المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 18053 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية



تفسير الآية (1-2) من سورة يونس  
  
10813   12:11 صباحاً   التاريخ: 18-1-2020
المؤلف : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
الكتاب أو المصدر : تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة : ......
القسم : القرآن الكريم وعلومه / التفسير الجامع / حرف الياء / سورة يونس /

قال تعالى {الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ (1) أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ قَالَ الْكَافِرُونَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ مُبِينٌ } [يونس: 1، 2].

تفسير مجمع البيان
- ذكر الطبرسي في تفسير هاتين الآيتين (1) :

{الر} قد مضى الكلام في معاني الحروف المعجمة المذكورة في أوائل السور من قبل { تلك آيات الكتاب الحكيم } معناه: أن الآيات التي جرى ذكرها أو الآيات التي أنزلت على محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) هي آيات القرآن المحكم من الباطل الممنوع من الفساد لا كذب فيه و لا اختلاف وقيل: تلك أي هذه السور آيات الكتاب الحكيم أي اللوح المحفوظ و سماه محكما لأنه ناطق بالحكمة وقيل: لأنه جمع العلوم و الحكمة وقيل: إنما وصف الكتاب بالحكيم لأنه دليل على الحق كالناطق بالحكمة ولأنه يؤدي إلى المعرفة التي تميز بها طريق الهلاك من طريق النجاة .

{ أ كان للناس عجبا أن أوحينا إلى رجل منهم أن أنذر الناس } هذه ألف استفهام المراد به الإنكار وقيل: إن المراد بالناس هنا أهل مكة قالوا نعجب أن الله سبحانه لم يجد رسولا يرسله إلى الناس إلا يتيم أبي طالب و التقدير أ كان إيحاؤنا إلى رجل من الناس بأن ينذرهم عجبا و معناه لما ذا تعجبون أن أوحينا إلى رجل منهم وليس هذا موضع التعجب بل هو الذي كان يجب فعله عند كل العقلاء فإن الله تعالى لما أكمل لعباده عقولهم و كلفهم معرفته وأداء شكره وعلم أنهم لا يصلحون ولا يقومون بذلك الإبداع يدعوهم إليه و منبه ينبههم عليه وجب في الحكمة أن يفعل ذلك ثم بين سبحانه الوجه الذي لأجله بعث وما الذي أوحى إليه فقال { أن أنذر الناس } أي: أخبرهم بالعذاب وخوفهم به { وبشر الذين آمنوا أن لهم قدم صدق عند ربهم } أي: عرفهم ما فيه الشرف و الخلود في نعيم الجنة على وجه الإكرام و الإجلال لصالح الأعمال و قيل:{ أن لهم قدم صدق } أي :أجرا حسنا ومنزلة رفيعة بما قدموا من أعمالهم عن ابن عباس وروي عنه أيضا أن المعنى سبقت لهم السعادة في الذكر الأول و يؤيده قوله إن الذين سبقت لهم منا الحسنى الآية وقيل: هو تقديم الله تعالى إياهم في البعث يوم القيامة بيانه قوله (عليه السلام) نحن الآخرون السابقون يوم القيامة وقيل: أن القدم اسم للحسنى من العبد واليد اسم للحسنى من السيد للفرق بين السيد والعبد وقيل: إن معنى قدم صدق شفاعة محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) لهم يوم القيامة عن أبي سعيد الخدري وهو المروي عن أبي عبد الله (عليه السلام) { قال الكافرون إن هذا لساحر مبين } يعنون النبي أي: قالوا هذا ساحر مظهر للسحر وما أتى به سحر بين على اختلاف القراءتين والسحر فعل يخفى وجه الحيلة فيه حتى يتوهم أنه معجز وهذا يدل على عجزهم عن معارضة القرآن ولذلك عدلوا إلى وصفه بالسحر .

________________

  1. تفسير مجمع البيان ،الطبرسي، ج5، ص152-153.

 

تفسير الكاشف
- ذكر محمد جواد مغنية في تفسير هاتين الآيتين (1) :

{ الر } سبق الكلام عن هذه الحروف في أول سورة البقرة { تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ } . تلك إشارة إلى أن كل آية من آيات القرآن تشتمل على الحكمة وفصل الخطاب .

{ أَكانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنا إِلى رَجُلٍ مِنْهُمْ } . لقد استكثر الجاحدون ان يتصل اللَّه بعبد من عباده ، ويصطفيه من دونهم . . ولهذا الاستبعاد أسبابه :

أولها : انهم قاسوا محمدا ( صلى الله عليه واله وسلم ) على أنفسهم ، فإذا لم يتصل اللَّه بهم فينبغي ان لا يتصل بغيرهم . . ونجد الجواب عن ذلك في الآية 124 من الأنعام : { اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ } أي ان لمحمد ( صلى الله عليه واله وسلم ) من الصفات والمكرمات ما يؤهله للرسالة من دونهم .

ثانيها : انهم جهلوا نوع الاتصال باللَّه ، وحسبوا ان اتصاله تعالى بمحمد ، تماما كاتصال بعضهم ببعض ، وهذا ما ترفضه العقول . . ونجد الجواب عن هذا الوهم في قوله تعالى : { وما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا - 51 الشورى } .

ثالثها : وهو الأهم ، ان محمدا ( صلى الله عليه واله وسلم ) قد جاءهم بما لا يعتقدون ولا يألفون :

{ ما سَمِعْنا بِهذا فِي آبائِنَا الأَوَّلِينَ - 24 المؤمنون } . . والجواب قوله تعالى :

{ قالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وآباؤُكُمْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ - 54 الأنبياء } .

{ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ وبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ } . بعد ان بيّن سبحانه عجب الكافرين من الوحي إلى محمد ( صلى الله عليه واله وسلم ) بيّن حقيقة ما أوحى به إليه ، وانه إنذار وتبشير ، إنذار لمن خالف وعصى أمر اللَّه بالعذاب الأليم ، وتبشير لمن امتثل وأطاع بالثواب الجزيل ، وعبّر عن هذا الثواب بقوله : { أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ } . وإذا كان هذا هو الوحي أو الموحى به ، وكان محمد ( صلى الله عليه واله وسلم ) أهلا لتحمله وتبليغه فأين مكان العجب ؟ . ان اللَّه سبحانه لا يترك الناس من غير رسول أمين يبلغهم عنه ما يريده لهم من الخير ، ويكرهه من الشر ، ليجتنبوا هذا ، ومحمد ( صلى اللع عليه واله وسلم ) هو الأمين على هذه الرسالة والتبليغ من دون الناس ، فوجب أن يكون هو الرسول المبلَّغ عن اللَّه من دونهم .

{ قالَ الْكافِرُونَ إِنَّ هذا لَساحِرٌ مُبِينٌ } . وصفوا محمدا ( صلى الله عليه واله وسلم ) بالساحر ، لأنهم أنكروا ان يكون القرآن وحيا من اللَّه ، وأيضا عجزوا ان يأتوا بسورة من مثله ، فلم يبق في زعمهم إلا السحر . . وجهلوا أو تجاهلوا ان كل ما في القرآن حقائق لا ريب فيها ، وان السحر كواذب لا تبتنى على أساس .الْخَلْقَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ الآية 3 – 4

________________________

  1. تفسير الكاشف ،  محمد جواد مغنيه، ج4،ص130-131.
تفسير الميزان
- ذكر الطباطبائي في تفسير هاتين الآيتين (1) :

السورة - كما يلوح من آياتها - مكية من السور النازلة في أوائل البعثة و قد نزلت دفعة للاتصال الظاهر بين كرائم آياتها، و قد استثنى بعضهم قوله تعالى: {فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فاسأل الذين يقرءون الكتاب من قبلك} إلى تمام ثلاث آيات فذكر أنها مدنية، و بعضهم قوله تعالى: {ومنهم من يؤمن به ومنهم من لا يؤمن به وربك أعلم بالمفسدين} فذكر أنها نزلت في اليهود بالمدينة، ولا دليل من جهة اللفظ على شيء من القولين.

وغرض السورة وهو الذي أنزلت لأجل بيانه هو تأكيد القول في التوحيد من طريق الإنذار والتبشير كأنها أنزلت عقيب إنكار المشركين الوحي النازل على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وتسميتهم القرآن بالسحر فرد الله سبحانه ذلك عليهم ببيان أن القرآن كتاب سماوي نازل بعلمه تعالى، و أن الذي يتضمنه من معارف التوحيد كوحدانيته تعالى وعلمه وقدرته وانتهاء الخلقة إليه وعجائب سننه في خلقه ورجوعهم جميعا إليه بأعمالهم التي سيجزون بها خيرا أو شرا كل ذلك مما تدل عليه آيات السماء والأرض ويهتدي إليه العقل السليم فهي معان حقة ولا يدل على مثلها إلا كلام حكيم لا سحر مزوق باطل.

والدليل على ما ذكرنا افتتاح السورة بالكلام على تكذيبهم القرآن: {أ كان للناس عجبا أن أوحينا - إلى قوله - قال الكافرون إن هذا لساحر مبين} و اختتامها بمثل قوله: {واتبع ما يوحى إليك و اصبر{ الآية ثم عوده تعالى إلى مسألة الإيحاء بالقرآن و تكذيبهم له في تضاعيف الآيات مرة بعد مرة كقوله: {و إذا تتلى عليهم آياتنا الآية و قوله: {وما كان هذا القرآن أن يفترى من دون الله} الآية، وقوله: {يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة} الآية، وقوله: {فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك} الآية.

فتكرر هذه الآيات والافتتاح والاختتام بها يدل على أن الكلام مبني على تعقيب إنكارهم لكلام الله وتكذيبهم الوحي ولذلك كان من عمدة الكلام في هذه السورة الوعيد على مكذبي آيات الله من هذه الأمة بعذاب يقضي بين النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وبينهم و أن ذلك من سنة الله في خلقه، وعلى تعقيبه تختتم السورة حتى كاد يكون بيان هذه الحقيقة من مختصات هذه السورة فمن الحري أن تعرف السورة بأنها سورة الإنذار بالقضاء العدل بين النبي وبين أمته وقد اختتمت بقوله: {واصبر حتى يحكم الله وهو خير الحاكمين}.

قوله تعالى: {الر تلك آيات الكتاب الحكيم} الإشارة باللفظ الدال على البعد للدلالة على ارتفاع مكانة القرآن وعلو مقامه فإنه كلام الله النازل من عنده وهو العلي الأعلى رفيع الدرجات ذو العرش.

والآية - ومعناها العلامة - وإن كان من الجائز أن يسمى بها ما هو من قبيل المعاني أو الأعيان الخارجية كما في قوله: {أو لم يكن لهم آية أن يعلمه علماء بني إسرائيل:} الشعراء - 197 وفي قوله: {وجعلناها وابنها آية للعالمين}: الأنبياء - 91 وكذا ما هو من قبيل القول كما في قوله ظاهرا: {وإذا بدلنا آية مكان آية}: النحل: - 101 ونحو ذلك لكن المراد بالآيات هاهنا هي أجزاء الكلام الإلهي قطعا فإن الكلام في الوحي النازل على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو كلام متلو مقرو بأي معنى من المعاني صورنا نزول الوحي.

فالمراد بالآيات أجزاء الكتاب الإلهي وتتعين في الجملة من جهة المقاطع التي تفصل الآيات بعضها من بعض مع إعانة ما من ذوق التفاهم و لذلك ربما وقع الخلاف في عدد آيات بعض السور بين علماء الإحصاء كالكوفيين والبصريين وغيرهم.

والمراد بالكتاب الحكيم هو الكتاب الذي استقرت فيه الحكمة، وربما قيل: إن الحكيم من الفعيل بمعنى المفعول والمراد به المحكم غير القابل للانثلام والفساد، و الكتاب الذي هذا شأنه - وقد وصفه تعالى في الآية التالية بأنه من الوحي - هو القرآن المنزل على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).

وربما قيل: إن الكتاب الحكيم هو اللوح المحفوظ، وكون الآيات آياته هو أنها نزلت منه و هي محفوظة فيه، وهو وإن لم يخل عن وجه بالنظر إلى أمثال قوله تعالى: {بل هو قرآن مجيد في لوح محفوظ:} البروج: - 22 وقوله: {إنه لقرآن كريم في كتاب مكنون:} الواقعة - 78 لكن الأظهر من الآية التي نحن فيها وسائر ما في سياقها من آيات أوائل هذه السور المفتتحة بالحروف {الر} و سائر الآيات المشابهة لها أو الناظرة إلى وصف القرآن أن المراد بالكتاب وبآياته هو هذا القرآن المتلو المقرو و آياته المتلوة المقروة بما أنه من اللوح المحفوظ من التغيير و البطلان كالكتاب المأخوذ بوجه من الكتاب كما يستفاد من مثل قوله تعالى: {تلك آيات الكتاب وقرآن مبين:} الحجر - 1، وقوله: {كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير:} هود: - 1، و غير ذلك.

قوله تعالى: {أ كان للناس عجبا أن أوحينا إلى رجل منهم} إلى آخر الآية الاستفهام للإنكار فهو إنكار لتعجبهم من إيحاء الله إلى رجل منهم ما اشتملت عليه الدعوة القرآنية.

وقوله: {أن أنذر الناس} إلخ تفسير لما أوحاه إليه، و يتبين به أن الذي ألقاه إليه من الوحي هو بالنسبة إلى عامة الناس إنذار وبالنسبة إلى الذين آمنوا منهم خاصة تبشير فهو لا محالة يضر الناس على بعض التقادير و هو تقدير الكفر والعصيان وينفعهم على تقدير الإيمان والطاعة.

وقد فسر البشرى الذي أمره أن يبشر به المؤمنين بقوله: {إن لهم قدم صدق عند ربهم} والمراد بقدم الصدق هو المنزلة الصادقة كما يشير إليه قوله: {في مقعد صدق عند مليك مقتدر: القمر - 55 فإن الإيمان لما استتبع الزلفى والمنزلة عند الله كان الصدق في الإيمان يستتبع الصدق في المنزلة التي يستتبعها فلهم منزلة الصدق كما أن لهم إيمان الصدق.

فإطلاق القدم على المنزلة و المكانة من الكناية و لما كان إشغال المكان عادة إنما هو بالقدم استعملت القدم في المكان إن كان في الماديات، و في المكانة و المنزلة إن كان في المعنويات ثم أضيفت القدم إلى الصدق، و هو صدق صاحب القدم في شأنه أي قدم منسوبة إلى صدق صاحبها أو قدم هي صادقة لصدق صاحبها في شأنه.

وهناك معنى آخر وهو أن يراد بالصدق طبيعته كأن للصدق قدما و للكذب قدما وقدم الصدق هي التي تثبت ولا تزول.

وقوله: {قال الكافرون إن هذا لساحر مبين} أي النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، و قرىء: {إن هذا لسحر مبين} أي القرآن ومآل القراءتين واحد فإنهم إنما كانوا يرمونه (صلى الله عليه وآله وسلم) بالسحر من جهة القرآن الكريم.

والجملة كالتعليل لقوله: {كان للناس عجبا} يمثل به معنى تعجبهم وهو أنهم لما سمعوا ما تلاه عليهم من القرآن وجدوه كلاما من غير نوع كلامهم خارقا للعادة المألوفة في سنخ الكلام يأخذ بمجامع القلوب وتتوله إليه النفوس فقالوا: إنه لسحر مبين، وإن الجائي به لساحر مبين.

_________________

1-تفسير الميزان ، الطباطبائي ، ج10، ص5- 8.

تفسير الامثل
- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هاتين الآيتين (1) :

رسالة النّبي:

في هذه السورة نواجه ـ مرّة أُخرى ـ الحروف المقطعة في القرآن، والتي ذكرت بصورة (ألف ولام وراء) وقد تحدثنا في بدايه سورة البقرة وآل عمران والأعراف في تفسير هذه الحروف بالقدر الكافي، وسنبحثها في المستقبل ـ إن شاء الله تعالى ـ في الموارد المناسبة، وسنضيف إِليها مباحث ومطالب جديدة.

بعد هذه الحروف تشير الآية أوّلا إِلى عظمة آيات القرآن وتقول: {تلك آيات الكتاب الحكيم}.

إِنّ التعبير بـ (تلك) وهي إِسم إِشارة للبعيد، بدل (هذه) التي تشير للقريب، والذي

جاء نظيره في بداية سورة البقرة، يعتبر من التعبيرات الجميلة واللطيفة في القرآن، وهو كناية عن عظمة ورفعة مفاهيم القرآن، لأنّ المطالب اليسيرة والبسيطة يشار لها غالباً باسم الإِشارة القريب، أمّا المطالب المهمّة العالية المستوى، والتي تعانق السحاب في علو أفقها، فإِنّها تُبيّن باسم الإِشارة البعيد.

إِنّ توصيف الكتاب السماوي ـ أي القرآن ـ بأنّه (حكيم) هو إِشارة إِلى أن آيات القرآن محكمة ومنظمة ودقيقة، بحيث لايمكن أن يأتيها أو يخالطها أي شكل من أشكال الباطل والخرافة، فهي لا تقول إلاّ الحق، ولا تدعو إلاّ إِلى طريق الحق.

أمّا الآية الثّانية فإِنّها تبيّن ـ ولمناسبة تلك الإِشارة التي مرّت إِلى القرآن والوحي الإِلهي في الآية السابقة ـ واحداً من إِشكالات المشركين على النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم)، وهو نفس الإِشكال الذي جاء في القرآن بصورة متكررة. وهذا التكرار يبيّن أن هذا الإِشكال من إِشكالات المشركين المتكررة، وهو: لماذا نزل الوحي الإِلهي من الله على إِنسان مثلهم؟ ولماذا لم تتعهد الملائكة بمسؤولية هذه الرسالة الكبيرة؟ فيجيب القرآن عن هذه الأسئلة فيقول: {أكان للناس عجباً أن أوحينا إِلى رجل منهم}.

الواقع أنّ كلمة «منهم» تضمنت الجواب على سؤالهم، أي إِنّ القائد والمرشد إِذا كان من جنس أتباعه، ويعلم أمراضهم، و مطلع على احتياجاتهم، فلا مجال للتعجب، بل العجب أن يكون القائد من غير جنسهم، بحيث يعجز عن قيادتهم نتيجة عدم اطلاعه على وضعهم.

ثمّ تشير إِلى محتوى الوحي الإِلهي. وتلخصه في أمرين:

الأوّل: إِنّ الوحي الذي أرسلناه، مهمته إِنذار الناس وتحذيرهم من عواقب الكفر والمعاصى: {أن أنذر الناس}.

والثّاني: هو {وبشر الذين آمنوا أن لهم قدم صدق عند ربّهم}.

وفي الوقت الذي يوجد بحث بين المفسّرين في المقصود من «قدم الصدق»، إلاّ أنّ أحد التفاسير الثلاثة المذكورة هنا ـ أو كل الثلاثة ـ قابل للقبول بصورة علمية.

فالتّفسير الأوّل: إِن «قدم الصدق» هذا إِشارة إِلى أن الإِيمان له بـ «سابقة فطرية»، وإِنّ المؤمنين عندما يظهرون إِيمانهم فهم في الحقيقة يصدقون فطرتهم ـ لأنّ أحد معاني القدم هو السابقة ـ كما يقولون: لفلان قدم في الإِسلام، أو قدم في الحرب(2)، أي إِنّ له سبقاً في الإِسلام أو الحرب.

والثّاني: إِنّه إِشارة إِلى مسألة المعاد ونعيم الآخرة، لأنّ أحد معاني القدم هو المقام والمنزلة، وهو يناسب كون الإنسان يرد إِلى منزله ومقامه برجله، وهذا التّفسير يعني أنّ للمؤمنين مقاماً ومنزلة ثابتة وحتمية عند الله سبحانه، وأن أي قوّة لا تستطيع تغييرها وجعلها في شكل آخر.

أمّا التّفسير الثّالث فهو أن القدم بمعنى القدوة والزعيم والقائد، أي إِننا أرسلنا للمؤمنين قائداً ومرشداً صادقاً.

لقد وردت عدّة روايات عن طريق الشيعة والسنة لهذه الآية تفسر قدم الصدق بأنّه النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) أو ولاية علي(عليه السلام) وتؤيد هذا المعنى (3).

وكما قلنا فإنّ من الممكن أن تكون البشارة بكل هذه الأُمور هي المرادة من التعبير أعلاه .

وتنهي الآية حديثها بذكر اتهام طالما كرّره المشركون واتهموا به النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم)، فقالت: {قال الكافرون إنّ هذا لساحر مبين} .

إنّ كلمة (إن) و«لام» التأكيد وصفة «المبين»، كلها دلائل على مدى تأكيد أُولئك الكفار على هذه التهمة، وعبروا بـ (هذا) لتصغير مقام النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) والتقليل من أهميته.

أمّا لماذا اتهموا النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) بالسحر؟ فجوابه واضح، ذلك أنّهم لم يكونوا يمتلكون الجواب المقنع مقابل إِعجاز كلامه وشريعته وقوانينه العادلة الرفيعة. فلم يكن لهم سبيل إلاّ أن يفسروا هذه الظواهر الخارقة للعادة بأنّها سحر، وبهذا فقط يمكنهم ابقاء البسطاء تحت سيطرة الجهل وعدم الإِطلاع على الواقع.

إِنّ أمثال هذه التعبيرات التي كانت تصدر من ناحية الأعداء ضد النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم)دليل بنفسها على أنّ النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) كان يقوم بأعمال خارقة للعادة، بحيث تجذب القلوب والأفكار نحوها، خاصّة وأن التأكيد على السحر في شأن القرآن المجيد هو بنفسه دليل قاطع وقوي على الجاذبية الخارقة الموجودة في هذا الكتاب السماوي، ولأجل خداع الناس فإِنّهم كانوا يجعلونه في إِطار السحر.

وسنتحدث عن هذا الموضوع في الآيات المناسبة إِن شاء الله تعالى.

_____________________

  1. تفسير الأمثل ، مكارم الشيرازي ،ج5، ص423-425.
  2. بحار الانوار ، ج24 ، ص40 و41.
  3. تفسير البرهان، ج2 ، ص177، وتفسير القرطبي ، ج5 ، ص31-45.

 




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .