذي لم يكن إرادة هذا الواحد مظنونة للعبد وكان شاكّا لو كان الواقع أيضا كذلك وغير مقصود واقعا، كما احتمله العبد، ولكن أخبره مع ذلك وحضر هو مع الجماعة فهل يصح للمولى [أن يقول‏]: لم أخبرت هذا فإنّي لم احبّ ضيافته، ولو قال ذلك فأجابه العبد بأنّك قلت: أخبر كلّ الطلاب، فما تقصيري، كان عذرا مقبولا وحجّة موجّهة؟

ثمّ افرض في هذا المثال أنّ العبد ظنّ بعدم إرادة الشخص الخاص، لكن بظنّ غير معتنى به عند العقلاء، كالحاصل من النوم، فلم يخبر الشخص ولم يعلمه الضيافة، فهل يصحّ أن يقول في جواب المولى ويحتج بأنّي: رأيت في المنام أنّك لا تحبّ صحبة هذا الشخص ولا تميل في مجالسته، فظننت من هذا بأنّك ما قصدت من قولك إيّاه؟.

وكذلك في هذا المثال لو لم يعتن بظنّه الحاصل من نومه وأعلم الشخص، فأتى مع الجماعة المدعوّين، فاتّفق مصادفة ظنّه الواقع وأنّ المولى واقعا كان كارها لحضوره وغير قاصد له من الكلام فلا حقّ له بمؤاخذة العبد، فإنّ حجة العبد في قباله-: قلت لى: أعلم الجميع، وما كان بيدي سوى النوم وهو ليس محلا للاعتبار فما تقصيري- مسموعة.

نعم لو ظنّ ظنّا يعمل على طبقه العقلاء ويعتنون بشأنه، كما لو حصل من مأخذ صحيح، فحينئذ يصير هذا الظنّ حجّة في قبال الظهور، وكذا الحال في الشارع، ولو كان الظنّ ممّا يعتبره العقلاء وعند الشرع كان ملغى فهو لا يقوم في قبال الظهور عند الشرع وإن كان له صلاحيّة ذلك عند العقلاء.

ثمّ افرض أنّ لمولى عبدين، فخاطب أحدهما في بيته وقال له: يجب على جميع عبيدي احترام العلماء وتوقيرهم، ولا بدّ أن لا يصدر منهم خلاف الاحترام بالنسبة إلى واحد منهم، واتّفق وجود العبد الآخر في البيت وسماعه هذا الحكم، ولم يشعر بذلك المولى، فلم يطع العبد الثاني وصدر منه خلاف الاحترام بالنسبة إلى بعض العلماء، واطّلع المولى فيما بعد وجود هذا العبد في البيت عند مخاطبته مع العبد الآخر وسماعه للحكم، فهل ترى مانعا من صحّة المؤاخذة وجعله في معرض العتاب والاحتجاج بأنّك: أ لم تسمع مقالتي مع شريكك في التكليف، فلم خالفت؟ وهل له الجواب بأن يقول: كان وجهة كلامك وطرف خطابك عبدك الآخر، فلا ارتباط لذاك الخطاب بي؟

و مثال آخر أوضح: لو كان لك رفيقان، فاتّفق اجتماعهما في بيت وأنت في بيت آخر تسمع كلامهما وتعرف شخصهما وهما غير شاعران بوجودك في البيت، فأخذ أحدهما في غيبتك عند الآخر وذكر عيوبك له، فإذا خلوت معه هل لك أن تقول له: أتذكر ما قلت فيّ عند فلان في المكان الفلاني وأنا كنت أسمع كلامك ولم تستشعر، فلم قلت كذا وكذا في حقّي، فهل له أن يجيبك معتذرا ومحتجّا بأنّي كنت اقاول مع غيرك فما ربطه بك؟ فهذا هو الكلام في السيرة في المقامات الثلاث.

وأمّا إمضاء الشرع، فاعلم أنّ الأمر الذي صار مركوزا في أذهان العقلاء وكانوا مجبولين عليه ومفطورين وعجنوا به من أسلافهم فالعامّة لا يتفطّنون لخلافه ولا يدخل في ذهنهم غيره ولو احتمالا أو وهما(4) ، مثلا لو اتّخذ مولى خادما جديدا فلا يحتمل هذا الخادم ولا يخطر بباله أن يكون طريقة هذا المولى في المحاورة مخالفة لطريقة سائر الناس، بل يعامل على حسب ما اجبل به من الأخذ بالظواهر من دون أن يكون خلافه محتملا له بل مشعورا به، بل هو أمر مغفول عنه.

نعم نادر قليل وأوحديّ من الناس بواسطة كثرة توغّله في الأفكار العلميّة والتخيّلات في الدرس والبحث يقع في ذهنه احتمال أنّه يمكن عدم رضى الشارع بهذا الأمر وكونه مخطّئا لهذه الطريقة.

وحينئذ فإن كان الأمر المركوز في الأذهان العرفية غير مرضي للشرع فلا بدّ في الردع عنه من النصّ والتنصيص، فإنّ رفع اليد عن أمر استقرّ عليه العادة من لدن أدم عليه السلام وعجن الناس به لا يمكن إلّا بالتصريح والتنصيص، كما هو المشاهد في باب الربا، فترى النهي عنه على الوجه الصريح مؤكّدا بالتخويفات الاكيدة والإنذارات البليغة والإيعادات الكثيرة، حتى ورد في درهمه وديناره ما ورد، فكذا الردع عن كلّ أمر مرتكز غير مرضيّ لا بدّ وأن يكون بهذا النحو.

فنقول: ليس في مقامنا في قبال الطريقة الجارية والسيرة المستمرّة المرتكزة ما يتوهّم منه النهي والردع سوى الأخبار والآيات الناهية عن العمل بالظن، وهي لا صراحة لها في شمول المقام، بل لها الظهور، ظهور العام في الخاص، وهي غير صالحة للردع؛ لأنّها لا يخلو حالها من شقّين، إمّا أن لا يكون ظهورها حجّة، وإمّا أن يكون، فعلى الأوّل واضح، وعلى الثاني يكون مقطوع التخصيص لأقوائيّة الارتكاز من ظهورها، فيحرم العمل بالظن إلّا في باب ظهور الألفاظ، وإذن فثبت حجيّة الظهور اللفظي عند العرف والشرع.

فإن قلت: ما المانع من أن يكون مثل قوله تعالى: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [الإسراء: 36]رادعا؛ إذ لا شبهة في أنّ الظواهر ممّا ليس به علم، ويتفطّن لذلك العامّة أيضا، فما وجه عدم إجرائهم العموم فيه؟.

قلت: نعم إنّهم يرون الظواهر مصداقا لما ليس به علم، ولكن حكمهم بدخولها تحت عموم الحكم فرع لأن يكون حجيّة الظواهر عندهم مقيّدة بعدم ورود منع من الشارع كما في الظنّ في حال الانسداد؛ إذ حينئذ يكون العموم كافيا في رفع اليد عن الحجيّة، ولكن ليس الأمر كذلك، بمعنى أنّ حجيّة الظواهر يكون عندهم على الإطلاق، وبلغت في ارتكازهم بمثابة لا يحتملون تخطئة الشارع إيّاهم، وكما لا يحتمل بعضهم في حقّ بعض آخر منهم أن يكون له طريقة اخرى في المحاورة، لا يحتملون ذلك في حقّ الشارع؛ فإنّهم يرونه كواحد منهم.

ولهذا لو قال هذا الكلام واحد من المولي الظاهريّة لعبده لا يأخذ ذلك من يده طريقة المحاورة، والحاصل وإن كانوا يفهمون أنّ الظواهر ما ليس به علم، لكن لا يمكن ردعهم عن العمل بمجرّد: لا تعمل بما ليس لك به علم؛ فإنّهم يقطعون بأنّ المراد من هذا العام غير هذا الفرد من الظنون، ويقطعون بتخصيصه في هذا الفرد.

والحاصل: هنا ثلاثة امور ارتكازيّة، الاوّل: حجيّة ظواهر سائر الألفاظ غير هذه الآية وحجيّة ظاهر هذه الآية، وأنّ العام القطعي التخصيص يعمل به في غير مورد القطع بتخصيصه، وهذه الامور الثلاثة لها جمع في ارتكازهم، فيبقون على ارتكازهم القطعي في سائر الألفاظ ويعملون بهذا الظاهر في غير الظواهر.

وإن قلت: فلو كان الأمر كما ذكرت من الحجيّة على وجه الإطلاق فالتنصيص أيضا لا يفيد بحالهم.

قلت: التنصيص القطعي بوجوده يؤثّر في رفع قطعهم ويقفون على خطابهم بسببه.

فإن قلت: لو سئل عنهم هل تقبل هذه الحجيّة منع الشارع بنحو التنصيص أولا؟ لأجابوا بنعم، فكيف تكون الحجيّة عندهم تنجيزيّة؟

قلت: الشرطيّة لا يستلزم صدق طرفيها، فيمكن أن يتفطّنوا عند التنبيه، وأمّا عند عدم التنبيه فهذا الاحتمال مغفول عنه عندهم بالمرّة، فليس في ذهنهم من هذه الجهة حكم لا إثباتا ولا نفيا، والموجود هو القطع بالحجيّة بلا تقييد.

وهذا التقريب لعدم رادعيّة الآيات كما ترى جار بعينه في حجيّة خبر الثقة ولا يحتاج إلى تقريب الدور كما فعله في الكفاية، هذا مع أنّ في خصوص مقامنا الذي هو الظواهر وحجيّة الآيات أيضا من باب الظواهر طريقا آخر لعدم الرادعية، وهو أنّ الظواهر لو كانت حجّة فالآية مخصّصة، وإن لم يكن حجّة فالآية أيضا منها، فما وجه الاستدلال؟.

مضافا إلى إمكان دعوى التخصيص وإن لم يتلقّوها بالقبول، وذلك أنّه بعد ما عرفت من أنّ العامّة قاطعون بالحجيّة قطعا تنجيزيّا واحتمال الردع مغفول عنه في أذهانهم، فيكون الاتّكال والاعتماد في عملهم على القطع بالحقيقة دون الظّن.

_____________

(1) يعني حصلت له بالوضع طبيعة ثانويّة في أن يقصد به تفهيم ما وضع له، لأنّ ذلك حكمة الوضع، فلو عومل معه ذلك كان على وفق طبعه، وخلاف ذلك محتاج إلى دليل وإحراز، وأمّا هو فمقتضى الأصل الأوّلى.

فإن قلت: غاية الأمر أنّ الطبع مقتض لوجود مقتضاه، لكنّه يجامع مع المانع، فبمجرّده لا يكفي في الحكم بتحقّق المقتضى- بالفتح- ما لم يحرز عدم المانع، ففي المقام القرينة الصارفة مانع ومزاحم لهذا المقتضى، فلا بدّ من إحراز عدمها.

قلت: معنى بناء العقلاء أنّهم يبنون على وفق المقتضي ويحكمون بوجود المقتضى- بالفتح- ومن المعلوم أنّ وجود المقتضى- بالفتح- لا يجامع مع وجود المانع، فيعلم بالملازمة عدمه، وليس هذا بضائر في الاصول اللفظيّة؛ لأنّها أمارات ومثبتها حجّة. منه قدّس سرّه.

(2) والكثرة إنّما تحقّقت في المجازات المتشتّتة لا في واحد معيّن، فلا يقال: إنّه يلزم أن ينقلب الطبع ويصير مع المعنى المجازى، ولهذا لو تحقّقت في واحد صار كذلك ويسمّونه بالمجاز المشهور، والحاصل أنّ الطبع إنّما يمشي على وفقه ما دام لم يصل الخروج عن مقتضاه إلى خلافه بحدّ الكثرة، وبعد هذا ينهدم الطبع ولا بدّ في إثبات مقتضاه من التماس دليل من الخارج، وفي مقامنا لا بدّ من التماس دليل مثبت لعدم القرينة حتى يثبت إرادة المعنى الحقيقي. منه قدّس سرّه الشريف.

(3) يعني أنّ الظهور الانتقاشي التصوّري الحادث قهرا حتّى من اللفظ المسموع من الجدار إذا استقرّ، يعني ما يتيقّن بعد ضمّ اللواحق والضمائم والخصوصيّات المكتنفة به من الحاليّة والمقاليّة، فهذا المعنى الانتقاشي متى والشكّ في إرادة المتكلّم تفهيمه في مقام الاستعمال ولم يكن في البين ما يورث الإجمال والتوقّف ممّا يصلح للقرينيّة فبنائهم على الأخذ بهذا الظاهر الانتقاشي وأنّه الذي أراد المتكلّم تفهيمه. فلا يقال: إنّ الظهور بمعنى الرجحان لا يجامع الشك، وذلك لأنّ المراد بالظهور هو المعنى الانتقاشي، والشكّ إنّما هو في ما قصد المتكلّم تفهيمه، فالمدّعى أنّ العقلاء يحكمون بأنّ ما قصد المتكلّم تفهيمه يكون على وفق المعنى الانتقاشي، ومدركهم في هذا الحكم إمّا أصالة الحقيقة، وإمّا أصالة عدم القرينة كما تقدّم توضيحها.

(4) وبهذا يجاب عن الإشكال بأنّ غاية ما في الباب عدم ثبوت الردع من الشارع، لكنّ الإمضاء أيضا غير ثابت، فحيث إنّ المقام مقام الشكّ في الحجيّة، والمرتكز عند العقلاء فيه أيضا عدم معاملة الحجّة فاللازم الحكم بعدمها. وحاصل الجواب أنّ الأمر الجبلّي للناس الذي يكون مغفولا عنه للعامّة ولا ينقدح احتمال خلافه إلّا لمن استأنس ذهنه بالدقائق العلميّة، فهذا الأمر لو كان غير مرضي الشرع لوجب عليه إظهار الردع بالتنصيص وعدم الاكتفاء فيه بالعموم والإطلاق، وحيث ما كان يقطع برضى الشارع هذه الطريقة، فيصير هذا برهانا للأوحدي المحتمل، منه قدّس سرّه.

 




قواعد تقع في طريق استفادة الأحكام الشرعية الإلهية وهذه القواعد هي أحكام عامّة فقهية تجري في أبواب مختلفة، و موضوعاتها و إن كانت أخصّ من المسائل الأصوليّة إلاّ أنّها أعمّ من المسائل الفقهيّة. فهي كالبرزخ بين الأصول و الفقه، حيث إنّها إمّا تختص بعدّة من أبواب الفقه لا جميعها، كقاعدة الطهارة الجارية في أبواب الطهارة و النّجاسة فقط، و قاعدة لاتعاد الجارية في أبواب الصلاة فحسب، و قاعدة ما يضمن و ما لا يضمن الجارية في أبواب المعاملات بالمعنى الأخصّ دون غيرها; و إمّا مختصة بموضوعات معيّنة خارجية و إن عمّت أبواب الفقه كلّها، كقاعدتي لا ضرر و لا حرج; فإنّهما و إن كانتا تجريان في جلّ أبواب الفقه أو كلّها، إلاّ أنّهما تدوران حول موضوعات خاصة، و هي الموضوعات الضرريّة و الحرجية وبرزت القواعد في الكتب الفقهية الا ان الاعلام فيما بعد جعلوها في مصنفات خاصة بها، واشتهرت عند الفرق الاسلامية ايضاً، (واما المنطلق في تأسيس القواعد الفقهية لدى الشيعة ، فهو أن الأئمة عليهم السلام وضعوا أصولا كلية وأمروا الفقهاء بالتفريع عليها " علينا إلقاء الأصول وعليكم التفريع " ويعتبر هذا الامر واضحا في الآثار الفقهية الامامية ، وقد تزايد الاهتمام بجمع القواعد الفقهية واستخراجها من التراث الفقهي وصياغتها بصورة مستقلة في القرن الثامن الهجري ، عندما صنف الشهيد الأول قدس سره كتاب القواعد والفوائد وقد سبق الشهيد الأول في هذا المضمار الفقيه يحيى بن سعيد الحلي )


آخر مرحلة يصل اليها طالب العلوم الدينية بعد سنوات من الجد والاجتهاد ولا ينالها الا ذو حظ عظيم، فلا يكتفي الطالب بالتحصيل ما لم تكن ملكة الاجتهاد عنده، وقد عرفه العلماء بتعاريف مختلفة منها: (فهو في الاصطلاح تحصيل الحجة على الأحكام الشرعية الفرعية عن ملكة واستعداد ، والمراد من تحصيل الحجة أعم من اقامتها على اثبات الاحكام أو على اسقاطها ، وتقييد الاحكام بالفرعية لإخراج تحصيل الحجة على الاحكام الأصولية الاعتقادية ، كوجوب الاعتقاد بالمبدء تعالى وصفاته والاعتقاد بالنبوة والإمامة والمعاد ، فتحصيل الدليل على تلك الأحكام كما يتمكن منه غالب العامة ولو بأقل مراتبه لا يسمى اجتهادا في الاصطلاح) (فالاجتهاد المطلق هو ما يقتدر به على استنباط الاحكام الفعلية من أمارة معتبرة أو أصل معتبر عقلا أو نقلا في المورد التي لم يظفر فيها بها) وهذه المرتبة تؤهل الفقيه للافتاء ورجوع الناس اليه في الاحكام الفقهية، فهو يعتبر متخصص بشكل دقيق فيها يتوصل الى ما لا يمكن ان يتوصل اليه غيره.


احد اهم العلوم الدينية التي ظهرت بوادر تأسيسه منذ زمن النبي والائمة (عليهم السلام)، اذ تتوقف عليه مسائل جمة، فهو قانون الانسان المؤمن في الحياة، والذي يحوي الاحكام الالهية كلها، يقول العلامة الحلي : (وأفضل العلم بعد المعرفة بالله تعالى علم الفقه ، فإنّه الناظم لأُمور المعاش والمعاد ، وبه يتم كمال نوع الإنسان ، وهو الكاسب لكيفيّة شرع الله تعالى ، وبه يحصل المعرفة بأوامر الله تعالى ونواهيه الّتي هي سبب النجاة ، وبها يستحق الثواب ، فهو أفضل من غيره) وقال المقداد السيوري: (فان علم الفقه لا يخفى بلوغه الغاية شرفا وفضلا ، ولا يجهل احتياج الكل اليه وكفى بذلك نبلا) ومر هذا المعنى حسب الفترة الزمنية فـ(الفقه كان في الصدر الأول يستعمل في فهم أحكام الدين جميعها ، سواء كانت متعلقة بالإيمان والعقائد وما يتصل بها ، أم كانت أحكام الفروج والحدود والصلاة والصيام وبعد فترة تخصص استعماله فصار يعرف بأنه علم الأحكام من الصلاة والصيام والفروض والحدود وقد استقر تعريف الفقه - اصطلاحا كما يقول الشهيد - على ( العلم بالأحكام الشرعية العملية عن أدلتها التفصيلية لتحصيل السعادة الأخروية )) وتطور علم الفقه في المدرسة الشيعية تطوراً كبيراً اذ تعج المكتبات الدينية اليوم بمئات المصادر الفقهية وبأساليب مختلفة التنوع والعرض، كل ذلك خدمة لدين الاسلام وتراث الائمة الاطهار.


جامعة الزهراء (عليها السلام) تكرم قسم الشؤون الفكرية بمناسبة اليوم العالمي للكتاب
قسم شؤون المعارف يقيم ندوة علمية حول جهود علماء البصرة في نشر الحديث
قسم الشؤون الفكرية يختتم برنامجاً ثقافياً لوفدٍ من جامعة البصرة
جامعة الكفيل تعقد ورشة عمل عن إجراءات عمل اللجان الامتحانيّة