المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

الفقه الاسلامي واصوله
عدد المواضيع في هذا القسم 7456 موضوعاً
المسائل الفقهية
علم اصول الفقه
القواعد الفقهية
المصطلحات الفقهية
الفقه المقارن

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
الفرق بين المعجزات الحسية والعقلية
2024-04-26
مميزات لحم السمان
2024-04-26
من مكارم اخلاق رسول الله
2024-04-26
سبب التكذيب للمعجزة مع نفاذها وقاطعيتها
2024-04-26
واجبات الآباء والأبناء
2024-04-26
الغيبة ـ التهمة
2024-04-26

الأفعال التي تنصب مفعولين
23-12-2014
صيغ المبالغة
18-02-2015
الجملة الإنشائية وأقسامها
26-03-2015
اولاد الامام الحسين (عليه السلام)
3-04-2015
معاني صيغ الزيادة
17-02-2015
انواع التمور في العراق
27-5-2016


مقتضى القاعدة فى الخبرين المتكافئين‏  
  
639   09:22 صباحاً   التاريخ: 17-7-2020
المؤلف : الشيخ محمد علي الأراكي
الكتاب أو المصدر : أصول الفقه
الجزء والصفحة : ج‏2، ص: 431
القسم : الفقه الاسلامي واصوله / علم اصول الفقه / تعارض الادلة /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 1-9-2016 1064
التاريخ: 1-9-2016 719
التاريخ: 1-9-2016 493
التاريخ: 1-9-2016 661

المقام الأوّل: في ما إذا كان الخبران متكافئين لا يكون لأحدهما مزيّة على الآخر.

 

والثاني: في ما إذا كان أحدهما ذا مزيّة على الآخر.

أمّا الكلام في المقام الأوّل فيقع في موضعين، أحدهما في ما تقضيه القاعدة مع قطع النظر عن الأخبار الواردة في الباب، والثاني في ما يقتضيه الأخبار.

أمّا الكلام في الخبرين المتكافئين على حسب ما يقتضيه القاعدة فمحصّله أنّ حجيّة الخبر إمّا أن تكون من باب الطريقيّة، وإمّا من باب السببيّة، فإن قلنا بالأوّل فمقتضى القاعدة التوقّف في ما يختصّ به كلّ من الخبرين من المفاد والأخذ بما يشتركان فيه، فلو قام أحدهما على وجوب الظهر والآخر على وجوب الجمعة فمقتضى القاعدة التوقف في ما يختص به كل من الخبرين من المفاد الأخذ بما يشتركان فلو قام أحدهما على وجوب الظهر والآخر على وجوب الجمعة فمقتضى القاعدة التوقّف في المدلول المختصّ بخصوص كلّ خبر، والأخذ بثبوت أحد المدلولين واقعا، وفائدته نفي الثالث، فلو كان ثبوت الثالث مقتضى استصحاب يصير محكوما، ولو كان مفاد دليل يصير معارضا.

فهنا دعويان: الاولى: لزوم التوقّف في المدلول المختصّ.

والثانية: لزوم الحكم بأحد المدلولين اللازم منه نفي الثالث.

والدليل على الاولى أنّه قد استقرّ بناء العقلاء في طرقهم المعمولة عندهم على التوقّف في صورة تعارض فردين من الطريق في أمر، فيترددون ولا يحكمون بأنّ الإنسان في هذا الحال ذا طريق تخييري بمعنى أنّه يتخيّر في تعيين الحجّة بالبناء القلبي والالتزام النفساني على الأخذ بما شاء من الطريقين، بل يحكمون بأنّ هذا الالتزام التزام بغير طريق ومن باب المجازفة، فيكون هذا البناء بضميمة عدم الردع الشرعي حجّة شرعيّة في الطرق الشرعيّة.

ومن هنا تبيّن أنّه لا فائدة في إطلاق أدلّة الحجيّة لصورة التعارض، فلا يفيد الإطلاق على فرض ثبوته ردعا لهذه الطريقة؛ لاحتياج الردع إلى التنصيص، فالإطلاق إنّما يحتاج إليه على فرض الإغماض عن هذه السيرة.

وحينئذ نقول: إن قلنا بثبوت الإطلاق للأدلّة يثبت هنا حجّة تخييريّة، يعني كلّ على تقدير الأخذ به وترك الأخذ بصاحبه حجّة، ولا يلزم منه استعمال اللفظ الواحد في معنيين؛ لأنّ الاختلاف إنّما هو في اللب دون الاستعمال، كما هو واضح.

وأمّا إن قلنا بعدم الإطلاق لصورة التعارض لا بمعنى أخذ عدم التعارض في موضوع الحجيّة ليخرجا عن تعارض الحجتين، بل بمعنى عدم لحاظ حال التعارض لا إطلاقا ولا تقييدا كما هو الظاهر- حيث إنّ الظاهر أنّ الدليل إنّما هو إمضاء الطريقيّة العرفيّة في الأخذ بقول الثقة، وقد عرفت أنّ بنائهم على التوقّف في مورد التعارض- فحينئذ قد يقال: إنّ غاية الأمر قصور الهيئة عن شمول حال‏ التعارض وعدم إمكان الجمع، وقد تقرّر في محلّه ثبوت الإطلاق للمادّة بالنسبة إلى مورد فقد أحد الشروط المعتبرة عقلا في الهيئة التي منها إمكان الجمع، كما هو الحال في إنقاذ الغريقين الغير المقدور إلّا احدهما، فيكون الحاكم بالتخيير هو العقل، وهذا بعينه موجود في المقام، وحيث إنّه لا معنى للتخيير في الحجيّة التي هي المسألة الاصوليّة إلّا جواز الأخذ بأيّهما شاء، كان العقل أيضا حاكما بهذا المعنى.

قلت: فرق بين الجعل الظاهري في الاصول وبينه في الطرق، فالأوّل يمكن شموله لجميع أطراف العلم الإجمالي، ولا يضرّه العلم بالخلاف حسب الواقع؛ لأنّ تمام الموضوع فيه هو الشكّ وهو موجود في كلّ طرف، وهذا بخلاف الطريق؛ فإنّ معناه أنّه لم يلحظ فيه سوى الإيصال إلى الواقع من دون رعاية مصلحة في سلوك نفسه أصلا، وهذا المعنى مقطوع الخلاف في كلا الطرفين، بمعنى أنّه يعلم أنّ كلا الطريقين المتعارضين ليس فيهما ملاك الحجيّة، بل الملاك مختصّ بأحدهما، فليس هاهنا مقام التزاحم.

نعم يبقى هنا ملاك واحد، ونسبته إلى كلّ من الطريقين الذين أحدهما مقتضاه على فرض الحجيّة تنجيز الواقع والآخر إسقاطه على حدّ سواء، فتطبيقه على كلّ ترجيح بلا مرجّح، فيسقط كلاهما عن التأثير.

والدليل على الثانية أنّ موضوع الحجيّة في الطرق هو الكشف الحاصل منها ولو بألف واسطة غير شرعيّة، وليس مفاد دليل الحجيّة لزوم الأخذ بالمفاد المطابقي حتى يلزم الاقتصار عليه، وحينئذ فلو سقط المدلول المطابقي عن الحجيّة إمّا لخروجه عن وظيفة الشارع، وإمّا لأجل مانع- كما في المقام- فالكشف الحاصل منه بالنسبة إلى المدلول الالتزامي بنفسه فرد من موضوع الحجيّة غير منوط حجيّته بحجيّة المدلول المطابقي، فتخصيص دليل الحجيّة بالنسبة إليه يكون بلا وجه.

ومن هنا ظهر أنّ نفي الثالث لا يحتاج القول به إلى القول بحجيّة الأحد المبهم، بل يستقيم مع عدم القول به أيضا؛ لما عرفت من أنّه مقتضى حجيّة المعيّنين في المدلول الالتزامي يعني بالأعمّ ممّا بعد في الدلالة اللفظيّة وغيره، هذا ما يقتضيه القاعدة بناء على القول بالطريقيّة.

وأمّا على تقدير اعتبار الأخبار من باب السببيّة فالمصرّح به في كلام شيخنا المرتضى والمحقّق الخراساني قدّس سرّهما أنّ المقام حينئذ من قبيل التزاحم، وحكم العقل فيه التخيير؛ لعدم الأهميّة في أحدهما، ومقصودهما التخيير في الأخذ والالتزام؛ لأنّ هذا معنى التخيير في الحجيّة التي هي المسألة الاصوليّة، وهذا بإطلاقه محلّ نظر، وتوضيح الحال يحتاج إلى ذكر الأقسام المتصوّرة في القول بالسببيّة.

فنقول وعلى اللّه التوكّل:

تارة يقال لدفع محذور تحليل الحرام وتحريم الحلال الذي أورده ابن قبة على التعبّد بالخبر بأنّ الحكم الواقعي يدور مدار قيام الحجّة، وهذا المعنى غير معقول، يعنى لا يمكن حصول العلم أو الظنّ بأمر يعلم الإنسان بتوقّف ثبوت ذلك الأمر على علمه أو ظنّه.

واخرى يقال بأنّ الخطاب الواقعي لا يتوقّف على حصول العلم والحجيّة فعلا، بل يتعلّق بمن يعلم اللّه أنّه يصير ذا علم وذا حجّة، وهذا معقول ولكنّه مجمع على بطلانه، لقيام الضرورة والإجماع على أنّ للّه تعالى في كلّ واقعة حكما يشترك فيه العالم والجاهل ومن قام عنده الحجّة وغيره.

وثالثة يقال بأنّ للّه حكما واقعيا يشترك فيه كلّ الناس، ولكن هذا الحكم يصير شأنيا في حقّ من يقوم الحجّة على خلافه، فيكون قيام الحجّة على الخلاف موجبا لحدوث مصلحة في المؤدّي غالبة على ملاك الحكم الواقعي، وأمّا الحجّة الموافقة فلا تأثير فيها أصلا، نعم يكون مانعا عن المانع أعني الظنّ بالخلاف، فتكون الحجيّة في الموافقة من باب الطريقيّة، وفي المخالفة من باب السببيّة، ولا مانع من جمعهما في خطاب واحد.

مثاله أنّه لو أمر المولى عبده بإنقاذ أبنائه، فلم يلتفت العبد أو لم يعرف الأبناء فرأى المولى جماعة غريقين كلّهم أبيض القلنسوة بعضهم بنوه وبعضهم مطلوب الإنقاذ من أجل بياض القلنسوة، فله أن يجمع الكل تحت خطاب واحد ويقول لعبده: أنقذ هؤلاء الابيض القلنسوة.

ورابعة يقال بأنّ للّه تعالى أيضا حكما واقعيّا يشترك فيه العالم والجاهل ولا يتغيّر هذا الحكم بقيام الخبر على وفاقه أو خلافه، ولكن في التديّن القلبى على طبق مضمون الخبر مصلحة يتدارك بها المصلحة الفائتة، أو المفسدة الواقعة فيها من ناحية الواقع.

فإن قيل بالوجه الثالث فتارة يفرض الخبران في مورد واحد واخرى في موردين، وعلى كلّ حال تارة يكونان مثبتين واخرى يكون أحدهما مثبتا وو الآخر نافيا.

فإن كانا في مورد واحد وكانا مثبتين مثل أن يكون أحدهما دالّا على وجوب الجمعة والآخر على حرمتها، فإن كان أحدهما مطابقا للواقع فالآخر المخالف يحدث له مصلحة في المؤدّى تغلب على مصلحة الواقع، فيصير الفعل مردّدا بين الوجوب والحرمة، والمرجع فيه التخيير بحكم العقل، وليس هذا من باب التزاحم بشي‏ء.

وإن كانا مخالفين للواقع بحسب الواقع فاللازم لغويّة كليهما؛ لأن كلّا من الخبرين يقتضي إحداث المصلحة الملزمة في أحد طرفي النقيض على خلاف ما يقتضيه الخبر الآخر فاللازم سقوط كليهما عن الأثر وصيرورة كلا طرفي الفعل والترك جائزا، وليس هذا أيضا من التخيير في المسألة الاصوليّة الذي يحكم به العقل من باب التزاحم بين الحجّتين.

وإن كانا في مورد واحد وكان أحدهما مثبتا والآخر نافيا مثل أن يدلّ أحدهما على حرمة الجمعة والآخر على إباحتها فإن كان بحسب الواقع أحدهما مطابقا فالآخر المخالف هو المؤثّر، وحيث إنّه مشتبه يتردّد أمر الفعل بين الإباحة والحرمة، ومقتضى العقل فيه البراءة، وعلى تقدير كونهما حسب الواقع مخالفين يلزم لغويّة كليهما، فيبقى الفعل والترك كلاهما جائزين.

وإن كانا في موردين كأن يدلّ أحدهما على وجوب الظهر والآخر على وجوب الجمعة مع العلم بأنّ الواجب واقعا أحدهما فكلّ من الخبرين بالمدلول الالتزامي يدلّ على نفي مفاد الآخر فيرجع التعارض إلى المورد الواحد، فمقتضى أحدهما وجوب الظهر ومقتضى الآخر عدم وجوبه، وهكذا الجمعة.

فإن كان أحدهما مطابقا فالمخالف هو المؤثّر، فيتردّد أمر كلّ من الفعلين بين الوجوب وعدمه، وحيث إنّ أحدهما واجب يجب الاحتياط، وإن كانا مخالفين يرجع أمر كلّ من الفعلين إلى الإباحة بعد تساقط مقتضى الإلزام ومقتضى عدم الإلزام.

فقد تحقّق أنّه لا ينجرّ الأمر في شي‏ء من الصور إلى التزاحم في الحجّتين المقتضي لتخيير العقلي بين الالتزامين كما هو ظاهرهما قدّس سرّهما.

وإن قيل بالوجه الرابع فإن قيل بعموم المصلحة حتّى في التديّن القلبي على طبق مضمون الخبر المطابق فعند التعارض يتعيّن العمل بمؤدّى المحتمل المطابقة ملتزما به لو كان، وإلّا فالتخيير بين كليهما ملتزما به، فحينئذ يتمّ ما ذكراه قدّس سرّهما، وكذا إن قيل باختصاص المصلحة بخصوص الخبر المخالف، حيث إنّ الدليل ليس إلّا العقل دفعا لمحذور تحليل الحرام وتحريم الحلال الذي أورده ابن قبة على التعبّد بالخبر، وهو يندفع بمجرّد ذلك.

ولهذا قال شيخنا المرتضى قدّس سرّه لو أتى بالصلاة مثلا بلا سورة على طبق أحد الخبرين ثمّ انكشف في الوقت وجوبها وجبت الإعادة؛ إذ لا تفويت هنا حتّى يجب بحكم العقل تداركه، وعلى هذا فلا بدّ في المخالف أيضا من التفكيك بين التديّن بالمدلول المطابقي والالتزامي، فما لا محيص عنه في حكم العقل هو الأوّل، فلا وجه للقول به في الثاني، وعلى هذا فإن كان الخبران واقعا كلاهما مخالفين ففي التديّن بكلّ مصلحة ملزمة، وحيث لا يمكن الجمع تعيّن التخيير، وإن كان أحدهما مطابقا كان التخيير بين ذات العمل في المطابق والتديّن في المخالف، وحيث اشتبها تعيّن اختيار أحدهما ملتزما به على أنّ الخبر صادر صادق على تقدير المخالفة.

هذا تمام الكلام في مقتضى الأصل مع قطع النظر عن الأخبار الواردة في المقام.

[الكلام فى الخبرين المتكافئين بالنظر الى الأخبار الواردة في المقام‏]

و أمّا بالنظر إليها فهل يحكم بالتخيير أو التوقّف أو الأخذ بما يوافق الاحتياط؟ قد اختلفت الأخبار في ذلك، فيظهر من بعض منها التخيير وأنّه «بأيّ من الخبرين أخذت من باب التسليم وسعك» ويظهر من بعض آخر أنّه يجب إرجاء الواقعة وتأخير الأمر إلى لقاء المعصوم عليه السلام والتوقّف عن العمل بشي‏ء من الخبرين.

ويظهر من واحد منها وهي مرفوعة زرارة أنّه: لو كان أحد الخبرين موافقا للاحتياط تعيّن هو للأخذ، وإلّا فالتخيير.

والعمدة ملاحظة الحال بين الطائفتين الاوليين، وأمّا الأخيرة فعلى فرض تسليم السند فالأمر فيها سهل؛ إذ الظاهر ذكر ذلك فيها في عداد المرجّحات، ونحن إذا أقمنا شواهد على كون جميع المرجّحات المذكورة في أخبار الترجيح محمولة على الاستحباب كان الأمر في هذا أيضا سهلا.

فالعمدة ملاحظة الاوليين، وقد استراح شيخنا المرتضى قدّس سرّه بحمل الطائفة الآمرة بالتوقّف على زمان التمكّن من لقاء المعصوم عليه السلام بقرينة جعل الحكم فيها مغيّا بذلك بخلاف الثانية الدالّة على التخيير، حيث إنّها إمّا غير مغيّا أو مغيّا بلقاء القائم عجّل اللّه فرجه، فيظهر منها التفصيل بين زماني الحضور والغيبة بالتوقّف في الأوّل والتخيير في الثاني.

وقال شيخنا الاستاد دام بقاه: إنّ الظاهر أنّ الآمرة بالتوقّف ناظرة إلى مقام التمييز والرجوع إلى الاستحسانات العقليّة في فهم الصادر من الخبرين عن غير الصادر، أو تعيين المراد منهما على وجه يرفع التنافي من البين بالظنون الاستحسانيّة الغير الراجعة إلى الظاهر اللفظي والمفهوم المتعارف العرفي، كما هو دأب الناس وديدنهم عند ورود الخبرين المتنافيين عليهم.

وأمّا الأخذ بأحدهما في مقام العمل ابتداء بدون إعمال رأي واستعمال نظر في مرحلة تشخيص السند أو الدلالة، بل على نحو الجزاف وعلى طبق المشيّة والإرادة فليس أمرا شائعا، بل قد عرفت أنّ الشائع المتداول عندهم هو التوقّف وعدم الاختيار بالإرادة وكون ذلك عندهم أخذا بالجزاف.

أمّا أخبار التوقّف فهي ناظرة إلى دستور مقام العمل، حيث إنّ المكلّف يحتاج في هذا الحال عملا إلى دستور يرجع إليه في عمله، فجعلوه له الأخذ بأيّهما شاء من‏ باب التسليم للأئمّة والانقياد لهم عليهم السلام، فالأخبار الاول تسدّ باب الاجتهاد واستعمال الرأي، والثانية تعيّن الوظيفة العمليّة.

فإن قلت: هذا لا يتأتّى في المقبولة، حيث إنّ المفروض فيها الاحتياج إلى العمل؛ لفرض وقوع المنازعة في الدين أو الميراث، وكذلك ما في بعض أخبار التوقّف من قوله عليه السلام: «لا يعمل بواحد منهما» حيث إنّه صريح الناظريّة إلى مقام العمل.

قلت: أمّا المقبولة فحيث إنّ السائل في مقام رفع الخصومة والمنازعة، وهو لا يتحقّق بالتخيير؛ إذ المنازعة بعد بحالها، فإنّ كلّا يختار ما يناسب مقصوده فتبقى المنازعة بحالها، فلا محيص عن الترجيح، فبعد فقد المرجّحات المنصوصة لا ثالث لأمرين، أحدهما: التوقّف وإرجاء الواقعة إلى زمان تبيّن الحال وكشف الالتباس، والثاني: استعمال الظنون والاستحسانات وتشخيص الصادر عن غيره وجعله ميزانا لرفع الخصومة، وهو المحذور الذي أشار إليه بقوله عليه السلام: فإنّ الوقوف عند الشبهات خير من الاقتحام في الهلكات، فسمّاه اقتحاما في الهلكة.

وأمّا الخبر الآخر فيجري فيه البيان المذكور أيضا بعد ما عرفت من كون المتداول ليس هو العمل الجزافي بأحدهما، بل العمل بعد استعمال رأى ونظر في رفع التنافي، فينصرف بهذه القرينة إلى الثاني، فلا ينافي ما أثبته أخبار التخيير من العمل بأيّهما من غير سابقة إعمال الرأي، بل من باب التسليم والانقياد.

وأمّا الخبر الطولاني المرويّ في العيون عن مولانا الرضا سلام اللّه عليه حيث يتوهم أنّ له لسان حكومة على أخبار التخيير حيث ذكر فيه أنّه: إذا كان أحد الخبرين مشتملا على النهي الكراهي والآخر على الرخصة في ارتكاب المنهي فهذان هما اللذان بأيّهما أخذت من باب التسليم وسعك الاختيار، فيعلم منه اختصاص أخبار التخيير بباب المكروهات والمستحبّات.

والجواب أنّ المراد من الحديثين المختلفين المعنون بهما في صدر الخبر ما يشمل الاختلاف البدوي الحاصل بين مثل العامّ والخاص أيضا بقرينة ذكر هذا الفرد في الذيل، حيث إنّ «لا تفعل» و«لا بأس بالفعل» يكون بينهما جمع عرفي، وإذن‏ فالمقصود من الخبر تعداد موارد رفع الحيرة إمّا من ناحية السند بأخذ المرجّحات المنصوصة، وذكر منها موافقة الكتاب وموافقة السنّة، وإمّا من ناحية الدلالة، وذكر منها هذا الفرد الذي يكون بينهما جمع مقبول عرفي، فما خرج عن الصورتين ما لم يكن في البين مرجّح منصوص ولا جمع مقبول عرفي وامر فيه بالتوقّف والكفّ والتثبّت يعني عن التعرّض لرفع التنافي إمّا سندا وإمّا دلالة بالآراء والظنون والاستحسانات والقرينة مضافة إلى ما مرّ في الأخبار الأخر من عدم شيوع العمل الجزاء في قوله عليه السلام في هذا الخبر عند أمره بالتوقّف: «و لا تقولوا بآرائكم»، وبالجملة لا أرى في الأخبار ما يأبى عن هذا الحمل.

ثمّ على فرض تنزيل أخبار التوقّف على مقام العمل فهل المراد منه ما يستلزم الاحتياط في العمل أو يلائم مع البراءة العمليّة؟. صرّح شيخنا المرتضى قدّس سرّه بالاوّل.

وفيه نظر؛ فإنّ متعلّق التوقّف على هذا امور: القول بالرأي، والأخذ بأحد الخبرين تعيينا، والأخذ به تخييرا، وهذه الامور كلّا كما يمكن التوقّف فيها مع الاحتياط في مقام العمل، يمكن أيضا مع البراءة العمليّة، كما هو واضح.

فإن قلت: حذف المتعلّق يفيد العموم، فيدخل تحت الأمر بالتوقّف التوقّف في مقام العمل عن الإقدام على الشبهة.

قلت: إطلاق التوقّف الذي هو مقابل الحركة سمت الفعل إنّما يصحّ في خصوص الشبهة التحريميّة لا مطلق الشبهة الأعمّ منها ومن الوجوبيّة.

وهاهنا امور ينبغي التنبيه عليها.

بناء على التخيير هل يختص بالمجتهد ام يشمل المقلد

الأوّل: بناء على التخيير، فلا إشكال أنّه وظيفة القاضي في ما إذا تعارض الخبران في ميزان فصل الخصومة وهذا واضح.

وأمّا في الفروع العمليّة التي يشترك العمل بين العامي والمجتهد وإنّما نصيب المجتهد فيها الإفتاء فهل اللازم هو تخيير المجتهد في مقام الإفتاء فيفتي بمضمون ما اختار وهو حكم تعييني، فيختص التخيير بالمجتهد في عمله وفي إفتائه، أو أنّ اللازم على المجتهد إدراج المقلّد في موضوع من جاءه الخبران المتعارضان بعرض الخبرين‏ عليه ثمّ إفتاؤه بالتخيير في الأخذ بأيّ الخبرين شاءه المقلّد، أو أنّ المجتهد يجوز له اختيار أيّ الطريقين شاء؟ الظاهر هو الوجه الأخير.

لا يقال: بل المتعيّن هو الإفتاء بالتخيير؛ لأنّ المقلّد موضوع قبل الاستحضار التفصيلي؛ لأنّ المقصود من المجي‏ء هو المجي‏ء على نحو المتعارف كما في الأخبار الغير المتعارضة، فالتكليف الواقعي في حقّه كمجتهده هو التخيير في الأخذ، فالفتوى بالتعيين في المسألة الفرعيّة حكم بغير ما أنزل اللّه.

لأنّا نقول: ليس الموضوع نفس المجي‏ء كما في الممثّل به، بل هو التعارض، وحاله حال اليقين والشكّ في الاستصحاب، فكما لا يكتفى بوجودهما للمجتهد في حقّ المقلّد، بل لا بدّ من تحقّقهما له فعلا، فكذلك الحال في التعارض، وإذن فالمجتهد لكونه موضوعا يندرج تحت الخطاب، وإذا عمل بهذا التكليف التخييري وأخذ بأحد الخبرين كان له الإفتاء بمضمونه وهو أنّه حكم اللّه تعيينا في حقّ جميع الناس.

فإن قلت: بعد إرجاع هذا الخطاب إلى العمل كخطاب «صدّق» حيث إنّه التصديق العملي لا الجناني فحال هذا التخيير حال التخيير في خصال الكفّارة وشبهها من المسائل الفرعيّة، غاية الأمر ضميمة الالتزام والتديّن في المقام أيضا في الطرفين، فكما أنّه ليس للمجتهد الإفتاء إلّا بالتخيير في مسألة الخصال، فكذا في المقام.

قلت: نعم، ولكنّ الفرق أنّ نفس الفتوى أيضا عمل، فيقع تحت التخيير، وكما أنّ عمل الجوارحي يتعلّق بالمتعيّن أبدا، كذلك الفتوى أيضا إذا وقع تحت التخيير فهو يتعلّق لا محالة كالعمل بالمتعيّن، وأمّا مسألة الخصال فالتخيير فيها إنّما هو في المفتى به ومتعلّق الفتوى.

وبالجملة، كما أنّ المجتهد مخيّر في المقام بين العمل بهذا أو ذاك، كذلك مخيّر بين الفتوى بهذا أو ذاك، هذا على تقدير عدم إدراجه للمقلّد في الموضوع، وله أيضا ذلك بعرض الخبرين عليه ثمّ إفتائه بالتخيير في المسألة الاصوليّة، هذا.

[بناء على التخيير هل هو ابتدائي او استمرارى‏]

الثاني: بناء على التخيير هل هو ابتدائي بمعنى أنّه لو ابتلى بتلك الواقعة في وقت‏ آخر ليس له الأخذ بغير ما اختاره في الوقت الأوّل، أو أنّه استمراري، فله الاختيار في كلّ وقت؟.

قد يقال بالثاني نظرا إلى إطلاق قوله عليه السلام: تخيّر أحدهما، أو: بأيّهما أخذت وسعك، لكلّ وقت ابتلى فيه المكلّف بالواقعة، وعلى فرض الإغماض عن الإطلاق وأنّه حكم المتحيّر، ولا تحيّر بعد الأخذ بأحد الخبرين لنا استصحاب بقاء التخيير، وهو حاكم على استصحاب الحكم المختار، هذا ما يقال.

وفيه نظر؛ إذ الظاهر من قولك: خذ بهذا أو ذاك، إحداث الأخذ، وأمّا بعد الأخذ ففي الأزمنة المتأخّرة وإن كان يقال: فلان آخذ بقول فلان، لكن لا يقال:

أخذ أو يأخذ، كما لا يقال على من بقي على هيئة القيام: إنّه قام فلان أو يقوم وإن كان يقال: إنّه قائم، نعم بعد التجريد عن معنى الحدوث يقال: يقوم أو يقعد، وإلّا فيقال: هو باق على قيامه أو قعوده السابق، فكذا الحال في الالتزام والأخذ القلبي.

وإذن فلا معنى للتخيير في حالة البقاء على الالتزام بأحد الخبرين بين حدوث هذا الالتزام أو ذاك، نعم يتصوّر التخيير بين بقاء هذا الالتزام وحدوث ذاك، لكنّ الجمع بينهما في إنشاء واحد مستلزم لجمع اللحاظين في لحاظ واحد.

ومن هنا اتّضح أنّه لا معنى للاستصحاب أيضا، فإنّ التخيير بمعنى بين الحدوثين غير ممكن، وبمعنى بين البقاء والحدوث أمر مغاير للموجود السابق، فليس وجوده في اللاحق بقاء لشخص الحكم السابق.

فإن قلت: لا نستصحب التخيير، بل نستصحب جواز الأخذ بالخبر الآخر الغير المختار في الوقت الأوّل، فإنّه كان جائز الأخذ سابقا والآن نشكّ فيه، فمقتضى الاستصحاب بقاؤه.

قلت: جواز الأخذ به كان ثابتا في السابق من باب أنّه أحد عدلي التخيير، وبعد الأخذ بعدله الآخر ارتفع ذلك التخيير لا محالة، فارتفع ذلك الجواز أيضا، فالجواز لو كان في اللاحق كان شخصا آخر غير مرتبط بشخص الجواز السابق.

فإن قلت: ما ذكرت سلّمناه، ولكن الالتزام أمر اختياري، فيجوز للإنسان رفع‏ اليد عنه فيصير متحيّرا كأوّل الأمر، فيمكن في حقّه التخيير بين الحدوثين.

قلت: إن كان مرادك الأخذ بالإطلاق لا مانع منه عقلا لو ساعده ظاهر اللفظ عرفا، وإن كان مرادك الاستصحاب، فلا يجوز لارتفاع شخص الحكم السابق بواسطة تخلّل حالة البقاء على الالتزام، وقد اعترفت بعدم تمشّي التخيير بين الحدوثين في حالة، فالتخيير على تقدير ثبوته عند رفع اليد عن الالتزام السابق يكون أمرا حادثا، وليس بقاء للحادث السابق.

والحاصل أنّ استصحاب الحكم معلّقا على العنوان كعنواني المسافر أو العادل وإن كان يفيد ولو بعد تخلّل حالة الضدّ مثل حالة الحضر والفسق، ولكنّه في ما إذا شكّ في بقاء الحكم على العنوان الكلّي أو ارتفاعه بالنسخ، وأمّا لو لم يكن الشك في النسخ وكان المقصود إبقاء الحكم الثابت للشخص فلا يفيده الاستصحاب معلّقا على العنوان؛ إذ هو غير مفيد بحال هذا الشكّ، واستصحاب الشخص قد انقطع بطروّ حالة الضدّ.

المقام الثاني في ما إذا كان لأحد الخبرين مزيّة على الآخر، والكلام فيه يقع في أمرين:

[هل يجب الترجيح بواسطة وجود المزيّة في أحد الخبرين‏]

أحدهما: هل يجب الترجيح بواسطة وجود المزيّة في أحد الخبرين أو لا؟،

الثاني: على فرض ذلك هل يقتصر على مزايا مخصوصة أو يتعدّى إلى كلّ مزيّة.

أمّا الأمر الأوّل:

فالمشهور وجوب الترجيح، وقبل الشروع في الاستدلال لا بدّ من تأسيس الأصل في المسألة، فنقول وعلى اللّه تعالى التوكّل: الكلام تارة على الطريقيّة وأخرى على السببيّة.

أمّا على الطريقيّة فقد عرفت أنّه سواء قلنا بإطلاق أدلّة حجيّة الأخبار أم لم نقل لا يمكن الحكم بالحجيّة في حال التعارض؛ لوجود السيرة على التوقّف في المدلول‏ المطابقي، وعلى فرض الإغماض فإن كان لها إطلاق ثبت التخيير، وإن لم يكن كما هو الحقّ فليس هنا باب التزاحم؛ للعلم بكذب أحدهما، فيعلم أنّ الطريقيّة التي هي مناط الحجيّة ليست بمحفوظة في كلا الخبرين حتّى يستقلّ العقل بالتخيير في الأخذ والالتزام، وتعيين كلّ منهما ترجيح بلا مرجّح، فيكون كلّ منهما على حسب الأصل الأوّلي غير حجّة، كما قرّر في محلّه أنّ الأصل عدم الحجيّة.

فاعلم أنّه لا فرق في ما ذكر بين حال وجود المزيّة في أحد الطريقين وعدمه؛ فإنّ بناء العرف على التوقّف لا يختلف باختلاف ذلك، كما يعلم بمراجعتهم، وعلى فرض الإغماض فإن كان إطلاق ثبت التخيير أيضا، وإلّا كما هو الحقّ ثبت التوقّف في المدلول المطابقي بعين التقريب المتقدّم حرفا بحرف، هذا بحسب الأصل الأوّلي.

وأمّا بعد الأخذ عن الشرع في خصوص باب الأخبار وأنّ المرجع في المدلول المطابقي أيضا ليس هو الأصل المطابق لأحدهما، ولا هو مرجّح، بل المرجع والحجّة يكون في ما بين الخبرين، ولكن لم يعلم في صورة وجود المزيّة أنّ الشارع يحكم بالتخيير أو بالتعيين، فهل الأصل في هذا التقدير يقتضي ما ذا؟.

لا شكّ أنّ المقام من قبيل دوران الأمر بين التعيين والتخيير في الحجيّة، ونحن وإن قلنا في المسألة الفرعيّة بالبراءة عن التعيين عند الدوران بينهما وإن لم نقل بذلك فيه أيضا لا بدّ أن نقول هاهنا بالتعيين؛ لأنّ الحجيّة الشرعيّة لا يخلو عن النسبة إلى الشرع، فعند الشكّ في الحجيّة تكون النسبة تشريعا؛ إذ قد نسبنا إلى الشرع ما نشكّ أنّه من الشرع، فيكون حراما قطعيّا.

ومع قطع النظر عن ذلك أيضا لا يستريح العقل عن احتمال العقوبة إلّا بالقطع بالحجيّة، والاستناد إلى الأمر المشكوك الحجيّة غير مجد لما هو مهمّ العقل من تحصيل المؤمّن القطعي والفراغ اليقيني؛ إذ هو بعد احتمال مطابقة ذي المزيّة مع التكليف الواقعي والقطع بحجيّته محتمل للحجّة على التكليف وإن كان محتملا للمؤمّن منه أيضا؛ لأنّه على تقدير حجيّة غير ذي المزيّة يكون هو مؤمّنا، ومن المعلوم أنّ احتمال الحجّة كاف في حكم العقل بالاشتغال، وبعد حكمه بالاشتغال‏ لا يقنع إلّا بالفراغ القطعي، ولا يكتفي بالمؤمّن الاحتمالي، وهذا واضح، هذا.

وقد قرّر شيخنا المرتضى قدّس سرّه أيضا الأصل على الطريقيّة كما ذكرنا وجعله التعيين، ولكن ببيان آخر لا يخلو من شي‏ء وهو أنّه قدّس سرّه بعد أن ذكر أنّ الأصل الأوّلي هو التوقّف قال: ومرجع التوقّف أيضا إلى التخيير، بمعنى أنّه لو بنينا على أنّ الأصل في مورد الخبرين مطلقا ساقط عن الحجيّة، أمّا المخالف لهما فواضح، وأمّا المطابق لأحدهما عقليّا كان أم شرعيّا فقد استفدنا من الشرع أيضا إلغائه وأنّه ليس بمرجع ولا مرجّح للخبر المطابق له، وبعد استفادة ذلك فالمتعيّن لا محالة هو التخيير عند فقد المزيّة؛ إذ لو فرض سدّ باب الحجيّة على المكلّف من ناحية الخبرين أيضا يلزم مساواته مع الحيوانات، فإنّه لا محالة بري‏ء الذمّة عن الواقع؛ لفرض عدم الحجّة عليه على تقدير ثبوته، ولكن هو لا يستند في براءة ذمّته إلى مستند، كالحيوانات، فإنّها أيضا فارغة عن حمل التكليف بدون الاستناد في ذلك أيضا إلى مستند، فحيث لا بدّ من التفاوت فلا بدّ من جعل أحد الخبرين على وجه التخيير في حقّه حجّة.

ثمّ بعد تمهيد هذه المقدّمة قال: فالحاكم بهذا التخيير في صورة التعادل إمّا الشرع وإمّا العقل، أمّا الشرع فقد قيّد التخيير في لسانه بعدم وجود المزايا، وأمّا العقل فكذا، وذكر ما قلنا.

وأنت خبير بأنّه لا يحتاج المقام إلى هذه التجشّمات، بل يكفي ما قلنا من أنّه بعد أن أخذ الشارع الأصل الأوّلي من يدنا في خصوص الأخبار وألزمنا بالأخذ بأحد الخبرين ودار الأمر بين جعل المعيّن حجّة أو المخيّر، فحينئذ إذا استفتينا العقل في هذا الشكّ كان الحكم هو التعيين كما عرفت، هذا كلّه على الطريقيّة.

[فى المتزاحمين‏]

وأمّا على السببيّة فالمقام من قبيل المتزاحمين مع احتمال الأهميّة في أحدهما، فلا بدّ من التكلّم في كلّي المسألة، فنقول وعلى اللّه التوكّل: إنّه يظهر من شيخنا المرتضى أنّ حكم العقل هو التعيين، واختار المحقّق الخراساني قدّس سرّهما التفصيل بين ما إذا كان منشأ الاحتمال احتمال أشديّة المناط في أحدهما فالحكم هو التعيين، وبين ما إذا كان احتمال التصادف مع واجب آخر في أحدهما دون الآخر، فالحكم هو التخيير؛ لأصالة البراءة عن ذلك الواجب الآخر المحتمل.

وتحقيق المقام أن يقال أوّلا: تارة يقال بإطلاق الهيئة في كلّ من الواجبين مثلا لحال التزاحم، واخرى يقال بعدمه وكونه حيثيتيّا جهتيّا من هذه الجهات وإن كانت بصدد الفعليّة من الجهات الراجعة إلى الأغراض الشرعيّة.

فإن قيل بالأوّل يعني أنّ إطلاق الأوامر والنواهي ناظر إلى حال القدرة والعجز وأمثالهما ممّا يعتبره العقل شرطا في حسن توجيه الخطاب، غاية الأمر أنّ العقل يقيّد الإطلاق بحال القدرة ونحوها ممّا يصحّ معه الخطاب دون ما يقبح، فيتحصّل من الإطلاق مع هذا المقيّد المنفصل العقلي خطاب لبّي مقيّد بحال القدرة ونحوها، فتكون القضيّة اللبيّة الشرعيّة: أنقذ هذا الغريق إن قدرت، وأنقذ هذا الغريق إن، قدرت وعلى مقدار العجز لا خطاب أصلا، فلا سبيل إلى استكشاف الصلاح في الزائد عن مقدار القدرة أيضا.

فلا يعلم المكلّف العاجز عن الجميع بأنّ هنا غرضين للمولى لا بدّ من فوت أحدهما، ويكون إغماضه عن أحدهما في الموالي العرفيّة صبرا على المكروه، والتزاحم فرع هذا العلم.

نعم يعلم بأنّ في هذا على تقدير ترك ذاك مصلحة وكذا في ذاك، فلو أدرك أحدهما ما فات هنا من مولاه غرض.

وجه ما ذكرنا من عدم استفادة الغرضين حينئذ عند عدم القدرة على الجمع أنّ طريق استكشاف الصلاح الذي يعبّر عنه في لسان أهل هذا العصر وما قاربه بإطلاق المادّة إنّما هو الإرادة اللبيّة المستكشفة بالإرادة الصورية المفاد بالهيئة، فالهيئة تدلّ على الإرادة اللبيّة، وحيث قد قرّر من مذهب العدليّة ملازمة الإرادة للصلاح في المتعلّق فيدل عليه أيضا ضرورة أنّ الدالّ على أحد المتلازمين دالّ على الآخر، وإذا فرضنا تخلّف الدالّ عن المدلول الأوّلي أعني الإرادة اللبيّة في مورد فلا دلالة له على ملازمه حتّى يدخل تحت الحجيّة.

فلو أخبر الثقة عن حياة زيد ونحن نعلم بطول لحيته على تقدير الحياة، وعلمنا بكذب هذا الإخبار بالنسبة إلى الحياة فليس هنا كشف بالنسبة إلى الطول حتّى يدخل تحت دليل حجيّة مطلق الكشف الحاصل من قول الثقة، وهذا في اللازم المساوي كالمثال المذكور واضح.

وكذا في اللازم الأعمّ، فإذا أخبر بوجود زيد في الدار ولازمه الأعمّ وجود الإنسان فإذا علمنا بكذبه في الإخبار بوجود زيد لا يبقى هنا كشف بالنسبة إلى وجود الإنسان حتّى يشمله دليل الحجيّة.

وبالجملة، التفكيك بين المتلازمين في الطرق في الحجيّة إذا كانت الملازمة بين الواقع مع الواقع لا الحجيّة مع الواقع إنّما هو في ما إذا كان الكشف الحكائي عن اللازم محفوظا؛ فإنّ الحجيّة في اللازم غير مترتّبة على الحجيّة في الملزوم، وأمّا الكشف عن اللازم فلا شبهة في ترتّبه على الكشف في جانب الملزوم، فإذا فقد الكشف عن الملزوم بواسطة العلم بكذبه لم يكن الكشف في اللازم محفوظا حتّى يشمله دليل الحجيّة، هذا.

اللّهم إلّا أن يدّعى في المقام بقرينة التعارف والعرفيّة أنّ قيد القدرة إذا لم يذكر في اللفظ واعتمد في تقييدها بالقرينة العقليّة فالهيئة القائمة على المادّة المقدورة كاشفة عن وجود الصلاح في الأعمّ من المقدور وغيره، فحينئذ يتحقّق التزاحم بين الواجبين، هذا على القول بالإطلاق.

وإن قيل بالعدم وأنّ الحاكم إنّما هو بصدد جمع ما له دخل شرطا أو شطرا وجوديّا أو عدميّا في غرضه، وساكت عن الجهات الراجعة إلى حسن الخطاب المستقلّ بقبحه العقل عند فقدان أحدها، وليس تلك الجهات ملحوظة لا إطلاقا ولا تقييدا، فيكون في حال القدرة والعجز، سواء العجز التفصيلي أم الإجمالي أعني العجز عن الجمع إرادته الفعليّة من جهة غرضه على حدّ سواء.

وليس هذا من إرادة غير المقدور القبيحة؛ فإنّها الفعليّة من جميع الجهات لا الفعليّة من غير جهة العجز، وليس أيضا من قبيل الإرادة الجهتيّة من حيث‏ الغرض الشرعي، حيث إنّها غير موضوع للمحركيّة والباعثية العقليّة؛ فإنّه فرق عند العقل بين الجهتي في البابين، فالجهتي من حيث الغرض حكمه ما ذكرت من عدم الباعثيّة عند طروّ الحالة المحتملة المانعيّة، وأمّا الجهتي من حيث الجهات التي هي وظيفة العقل وإن كان تنالها يد الشرع بتوسّط المنشأ فهو موضوع لحكم العقل وتنجّزه وتحريكه.

إذا تمهّد هذا فنقول: بعد إحراز هاتين الإرادتين الجهتيتين وعدم إمكان الجمع فقد يقال: إنّ الوظيفة حينئذ للعقل فقط؛ إذ المرحلة مرحلة الامتثال، وهي ممحّضة للعقل وإن كان للشرع التصرّف بالتصرّف في المنشأ، لكنّ التصرّف الابتدائي مخصوص بالعقل.

وقد يقال بأنّه للشرع هنا سبيل، فيكون هو المسئول عنه دون العقل، وقد يقال بالتفصيل بين التخيير والتعيين عند أهميّة أحدهما، فيقال بخروج الأوّل عن وظيفة الشرع ودخول الثاني فيها.

لا إشكال على المبنى الثاني والأخير؛ فإنّه على الأوّل من باب الدوران بين التعيين والتخيير، والأصل فيه التعيين، فيتّجه حينئذ التفصيل المتقدّم عن المحقّق المتقدّم قدّس سرّه، كما أنّه يكون المقام على المبنى الأخير من باب الشكّ في التكليف، والأصل فيه البراءة، فيتّجه التخيير في مسألتنا في كلا فرضيها.

إنّما الكلام على المبنى الأوّل وهو أنّ الإرادة تمّت من قبل المولى حسب الفرض، وبعد ذلك تقع الحكومة بيد العقل، ولا وظيفة للشرع لا في صورة المساواة ولا في صورة التفاوت بالاهميّة وعدمها، وحينئذ أيضا لا إشكال في البراءة في فرض احتمال تصادف أحد الطرفين مع واجب آخر.

وأمّا مع احتمال أشديّة المناط فيه فقد يقال: إنّ المتعيّن حينئذ هو التعيين؛ فإنّ الأمر في جانب غير محتمل الأهميّة غير معلوم المحركيّة؛ لدوران أمره بين المساواة مع عدله حتّى يكون محرّكا وبين أن يكون عدله أهمّ منه فيكون ساقطا عن التحريك بناء على عدم صحّة الترتّب، وأمّا الأمر في محتمل الأهميّة فمعلوم المحرّكية.

وفيه أوّلا: صحّة الترتّب كما قرّر في محلّه، وثانيا: سلّمنا، ولكن سقوطه عند العلم بالأهميّة مسلّم، وأمّا عند الشكّ فهو كالشكّ في القدرة يكون محركا عند العقل، والحكم الجهتى التى لا تحريك له عند طروّ احتمال المانع قد تقدّم أنّه في غير هذا الباب أعني الجهتي من ناحية الجهات العقليّة.

وقد يقال إنّه سلّمنا محرّكيّة الأمر بغير محتمل الأهميّة، ولكن محركيّة الأمر الآخر مقدّمة على تحريكه كما في صورة العلم بالأهميّة، وذلك لأنّ الأهميّة وإن كانت غير معلومة، لكن ذات الأمر معلوم، ومعلوميّة ذاته كافية في تنجيز مرتبته الواقعيّة وإن كانت غير معلومة، فلو كان مرتبته واقعا عظيمة وعصيانه موجبا لعقوبة كبيرة كفى في صحّة تلك العقوبة وجود العلم بنفس الأمر ومخالفته، وإن لم يعلم مرتبته فالأمر في الجانب المحتمل الأهميّة منجّز للمرتبة الأهمّ على تقدير ثبوتها، فيكون مقدّما في حكم العقل على الأمر في جانب الآخر.

والجواب: إنّا سلّمنا ما ذكرت من أنّ المنجّز في صورة تأكّد المناط وشدّته لحدّ التأكّد والشدّة هو الأمر، لكن هذا في صورة عدم ابتلائه بالأمر المزاحم، وأمّا عند ذلك فيسقط عن هذا التنجيز ويبقى الشدّة والتأكّد بلا منجّز من ناحية الأمر، نعم في صورة العلم بها يكون المنجّز هو العلم بالغرض، وهذا الغرض حيث لا يمكن إدراكه بالأمر لعدم قابليّة المقام حسب الفرض للأمر المولوي يكون العلم به منجّزا؛ لأنّه غرض أراد المولى استيفائه من جوارح العبد، وقرّر في محلّه أنّ مثل هذا الغرض إذا لم يمكن الأمر المولوي به فالعلم به منجّز عند العقل.

وأمّا عند احتمال الاهميّة فلا منجّز بالنسبة إلى حد التأكّد لا من ناحية الأمر ولا من ناحية الغرض؛ لأنّ المقدار المعلوم منه بمقدار تساوي الطرف الآخر، وأمّا الزيادة فمنفي بالأصل.

والدليل على ما ذكرنا من اختصاص تنجيز الأمر للمرتبة الأشدّ بحال عدم الابتلاء بالمزاحة أنّه في صورة عدم الابتلاء لا فرق في تنجّزه تلك المرتبة وبين تعلّق العلم بتلك المرتبة ووقوعها طرفا للاحتمال وتعلّق العمل بخلافها.

فلو فرض أنّ العبد بعد علمه بأمر المولى علم أنّ أمره هذا ليس على حدّ الشدّة والتأكّد، وإنّما هو واقف على أدنى مرتبة الوجوب، وأنّ العقاب عليه من أقلّ أفراد العقاب، وكان الواقع خلاف ما علمه بأن كان بالغا أعلى مرتبة التأكّد وعقابه أشدّ أفراد النكال والعذاب فعاقبة المولى بتلك المرتبة الشديدة، ما كان ملوما وفاعلا للعقاب إلّا بعد إتمام الحجّة.

وحينئذ فلو كان هذه المنجزيّة للأمر ثابتة في حال الابتلاء لزم مع العلم بالمساواة ووجود الأهميّة واقعا صحّة عقوبة المرتبة الشديدة لو اختار في العمل غيرها، مع أنّا نقطع بخلاف ذلك، وليس إلّا لأنّ تلك المنجزيّة منوطة بمحفوظيّة محرّكية الأمر نحو متعلّقة على التعيين، وأمّا عند سقوطه عن ذلك بواسطة معارضة المزاحم فيسقط عن تلك المنجزيّة، فيكون المنجّز في حال العلم بالأهميّة هو العلم بالغرض الخالي عن اقتضاء الأمر، فيئول الأمر لا محالة عند احتمال الأهميّة إلى البراءة كما عرفت.

هذا تمام الكلام في تأسيس الأصل على كلا المذاقين من الطريقيّة والسببيّة، وحيث إنّ المختار هو الأوّل، فالأصل هو التعيين.

 




قواعد تقع في طريق استفادة الأحكام الشرعية الإلهية وهذه القواعد هي أحكام عامّة فقهية تجري في أبواب مختلفة، و موضوعاتها و إن كانت أخصّ من المسائل الأصوليّة إلاّ أنّها أعمّ من المسائل الفقهيّة. فهي كالبرزخ بين الأصول و الفقه، حيث إنّها إمّا تختص بعدّة من أبواب الفقه لا جميعها، كقاعدة الطهارة الجارية في أبواب الطهارة و النّجاسة فقط، و قاعدة لاتعاد الجارية في أبواب الصلاة فحسب، و قاعدة ما يضمن و ما لا يضمن الجارية في أبواب المعاملات بالمعنى الأخصّ دون غيرها; و إمّا مختصة بموضوعات معيّنة خارجية و إن عمّت أبواب الفقه كلّها، كقاعدتي لا ضرر و لا حرج; فإنّهما و إن كانتا تجريان في جلّ أبواب الفقه أو كلّها، إلاّ أنّهما تدوران حول موضوعات خاصة، و هي الموضوعات الضرريّة و الحرجية وبرزت القواعد في الكتب الفقهية الا ان الاعلام فيما بعد جعلوها في مصنفات خاصة بها، واشتهرت عند الفرق الاسلامية ايضاً، (واما المنطلق في تأسيس القواعد الفقهية لدى الشيعة ، فهو أن الأئمة عليهم السلام وضعوا أصولا كلية وأمروا الفقهاء بالتفريع عليها " علينا إلقاء الأصول وعليكم التفريع " ويعتبر هذا الامر واضحا في الآثار الفقهية الامامية ، وقد تزايد الاهتمام بجمع القواعد الفقهية واستخراجها من التراث الفقهي وصياغتها بصورة مستقلة في القرن الثامن الهجري ، عندما صنف الشهيد الأول قدس سره كتاب القواعد والفوائد وقد سبق الشهيد الأول في هذا المضمار الفقيه يحيى بن سعيد الحلي )


آخر مرحلة يصل اليها طالب العلوم الدينية بعد سنوات من الجد والاجتهاد ولا ينالها الا ذو حظ عظيم، فلا يكتفي الطالب بالتحصيل ما لم تكن ملكة الاجتهاد عنده، وقد عرفه العلماء بتعاريف مختلفة منها: (فهو في الاصطلاح تحصيل الحجة على الأحكام الشرعية الفرعية عن ملكة واستعداد ، والمراد من تحصيل الحجة أعم من اقامتها على اثبات الاحكام أو على اسقاطها ، وتقييد الاحكام بالفرعية لإخراج تحصيل الحجة على الاحكام الأصولية الاعتقادية ، كوجوب الاعتقاد بالمبدء تعالى وصفاته والاعتقاد بالنبوة والإمامة والمعاد ، فتحصيل الدليل على تلك الأحكام كما يتمكن منه غالب العامة ولو بأقل مراتبه لا يسمى اجتهادا في الاصطلاح) (فالاجتهاد المطلق هو ما يقتدر به على استنباط الاحكام الفعلية من أمارة معتبرة أو أصل معتبر عقلا أو نقلا في المورد التي لم يظفر فيها بها) وهذه المرتبة تؤهل الفقيه للافتاء ورجوع الناس اليه في الاحكام الفقهية، فهو يعتبر متخصص بشكل دقيق فيها يتوصل الى ما لا يمكن ان يتوصل اليه غيره.


احد اهم العلوم الدينية التي ظهرت بوادر تأسيسه منذ زمن النبي والائمة (عليهم السلام)، اذ تتوقف عليه مسائل جمة، فهو قانون الانسان المؤمن في الحياة، والذي يحوي الاحكام الالهية كلها، يقول العلامة الحلي : (وأفضل العلم بعد المعرفة بالله تعالى علم الفقه ، فإنّه الناظم لأُمور المعاش والمعاد ، وبه يتم كمال نوع الإنسان ، وهو الكاسب لكيفيّة شرع الله تعالى ، وبه يحصل المعرفة بأوامر الله تعالى ونواهيه الّتي هي سبب النجاة ، وبها يستحق الثواب ، فهو أفضل من غيره) وقال المقداد السيوري: (فان علم الفقه لا يخفى بلوغه الغاية شرفا وفضلا ، ولا يجهل احتياج الكل اليه وكفى بذلك نبلا) ومر هذا المعنى حسب الفترة الزمنية فـ(الفقه كان في الصدر الأول يستعمل في فهم أحكام الدين جميعها ، سواء كانت متعلقة بالإيمان والعقائد وما يتصل بها ، أم كانت أحكام الفروج والحدود والصلاة والصيام وبعد فترة تخصص استعماله فصار يعرف بأنه علم الأحكام من الصلاة والصيام والفروض والحدود وقد استقر تعريف الفقه - اصطلاحا كما يقول الشهيد - على ( العلم بالأحكام الشرعية العملية عن أدلتها التفصيلية لتحصيل السعادة الأخروية )) وتطور علم الفقه في المدرسة الشيعية تطوراً كبيراً اذ تعج المكتبات الدينية اليوم بمئات المصادر الفقهية وبأساليب مختلفة التنوع والعرض، كل ذلك خدمة لدين الاسلام وتراث الائمة الاطهار.


إهداء نسخة مصورة من مخطوط قرآني نادر إلى خزانة العتبة العباسية
قسم الإعلام يقيم دورةً حول احترافية التصوير الفوتوغرافي في جامعة كربلاء
عضو مجلس إدارة العتبة العبّاسيّة يجري جولة في أكاديميّة التطوير الإداري
خلال المؤتمر الحسيني الثاني عشر العتبة العباسية: الإمام الحسين (عليه السلام) للبشرية جمعاء ولم يكن لفئة أو لطائفة معينة