المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

التاريخ
عدد المواضيع في هذا القسم 6767 موضوعاً
التاريخ والحضارة
اقوام وادي الرافدين
العصور الحجرية
الامبراطوريات والدول القديمة في العراق
العهود الاجنبية القديمة في العراق
احوال العرب قبل الاسلام
التاريخ الاسلامي
التاريخ الحديث والمعاصر
تاريخ الحضارة الأوربية

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
{افان مات او قتل انقلبتم على اعقابكم}
2024-11-24
العبرة من السابقين
2024-11-24
تدارك الذنوب
2024-11-24
الإصرار على الذنب
2024-11-24
معنى قوله تعالى زين للناس حب الشهوات من النساء
2024-11-24
مسألتان في طلب المغفرة من الله
2024-11-24

Critical Line
7-9-2019
الحضارة السومرية
11-9-2016
سعد بن علي بن القاسم
25-06-2015
تفسير الكشّاف
2024-09-08
الكذب في مقام إظهار العبودية
24-6-2019
ابن الصفار
7-8-2016


فلسفة الفتوحات  
  
3274   07:32 مساءً   التاريخ: 9-6-2020
المؤلف : علي الكوراني العاملي
الكتاب أو المصدر : قراءة جديدة للفتوحات الإسلامية
الجزء والصفحة : ص 22-54
القسم : التاريخ / التاريخ الاسلامي / الخلفاء الاربعة / ابو بكر بن ابي قحافة /

التأصيل القانوني والشرعي للفتوحات

( 1 ) هل يأذن الله تعالى باحتلال بلاد الغير ؟

قال الغربيون إن الفتوحات الإسلامية ظلمٌ للشعوب ، لأنها احتلال لأراضي الغير ، ومصادرة لحرياتهم وأموالهم ، وفرض للإسلام عليهم بالقوة .

وقد اتهموا الإسلام بسبب ذلك بأنه نظام « ثيوقراطي » يعطي النبي ( صلى الله عليه وآله ) وخليفته صلاحيات مطلقة باسم الله تعالى ، ويقمع الرأي المخالف ، ويسلب حريات الشعوب ، ويجبرها على دينه .

وأجاب بعض المسلمين بأن كل حروب النبي ( صلى الله عليه وآله ) دفاعية ، واحتجوا بعدد منها ، واستندوا إلى آية : لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ . .

فرد عليهم آخرون بأن هذا الجواب لا يصح ، لأن آيات فرض الجهاد والقتال صريحة في تشريع القتال للدفاع والهجوم معاً . ولأن الفقهاء دونوا في مصادر الفقه أحكام الجهاد الدفاعي والابتدائي بالتفصيل ، وفي كل المذاهب . كالكافي : 5 / 13 ، والمبسوط : 2 / 2 ، والجواهر : 21 / 3 ، والمجموع : 19 / 265 ، والمغني : 10 / 364 .

والجواب الصحيح: أن مالك الأرض وكل المخلوقات هو خالقها عز وجل، فالحقوق القانونية له بالذات، وكل صلاحية لمخلوقاته بالتصرف فيها، لا بد أن تستند قانونياً إلى تمليكه وإعطائه، وإلا كانت بغير حق .

قال تعالى مرشداً إلى حكم العقل: ذَلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ . . قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلا فِي الأرض وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ .

فمن حقه الطبيعي عز وجل أن يبعث لهم رسلاً ( عليهم السلام ) ، ويخولهم التصرف في أمور عباده وممتلكاتهم . قال تعالى : وَمَا أَفَاءَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ .

لكنه عز وجل بحكم أنه عدل وحكيم بالمطلق ، لم يعط حق دعوة الناس إلى الإسلام إلا للمعصومين من أنبيائه وأوصيائه ( عليهم السلام ) ، المطهرين عن الظلم ، الذين لا يستعملون القوة إلا بالحق ، وبقدر ما توجبه مصلحة المجتمع .

( 2 ) الفتوحات حق للمأذونين بدعوة الناس إلى الله تعالى

وقد بَيَّنَ فقه أهل البيت (عليهم السلام) صفات المأذون لهم بالدعوة إلى الإسلام والقتال (تهذيب الأحكام: 6 / 131) وحصرهم بالمعصومين (عليهم السلام) الذين اختارهم الله تعالى، وهم النبي ( صلى الله عليه وآله ) والأئمة ( عليهم السلام ) . وليس الذين اختارهم الناس ، أو فرضوهم بالقوة .

فالمعصوم ( عليه السلام ) وحده المخوَّل من الله تعالى بأن يدعو الشعوب إلى الإسلام ويفتح بلادهم ، ويقاتلهم إذا لزم الأمر ، لأنه مُنزَّهٌ عن ظلمهم وضامنٌ للعدل فيهم .

يدل عليه ما رواه الكافي ( 5 / 13 ) بسند معتبر عن أبي عمرو الزبيري ، عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : « قلت له : أخبرني عن الدعاء إلى الله والجهاد في سبيله ، أهو لقوم لا يحل إلا لهم ولا يقوم به إلا من كان منهم ، أم هو مباح لكل من وحد الله عز وجل وآمن برسوله ( صلى الله عليه وآله ) ، ومن كان كذا فله أن يدعو إلى الله عز وجل و إلى طاعته ، وأن يجاهد في سبيله ؟ فقال ( عليه السلام ) : ذلك لقوم لا يحل إلا لهم ، ولا يقوم بذلك إلا من كان منهم . قلت: من أولئك ؟ قال : من قام بشرائط الله عز وجل في القتال والجهاد على المجاهدين فهو المأذون له في الدعاء إلى الله عز وجل ، ومن لم يكن قائماً بشرائط الله عز وجل في الجهاد على المجاهدين ، فليس بمأذون له في الجهاد ولا الدعاء إلى الله حتى يُحَكِّم في نفسه ما أُخذ الله عليه من شرائط الجهاد .

قلت : فبيِّن لي يرحمك الله . قال : إن الله تبارك وتعالى أخبر في كتابه عن الدعاء إليه ، ووصف الدعاة إليه فجعل ذلك لهم درجات يعرف بعضها بعضاً ، ويستدل بعضها على بعض ، فأخبر أنه تبارك وتعالى أول من دعا إلى نفسه ، ودعا إلى طاعته واتباع أمره ، فبدأ بنفسه فقال : وَاللهُ يَدْعُوا إِلَى دَارِ السَّلامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ . ثم ثنى برسوله ( صلى الله عليه وآله ) فقال : أُدْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ . يعني بالقرآن . ولم يكن داعياً إلى الله عز وجل من خالف أمر الله ويدعو إليه بغير ما أمر في كتابه والذي أمر أن لا يدعى إلا به . وقال : في نبيه ( صلى الله عليه وآله ) : وَإِنَّكَ لَتَهْدِى إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ . يقول : تدعو .

ثم ثَلَّثَ بالدعاء إليه بكتابه أيضاً ، فقال تبارك وتعالى : إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ . أي يدعو ويبشر المؤمنين .

ثم ذكر من أذن له في الدعاء إليه بعده وبعد رسوله ( صلى الله عليه وآله ) في كتابه فقال : وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ . ثم أخبر عن هذه الأمة وممن هي، وأنها من ذرية إبراهيم ومن ذرية إسماعيل من سكان الحرم، ممن لم يعبدوا غير الله قط ، الذين وجبت لهم الدعوة دعوة إبراهيم وإسماعيل ( عليهما السلام ) من أهل المسجد ، الذين أخبر عنهم في كتابه أنه أَذْهَبَ عَنْهُمُ الرِّجْسَ وطَهَّرَهُمْ تَطْهِيرَا.

ثم أخبر تبارك وتعالى أنه لم يأمر بالقتال إلا أصحاب هذه الشروط ، فقال عز وجل : أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ . الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللهُ . . وذلك أن جميع ما بين السماء والأرض لله عز وجل ولرسوله ( صلى الله عليه وآله ) ولأتباعهما من المؤمنين من أهل هذه الصفة .

فما كان من الدنيا في أيدي المشركين والكفار والظلمة والفجار من أهل الخلاف لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) والمولي عن طاعتهما ، مما كان في أيديهم ظلموا فيه المؤمنين من أهل هذه الصفات وغلبوهم عليه ، مما أفاء الله على رسوله ( صلى الله عليه وآله ) فهو حقهم أفاء الله عليهم ورده إليهم ، وإنما معنى الفيئ كل ما صار إلى المشركين ثم رجع ، مما كان قد غُلب عليه أو فيه . فما رجع إلى مكانه من قول أو فعل ، فقد فاء .

وإن لم يكن ( الداعي ) مستكملاً لشرائط الإيمان فهو ظالم ، ممن يبغي ويجب جهاده حتى يتوب ! وليس مثله مأذوناً له في الجهاد والدعاء إلى الله عز وجل، لأنه ليس من المؤمنين المظلومين، الذين أذن لهم في القرآن في القتال. . فليتق الله عز وجل عبدٌ ، ولا يغترَّ بالأماني التي نهى الله عز وجل عنها ، من هذه الأحاديث الكاذبة على الله التي يُكذبها القرآن ، ويتبرأ منها ومن حملتها ورواتها » .

ودلالة هذا الحديث واضحة، لأن دعوة الناس إلى دين الله ، منصبُ نيابةٍ عن الله تعالى يحتاج إلى إثبات . ولأن الدعوة الكاملة فيها تصرفٌ في أنفس العباد وأموالهم، وهو يحتاج إلى مجوزِ قانوني من المالك عز وجل .

( 3 ) أعطى الله تعالى ملكية الأرض لآدم والأنبياء ( عليهم السلام ) ؟

الأصل القانوني في ملكية الأرض في فقه أهل البيت ( عليهم السلام ) ، أنها مخلوقة ومملوكة لله تعالى ، وأنه عز وجل مَلَّكَها لنبينا وآله ( صلى الله عليه وآله ) الذين هم عترته المطهرون : عليٌّ وفاطمة الزهراء والأئمة الأحد عشر ( عليهم السلام ) .

فكل الملكيات المتسلسلة ، العرضية والطولية ، لا بد أن ترجع إلى إذن المالك منهم ( عليهم السلام ) ، وعليه تتوقف صحة الفتوحات التي حدثت بعد النبي ( صلى الله عليه وآله ) .

وقد استفاضت الأحاديث في ذلك ، ومنها صحيح أبي خالد الكابلي عن الإمام الباقر ( عليه السلام ) قال : « وجدنا في كتاب علي ( عليه السلام ) أن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين : أنا وأهل بيتي الذين أورثنا الله الأرض ، ونحن المتقون والأرض كلها لنا ، فمن أحيا أرضاً من المسلمين فليعمرها وليؤد خراجها إلى الإمام من أهل بيتي ، وله ما أكل منها . فإن تركها أو أخربها وأخذها رجل من المسلمين من بعده فعمرها وأحياها ، فهو أحق بها من الذي تركها ، يؤدي خراجها إلى الإمام من أهل بيتي ، وله ما أكل منها ، حتى يظهر القائم من أهل بيتي بالسيف فيحويها ويمنعها ، ويخرجهم منها كما حواها رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ومنعها . إلا ما كان في أيدي شيعتنا فإنه يقاطعهم على ما في أيديهم ويترك الأرض في أيديهم . قال رسول الله : خلق الله آدم وأقطعه الدنيا قطيعة ، فما كان لآدم ( عليه السلام ) فلرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وما كان لرسول الله فهو للأئمة من آل محمد ( عليهم السلام ) » . ( الكافي : 1 / 407 و 409 - باب أن الأرض كلها للإمام ( عليه السلام ) . راجع جواهر الكلام : 14 / 71 ) .

أقول: أعطاني الصديق المرحوم الدكتور عبد الحي حجازي، وهو حقوقي مصري متخصص في القانون الطبيعي، وكان رئيس كلية الحقوق في الكويت، كتابه «الحقوق الطبيعية» فقرأته، ثم ناقشته ( رحمه الله ) في الأصل القانوني لاستحقاق الإنسان لأرض لسكنه ، فتوصلنا إلى الاتفاق بأن الأرض ما دامت مخلوقة مملوكة لله تعالى ، فلا بد أن يكون منشأ الملكية فيها تمليكه وإذنه عز وجل .

وقد ثبت عندنا أنه ملَّكها لرسوله وآله ( صلى الله عليه وآله ) ، فلا بد من إذن المعصوم منهم في الملكية . ولذا صار محور بحث فقهائنا : هل أذن الأئمة ( عليهم السلام ) في الفتوحات أم لا ؟ فالمفتوح منها بإذن الإمام ( عليه السلام ) إن كان عامراً عند الفتح فهو لكل المسلمين من وجد منهم ومن يوجد . وما كان غامراً يومها فهو باق على ملك الإمام ( عليه السلام ) .

أما المفتوح بدون إذنه فالعامر والغامر يبقى له ، ويحتاج التصرف فيه إلى إذنه .

وقد اتفق فقهاؤنا على صدور إمضاء ما من المالك المعصوم ( عليه السلام ) ، ففي صحيح محمد بن مسلم الثقفي عن الإمام الباقر ( عليه السلام ) قال : « سألته عن سيرة الإمام في الأرض التي فتحت بعد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فقال : إن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) قد سار في أهل العراق بسيرة فهي إمام لسائر الأرضين . وقال : إن أرض الجزية لا ترفع عنهم الجزية وإنما الجزية عطاء المهاجرين ، والصدقات لأهلها الذين سمى الله في كتابه ليس لهم في الجزية شئ . ثم قال : ما أوسع العدل إن الناس يتسعون إذا عدل فيهم وتنزل السماء رزقها وتخرج الأرض بركتها بإذن الله تعالى » . ( من لا يحضره الفقيه : 2 / 53 ، وتهذيب الأحكام : 4 / 118 ) .

وقد يبدو هذا الأصل في ملكية الأراضي غريباً أو شديداً ، لكنه يبقى أقوى علمياً من محاولات التأصيل عند الحقوقيين العلمانيين ، وفقهاء بقية المذاهب .

فماذا نصنع إذا ملَّك الله أرضه لرسوله وآله ( صلى الله عليه وآله ) ، فصار الأصل الحقوقي فيها ملكيتهم ، وصار فتحها والتصرف يحتاج إلى إثبات إذنٍ منهم بذلك .

( 4 ) الفتوحات حق لأصحاب الولاية العامة على العباد

مضافاً إلى أصل ملكية الله تعالى للأرض والعباد ، وأصل تمليكه الأرض لخيرة خلقه محمد وآله الأئمة ( عليهم السلام ) ، لأنهم معصومون مطهرون عن ظلم العباد .

يوجد أصل ثالث هو : أن التصرف في البلاد والعباد يحتاج إلى ولاية عامة من الله تعالى ، تجيز لصاحبها أن ينزع ملكية أحد أو يقاتل الناس عندما يلزم .

وقد أعطى الله هذه الولاية لرسوله ( صلى الله عليه وآله ) في مثل قوله تعالى : النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ . وقد ثبت في أصولنا أن الأئمة من عترة النبي ( صلى الله عليه وآله ) لهم الولاية العامة التي لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، ويكفي دليلاً عليها ما تواتر وشهد بصحته الجميع ، مثل قوله ( صلى الله عليه وآله ) : من كنت مولاه فعليٌّ مولاه .

ومن هنا صار محور البحث الفقهي في مذهبنا صدور الإذن بالفتوح من عليٍّ أمير المؤمنين ( عليه السلام ) أو عدم صدوره ، لأن الفتح يستلزم الحرب وقتل نفوس من المسلمين وغيرهم ، ويستلزم نزع ملكيات من حكومات وشعوب وإعطاءها للمسلمين . وهذا التصرف في الأنفس والملكيات لا يجوز إلا لمن له الولاية العامة على البلاد والعباد ، وإلا كان عمله غير قانوني ولا شرعي !

ومن هنا قد تركز بحث فقهائنا رضوان الله عليهم ، على المسائل الفقهية التالية :

(1) هل صدر الإذن من أمير المؤمنين ومولى الناس عليٍّ ( عليه السلام ) بالفتوحات ؟

(2) هل شاور أبو بكر وعمر علياً ( عليه السلام ) في الفتوحات وإدارتها ، وهل مَكَّنَاهُ أن يقوم بخبرته العسكرية بوضع خططها وإدارة معاركها ، كلياً أو جزئياً ؟

(3) هل شارك علي ( عليه السلام ) بنفسه أو بأولاده أو بتلاميذه وشيعته ، في حروب الفتح ؟

(4) وإن لم يأذن ( عليه السلام ) ولم يشارك ولم يرض ، فهل أمضى الفتوحات وما نتج عنها من نقل ملكيات من الفرس والروم وغير المسلمين ، إلى المسلمين ؟

وتفاوتت آراء فقهائنا رضوان الله عليهم في هذه المسائل ، لكنهم اتفقوا على أن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) لم يشارك فيها بنفسه ، لأن الله تعالى أمَّره على الأمة فلا يجوز له أن يقبل تأمير أحد عليه . وكذلك الحسن والحسين ( عليهما السلام ) ، وقد وردت رواية بأنهما شاركا في بعض الفتوح ، لكن لم يصححها أحد من فقهائنا .

أما عن إذنه ( عليه السلام ) بالفتوح ، فقد قال بعض فقهائنا وهم قلة ، إن أبا بكر وعمر كانا يشاوران علياً ( عليه السلام ) فيشير عليها بالرأي ، وفهموا من مشورته ومشاركته في تدبيرها أنه أذنَ بالفتوح ، وكذلك من إذنه لخاصته المشاركة فيها ، وقد يكون أمر بعضهم بذلك ، أو أشار على الحاكم بتوليته مسؤوليات في الحرب أو الإدارة .

بينما قال أكثر فقهائنا، إن الفتوحات المسماة إسلامية غير شرعية، لأنه لم يثبت إذن الإمام (عليه السلام) بها، فضلاً عن مشاركته فيها ، وإن القدر المتيقن أنه ( عليه السلام ) أمضى الملكيات التي نتجت عنها ، بالكيفية التي صحت عنه ( عليه السلام ) .

وقد أوردتُ لأحد الفقهاء من أصحاب هذا الاتجاه وهو آية الله السيد علي الميلاني حفظه الله ، الأدلة على إذن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) بالفتوحات ، ومشاركته فيها برأيه وكبار أصحابه وشيعته ، فضعفها واحداً واحداً ، إما سنداً أو دلالةً .

ثم أوردتُ له ما ثبت عن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) من نصيحته لعمر بن الخطاب أن لا يتوجه إلى حرب الفرس بنفسه ، وقد تضمن كلامه ( عليه السلام ) الحث على حربهم .

وقوله ( عليه السلام ) كما في نهج البلاغة : ( 1 / 118 ) وغيره من المصادر : « فأمسكت يدي ( عن بيعة أبي بكر ) حتى رأيت راجعة الناس قد رجعت عن الإسلام ، يدعون إلى محق دين محمد ( صلى الله عليه وآله ) ! فخشيت إن لم أنصر الإسلام وأهله أن أرى فيه ثلماً أو هدماً، تكون المصيبة به عليَّ أعظم من فوت ولايتكم» .

فأجاب السيد الميلاني بأنه يجب التفريق بين نهوضه ( عليه السلام ) في حروب الردة ، فهذا لا إشكال فيه ، وهو منسجم مع ولايته العامة على الأمة من الله تعالى ورسوله ، وبين إذنه في الفتوحات أو مشاركته فيها ، أو دفعه أصحابه إليها ، فهذا لم يثبت .

وعندما أوردتُ له دور أمير المؤمنين ( عليه السلام ) في الفتوح ، كإرساله خالد بن سعيد بن العاص إلى فلسطين ، والذي حقق النصر في معركة أجنادين .

وإرساله مالك الأشتر وعمرو بن معدي كرب ومجموعة فرسان النخع ، إلى معركة اليرموك ، وتحقيقهم النصر فيها .

وإرساله سلمان الفارسي وهاشم المرقال وحجر بن عدي وغيرهم، إلى معركة القادسية، وتحقيقهم النصر فيها.

وإرساله النعمان بن مقرن، وحذيفة بن اليمان إلى معركة نهاوند، وتحقيقهم النصر فيها. . الخ.

فأجاب بأن هذا لو صح لا يدل على إذن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) أو على إطلاق القول بمشاركته في الفتوحات ، بل يدل على أنه ( عليه السلام ) كلما تعرض المسلمون أو الإسلام إلى خطر من عدوهم ، أو وقعوا في مشكلة وورطة ، لسبب من الأسباب ، كان ( عليه السلام ) يتدخل لإنقاذ الموقف حتى لا تقع الكارثة على المسلمين أو الإسلام . وهذا العمل من شؤون كونه صاحب الولاية العامة على الأمة ، وهو حالة ضرورة وإنقاذ من ورطة ، لا تدل على تدخله بأوسع من مواردها .

وهذا هو رأي السيد الخوئي ( قدس سره ) ، قال في مصباح الفقاهة : 1 / 840 ، بتصرف بسيط :

« الشرط الثاني : أن يكون الفتح بإذن الإمام ( عليه السلام ) . واعتبار هذا الشرط هو المشهور بين الفقهاء . . . فمقتضى الأصل هو عدم كون الفتح بإذن الإمام ( عليه السلام ) ، ولا يكون هذا ( أصلاً ) مثبِتاً فإن الفتح محرز بالوجدان ، وعدم كونه بإذن الإمام ( عليه السلام ) محرز بالأصل ، فيترتب الأثر على الموضوع المركب . . . وقد ذكرتْ وجوهٌ للخروج عن الأصل المذكور :

أولاً : أن الفتوحات الإسلامية كلها كانت بإذن الإمام ( عليه السلام ) وتدل على ذلك رواية الخصال الدالة على أن عمر كان يشاور أمير المؤمنين ( عليه السلام ) في غوامض الأمور ، ومن الواضح أن الخروج إلى الكفار ودعائهم إلى الإسلام من أعظم تلك الأمور ، بل لا أعظم منه .

ويرد على هذا الوجه : أن الرواية ضعيفة السند فلا يصح الاعتماد عليها . وأن عمر كان مستقلاً في رأيه ولم يشاور الإمام ( عليه السلام ) في كثير من الأمور المهمة ، بل في جميعها الراجعة إلى الدين . وأن هذا الوجه إنما يجري في الأراضي التي فتحت في خلافة عمر ، ولا يجري في غيرها .

وثانياً : إن الأئمة ( عليهم السلام ) راضون بالفتوحات الواقعة في زمن خلفاء الجور ، لكونها موجبة لقوة الإسلام وعظمته . وفيه : أن هذه الدعوى وإن كانت ممكنة في نفسها ، إذ المناط في ذلك هو الكشف عن رضا المعصوم ( عليه السلام ) بأي طريق كان ، ولا موضوعية للإذن الصريح . ولكنها أخص من المدعى فإنه ليس كل فتح مرضياً للأئمة ( عليهم السلام ) حتى ما كان من الفتوح موجباً لكسر الإسلام وضعفه » .

أقول : اكتفى السيد الخوئي ( قدس سره ) بهذين الوجهين باختصار ، لكن الأدلة أوسع منهما ، وقد اعتمد عددٌ من فقهائنا على رواية الخصال كالشيخ الأنصاري ( قدس سره ) .

وفي مقابل هذا الرأي ، يوجد رأي لقلة من فقهائنا رضي الله عنهم ، لكن فيهم فقهاء كبار ، منهم الشيخ البحراني ( قدس سره ) .

قال في الحدائق : 18 / 308 : « الظاهر إنما هو رضاه ( عليه السلام ) به إن لم نقل إنه بإذنه ، وذلك لأنه ( عليه السلام ) صاحب الأمر بعد النبي ( صلى الله عليه وآله ) فهو يحب ظهور الإسلام وقوته وإن لم يكن على يده ، فإن الغرض من أصل البعثة ومن النيابة فيها خمود منار الكفر وظهور صيت الإسلام ، فهو ( عليه السلام ) وإن لم يكن متمكناً من الأمر والنهي وتنفيذ الجيوش ، إلا أن غرضه الأصلي ومطلبه الكلي حاصل بذلك ، فكيف يكرهه ولا يرضاه ! وهذا بحمد الله سبحانه وجهٌ وجيهٌ لمن أخذ بالإنصاف وارتضاه » .

ومال إلى هذا الرأي صاحب الجواهر ( رحمه الله ) : 21 / 161 ، فقال بعد أن ضعَّف بعض النصوص في إذن المعصوم ( عليه السلام ) : « لكن قد يقال بأن الحكم في النصوص المعتبرة السابقة بكون هذه الأراضي للمسلمين ، بعد معلومية اعتبار الإذن فيها ، شاهد على صدوره منهم ( عليهم السلام ) ، ولعله أولى من الحمل على التقية » . انتهى .

كما استظهره المحقق السبزواري فقال في كفاية الأحكام : 1 / 391 : « الظاهر أن الفتوح التي وقعت في زمن عمر كانت بإذن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، لأن عمر كان يشاور الصحابة خصوصاً أمير المؤمنين ( عليه السلام ) في تدبير الحروب وغيرها ، وكان لا يصدر إلا عن رأي علي ( عليه السلام ) . والنبي ( صلى الله عليه وآله ) أخبر بالفتوح وغلبة المسلمين على أهل الفرس والروم . وقبول سلمان تولية المدائن ، وعمار إمارة العساكر ، مع ما روي فيهما ، قرينة على ما ذكرنا . ومع ذلك وقع التصريح بحكم أرض السواد ، وكونها للمسلمين في النص الصحيح كما ذكرنا . وقد روى الشيخ عن محمد بن مسلم ، في الصحيح ، عن أبي جعفر ( عليه السلام ) قال : سألته عن سيرة الإمام في الأرض التي فتحت بعد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فقال : إن أمير المؤمنين قد سار في أهل العراق بسيرة ، فهي إمام لسائر الأرضين » .

وتبنى هذا الرأي الشيخ الأنصاري ( قدس سره ) ، قال في المكاسب : 2 / 243 : « والظاهر أن أرض العراق مفتوحة بالإذن كما يكشف عن ذلك ما دل على أنها للمسلمين .

وأما غيرها مما فتحت في زمان خلافة الثاني ، وهي أغلب ما فتحت ، فظاهر بعض الأخبار كون ذلك أيضاً بإذن مولانا أمير المؤمنين ( عليه السلام ) وأمره .

ففي الخصال في أبواب السبعة في باب أن الله تعالى يمتحن أوصياء الأنبياء في حياة الأنبياء في سبعة مواطن ، وبعد وفاتهم في سبعة مواطن : عن أبيه وشيخه ، عن سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن الحسين بن سعيد ، عن جعفر بن محمد النوفلي ، عن يعقوب بن الرائد ، عن أبي عبد الله جعفر بن أحمد بن محمد بن عيسى بن محمد بن علي بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب ، عن يعقوب بن عبد الله الكوفي ، عن موسى بن عبيد ، عن عمرو بن أبي المقدام ، عن جابر الجعفي ، عن أبي جعفر ( عليه السلام ) أنه أتى يهودي أمير المؤمنين ( عليه السلام ) في منصرفه عن وقعة النهروان فسأله عن تلك المواطن . . وفيه قوله ( عليه السلام ) : وأما الرابعة ، يعني من المواطن الممتحن بها بعد النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، فإن القائم بعد صاحبه ، يعني عمر بعد أبي بكر ، كان يشاورني في موارد الأمور فيصدرها عن أمري ، ويناظرني في غوامضها فيمضيها عن رأيي ، لا أعلم أحداً ولا يعلمه أصحابي يناظره في ذلك غيري . . . الخبر .

والظاهر أن عموم الأمور إضافي بالنسبة إلى ما لا يقدح في رئاسته ، مما يتعلق بالسياسة ، ولا يخفى أن الخروج إلى الكفار ودعاءهم إلى الإسلام من أعظم تلك الأمور بل لا أعظم منه . وفي سند الرواية جماعة تخرجها عن حد الاعتبار، إلا أن اعتماد القميين عليها وروايتهم لها مع ما عرف من حالهم لمن تتبعها من أنهم لا يخرجون في كتبهم رواية في راويها ضعف إلا بعد احتفافها بما يوجب الاعتماد عليها، جابرٌ لضعفها في الجملة. مضافاً إلى ما اشتهر من حضور أبي محمد الحسن (عليه السلام) في بعض الغزوات، ودخول بعض خواص أمير المؤمنين (عليه السلام) من الصحابة كعمار في أمرهم . وفي صحيحة محمد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : سألته عن سيرة الإمام في الأرض التي فتحت بعد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فقال : إن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) قد سار في أهل العراق بسيرة فهي إمام لسائر الأرضين . . . الخبر . وظاهرها أن سائر الأرضين المفتوحة بعد النبي ( صلى الله عليه وآله ) حكمها حكم أرض العراق مضافاً إلى أنه يمكن الاكتفاء عن إذن الإمام المنصوص في مرسلة الوراق بالعلم بشاهد الحال برضى أمير المؤمنين وسائر الأئمة ( عليهم السلام ) بالفتوحات الإسلامية الموجبة لتأييد هذا الدين . وقد ورد أن الله تعالى يؤيد هذا الدين بأقوام لا خلاق لهم فيه . مع أنه يمكن أن يقال بحمل الصادر من الغزاة من فتح البلاد على الوجه الصحيح ، وهو كونه بأمر الإمام ( عليه السلام ) » .

أقول : لا مجال للتفريق بين حكم الفتوحات في العراق وإيران ، والفتوحات في الشام ومصر ، لأن سياقها واحد . كما أن رواية حضور الإمام الحسن أو الحسين ( عليهما السلام ) في بعض الفتوحات لم يثبت عند أحد من علمائنا .

ومن القائلين بهذا الرأي السيد ابن طاووس ( رحمه الله ) ، قال في كشف المحجة / 57 : « وقد ذكر جماعة من أصحاب التواريخ تصديق ما أشرت إليه . وعلى خاطري مما وقفت عليه ، ما ذكره أعثم في تاريخه ما معناه أن أبا بكر لما بدأ بإنفاذ أبي عبيدة والجيوش إلى الروم ومات قبل أن يفتحها ، وفتحها المسلمون بعده في ولاية عمر ، قال له قوم : لا تَخرج مع العسكر وقال قوم أخرج معهم . فقال لأبيك علي ( عليه السلام ) : ما تقول أنت يا أبا الحسن ؟ فقال له علي : إن خرجت نصرت وإن أقمت نصرت ، لأن النبي ( صلى الله عليه وآله ) وعدنا بالنصر للإسلام . فقال له : صدقت ، وأنت وارث علم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) .

فهل ترى يا ولدي ما كان فتح البلاد ، إلا بقوة تلك الوعود الصادقة والعناية الإلهية الفائقة ، وأن الذين كانوا خلفاء بالمدينة كان وجودهم كعدمهم كما قال لهم أبوك علي ( عليه السلام ) : إن خرجت نصرت وإن أقمت نصرت . . .

ولقد رأيت في تاريخ من لا يتهمه المخالفون أن المسلمين لما اجتمعت عليهم الروم للاستئصال، كان المقوي لقلوب كثير من المسلمين مقامات رواها ( عليه السلام ) تدل على النصرة في تلك الحال ، لقصور علمهم وعلم من ولوه عليهم عن أسرار ما بين أيديهم . وأقول : يا ولدي محمد لو كانوا قد ولوا أمور الإسلام والمسلمين أباك علياً الذي دلهم عليه جدك سيد المرسلين ( صلى الله عليه وآله ) ، كان قد فتحت البلاد على الإستقامة وكانت مفتوحة إلى يوم القيامة ، وكان قد عرفهم من أسرار فتوحها وما ينتهي حالهم إليه ما كان قد أودعه جدك محمد ( صلى الله عليه وآله ) وكان قد كشف لعلماء الروم من أسرارهم وأسرار الإسلام ما كان يرجى به فتوح البلاد بدون قتل من قتل من المسلمين والكفار ، وسلموا من الضلال والظلام ، فإنه قال ( عليه السلام ) : وأيم الله لو ثنيت لي الوسادة لحكمت بين أهل التوراة بتوراتهم ، وبين أهل الإنجيل بإنجيلهم ، وبين أهل الزبور بزبورهم ، وبين أهل القرآن بقرآنهم حتى يزهر كل كتاب ويقول : حكم فيَّ علي بن أبي طالب بحكم الله » .

أقول: نلفت هنا إلى أهمية إخبار الإمام ( عليه السلام ) للخليفة بالمستقبل ، وقد كان عمر وأبو بكر يهتمان بذلك ويسألان علياً ( عليه السلام ) لأنه أقرب الناس إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، وأعرفهم بعلومه وإخباره بالمغيبات .

كما نلفت إلى قول بعض العلماء إن مشاركة الإمام ( عليه السلام ) تتنافى مع أصولنا في علم الكلام ، فلعل القائلين بها لم يلتفتوا إلى لوازم قولهم بأنه ( عليه السلام ) في الفتوحات .

وجوابه : أن هذه اللوازم واضحة جلية ، يلتفت إليها الفقهاء المتكلمون وغير المتكلمين سواء . وكلها تتعلق بما يفهم منه التنازل عن حقه ( عليه السلام ) أو الاعتراف بإمرة غيره . لكن الرأي يختلف في تفسير إذنه ومشاركته ( عليه السلام ) في الفتوح ، هل توجب نوعاً من التنازل أو لا توجبه .

( 5 ) نصوص مؤيدة لهذا الرأي

ويمكن تأييد هذا الرأي بمؤيدات عديدة ، نوجزها بما يلي :

فمنها : أن علياً ( عليه السلام ) شكى ظلامته من قريش لنسبتها الفتوح إلى غيره ، وإخفاء عمله وجهوده ، ففي شرح النهج ( 20 / 298 ) : « اللهم إني أستعديك على قريش ، فإنهم أضمروا لرسولك ( صلى الله عليه وآله ) ضروباً من الشر والغدر فعجزوا عنها ، وحِلْتُ بينهم وبينها ، فكانت الوجبة بي والدائرة عليَّ ! اللهم احفظ حسناً وحسيناً ، ولا تمكن فجرة قريش منهما ما دمت حياً ، فإذا توفيتني فأنت الرقيب عليهم ، وأنت على كل شئ شهيد .

وقال له قائل : يا أمير المؤمنين ، أرأيت لو كان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ترك ولداً ذكراً قد بلغ الحلم وآنس منه الرشد ، أكانت العرب تسلم إليه أمرها ؟ قال : لا ، بل كانت تقتله إن لم يفعل ما فعلتُ ! ولولا أن قريشاً جعلت اسمه ذريعة إلى الرياسة، وسلَّماً إلى العز والأمرة لما عبدت الله بعد موته يوماً واحداً، ولارتدت في حافرتها، وعاد قارحها جذعاً، وبازلها بكراً. ثم فتح الله عليها الفتوح فأثْرت بعد الفاقة ، وتمولت بعد الجَهد والمخمصة ، فحسن في عيونها من الإسلام ما كان سمجاً ، وثبت في قلوب كثير منها من الدين ما كان مضطرباً ، وقالت : لولا أنه حق لما كان كذا ! ثم نسبت تلك الفتوح إلى آراء ولاتها وحسن تدبير الأمراء القائمين بها ، فتأكد عند الناس نباهة قوم وخمول آخرين ، فكنا نحن ممن خمل ذكره ، وخبت ناره ، وانقطع صوته وصيته ، حتى أكل الدهر علينا وشرب ، ومضت السنون والأحقاب بما فيها ، ومات كثير ممن يعرف ، ونشأ كثير ممن لا يعرف .

وما عسى أن يكون الولد لو كان ! إن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لم يقربني بما تعلمونه من القُرْب للنسب واللحمة ، بل للجهاد والنصيحة ، أفتراه لو كان له ولد هل كان يفعل ما فعلت . وكذاك لم يكن يَقْرُب ما قَرُبْتُ ، ثم لم يكن عند قريش والعرب سبباً للحظوة والمنزلة ، بل للحرمان والجفوة . اللهم إنك تعلم أني لم أرد الأمرة ولا علو الملك والرياسة ، وإنما أردت القيام بحدودك ، والأداء لشرعك ، ووضع الأمور في مواضعها ، وتوفير الحقوق على أهلها ، والمضي على منهاج نبيك ، وإرشاد الضال إلى أنوار هدايتك » . انتهى .

وعلو هذا النص يوجب الاطمئنان بصدوره ، وأنه لا يمكن أن يصدر عن غير أمير المؤمنين ( عليه السلام ) حتى لو حاول الرواة وتعاونوا على وضعه !

وقد يقال : إن الوثوق بصدور القول أو الفعل من المعصوم ( عليه السلام ) إنما يكون حجة إذا كان وثوقاً نوعياً لا شخصياً ، لكن هذا النص فيما أحسب يوجب الوثوق النوعي لا الشخصي . على أن التمييز بين الوثوق النوعي والشخصي قد يكون أحياناً صعباً ، فيحتاج إلى اجتهاد شخصي !

ومنها : النصوص المستفيضة على أن أبا بكر وعمر كانا يستشيران علياً ( عليه السلام ) في أمور الحرب ، فقد استشاره أبو بكر في غزو الروم ، أي في فتح بلاد الشام ومصر ، فأشار عليه أن يفعل ، وبشره بالنصر ، بما عنده من علم النبي ( صلى الله عليه وآله ) .

قال اليعقوبي ( 2 / 132 ) : « أراد أبو بكر أن يغزو الروم ، فشاور جماعة من أصحاب رسول الله ، فقدموا وأخروا ، فاستشار علي بن أبي طالب ، فأشار أن يفعل ، فقال : إن فعلت ظفرت . فقال : بُشرت بخير » .

وفي تاريخ دمشق ( 2 / 64 ) : « وعليٌّ في القوم لم يتكلم . قال أبو بكر : ماذا ترى يا أبا الحسن ؟ فقال : أرى أنك إن سرت إليهم بنفسك أو بعثت إليهم نُصرت عليهم إن شاء الله . فقال : بشرك الله بخير ، ومن أين علمت ذلك ؟ قال : سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يقول : لا يزال هذا الدين ظاهراً على كل من ناوأه ، حتى يقوم الدين وأهله ظاهرون . فقال : سبحان الله ، ما أحسن هذا الحديث ، لقد سررتني به سرك الله » .

وقد أشار ( عليه السلام ) على عمر بفتح فارس وشجعه عليه ، ففي نهج البلاغة ( 2 / 29 ) : « وقد استشاره عمر بن الخطاب في الشخوص لقتال الفرس بنفسه : إن هذا الأمر لم يكن نصره ولا خذلانه بكثرة ولا قلة ، وهو دين الله الذي أظهره ، وجنده الذي أعده وأمده ، حتى بلغ ما بلغ ، وطلع حيث طلع . ونحن على موعود من الله ، والله منجز وعده ، وناصر جنده . ومكان القيم بالأمر مكان النظام من الخرز ، يجمعه ويضمه ، فإن انقطع النظام تفرق وذهب ، ثم لم يجتمع بحذافيره أبداً . والعرب اليوم وإن كانوا قليلاً ، فهم كثيرون بالإسلام وعزيزون بالاجتماع ، فكن قطباً واستدر الرحى بالعرب ، وأصلهم دونك نار الحرب ، فإنك إن شخصت من هذه الأرض انتقضت عليك العرب من أطرافها وأقطارها ، حتى يكون ما تدع وراءك من العورات ، أهم إليك مما بين يديك ! إن الأعاجم إن ينظروا إليك غداً يقولوا هذا أصل العرب ، فإذا قطعتموه استرحتم ، فيكون ذلك أشد لكلبهم عليك وطمعهم فيك .

فأما ما ذكرت من مسير القوم إلى قتال المسلمين، فإن الله سبحانه هو أكره لمسيرهم منك، وهو أقدر على تغيير ما يكره. وأما ما ذكرت من عددهم، فإنا لم نكن نقاتل فيما مضى بالكثرة، وإنما كنا نقاتل بالنصر والمعونة » .

وروى ابن الأعثم في الفتوح ( 2 / 78 ) : أن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) حدَّث عمر عن خراسان ومدنها ، فقال عمر : « يا أبا الحسن لقد رغبتني في فتح خراسان ، قال علي ( عليه السلام ) : قد ذكرت لك ما علمت منها مما لا شك فيه » .

وروى الطبري ( 3 / 246 ) « عن أبي الجنوب اليشكري عن علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) قال : لما قدم على عمر فتح خراسان ، قال لوددت أن بيننا وبينها بحراً من نار ، فقال علي ( عليه السلام ) : وما يشتد عليك من فتحها ، فإن ذلك لموضع سرور » .

وقال المناوي في فيض القدير : 3 / 61 : « وكان عمر يسأله عما أشكل عليه . جاءه رجل فسأله فقال : هاهنا عليٌّ فاسأله . فقال : أريد أسمع منك يا أمير المؤمنين . قال : قم لا أقام الله رجليك ، ومحى اسمه من الديوان !

وصح عنه من طرق أنه كان يتعوذ من قوم ليس هو فيهم ، حتى أمسكه عنده ولم يوله شيئاً من البعوث ، لمشاورته في المشكل » .

وفي تاريخ اليعقوبي : 2 / 132 : « وأراد أبو بكر أن يغزو الروم ، فشاور جماعة من أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، فقدموا وأخروا ، فاستشار علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ، فأشار أن يفعل فقال : إن فعلت ظفرت . فقال : بشرت بخير ! فقام أبو بكر في الناس خطيباً وأمرهم أن يتجهزوا إلى الروم ، فسكت الناس » .

وفي سنن البيهقي : 9 / 134 : « أراد ( عمر ) أن يقسم أهل السواد بين المسلمين وأمر بهم أن يحصوا ، فوجدوا الرجل المسلم يصيبه ثلاثة من الفلاحين يعنى العلوج فشاور أصحاب النبي ( صلى الله عليه وآله ) في ذلك فقال علي : دعهم يكونون مادةً للمسلمين . فبعث عثمان بن حنيف فوضع عليهم : ثمانية وأربعين ، وأربعة وعشرين ، واثني عشر » . وفتوح البلاذري : 2 / 326 .

ومنها : أن حواريي علي ( عليه السلام ) وخاصته ، شاركوا بفعالية في كل الفتوحات ، بل قادوها ميدانياً ، وحملوا على عواتقهم ثقل جهادها ، واستشهد فيها عدد منهم . ولا يصح القول إن ذلك بدون إذنه ( عليه السلام ) ، لأن فيهم عدداً لا يتصرفون في الأمور السياسية والعسكرية ، وحتى في الأمور الاجتماعية المهمة إلا بأمره ( عليه السلام ) كسلمان ، والمقداد ، وأبي ذر ، وعمار ، وخالد بن سعيد ، وغيرهم ، رضوان الله عليهم .

والقول بأن أصحابه ( عليه السلام ) كانوا يجهلون رأيه فشاركوا فيها ، قولٌ واهٍ ، فكيف نتصور أن هؤلاء العظماء خاضوا حروباً وتحملوا مسؤوليات دماء وأعراض وأموال ، ومسؤولية سمعة الإسلام ، وهم يعتقدون بأن علياً ( عليه السلام ) وصي نبيهم وإمامهم المفترض الطاعة ، ولا يسألونه عن حكم عملهم !

قال السيد جعفر مرتضى حفظه الله في كتابه مختصر مفيد ( 6 / 182 ) : « وأما بالنسبة لاشتراك بعض المخلصين من كبار الصحابة في الفتوح ، فالظاهر هو أنهم كانوا غافلين عن حقيقة الأمر ، فكانوا يقصدون بذلك خدمة الدين ، ونصرة الإسلام والمسلمين ، مع عدم اطلاعهم على رأي الأئمة ( عليهم السلام ) في هذه الفتوحات . . أو لعل السلطة كانت تهتم في إرسالهم في مهمات كهذه ، وتمارس عليهم بعض الضغوط في ذلك » . انتهى .

ولا يمكن الموافقة على هذه المقولة ، لأن أمثال سلماناً وأبا ذر وعماراً والمقداد وحذيفة والأشتر ، من حواري أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، وغيرهم من خاصته المنقطعين إليه كخالد بن سعيد وهاشم المرقال ومحمد بن أبي بكر ومحمد بن أبي حذيفة ، لا يمكن أن يغفلوا عن حقيقة الأمر ويجهلوا رأيه ( عليه السلام ) في مشاركتهم في الفتوحات !

ويكفي أن نقرأ أن خالد بن سعيد الأموي كان أول الذين خطبوا في المسجد النبوي وأدان أبا بكر واصطدم بعمر بشدة ، وقال لهم : ( والله لولا أني أعلم أن طاعة الله ورسوله ( صلى الله عليه وآله ) وطاعة إمامي أولى بي ، لشهرت سيفي وجاهدتكم في الله ، إلى أن أبلي عذري ) !

وعندما أراد أبو بكر أن يسترضيه وقال له كما في الإستيعاب ( 2 / 422 ) : « ما لكم رجعتم عن عمالتكم ؟ ما أحد أحقّ بالعمل من عمّال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، إرجعوا إلى أعمالكم . فقالوا: نحن بنو أبى أحيحة لا نعمل لأحد بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) أبداً»!

وكان خالد قال لا نبايع حتى يأمرنا علي ، وبعد شهرين أمره أن يبايع فبايع . ( أنساب الأشراف : 1 / 588 ) . ثم نراه قَبِل مرسوم أبي بكر بقيادة جيش الشام !

فلا تفسير له إلا أمر علي ( عليه السلام ) أو إشارته علي أبي بكر بأن يؤمَّره على غزو الروم .

وكذلك القول بأنهم كانوا مجبرين من أبي بكر أو عمر أو عثمان ، فلم يكن يومها إجبار على التولية ، بل كان كثيرون يتنافسون عليها ، وكان الحصول على منصب ، يحتاج إلى علاقة خاصة لينة مع الخليفة .

وهذه قائمة بأبرز تلاميذه وشيعته ( عليه السلام ) ، من فرسان الفتوحات وقادتها الميدانيين الذين خاضوا غمار المعارك ، وحققوا الانتصارات الواسعة ، فمنهم :

حذيفة بن اليمان ، وسلمان الفارسي ، وعمار بن ياسر ، وأبو ذر الغفاري ، والمقداد بن عمرو ، وخالد بن سعيد بن العاص الأموي وأخيه عمرو ، وهاشم بن عتبة أبي وقاص المعروف بالمرقال ، وعبد الله بن الزبير بن عبد المطلب الهاشمي ، وأولاده عبد الله وعتبة ، وبريدة الأسلمي ، وعبادة بن الصامت ، وأبو أيوب الأنصاري ، وعثمان بن حنيف وإخوته ، وعبد الرحمن بن سهل الأنصاري ، ومالك بن الحارث الأشتر وإخوته ، ومعه عدد من القادة والفرسان النخعيين ، وصعصعة بن صوحان العبدي وإخوته ، والأحنف بن قيس ، وحجر بن عدي الكندي ، وعمرو بن الحمق الخزاعي ، وأبو الهيثم بن التيهان ، وجعدة بن هبيرة بن أخت أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، والنعمان بن مقرن ، وبديل بن ورقاء الخزاعي ، ومحمد بن أبي حذيفة الأنصاري ، وأبو أمامة الباهلي ، وأبو رافع مولى النبي ( صلى الله عليه وآله ) وأولاد أبي رافع ، وواثلة بن الأسقع الكناني ، والبراء بن عازب ، وبلال بن رباح مؤذن النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، وقيس بن ثابت الأنصاري ، وعبد الله بن خليفة البجلي ، وعدي بن حاتم الطائي ، وأبو عبيد بن مسعود الثقفي ، وأبو الدرداء ، ومحمد بن أبي بكر ، ومحمد بن أبي حذيفة الأموي ، وجارية بن قدامة السعدي ، وأبو الأسود الدؤلي . . وغيرهم . .

وقد روي أن الإمام ( عليه السلام ) أرسل عدداً منهم ، بل يبدو أن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) كان يشير على الخليفة أن يولي فلاناً أو يؤمر على الجيش فلاناً ، أو يكتب إلى قائد الجبهة أن يفعل كذا ، خاصة في المعارك الحرجة ، كمعركة اليرموك التي كانت فاصلة في هزيمة الروم ، وسببت انسحاب هرقل من بلاد الشام . ومعركة نهاوند التي أنهت القوة العسكرية الفارسية، وهرب بعدها ملكهم يزدجرد وصار يتنقل في البلاد متخفياً، حتى بات في مطحنة، فقتله الطحان!

هذا ، وستعرف أن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) هو الذي وضع خطة فتح فارس والشام وفلسطين ومصر ، ودبَّر قادتها ، وتابع مراحلها ، وشجع عمر على مواصلتها . وأن أبا بكر وعمر بسطا يده ( عليه السلام ) في إدارة الفتوح ، لحاجتهما إلى علمه وتدبيره ، وتأثيره على الفرسان والشخصيات ، خاصة أنه لا خبرة عسكرية عندهما .

ومن المؤيدات : الأحاديث المتواترة في أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) أخبر من أول بعثته وأكد في مراحل دعوته ، بأن الله تعالى وعده أن يفتح على أمته بلاد فارس والروم . فصارت الفتوحات فرضاً على أي سلطة بعد ه ، والفرض يتضمن الإذن . ( الكافي : 8 / 216 ، وابن هشام : 2 / 365 ، والبيهقي : 7283 ) .

ومن المؤيدات : أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) بدأ الفتوحات بنفسه بحرب الروم ، وأيد معركة ذي قار مع الفرس ، وراسل ملوك العالم يدعوهم إلى الإسلام أو الحرب !

ومنها : ما رواه في الكافي ( 1 / 539 ) عن عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ هَاشِمٍ ، عَنْ أَبِيه ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسَى ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا عَنِ الْعَبْدِ الصَّالِحِ ، أي الإمَامِ الكَاظِم ( عليه السلام ) قَال : « والأَنْفَالُ إِلَى الْوَالِي ، وكُلُّ أَرْضٍ فُتِحَتْ فِي أَيَّامِ النَّبِيِّ ( صلى الله عليه وآله ) إِلَى آخِرِ الأَبَدِ ، ومَا كَانَ افْتِتَاحاً بِدَعْوَةِ أَهْلِ الْجَوْرِ وأَهْلِ الْعَدْلِ ، لأَنَّ ذِمَّةَ رَسُولِ اللَّه فِي الأَوَّلِينَ والآخِرِينَ ذِمَّةٌ وَاحِدَةٌ ، لأَنَّ رَسُولَ اللَّه ( صلى الله عليه وآله ) قَالَ : الْمُسْلِمُونَ إِخْوَةٌ تَتَكَافَى دِمَاؤُهُمْ ويَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ » .

ومن المؤيدات : أن علياً ( عليه السلام ) عندما بويع بالخلافة واصل سياسة الفتوح في ثلاث جبهات أو أكثر . قال ابن الأعثم ( 2 / 447 ) : « وأخذ علي برأي أبي أيوب الأنصاري في الإقامة بالمدينة ، ثم دعا بابن أخته جعدة بن هبيرة بن أبي وهب المخزومي ، فعقد له عقداً وولاه على بلاد خراسان ، وأمره بالمسير ليفتح ما بقي منها » .

كما بعث الذين شكُّوا في حربه لمعاوية في صفين إلى المرابط والفتوح ، فكان أول لواء عقده للربيع بن خيثم ، وأرسله إلى إيران .

وكذلك أرسل العلاء بن الحضرمي عامله على البحرين لفتح بعض مناطق الهند ، وكان فتح مناطق من إيران حتى إصطخر وشيراز قبل ذلك .

بينما أوقف معاوية الفتوحات ، وعقد صلحاً مع هرقل ملك الروم على جزية سنوية باهضة قدرها مئة ألف دينار ذهباً ، ليتفرغ لحرب علي ( عليه السلام ) !

قال المسعودي في مروج الذهب ( 2 / 377 ) : « وامتنع المسلمون عن الغزو في البحر والبر لشغلهم بالحروب ، وقد كان معاوية صالح ملك الروم على مال يحمله إليه لشغله بعلي » .

وقال ابن الأعثم ( 2 / 539 ) : « فنادى علي في الناس فجمعهم ، ثم خطبهم خطبة بليغة وقال : أيها الناس ! إن معاوية بن أبي سفيان قد وادع ملك الروم، وسار إلى صفين في أهل الشام عازماً على حربكم، فإن غلبتموهم استعانوا عليكم بالروم». وصححوا روايته في مسند أحمد: 4 / 111 ، وتفسير ابن كثير : 2 / 333 .

ونختم الموضوع بالإلفات إلى أمور قد توجب الحكم بصحة الرواية الضعيفة كرواية مشاورة أبي بكر وعمر لعلي ( عليه السلام ) ، وهي : الإستفاضة ، وعلو المتن ، واعتماد الرواية من قبل العلماء .

أما الإستفاضة فاعتبرها السيد الخوئي موجبة للصحة . قال في معجمه ( 8 / 360 ) : « وإن استفاضة الروايات أغنتنا عن النظر في إسنادها ، وإن كانت جلها بل كلها ضعيفة ، أو قابلة للمناقشة » . وقال في كتاب الصلاة ( 4 / 392 ) : « لما عرفت من أن النصوص الناطقة باختصاص المحل بما قبل الركوع بالغة حد الإستفاضة بحيث أصبحت معلومة الصدور » .

لكنه قال في مصباح الفقاهة ( 1 / 524 ) : « وأما الإستفاضة فهي لا تنافي عدم الاعتبار ، فإن الخبر المستفيض قسم من أخبار الآحاد ، كما حقق في محله ، ولذا يجعلونه في مقابل المتواتر » . انتهى .

والصحيح ولعله مقصوده ( رحمه الله ) : أن الإستفاضة قد توجب الاطمئنان بصدور الحديث ، وقد لا توجب . ومن الموارد التي توجب فيها الاطمئنان أحاديث إذن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) في الفتوح ومشاركته في تدبيرها .

وكذلك القول في علو المتن ، بمعنى أن تكون في النص صفات توجب الاطمئنان بأنه كلام المعصوم ( عليه السلام ) ، لأنه لو أراد غيره أن يَكْذِبَه عليه ما استطاع ، كعدد من خطب أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، ومنها كلامه الذي يتظلم فيه من نسبة الفتوحات إلى تدبير الخلفاء ، مع أنها من تدبيره ( عليه السلام ) .

وكذا عمل الأصحاب بالرواية ، كعملهم برواية الخصال ، فقد اعتبره الشيخ الأنصاري ( رحمه الله ) جابراً لضعفها في الجملة .

قال في المكاسب ( 2 / 244 ) : « قوله ( عليه السلام ) : وأما الرابعة - يعني من المواطن الممتحن بها بعد النبي ( صلى الله عليه وآله ) - فإن القائم بعد صاحبه - يعني عمر بعد أبي بكر - كان يشاورني في موارد الأمور فيصدرها عن أمري ، ويناظرني في غوامضها فيمضيها عن رأيي . لا أعلم أحداً ، ولا يعلمه أصحابي ، يناظره في ذلك غيري . . . الخبر .

والظاهر أن عموم الأمور إضافي بالنسبة إلى ما لا يقدح في رئاسته مما يتعلق بالسياسة . ولا يخفى أن الخروج إلى الكفار ودعاءهم إلى الإسلام من أعظم تلك الأمور ، بل لا أعظم منه . وفي سند الرواية جماعة تُخرجها عن حد الاعتبار إلا أن اعتماد القميين عليها وروايتهم لها ، مع ما عرف من حالهم لمن تتبعها من أنهم لا يُخَرِّجُون في كتبهم رواية في راويها ضعف ، إلا بعد احتفافها بما يوجب الاعتماد عليها ، جابر لضعفها في الجملة » .

أقول : الإنصاف أن الرواية معتبرة بعمل الصدوق ( عليه السلام ) وبقرائن أخرى ، وهي تدل على إمضاء الإمام ( عليه السلام ) ، لأصل الفتح ومشاركته في تدبيره ، لكنها لا تدل على تصحيحه لسياسات عمر في الفتح ، وفي إدارة البلاد المفتوحة .

وبعد أن أنهيت هذا الفصل قدمته إلى سماحة السيد الميلاني ، وهو من جمهرة فقهائنا المتشددين في القول بأن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) لم يشارك في الفتوحات ولم يأذن بها ، فتفضل بكتابة تعليقات ، وهي تحتاج إلى بحث لا يتسع له المجال . وهي في إطار قوله دام ظله : المشاركة لا يقول بها أحد له إلمامٌ بعلم الكلام ، والإذن لا دليل عليه !

( 6 ) إذن المعصوم في الفتوحات لا يعطي شرعية للحاكم

تصور بعضهم أن مشاركة أمير المؤمنين ( عليه السلام ) في الفتوحات تعني اعترافه بشرعية حكم أبي بكر وعمر وعثمان ، وهو ما لم يصدر عنه ( عليه السلام ) بل لا يجوز له أن يفعله !

 

والصحيح أن مشاركته لا تستوجب ذلك ، فرب شخص لا يعترف بشرعية حاكم ومع ذلك يساعده في بعض الأعمال ، فقد كان يوسف ( عليه السلام ) وزيراً لفرعون وساعده في حل الأزمة الاقتصادية ، ولم يعترف بألوهيته ولا شرعيته !

وقد كتب أمير المؤمنين ( عليه السلام ) في رسالته لأهل مصر أنه نهض من أجل الإسلام وأمته ، وليس من أجل نظام الحكم ، فقال ( عليه السلام ) كما في نهج البلاغة : 3 / 118 ، والغارات للثقفي : 1 / 307 ، والإمامة والسياسة : 1 / 133 : « فأمسكت يدي حتى رأيت راجعة الناس قد رجعت عن الإسلام يدعون إلى محق دين محمد ( صلى الله عليه وآله ) ! فخشيت إن لم أنصر الإسلام وأهله أن أرى فيه ثلماً أو هدماً ، تكون المصيبة به عليَّ أعظم من فوت ولايتكم ، التي إنما هي متاع أيام قلائل ، يزول منها ما كان كما يزول السراب ، أو كما يتقشع السحاب . فنهضت في تلك الأحداث حتى زاح الباطل وزهق ، واطمأن الدين وتنهنه » . ومعنى تنهنه : سكن واطمأن .

وأضافت رواية الثقفي في الغارات : 1 / 306 ، وابن قتيبة في الإمامة والسياسة : 1 / 133 ، وشرح النهج : 6 / 95 : « فمشيت عند ذلك إلى أبي بكر فبايعته ، ونهضت في تلك الأحداث حتى زاغ الباطل وزهق » .

وكلمة « فبايعته » لا تصح على أصولنا ، لأنه ( عليه السلام ) كان بايعه مكرهاً بعد وفاة النبي ( صلى الله عليه وآله ) بأيام ، ولا يجوز له أن يبايعه مختاراً .

والصحيح : تألفته بدل بايعته ، كما رواه في المسترشد / 97 ، و / 411 ، ودلائل الإمامة : 1 / 83 ، في منشور أمير المؤمنين ( عليه السلام ) الذي كتبه ليُقرأ على المسلمين في بلادهم وهو من صفحات ، قال ( عليه السلام ) : « ورأيت الناس قد امتنعوا بقعودي عن الخروج إليهم ، فمشيت عند ذلك إلى أبي بكر فتألفته ، ولولا أني فعلت ذلك لباد الإسلام ! ثم نهضت في تلك الأحداث حتى انزاح الباطل ، وكانت كلمة الله هي العليا » .

( 7 ) موقف أمير المؤمنين ( عليه السلام ) من نظام الحكم بعد النبي ( صلى الله عليه وآله )

استمرت المرحلة الحادة بين علي ( عليه السلام ) ومؤيديه مع أبي بكر وعمر ومؤيديهم نحو شهر ، حتى أكمل الإمام ( عليه السلام ) إتمام حجته وسجل موقفه .

وقد بدأت عندما اغتنم أبو بكر وعمر وأبو عبيدة انشغال علي ( عليه السلام ) بتجهيز النبي ( صلى الله عليه وآله ) وسارعوا ثلاثتهم إلى سقيفة بني ساعدة ، وصفقوا على يد أبي بكر باسم خليفة النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، فاعترض سعد وكان مريضاً مثقلاً فردوه بعنف ، واستنفروا طلقاء قريش فزفوا أبا بكر وأجلسوه على منبر النبي ( صلى الله عليه وآله ) للبيعة .

واعترض عليهم أكثر الأنصار ، وكل بني هاشم ، وعدد من كبار الصحابة ، بأن بيعتهم ابتزازٌ بدون مشورة ، وقد وصفها عمر فيما بعد كما في البخاري ، بأنها كانت فَلْتَة بدون مشورة ، وقال : من فعل مثلها فاقتلوه !

وجاء سلمان بخبر السقيفة إلى علي ( عليه السلام ) وهو يُغَسٍّل النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، بأنهم صفقوا على يد أبي بكر ، فسجل موقفه وأعطى رأيه ، لكنه لم يحرك ساكناً . ( الكافي : 8 / 343 ) ثم جاءه أبو سفيان يحركه للقيام في وجه أهل السقيفة ، فرده ، ولم يحرك ساكناً .

ثم جاءه رسولهم يطلب حضوره لبيعة خليفة النبي ( صلى الله عليه وآله ) بتعبيرهم ، فقال له : « لسريع ما كذبتم على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، ما أعلم لرسول الله خليفة غيري ! فرجع فأبلغ الرسالة . قال : فبكى أبو بكر طويلاً . فقال عمر الثانية : لا تمهل هذا المتخلف عنك بالبيعة » . ( الإمامة والسياسة لابن قتيبة : 1 / 19 ) .

ثم هاجموا بيته وأشعلوا الحطب على باب داره ، وهددوه ومن معه بأنهم سيحرقون البيت عليهم إن لم يخرجوا فيبايعوا ، فسجل موقفه ورأيه فيهم ، لكنه لم يجرد سيفه !

ثم تكاثروا عليه وجروه إلى المسجد وطلبوا منه البيعة فرفض ، وهددوه بالقتل إن لم يفعل ، فامتنع عن البيعة وسجل موقفه ، وأعلن رأيه فيهم .

وجاء عمه العباس ليحل المشكلة، فأخذ يد علي ( عليه السلام ) فقبضها فلم يستطع العباس فتحها ، فمسح بها وهي مقبوضة على يد أبي بكر ، فرضوا بذلك .

وبعد أن أكمل علي ( عليه السلام ) تجهيز النبي ( صلى الله عليه وآله ) ودفنه ، وأكمل جمع القرآن كما أمره ، أخذ زوجته وولديه وجال على نقباء الأنصار وكبارهم ، وطالبهم بالوفاء ببيعتهم للنبي ( صلى الله عليه وآله ) بحمايته وحماية أهل بيته ( عليهم السلام ) ، فوعده قسم منهم ، فطلب أن يأتوا غداً إلى بيته محلقين رؤوسهم ، فجاءه أربعة منهم فقط .

وتحرك عدد من كبار الصحابة من المهاجرين والأنصار، فتكلموا مع الأنصار، وناظروا القرشيين وخطبوا في المسجد، وأدانوا السقيفة، واستنكروا عزل قريش لعترة النبي ( صلى الله عليه وآله ) وطالبوا بتنفيذ وصيته في عترته ( عليهم السلام ) .

وخطبت فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) في المسجد خطبة صريحة بليغة ، أدانت فيها السقيفة لأنها انقلابٌ من الأمة بعد رسولها ( صلى الله عليه وآله ) ، وطالبت الأنصار بالجهاد ، لمنع الانقلاب ، وتدارك آثاره الكارثية على الأمة .

وكان آخر ما قام به علي ( عليه السلام ) عندما جاءه اثنا عشر صحابياً من المهاجرين والأنصار ، وأخبروه بأنهم قرروا أن ينزلوا أبا بكر عن منبر النبي ( صلى الله عليه وآله ) يوم الجمعة ، فنهاهم عن فعل ذلك لأنهم قلة ، والأنصار منقسمون مترددون ، والطلقاء ملؤوا المدينة حتى صاروا أكثر من أهلها ، وهم مستعدون لسفك الدماء لأجل الخلافة !

وأمرهم أن يقيموا الحجة على أبي بكر وعمر ، وحضر معهم ، وكانت جمعة حافلة ، كسروا فيها حجة أبي بكر وعمر ، فذهبا مع أنصارهما إلى بيوتهم ، ولم يأتوا إلى المسجد إلا بعد ثلاثة أيام ، وقد حضَّروا الطلقاء لقتال من خالفهم .

روى في الإحتجاج : 1 / 97 : « عن أبان بن تغلب قال : قلت لأبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق ( عليه السلام ) : جعلت فداك هل كان أحد في أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أنكر على أبي بكر فعله وجلوسه مجلس رسول ( صلى الله عليه وآله ) ؟ قال : نعم كان الذي أنكر على أبي بكر اثنا عشر رجلاً . من المهاجرين : خالد بن سعيد بن العاص ، وكان من بني أمية ، وسلمان الفارسي ، وأبو ذر الغفاري ، والمقداد بن الأسود ، وعمار بن ياسر ، وبريدة الأسلمي . ومن الأنصار : أبو الهيثم بن التيهان ، وسهل وعثمان ابنا حنيف ، وخزيمة بن ثابت ذو الشهادتين ، وأبي بن كعب ، وأبو أيوب الأنصاري . قال : فلما صعد أبو بكر المنبر تشاوروا بينهم فقال بعضهم لبعض : والله لنأتينه ولننزلنه عن منبر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ! وقال آخرون منهم: والله لئن فعلتم ذلك إذا أعنتم على أنفسكم فقد قال الله عز وجل: "وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى الْتَّهْلُكَةِ" فانطلقوا بنا إلى أمير المؤمنين لنستشيره ونستطلع رأيه ، فانطلق القوم إلى أمير المؤمنين ( عليه السلام ) بأجمعهم فقالوا : يا أمير المؤمنين تركت حقاً أنت أحق به وأولى به من غيرك ، لأنا سمعنا رسول الله يقول : علي مع الحق والحق مع علي يميل مع الحق كيف ما مال . ولقد هممنا أن نصير إليه فننزل عن منبر رسول الله (صلى الله عليه وآله) فجئناك لنستشيرك ونستطلع رأيك، فما تأمرنا ؟

فقال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : وأيم الله لو فعلتم ذلك لما كنتم لهم إلا حرباً ، ولكنكم كالملح في الزاد وكالكحل في العين ، وأيم الله لو فعلتم ذلك لأتيتموني شاهرين بأسيافكم مستعدين للحرب والقتال وإذا لأتوني فقالوا لي بايع وإلا قتلناك ، فلا بد لي من أدفع القوم عن نفسي ، وذلك أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أوعز إلي قبل وفاته وقال لي : يا أبا الحسن إن الأمة ستغدر بك من بعدي وتنقض فيك عهدي ، وإنك مني بمنزلة هارون من موسى ، وإن الأمة من بعدي كهارون ومن اتبعه والسامري ومن اتبعه ! فقلت : يا رسول الله فما تعهد إلي إذا كان كذلك ؟ فقال : إذا وجدت أعواناً فبادر إليهم وجاهدهم ، وإن لم تجد أعواناً كف يدك واحقن دمك حتى تلحق بي مظلوماً . فلما توفي رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) اشتغلت بغسله وتكفينه والفراغ من شأنه ، ثم آليت على نفسي يميناً أن لا أرتدي برداء إلا للصلاة حتى أجمع القرآن ، ففعلت ، ثم أخذت بيد فاطمة وابني الحسن والحسين ، فدرت على أهل بدر وأهل السابقة فناشدتهم حقي ودعوتهم إلى نصرتي ، فما أجابني منهم إلا أربعة رهط : سلمان وعمار وأبو ذر والمقداد ، ولقد راودت في ذلك بقية أهل بيتي ، فأبوا علي إلا السكوت لما علموا من وغارة صدور القوم وبغضهم لله ورسوله ولأهل بيت نبيه .

فانطلقوا بأجمعكم إلى الرجل فعرفوه ما سمعتم من قول نبيكم ، ليكون ذلك أوكد للحجة وأبلغ للعذر وأبعد لهم من رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إذا وردوا عليه . فسار القوم حتى أحدقوا بمنبر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وكان يوم الجمعة ، فلما صعد أبو بكر المنبر قال المهاجرون للأنصار : تقدموا وتكلموا فقال الأنصار للمهاجرين : بل تكلموا وتقدموا أنتم فإن الله عز وجل بدأ بكم في الكتاب . . . فأول من تكلم به خالد بن سعيد بن العاص . . » . ثم ذكر خطبة سعيد ، ورد عمر بن الخطاب عليه ، وجواب سعيد الشديد له ، وانكسار عمر . وذكر خطب البقية . .

ثم قال : « قال الصادق ( عليه السلام ) : فأفحم أبو بكر على المنبر حتى لم يحر جواباً ، ثم قال : وليتكم ولست بخيركم ، أقيلوني أقيلوني ! فقال له عمر بن الخطاب : إنزل عنها يا لكع ! إذا كنت لا تقوم بحجج قريش لمَ أقمت نفسك هذا المقام ؟ والله لقد هممت أن أخلعك وأجعلها في سالم مولى أبي حذيفة !

قال : فنزل ثم أخذ بيده وانطلق إلى منزله ، وبقوا ثلاثة أيام لا يدخلون مسجد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ! فلما كان في اليوم الرابع جاءهم خالد بن الوليد ومعه ألف رجل ( يقصد هيأ ألفاً ) فقال لهم : ما جلوسكم فقد طمع فيها والله بنو هاشم ؟ وجاءهم سالم مولى أبي حذيفة ومعه ألف رجل ، وجاءهم معاذ بن جبل ومعه ألف رجل ، فما زال يجتمع إليهم رجل رجل حتى اجتمع أربعة آلاف رجل ، فخرجوا شاهرين بأسيافهم يقدمهم عمر بن الخطاب ، حتى وقفوا بمسجد رسول الله ، فقال عمر : والله يا أصحاب علي لئن ذهب منكم رجل يتكلم بالذي تكلم بالأمس لنأخذن الذي فيه عيناه !

فقام إليه خالد بن سعيد بن العاص وقال: يا ابن صهاك الحبشية أبأسيافكم تهددوننا، أم بجمعكم تفزعوننا، والله إن أسيافنا أحد من أسيافكم، وإنا لأكثر منكم وإن كنا قليلين، لأن حجة الله فينا. والله لولا أني أعلم أن طاعة الله ورسوله ( صلى الله عليه وآله ) وطاعة إمامي أولى بي ، لشهرت سيفي وجاهدتكم في الله إلى أن أبلي عذري ! فقام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) وقال : أجلس يا خالد ، فقد عرف الله لك مقامك وشكر لك سعيك . فجلس .

وقام إليه سلمان الفارسي فقال : الله أكبر الله أكبر ! سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بهاتين الأذنين وإلا صُمَّتَا ، يقول : بينا أخي وابن عمي جالس في مسجدي مع نفر من أصحابه ، إذ تكبسه جماعة من كلاب أصحاب النار ، يريدون قتله وقتل من معه ، فلست أشك إلا وإنكم هم !

فهمَّ به عمر بن الخطاب، فوثب إليه أمير المؤمنين ( عليه السلام ) وأخذ بمجامع ثوبه ثم جلد به الأرض ، ثم قال : يا ابن صهاك الحبشية ! لولا كتاب من الله سبق وعهد من رسول الله تقدم، لأريتك أينا أضعف ناصراً وأقل عدداً !

ثم التفت إلى أصحابه فقال : انصرفوا رحمكم الله ، فوالله لا دخلت المسجد إلا كما دخل أخواي موسى وهارون ، إذ قال له أصحابه : فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ . والله لا دخلته إلا لزيارة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أو لقضية أقضيها ، فإنه لا يجوز لحجة أقامها رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أن يترك الناس في حيرة » !

وهذه الفقرة الأخيرة تحدد موقف علي ( عليه السلام ) من نظام الخلافة القرشية بدقة .

 

 




العرب امة من الناس سامية الاصل(نسبة الى ولد سام بن نوح), منشؤوها جزيرة العرب وكلمة عرب لغويا تعني فصح واعرب الكلام بينه ومنها عرب الاسم العجمي نطق به على منهاج العرب وتعرب اي تشبه بالعرب , والعاربة هم صرحاء خلص.يطلق لفظة العرب على قوم جمعوا عدة اوصاف لعل اهمها ان لسانهم كان اللغة العربية, وانهم كانوا من اولاد العرب وان مساكنهم كانت ارض العرب وهي جزيرة العرب.يختلف العرب عن الاعراب فالعرب هم الامصار والقرى , والاعراب هم سكان البادية.



مر العراق بسسلسلة من الهجمات الاستعمارية وذلك لعدة اسباب منها موقعه الجغرافي المهم الذي يربط دول العالم القديمة اضافة الى المساحة المترامية الاطراف التي وصلت اليها الامبراطوريات التي حكمت وادي الرافدين, وكان اول احتلال اجنبي لبلاد وادي الرافدين هو الاحتلال الفارسي الاخميني والذي بدأ من سنة 539ق.م وينتهي بفتح الاسكندر سنة 331ق.م، ليستمر الحكم المقدوني لفترة ليست بالطويلة ليحل محله الاحتلال السلوقي في سنة 311ق.م ليستمر حكمهم لاكثر من قرنين أي بحدود 139ق.م،حيث انتزع الفرس الفرثيون العراق من السلوقين،وذلك في منتصف القرن الثاني ق.م, ودام حكمهم الى سنة 227ق.م، أي حوالي استمر الحكم الفرثي لثلاثة قرون في العراق,وجاء بعده الحكم الفارسي الساساني (227ق.م- 637م) الذي استمر لحين ظهور الاسلام .



يطلق اسم العصر البابلي القديم على الفترة الزمنية الواقعة ما بين نهاية سلالة أور الثالثة (في حدود 2004 ق.م) وبين نهاية سلالة بابل الأولى (في حدود 1595) وتأسيس الدولة الكشية أو سلالة بابل الثالثة. و أبرز ما يميز هذه الفترة الطويلة من تأريخ العراق القديم (وقد دامت زهاء أربعة قرون) من الناحية السياسية والسكانية تدفق هجرات الآموريين من بوادي الشام والجهات العليا من الفرات وتحطيم الكيان السياسي في وادي الرافدين وقيام عدة دويلات متعاصرة ومتحاربة ظلت حتى قيام الملك البابلي الشهير "حمورابي" (سادس سلالة بابل الأولى) وفرضه الوحدة السياسية (في حدود 1763ق.م. وهو العام الذي قضى فيه على سلالة لارسة).