أقرأ أيضاً
التاريخ: 18-8-2016
987
التاريخ: 18-8-2016
1025
التاريخ: 18-8-2016
982
التاريخ: 10-10-2019
1206
|
وهي وجوه:
الأوّل: إنّ المجتهد إذا ظنّ بوجوب شيء أو حرمته ظنّ بأنّ في مخالفته الضرر، ودفع الضرر المظنون واجب، ينتج أنّ العمل بالظنّ المذكور واجب، أمّا الكبرى فمسلّمة، وأمّا الصغرى فيمكن إثباتها بنحوين:
الأوّل: أنّه إذا ظنّ بوجوب شيء ظنّ بالعقاب على تركه، وإذا ظنّ بالحرمة بالعقاب على الفعل، فالظنّ بالتكليف ظنّ بالضرر الاخروي.
والثاني: أنّ الظنّ بالوجوب ظنّ بالمفسدة في الترك، وبالحرمة ظنّ بالمفسدة في الفعل بناء على ما هو المشهور بين العدليّة من أنّ الأحكام تابعة للمصالح والمفاسد الكامنة في نفس المتعلّقات دون الإنشاء والجعل، فالظنّ بالتكليف ظن بالضرر الدنيوي.
والجواب أمّا على تقدير فرض الضرر العقاب فيمتنع الصغرى، وذلك لأنّ الظانّ بالتكليف لا يحتمل العقاب بعد مسلميّة قاعدة قبح العقاب بلا بيان؛ إذ لو عاقبه المولى على مخالفة التكليف المظنون كان بلا بيان وحجّة وهو قبيح، فيحصل القطع بعدم العقاب، وبالجملة فبهذه القاعدة يرتفع موضوع قاعدة وجوب دفع الضرر المحتمل؛ وذلك لأنّ المفروض أنّه ليس في البين ما يصلح لأن يكون بيانا وحجّة إلّا نفس هذه القاعدة أعني: وجوب دفع الضرر المحتمل، وهذا أيضا غير صالح، ووجهه أنّه لا يعقل أن يكون حكم الشيء محقّقا لموضوعه، بل لا بدّ من تحقّق الموضوع من الخارج ثمّ تعليق الحكم على الموضوع المحقّق.
ولو جعلت هذه القاعدة بيانا وجعلت هي واردة على القاعدة الاخرى ونافية لموضوعها لزم أن يكون موضوع القاعدة وهو احتمال الضرر محقّقا من قبل نفس القاعدة، وهو غير معقول، فتحقّق أنّ العقاب هنا غير محتمل حتى يصير موضوعا لقاعدة دفع الضرر.
وأمّا على تقدير فرض الضرر وهو المفسدة الكامنة في القول أو الفعل، فأوّلا بأنّا نمنع الكبرى أعني وجوب دفع الضرر عقلا، بيان ذلك أنّ بعضا من الأحكام مبناها الحسن والقبح، مثل حكم العقل بقبح الظلم وحسن الإحسان، ففي هذه الموارد يكون العقل حاكما بوجوب الإقدام أو الترك، ويكون حكمه مستلزما لحكم الشرع أيضا، وإن لم يكن مستلزما له كما في الحكم بقبح المعصية أو بقبح التجرّي حيث عرفت عدم قبولها للحكم الشرعي، فلا أقلّ من كونه مصحّحا للعقوبة.
وبالجملة، ففي موارد حكم العقل بالقبح يترتّب على الإقدام علاوة على الوقوع في القبيح استحقاق المقدم للعقاب؛ لكونه فعل القبيح، وليس كذلك قاعدة دفع الضرر، فإنّه لو أقدم فغاية ما يترتّب هو الوقوع في الضرر، بل ولو فرضنا كون الضرر مقطوعا لا مظنونا، فإنّه ليس في مخالفته والإقدام عليه إلّا التضرّر بهذا الضرر، يعني بحسب حكم العقل ليس هنا أثر آخر للإقدام كما في الإقدام على الظلم.
والحاصل أنّ الكلام في أنّه لو فرض عدم ورود حكم الشرع على وجوب الدفع الضرر المالي أو النفسي فهل يكون هنا حكم بالاستقلال للعقل؟ مثلا لو أوقع أحد على نفسه ضررا وفرض له الداعي العقلائي لئلا يلزم اللغوية فيلزم القبح من هذه الجهة، مثل أن يقتل نفسه بداعي أن يستريح من هموم الدنيا، فهل هو في نظر العقل علاوة على الضرر الذي أوقع نفسه فيه مستحقّ لعقوبة على نفس فعله الذي هو الإيقاع، لكونه فعل فعلا قبيحا، كما لو أقدم على الظلم؟ من المعلوم عدم ذلك.
حتى أنّ الحال ذلك في الضرر الاخروي أيضا، كما لو علم بأنّ الفعل الفلاني موجب لدخول النار، فليس في نظر العقل في إقدامه إلّا الدخول في النار، ولا يحكم بدخوله في نارين أحدهما بقطعه، والاخرى لإقدامه على عمل قبيح وهو إيقاع نفسه في النار، وتوضيح ذلك كمال الإيضاح مشاركة الحيوانات للإنسان في دفع الضرر عن النفس، فإنّه يعلم أنّه ليس مبناه اللزوم العقلي المبتني على الحسن والقبح، بل لأجل جبلّة النفوس على حبّ النفس الباعث على تجنّب الضرر، وإلّا فليس حفظ الكلب مثلا نفسه عن الوقوع في البئر لأجل خوفه صدور أمر قبيح منه.
فإذا لم يكن مبنى دفع الضرر الحسن والقبح العقليين فليس له وجوب عقلي، فالتعبير بأنّ دفع الضرر لازم بحكم العقل مسامحة، والحقّ أنّ الضرر لا يتحمّله الطباع ويفرّون منه بالفطرة والجبلّة، فالمتحقّق عدم الصدور وعدم الارتكاب دائما لا الوجوب العقلي، فتحقّق أنّه ليس هنا حكم عقلي حتى يكون مستلزما للشرعي أو موجبا لصحّة العقاب، هذا كلّه مع قطع النظر عن عمومات حرمة الضرر بحسب الشرع وملاحظة حكم العقل محضا.
وأمّا العمومات المذكورة فهي أيضا غير شاملة للمقام، وذلك لأنّ الحكم فيها مرتّب على موضوع الضرر يعنى ما يسمّى عرفا ضررا وإلقاء في التهلكة، مثل شرب السمّ ونحو ذلك، أمّا مثل المقام ممّا لا يلتفت إلى ضرريّته إلّا أهل المعقول بالدقّة العقليّة- فإنّ الضرر الاخروي منتف بالفرض، كما بيّن في الجواب على التقدير الأوّل، وأمّا الضرر الكامن في نفس الفعل أو الترك وهو المفسدة فهو غير ملتفت إليه لعامّة أهل العرف- فلا يكون النهي عن إلقاء النفس في الضرر شاملا لمثل هذا الفرد، فثبت من جميع ما ذكرنا منع الكبرى في المقام عقلا وشرعا.
وثانيا: نمنع الصغرى وبيانه أنّا سلّمنا مقالة المشهور من أنّ الأحكام تابعة للمصالح والمفاسد في بعض المتعلّقات، دون الإنشاء والجعل كما هو مقالة آخرين، لكن نقول مع ذلك: إنّ المفسدة في نفس المتعلّق لا يلزم أن يكون شخصيّة راجعة إلى شخص المقدم، بل يمكن كونه نوعيّة راجعة ضرره إلى النوع، مثل وجوب الجهاد والدفاع في مقابل الكفّار، فإنّ عدم الإقدام عليه ربّما لا يكون فيه مفسدة على شخص التارك، بل فيه مصلحة له من سلامة بدنه، ولكن فيه مفسدة النوع وهو إضرار الكفّار وتسلّطهم على النوع، فحينئذ لم يلزم من ترك الواجب الوقوع في المفسدة.
نعم يصحّ ذلك في مثل شرب الخمر ممّا يعود ضرره إلى شخص الفاعل؛ فإنّ فيه ضرر قساوة قلب الشارب، وبالجملة، فالصغرى بكليّتها ممنوعة، يعني ليس كلّما ظنّ بالتكليف حصل الظن بالضرر الدنيوي على النفس.
هذا مضافا إلى وضوح الفرق بين المفسدة والضرر والمصلحة والنفع، فإنّ المصلحة ليست إلّا عبارة عن كون العمل في نظر العقل راجحا، والمفسدة ليست إلّا عبارة عن كونه في نظره مرجوها.
وبعبارة اخرى: الاولى عبارة عن استحسان العقل، والثانية عن اشمئزازه، ولا ملازمة بين الاولى وبين النفع، ولا بين الثانية وبين الضرر، بل ربّما يشتمل ذو المصلحة على الضرر كالإحسان ويشتمل ذو المفسدة على النفع كالظلم ونهب مال الناس، ووجه ذلك أنّه ليست المصلحة ولا المفسدة في الشيء معلّلة بعلّة وإلّا لتسلسل، بل لا بدّ من انتهاء الأمر إلى نفس استحسان العقل أو نفس اشمئزازه، فليست المصلحة لأجل النفع، ولا المفسدة لأجل الضرر، بل هما أمران ذاتيان قد يجامع أوّلهما مع الضرر وثانيهما مع النفع، فظهر ما في دعوى المستدلّ من أنّ الظنّ بالمفسدة ظنّ بالضرر.
الثاني: أنّ الأخذ بالظّن أخذ بالطرف الراجح، والأخذ بالوهم أخذ بالطرف المرجوح وترجيح المرجوح على الراجح قبيح، ينتج وجوب العمل والأخذ بالظنّ.
والجواب يبتني على تقديم مقدّمة وهي أنّ هنا أمران: الترجيح بلا مرجّح، وترجيح المرجوح على الراجح، فالأوّل يمكن دعوى عدم استحالته بأنّه يمكن أن تكون نفس الإرادة مرجّحا، فالممتنع هو الترجيح بلا مرجّح، وأمّا الترجيح فلا.
وأمّا الثاني فله معنيان، أحدهما محال، والآخر قبيح.
فالأوّل: ترجيح الراجح بالنظر إلى أغراض الفاعل على المرجوح بالنظر إليها، فإنّه يتحقّق بحسب الأغراض الفاعليّة راجح ومرجوح، مثلا لو كان غرض الفاعل رفع العطش عن نفسه ولم يكن له غرض آخر أصلا، والحاصل كان الغرض العملي الحاصل له بعد الكسر والانكسار بين جميع الجهات وملاحظة تمام المزاحمات هو رفع العطش، وكان هناك ماء بارد رافع للعطش، وماء آخر حارّ إمّا غير رافع له وإمّا مزيد له وإمّا رافع لقدر قليل منه، فحينئذ لا يعقل من فاعل أن يرجّح هذا الثاني، فإنّه نقض للغرض وهو محال أن يصدر من فاعل عاقلا كان أم غيره.
والثاني: أن يؤخذ الراجح والمرجوح بملاحظة القواعد العقليّة وبالنظر إلى الحسن والقبح الفعليين، مثلا لو صار نصب الإمام واجبا بحكم العقل على الرعيّة، وتردّد الأمر بين من كان أعلم ومن كان غير أعلم، فالراجح هو ما كان أقرب بالغرض العقلائي وهو نصب الأعلم، والمرجوح ما كان أبعد منه في النظر، فتقديمه وترجيحه قبيح عقلا وليس بمحال؛ لإمكان أن يصير الأبعد من الغرض العقلائي أقرب من الغرض النفساني وأشدّ ملائمة بنفس الفاعل والمقدم.
وما حكي عن الأشعري من تجويزه ترجيح المرجوح على الراجح لا بدّ من حمله على المعنى الثاني، فإنّه لإنكاره الحسن والقبح لا يرى المرجوح مرجوحا والراجح راجحا، بل يزعم أنّه متى حصل الملاءمة للنفس في جانب المرجوح دون الراجح فاختاره الفاعل لم يصدر عنه قبيح، فمعنى تجويزه ترجيح المرجوح على الراجح إنكاره الحسن والقبح، وإلّا فتجويزه بالمعنى الأوّل لا يمكن صدوره من أحد ولو كان في أدنى مرتبة الجهالة وقصور الإدراك.
إذا عرفت ذلك فنقول: إن أراد المستدل من الكبرى المذكورة في كلامه ترجيح المرجوح على الراجح بالمعنى الذي يكون محالا، فالجواب أنّ الكبرى وإن كانت مسلّمة إلّا أنّ الصغرى ممنوعة وهو لزوم الترجيح بهذا المعنى من الأخذ بالموهوم، وذلك لأنّ الظانّ بوجوب شيء التارك له لا يختار جانب الترك إلّا لأجل كون هذا الطرف ملائما لنفسه وأوفق بغرضه النفساني من الآخر، فترجيحه للموهوم ليس إلّا ترجيحا للراجح بحسب أغراضه النفسانيّة على المرجوح بحسبها، بل ولا يمكن أن يتحقّق منه ترجيح المرجوح بحسب هذه الأغراض على الراجح بحسبها؛ لما عرفت من كونه نقض غرض يمتنع صدوره من كلّ فاعل.
وإن أراد بالكبرى في كلامه ترجيح المرجوح على الراجح بالمعنى الذى يكون قبيحا فلا يتمّ الصغرى إلّا على تقدير تماميّة مقدّمة، وهي أنّ المكلّف يكون بحكم العقل ملزما بتحصيل الواقع والتجسّس عنه مهما أمكن، فإنّ الأنسب بهذا الغرض العقلائي أنّ يقدّم بعد تعذّر القطع مظنوناته على مشكوكاته وموهوماته، ولو عكس كان ترجيحا للمرجوح على الراجح بحسب هذا الفرض، ومع ذلك يحتاج إلى ضمّ هذه المقدّمة إلى سائر مقدّمات دليل الانسداد وبدون أحدها لا يتحقّق موضوع للكبرى، فلا يكون دليلا آخر وراء دليل الانسداد.
وكذا الحال في الوجه الثالث المحكىّ عن السيد الطباطبائي قدّس سرّه، فإنّه ليس إلّا تعرّضا لبعض مقدّمات دليل الانسداد مع حذف بعضها الآخر، فلا يصلح عدّه دليلا في قباله.
فعلم انحصار الدليل في الباب أعني لإثبات حجيّة مطلق الظنّ في دليل [الانسداد].
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|