أقرأ أيضاً
التاريخ: 5-6-2020
2934
التاريخ: 6-5-2020
6259
التاريخ: 24-6-2020
4178
التاريخ: 11-6-2020
7339
|
قال تعالى : {وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ (77) وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِنْ قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ قَالَ يَا قَوْمِ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ (78) قَالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ (79) قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ } [هود: 77 - 80]
أخبر سبحانه عن إتيان الملائكة لوطا بعد خروجهم من عند إبراهيم (عليه السلام) وما جرى بينهم وبين قوم لوط فقال: {وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا} أي: لما جاءوه في صفة الآدميين { سِيءَ بِهِمْ} أي: ساءه مجيئهم لأنه خاف عليهم من قومه {وضاق بهم ذرعا} أي: ضاق بمجيئهم ذرعة أي قلبه لما رأى لهم من جمال الصورة وحسن الشارة(2) وقد دعوه إلى الضيافة وقومه كانوا يسارعون إلى أمثالهم بالفاحشة وقيل معناه ضاق بحفظهم من قومه ذرعه حيث لم يجد سبيلا إلى حفظهم وكان قد علم عادة قومه من الميل إلى الذكور وقد أتوه في صورة الغلمان المرد وأصله أن الشيء إذا ضاق ذرعه لم يتسع له ما اتسع فاستعار ضيق الذرع عند تعذر الإمكان كما استعار الاتساع.
{ وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ} أي: هائل شديد كثير الشر التف الشر فيه بالشر وإنما قال ذلك لأنه لم يعلم أنهم رسل الله وخاف عليهم من قومه أن يفضحوهم وقال الصادق (عليه السلام) جاءت الملائكة لوطا وهي في زراعة قرب القرية فسلموا عليه ورأى هيئة حسنة عليهم ثياب بيض وعمائم بيض فقال لهم المنزل فتقدمهم ومشوا خلفه فقال في نفسه أي شيء صنعت آتي بهم قومي وأنا أعرفهم فالتفت إليهم فقال إنكم لتأتون شرارا من خلق الله وكان قد قال الله لجبرائيل لا تهلكهم حتى يشهد عليهم ثلاث مرات فقال جبرائيل (عليه السلام) هذه اثنتان ثم مشى فلما بلغ باب المدينة التفت إليهم فقال إنكم لتأتون شرارا من خلق الله فقال جبرائيل هذه الثالثة ثم دخل ودخلوا معه حتى منزله فلما رأتهم امرأته رأت هيئة حسنة فصعدت فوق السطح فصفقت فلم يسمعوا فدخنت فلما رأوا الدخان أقبلوا يهرعون فذلك قوله { وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ} أي: يسرعون في المشي لطلب الفاحشة عن قتادة ومجاهد والسدي وقيل: معناه يساقون وليس هناك سائق غيرهم فكان بعضهم يسوق بعضا عن أبي مسلم والهاء في إليه كناية عن لوط .
{ومن قبل} أي: ومن قبل إتيان الملائكة وقيل :ومن قبل مجيء قوم لوط إلى ضيفانه وقيل: من قبل مجيئهم إلى داره عن الجبائي وقيل: إنه من قبل بعثة لوط إليهم {كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ} أي: يعملون الفواحش مع الذكور { قال} لوط {يَا قَوْمِ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ} معناه: أن لوط لما هموا بأضيافه وجاهروا بذلك فألقوا جلباب الحياء فيه عرض عليهم نكاح بناته وقال هن أحل لكم من الرجال فدعاهم إلى الحلال واختلف في ذلك فقيل: أراد بناته لصلبه عن قتادة :وقيل: أراد النساء من أمته لأنهن كالبنات له فإن كل نبي أبو أمته وأزواجه أمهاتهم عن مجاهد وسعيد بن جبير واختلف أيضا في كيفية عرضهن فقيل بالتزويج : وكان يجوز في شرعه تزويج المؤمنة من الكافر وكذا كان يجوز أيضا في مبتدإ الإسلام وقد زوج النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) بنته من أبي العاص بن الربيع قبل أن يسلم ثم نسخ ذلك وقيل: أراد التزويج بشرط الإيمان عن الزجاج وكانوا يخطبون بناته فلا يزوجهن منهم لكفرهم وقيل: إنهم كان لهم سيدان مطاعان فيهم فأراد أن يزوجهما بنتيه زعوراء ورتياء {فَاتَّقُوا اللَّهَ} أي: فاتقوا عقاب الله في مواقعة الذكور { وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي} أي: لا تلزموني عارا ولا تلحقوا بي فضيحة ولا تخجلوني بالهجوم على أضيافي فإن الضيف إذا نزل به معرة لحق عارها للمضيف { أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ} أي: أليس في جملتكم رجل قد أصاب الرشد فيعمل بالمعروف وينهى عن المنكر ويزجر هؤلاء عن قبيح فعلهم ويجوز أن يكون رشيد بمعنى مرشد أي يرشدكم إلى الحق.
{ قَالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ} هذا جواب قوم لوط حين عرض عليهم بناته ودعاهم إلى النكاح المباح أي: ما لنا في بناتك من حاجة لأن ما لا يكون للإنسان فيه حاجة فإنه يرغب عنه كما يرغب عما لا حق له فيه فلذلك قالوا :{من حق} وقيل: معناه ما لنا فيهن من حق لأنا لا نتزوجهن وكانوا يقرون بأن من لم يتزوج بامرأة فإنه لا حق له فيها عن الجبائي وابن إسحاق فالقول الأول محمول على المعنى والقول الثاني على ظاهر اللفظ { وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ} أي: تعلم ميلنا إلى الغلمان دون النساء فلما لم يقبلوا الموعظة تأسف لوط على فقد تمكنه من دفاعهم بأن { قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً} أي:منعة وقدرة وجماعة أتقوى بها عليكم فأدفعكم عن أضيافي { أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ} أو أنضم إلى عشيرة منيعة تنصرني وشيعة تمنعني لدفعتكم ولكن لا يمكنني أن أفعل ذلك .
قال الصادق (عليه السلام): فقال جبرائيل لو يعلم أي قوة له! قال فكابروه حتى دخلوا البيت فصاح به جبرائيل أن يا لوط دعهم يدخلوا فلما دخلوا أهوى جبرائيل بإصبعه نحوهم فذهبت أعينهم وهو قوله {فطمسنا أعينهم} قال قتادة :ذكر لنا أن الله تعالى لم يبعث نبيا بعد لوط إلا في عز من عشيرته ومنعة من قومه وروي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) أنه قال: رحم الله أخي لوطا كان يأوي إلى ركن شديد وهو معونة الله تعالى.
______________________
1- تفسير مجمع البيان ،الطبرسي،ج5،ص313-315.
2- الشارة :الحسن والجمال .
{ولَمَّا جاءَتْ رُسُلُنا لُوطاً سِيئَ بِهِمْ وضاقَ بِهِمْ ذَرْعاً } . انطلق الرسل من عند إبراهيم ( عليه السلام ) إلى لوط ، وفي ج 3 ص 353 عند تفسير الآية 80 من سورة الأعراف ذكرنا ان لوطا هو ابن أخي إبراهيم ، وانه كان في شرق الأردن ، وان قومه أول من أتى الرجال شهوة دون النساء . . وكانوا يتعاطون هذه الفاحشة جهرا ، لا سرا ، ومن امتنع عنهم اغتصبوه قهرا ، حتى ولو كان من الضيوف الشرفاء . . ومن أجل هذا لما أتى رسل اللَّه لوطا على هيئة الآدميين خاف من قومه ان يعتدوا عليهم ، وهو عاجز عن مقاومتهم ومدافعتهم ، فتألم { وقالَ هذا يَوْمٌ عَصِيبٌ } قال الرازي : وانما قيل للشديد : عصيب لأنه يعصب بالشر .
{ وجاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ } اسرعوا إلى بيت لوط ، وفي ظنهم ان هذه المرة كغيرها { ومِنْ قَبْلُ كانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ } ولم يحسبوا للعواقب والمخبآت ( قالَ - لوط - يا قَوْمِ هؤُلاءِ بَناتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ } والمراد ببناته بنات أمته ، لأن النبي في أمته كالوالد في أسرته ، والمعنى تزوجوا النساء ، واستمتعوا بهن حلالا طيبا ، ودعوا اللواط ، فإنه رجس من عمل الشيطان { فَاتَّقُوا اللَّهً } يخوفهم من اللَّه ، وهو أهون شيء عند أهل الفسق والفجور { ولا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي } ان كنتم لا تخافون اللَّه فاخجلوا من أنفسكم ، ولا تمتهنوا كرامتي في الاعتداء على ضيوفي { أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ } عاقل يحول بينكم وبين ما تريدون ؟ .
{ قالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ ما لَنا فِي بَناتِكَ مِنْ حَقٍّ » - أي من رغبة - « وإِنَّكَ لَتَعْلَمُ ما نُرِيدُ } . قد علمت وتعلم . . إلى هذا الحد تبلغ الصلافة بالإنسان إذا تحرر من القيود ، وتنكر للقيم ، وفقد الشعور بالمسؤولية . . وقد علمت أننا لا نرغب في البنات ، وان رغبتنا في الرجال والغلمان ، وعلمت أيضا اننا لا نكترث بك ولا بإلهك ، فعلام هذا الفضول في قولك : { فَاتَّقُوا اللَّهً ولا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي } .
ولقوم لوط أشباه ونظائر في الوقاحة والصلافة ، وما أكثرهم اليوم ! . ومنهم مربون ومعلمون في المدارس والجامعات . . ونحن لا نشك ان في رجال الدين من هم أسوأ ألف مرة من هؤلاء ، ولكن المؤكد ان العالم يكون أسوأ حالا مما هو عليه الآن لو لم يكن هناك دعاة إلى الدين والقيم .
{ قالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ } . بعد ان آيس لوط من من قومه تمنى ان يكون له ناصر ينصره عليهم ، أو مجير يجيره منهم ، تمنى هذا ، وهو لا يعلم أن نصر اللَّه عنده وفي بيته ، وانه لم يبق من الوقت لهلاك الظالمين سوى سواد ليلته .
___________________
1- التفسير الكاشف، محمد جواد مغنية،ج4، ص ٢٥٣،254.
الآيات تذكر عذاب قوم لوط، وهي من وجه تتمة الآيات السابقة التي قصت نزول الملائكة ودخولهم على إبراهيم (عليه السلام) وتبشيره بإسحاق فإنما كانت كالتوطئة لقصة عذاب قوم لوط.
قوله تعالى:{ وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ} يقال: ساءه الأمر مساءة أي أوقع عليه السوء، وسيء بالأمر بالبناء للمجهول أي أوقع عليه من ناحيته وبسببه.
والذرع مقايسة الأطوال مأخوذ من الذراع العضو المعروف لأنهم كانوا يقيسون بها، ويطلق على نفس المقياس أيضا، ويقال: ضاق بالأمر ذرعا وهو كناية عن انسداد طريق الحيلة والعجز عن الاهتداء إلى مخلص ينجو به الإنسان من النائبة كالذي يذرع ما لا ينطبق عليه ذرعه.
والعصيب فعيل بمعنى المفعول من العصب بمعنى الشد واليوم العصيب هو اليوم الذي شد بالبلاء شدا لا يقبل الانحلال ولا بعض أجزائه ينفك عن بعض.
والمعنى لما جاءت رسلنا لوطا وهم الملائكة النازلون بإبراهيم (عليه السلام) ساء مجيئهم لوطا، وعجز عن الاحتيال لنجاتهم من شر القوم فإنهم دخلوا عليه في صور غلمان مرد صبيحي المنظر وكان قومه ذوي حرص شديد على إتيان الفحشاء ما كان من المترقب أن يعرضوا عنهم ويتركوهم على حالهم، ولذلك لم يملك لوط نفسه دون أن قال:{هذا يوم عصيب} أي شديد ملتف بعض شره ببعض.
قوله تعالى:{ وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِنْ قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ} قال الراغب: يقال: هرع وأهرع ساقه سوقا بعنف وتخويف، انتهى. وعن كتاب العين، الإهراع السوق الحثيث، انتهى.
وقوله:{ومن قبل كانوا يعملون السيئات} أي ومن قبل ذلك كانوا يقترفون المعاصي ويأتون بالمنكرات فكانوا مجترءين على إيقاع الفحشاء معتادين بذلك لا ينصرفون عنه بصارف، ولا يحجبهم عن ذلك استحياء أو استشناع، ولا ينزجرون بموعظة أو ملامة أو مذمة لأن العادة تسهل كل صعب وتزين كل قبيح ووقيح.
والجملة كالمعترضة بين قوله:{وجاءه قومه يهرعون إليه} وقوله:{قال يا قوم هؤلاء بناتي} إلخ، وهي نافعة في مضمون طرفيها أما فيما قبلها فإنها توضح أن الذي كان يهرعهم ويسوقهم إلى لوط (عليه السلام) هو أنهم كانوا يعملون السيئات وصاروا بذلك معتادين على إتيان الفحشاء ولعين به فساقهم ذلك إلى المجيء إليه وقصد السوء بأضيافه.
وأما فيما بعدها فإنها تفيد أنهم لرسوخ الملكة واستقرار العادة سلبوا سمع القبول وأن يزجرهم زاجر من عظة أو نصيحة، ولذلك بدأ لوط في تكليمهم بعرض بناته عليهم ثم قال لهم:{ اتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي} إلخ.
قوله تعالى:{ قَالَ يَا قَوْمِ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ} إلى آخر الآية، لما رآهم تجمعوا على الشر لا يصرفهم عن ذلك مجرد القول بعظة أو أغلاظ في الكلام أراد أن يصرفهم عنه بتبديل ما يريدون من الفحشاء مما لا معصية فيه من الحلال فعرض بناته عليهم ورجحه لهم بأنهن أطهر لهم.
وإنما المراد بصيغة التفضيل - أطهر - مجرد الاشتمال على الطهارة من غير شوب بقذارة، والمراد هي طهارة محضا، وهو استعمال شائع، قال تعالى:{ما عند الله خير من اللهو:} الجمعة: - 11، وقال{والصلح خير:} النساء: - 128. وتفيد معنى الأخذ بالمتيقن.
وتقييد قوله:{هؤلاء بناتي} بقوله:{هن أطهر لكم} شاهد صدق على أنه إنما عرض لهم مسهن عن نكاح لا عن سفاح وحاشا مقام نبي الله عن ذلك، وذلك لأن السفاح لا طهارة فيه أصلا وقد قال تعالى:{ولا تقربوا الزنى إنه كان فاحشة وساء سبيلا:} إسراء: - 32، وقال:{ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن:} الأنعام: - 151، وقد تقدم في تفسير هذه الآية أن ما تتضمنه هو من الأحكام العامة المشرعة في جميع الشرائع الإلهية النازلة على أنبيائه.
ومن هنا يظهر فساد قول من يقول: إنه عرض عليهم بناته من غير تقييده بنكاح.
ولست أدري ما معنى علاج فحشاء بفحشاء غيرها؟ وما معنى قوله حينئذ:{فاتقوا الله}؟ ولو كان يريد دفع الفضيحة والعار عن نفسه فقط لاكتفى بقوله:{ولا تخزون في ضيفي}.
وربما قيل: إن المراد بقوله:{هؤلاء بناتي} الإشارة إلى نساء القوم لأن النبي أبو أمته فنساؤهم بناته كما أن رجالهم بنوه، يريد أن قصد الإناث وهو سبيل فطري خير لكم وأطهر من قصد الذكور من طريق الفحشاء.
وهو تحكم لا دليل عليه من جهة اللفظ البتة، وأما كونهم كفارا وبناته مسلمات ولا يجوز إنكاح المسلمة من الكافر فليس من المعلوم أن ذلك من شريعة إبراهيم حتى يتبعه لوط (عليه السلام) فمن الجائز أن يكون تزويج المؤمنة بالكافر جائزا في شرعه كما أنه كان جائزا في صدر الإسلام، وقد زوج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بنته من أبي العاص بن الربيع وهو كافر قبل الهجرة ثم نسخ ذلك.
على أن قولهم في جوابه:{ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ} لا يلائم كون المراد بالبنات في كلامه إنما هي نساؤهم لا بناته من صلبه فإنهم ما كانوا مؤمنين به حتى يعترفوا بكون نسائهم بناته إلا أن يكون المراد التهكم ولا قرينة عليه.
لا يقال تعبيره (عليه السلام) بالبنات وليس له عندئذ إلا بنتان يدل على أن مراده بناته من نساء أمته لا بنتاه غير الصادق عليه لفظ الجمع.
لأنا نقول: لا دليل على ذلك من كلامه تعالى ولا وقع ذلك في نقل يعتمد عليه، نعم وقع في التوراة الحاضرة أنه كان للوط بنتان فقط.
ولا اعتماد على ما تتضمنه.
وقوله:{ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي} بيان للمطلوب، وقوله:{ولا تخزون في ضيفي} عطف تفسيري لقوله:{فاتقوا الله} فإنه (عليه السلام) إنما كان يطلب منهم أن لا يتعرضوا لضيفه لتقوى الله لا لهوى نفسه وعصبية جاهلية منه، ولم يكن عنده فرق بين ضيفه وغيرهم فيما كان يردعهم، وقد وعظهم بالردع عن هذا الذنب الشنيع وألح على ذلك سنين متمادية.
وإنما علق الردع على معنى الضيافة وإضافة الضيف إلى نفسه وذكر الخزي الوارد عليه من التعرض لهم كل ذلك رجاء أن يهيج صفة الفتوة والكرامة فيهم ولذلك عقب ذلك بالاستغاثة والاستنصار بقوله:{ أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ} لعله يجد فيهم ذا رشد إنساني فينتصر له وينجيه وضيوفه من أيدي أولئك الظالمين لكن القوم كانوا كما قال الله تعالى:{ لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ:} الحجر: - 72 ولم يؤثر ذلك فيهم أثرا ولم ينتهوا عن قوله بل أجابوا بما أيأسوه به من أي إلحاح في ذلك.
قوله تعالى:{ قَالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ} هذا جواب القوم عما دعاهم إليه لوط من النكاح المباح أجابوا بنفي أن يكون لهم في بناته من حق وأنه يعلم ذلك ويعلم ما هو بغيتهم في هذا الهجوم وما ذا يريدون.
وقد قيل في معنى نفيهم الحق: إن معناه ما لنا في بناتك من حاجة وما ليس للإنسان فيه حاجة فكأنه لا حق له فيه ففي الكلام نوع استعارة.
وقيل: إن المراد ليس لنا في بناتك من حق لأنا لا نتزوجهن ومن لم يتزوج بامرأة فلا حق له فيها فالمراد بنفي الحق نفي سببه وهو الازدواج.
وقيل: المراد بالحق هو الحظ والنصيب دون الحق الشرعي أو العرفي أي لا رغبة لنا فيهن لأنهن نساء ولا ميل لنا إليهن.
والذي يجب الالتفات إليه أنهم لم يقولوا: ما لنا في بناتك من حق بل قالوا:{ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ} فلم يجيبوا عنه بذلك بل بعلمه بذلك وبين القولين فرق فالظاهر أنهم ذكروه بما كان يعلم من السنة القومية الجارية بينهم، وهو المنع من التعرض لنساء الناس وخاصة بالقهر والغلبة أو ترك إتيان النساء بالمرة واستباحة التعرض للغلمان وقضاء الوطر منهم، وقد كان لوط يردعهم عن سنتهم ذلك إذ يقول لهم:{ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ:} الأعراف: - 81{ أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ (165) وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ:} الشعراء: - 166{ أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ:} العنكبوت: - 29، ولا شك أن السنة القومية الجارية على فعل شيء يثبت حقا فيه، والجارية على تركه ينفي الحق.
وبالجملة هم يلفتون نظره (عليه السلام) إلى ما يعلم من انتفاء حقهم عن بناته بما هن نساء بحسب السنة القومية وما يعلم من إرادتهم في الهجوم على داره هذا ولعل هذا أحسن الوجوه، وبعده الوجه الثالث.
قوله تعالى:{ قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ}{يقال: أوى إلى كذا يأوي أويا ومأوى أي انضم إليه، وآواه إليه يؤويه إيواء أي ضمه إليه.
والركن هو ما يعتمد عليه البناء بعد الأساس.
الظاهر أنه لما وعظهم لوط (عليه السلام) بالأمر بتقوى الله وتهييج فتوتهم في حفظ موقعه ورعاية حرمته في عدم التعرض لضيفه بما يجلب إليه العار والخزي، وقد قطع عذرهم بعرض بناته عليهم بالنكاح ثم استغاث بالاستنصار من أولي الرشد منهم رجاء أن يوجد فيهم رجل رشيد ينصره عليهم ويدفعهم عنه فلم يجبه أحد فيما سأل ولا انماز من بينهم ذو رشد ينصره ويدفع عنه بل أيأسوه بقولهم:{ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ} لم يبق له إلا أن يظهر ما به من البث والحزن في صورة التمني فتمنى أن يكون له منهم قوة يقوى به على دفع عتاتهم الظالمين - وهو الرجل الرشيد الذي كان يسأل عنه في استغاثته - أويكون له ركن شديد وعشيرة منيعة ينضم إليهم فيدفعهم بهم.
فقوله:{ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً} أي ليت لي قدرة بسببكم بانضمام رجل منكم رشيد إلي يقوم بنصرتي فأدفعكم به، وقوله:{أو آوي إلى ركن شديد} أي أو كنت أنضم إلى ركن شديد أي عشيرة منيعة يمنعكم مني هذا ما يعطيه ظاهر السياق.
وقيل: إن معنى قوله:{لو أن لي بكم قوة} أتمنى أن يكون لي منعة وقدرة وجماعة أتقوى بها عليكم فأدفعكم عن أضيافي.
وفيه أن فيه تبديل قوله:{بكم} إلى قولنا: بهم عليكم.
وهو كما ترى.
وقيل: إن معنى{لو أن لي بكم قوة} لو قويت عليكم بنفسي.
وفيه أنه أبعد من لفظ الآية.
وقيل: إن الخطاب في الآية للأضياف دون القوم، ومعنى الآية أنه قال لأضيافه: أتمنى أن يكون لي بسببكم قوة ألقاهم بها.
وفيه أن الانتقال من خطاب القوم إلى خطاب الأضياف ولا دليل من اللفظ ظاهرا يدل عليه إبهام وتعقيد من غير موجب، وكلامه تعالى أجل من ذلك.
________________________
1- تفسير الميزان ،الطباطبائي،ج10،ص266-270.
قوم لوط وحياة الخزي:
مرّت في آيات من سورة الأعراف إشارة إلى شيء من مصير قوم لوط، وفسّرنا ذلك في محلّه، وهنا يتناول القرآن الكريم ـ وبمناسبة ما ذكره من قصص الأنبياء وأقوامهم وبما ورد في الآيات المتقدمة عن قصّة لوط وقومه ـ قسماً آخر من حياة هؤلاء القوم المنحرفين الضالين ليتابع بيان الهدف الأصلي ألا وهو سعادة المجتمع الإِنساني ونجاته بأسره.
يبيّن القرآن الكريم في هذا الصدد أوّلا ... أنّه لما جاءت رسلنا لوطاً طار هلعاً وضاق بهم ذرعاً وأحاط به الهمّ من كل جانب { وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا}.
وقد ورد في الرّوايات الإِسلامية أنّ لوطاً كان في مزرعَته حيث فوجىء بعدد من الشباب الوسيمين الصِباح الوجوه قادمون نحوه وراغبون في النّزول عنده ولرغبته باستضافتهم من جهة، ولعلمه بالواقع المرير الذي سيشهده في مدينته الملوّثة بالإِنحراف الجنسي من جهة أُخرى، كل ذلك أوجب له الهم ...
ومرّت هذه المسائل على شكل أفكار وصور مرهقة في فكره، وتحدث مع نفسه { وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ}.
لإحتمال الفضيحة والتورط في مشاكل عويصة كلمة (سيىء) مشتقّة من ساء، ومعناها عدم الإِرتياح وسوء الحال، و«الذرع» تعني «القلب» على قول، وقال آخرون: معناها «الخُلق» فعلى هذا يكون معنى {ضاق بهم ذرعاً} أنّ قلبه أصيب بتأثر شديد لهؤلاء الأضياف غير المدعوين في مثل هذه الظروف الصعبة.
ولكن بحسب ما ينقله «الفخر الرازي» في تفسيره عن «الأزهري» أنّ الذرع في هذه الموارد يعنى «الطاقة» وفي الأصل معناه الفاصلة بين اذرع البعير أثناء سيره.
وطبيعي حين يحمل البعير أكثر من طاقته فإنّه يضطر إِلى تقريب خطواته وتقليل الفاصلة بين خطواته، وبهذه المناسبة وبالتدريج استعمل هذا المعنى في عدم الإِرتياح والإِستثقال من الحوادث.
ويستفاد من بعض كتب اللغة ككتاب (القاموس» أنّ هذا التعبير إِنّما يستعمل في شدة الحادثة بحيث يجد الإِنسان جميع الطرق بوجهه موصدة.
وكلمة «عصيب» مشتقّة من «العصب» على زنة «الكلب» ومعناه ربط الشىء بالآخر وشده شدّاً محكماً، وحيث أنّ الحوادث الصعبة تشدُّ الإِنسان وكأنّها تسلبه راحته فيظل مبلبل الأفكار سُمّيت «عصيبة» وتطلق العرب على الأيّام شديدة الحر أنّها عصيبة أيضاً.
وعلى كل حال، فإنّ لوطاً لم يجد بدأ من أن يأتي بضيوفه إِلى البيت ويقوم بواجب الضيافة ولكنّه حدّثهم في الطريق ـ عدة مرّات ـ أنّ أهل هذه المدينة منحرفون وأشرار ليكونوا على حذر منهم.
ونقرأ في إحدى الرّوايات أنّ الله سبحانه أمر ملائكته أن لا يعذبوا قوم لوط حتى يعترف لوط عليهم ثلاث مرّات، ومعنى ذلك أنّه حتى في تنفيذ حكم الله بالنسبة لقوم ظالمين لابدّ من تحقق موازين عادلة في المحاكمة، وقد سمع رسل الله شهادة لوط في قومه ثلاث مرّات أثناء الطريق(2).
وورد في بعض الرّوايات أنّ لوطاً أخّر ضيوفه كثيراً حتى حلول الليل، فلعله يستطيع أن يحفظ ماء وجهه من شرور قومه، ويقوم بواجب الضيافة دون أن يُساء إِلى أضيافه. ولكن ما عسى أن يفعل الإِنسان إِذا كان عدوه داخل بيته، وكانت امرأة لوط امرأة كافرة وتساعد قومه الظالمين، وقد اطلعت على ورود هؤلاء الأضياف إِلى بيتها، فصعدت إِلى أعلى السطح وصفقت بيديها أوّلا، ثمّ بإشعال النّار وتصاعد الدخان أعلمت جماعة من هؤلاء القوم بأنّ طعمة دسمة قد وقعت في «الشِباك»(3).
يقول القرآن الكريم في هذا الصدد { وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ}(4) وكانت حياة هؤلاء القوم مسودّة وملطخة بالعار { وَمِنْ قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ} فكان من حق لوط أن يضيق ذرعاً يصرخ ممّا يرى من شدّة استيائه و{ قَالَ يَا قَوْمِ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ} فأنا مستعد أن أزوجهن إِيّاكم { فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ} يصدكم عن هذه الأعمال المخزية وينصحكم بالإِقلاع عنها.
ولكن هؤلاء القوم المفسدين أجابوا لوطاً بكل وقاحة وعدم حياء و{ قَالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ}.
وهنا وجد لوط هذا النّبي العظيم نفسه محاصراً في هذه الحادثة المريرة فنادي و{ قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً} أو سند من العشيرة والأتباع والمعاهدين الأقوياء حتى اتغلّب عليكم { أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ}.
___________________
1- تفسير الامثل ،الشيخ مكارم الشيرازي،ج6،ص128-130.
2 ـ مجمع البيان، ذيل الآية مورد البحث،واصول الكافي،ج5،ص547،ح6.
3 ـ الميزان، ج 10، ص 362،اصول الكافي،ج5،ص456،ح6.
4 ـ «يُهرعون» مشتقّة من الإِهراع ومعناها السياقة الشديدة، فكأنّما تسوق غريزة هؤلاء إِيّاهم بشدّة إِلى أضيافه.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|