المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية


Untitled Document
أبحث عن شيء أخر



بحر المنسرح  
  
5961   02:33 صباحاً   التاريخ: 24-03-2015
المؤلف : ابن الدماميني
الكتاب أو المصدر : العيون الغامزة على خبايا الرامزة
الجزء والصفحة : ص154-156
القسم : الأدب الــعربــي / العروض /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 24-03-2015 5621
التاريخ: 25-03-2015 14419
التاريخ: 24-03-2015 5299
التاريخ: 24-03-2015 10913

...أقول: قال الخليل: سمي بذلك لانسراحه وسهولته. وقيل: لانسراحه هما يلزم أضرابه، وذلك لأن مستفعلن إذا وقع في الضرب فلا مانع يمنعه من أن يأتي على أصله إلا في المنسرح فإنه امتنع فيه أن يأتي إلا مطويا. واعترضه ابن بري بأن قصره على استعماله مطويا ضدّ الانسراح. قال الصفاقسي: وفيه نظر. وهو مبني في الدائرة على ستة أجزاء على هذه الصورة: مستفعلن مفعولاتُ مستفعلن، مستفعلن مفعولاتُ مستفعلن قال:

يلجّج يفشى صبر سعدٍ بذي سمي على سمتِ سولاف به الإنس قد يرى

أقول: الياء من ((يلجج)) إشارة إلى أن هذا البحر هو العاشر من البحور، والجيم الأولى إشارة إلى أن له ثلاث أعاريض، والجيم الثانية إشارة إلى أن له ثلاثة أضرب. العروض الأولى صحيحة لها ضرب واحد مطوي، وبيته:

إن ابن زيدٍ لازال مستعملاً

للخير يفشى في مصرهِ العُرفُا

فقوله ((مستعملا)) هو العروض، وزنه مستفعلن، وقوله ((هْلُعرفا)) هو الضرب وزنه مفتعلن. وأشار إلى هذا الشاهد بقوله ((يفشى)). قال الصفاقسي: والتزام طيّ هذا الضرب مع تمام عروضه بنقص ما أصلوه من أن الضرب لا تكون حركاته المتوالية أكثر من حركات عروضه المتوالية. وقد مر هذا في الطويل فتنبه له. العروض الثانية منهوكة موقوفة وضربها مثلها، وبيته:

صبراً بني عبد الدارْ

فقوله ((عبد دارْ)) وزنه ((مفعولان)) وأشار إلى هذا الشاهد بقوله ((صبر)). العروض الثالثة منهوكة مكشوفة وضربها مثلها، وبيته:

ويل أمّ سعدٍ سعداً

فقوله ((دنسعدن)) وزنه مفعولن، وأشار إلى هذا الشاهد بقوله ((سعد)). والأخفش يعدّ هذا والذي قبله من الكلام الذي ليس بشعر جرياً على أصل مذهبه. قال ابن بري: والصحيح أنه شعر لأنه مقفى جارٍ على نسبة واحدة في الوزن فإنه قال:

ويل ام سعدٍ سعدا صرامةً وحدَّا وسؤدداً ومجدا وفارساً معدَّا سدَّ به مسدّا.

ويدخل هذا البحر من الزحاف الخبن والطيّ والخبل. والطيّ فيه حسن، والخبن صالحٍ، إلا في مفعولات فإنه فيه قبيح، والخبل قبيح، والطي ممتنع في العروض الثانية والثالثة لقرب محله من الوتد المعتل، والخبل أيضاً ممتنع في العروض الأولى لما يؤدي إليه من اجتماع خمس متحركات، فإن الجزء الذي قبلها مفعولات وآخره متحرك فلو خبلت العروضُ لاجتمع فيها بالخبل أربعُ متحركات وقبلها حركة آخر مفعولات فتلتقي الخمسُ، وهو لا يتصور في شعر عربي أصلاً. فبيت الخبن:

منازلٌ عفا هنَّ بذي الأرا

ك كلُّ وابلٍ مسبلٍ هطل

أجزاؤه كلها إلا الضرب مخبونة. وأشار إلى الشاهد بقوله ((بذي)). وبيت الطي:

إنّ سُميراً أرى عشيرتهُ

قد حدبوا دونه وقد أنفوا

أجزاؤه كلها مطوية. وأشار إلى هذا الشاهد بقوله ((سمى)). فإن قلت: جرت عادته في الرمز للشواهد بأن يقتطع كلمةً فصاعدا من بيت الشاهد يشير بها إليه، وهنا اقتطع بعض كلمة فخالف عادته، قلت: إنما اقتطع في الحقيقة كلمةً ولكنه رخّم في غير النداء للضرورة، وقد مرّ له مثله في بحر الرمل. وبيت الخبل:

وبلدٍ متشابهٍ سمتهُ

قطعهُ رجلٌ على جملهْ

أجزاؤه ما عدا العروض والضرب مخبولة. وأشار إلى هذا الشاهد بقوله ((سمت)). وبيت الخبن في العروض الثانية:

لمّا التقوا بسولافْ

فقوله: بسولافْ وزنه فعولانْ. وأشار إلى هذا الشاهد بقوله ((سولاف)) وبيت الخبن في العروض الثالثة:

هل بالديار إنسُ

فقوله ((رإنسو)) وزنه فعولن. وأشار إلى هذا الشاهد بقوله الإنس. ((تنبيه)) حكوا للعروض الأولى ضرباً ثانياً مقطوعاً أنشد منه التبريزي وزعم أنه من الشعر القديم: ذاك وقد أذعرُ الوحوش بصلت الخدّ رحبٍ لبانهُ مجفرْ وأنشد منه الزجاج وقال إنه ليس بقديم:

ما هيّج الشوق من مطوَّقة قامت على بانةٍ تغنينا

قال ابن بري: وهذا الضرب مما استحسنه المحدثون وأكثروا منه لحسن اتساقه وعذوبة مساقه، حتى استعملوه غير مردوف، كقول ابن الرومي من قطعة:

لو كنت يومَ الوداع شاهدنا

وهنّ يطفينَ لوعةَ لوجد

لم ترَ إلا دموع باكيةٍ

تسفح من مقلةٍ على خدِّ

كأن تلك الدموع قطر ندىً

يقطر من نرجسٍ على وردِ





دلَّت كلمة (نقد) في المعجمات العربية على تمييز الدراهم وإخراج الزائف منها ، ولذلك شبه العرب الناقد بالصيرفي ؛ فكما يستطيع الصيرفي أن يميّز الدرهم الصحيح من الزائف كذلك يستطيع الناقد أن يميز النص الجيد من الرديء. وكان قدامة بن جعفر قد عرف النقد بأنه : ( علم تخليص جيد الشعر من رديئه ) . والنقد عند العرب صناعة وعلم لابد للناقد من التمكن من أدواته ؛ ولعل أول من أشار الى ذلك ابن سلَّام الجمحي عندما قال : (وللشعر صناعة يعرف أهل العلم بها كسائر أصناف العلم والصناعات ). وقد أوضح هذا المفهوم ابن رشيق القيرواني عندما قال : ( وقد يميّز الشعر من لا يقوله كالبزّاز يميز من الثياب ما لا ينسجه والصيرفي من الدنانير مالم يسبكه ولا ضَرَبه ) .


جاء في معجمات العربية دلالات عدة لكلمة ( عروُض ) .منها الطريق في عرض الجبل ، والناقة التي لم تروَّض ، وحاجز في الخيمة يعترض بين منزل الرجال ومنزل النساء، وقد وردت معان غير ما ذكرت في لغة هذه الكلمة ومشتقاتها . وإن أقرب التفسيرات لمصطلح (العروض) ما اعتمد قول الخليل نفسه : ( والعرُوض عروض الشعر لأن الشعر يعرض عليه ويجمع أعاريض وهو فواصل الأنصاف والعروض تؤنث والتذكير جائز ) .
وقد وضع الخليل بن أحمد الفراهيدي للبيت الشعري خمسة عشر بحراً هي : (الطويل ، والبسيط ، والكامل ، والمديد ، والمضارع ، والمجتث ، والهزج ، والرجز ، والرمل ، والوافر ، والمقتضب ، والمنسرح ، والسريع ، والخفيف ، والمتقارب) . وتدارك الأخفش فيما بعد بحر (المتدارك) لتتم بذلك ستة عشر بحراً .


الحديث في السيّر والتراجم يتناول جانباً من الأدب العربي عامراً بالحياة، نابضاً بالقوة، وإن هذا اللون من الدراسة يصل أدبنا بتاريخ الحضارة العربية، وتيارات الفكر العربية والنفسية العربية، لأنه صورة للتجربة الصادقة الحية التي أخذنا نتلمس مظاهرها المختلفة في أدبنا عامة، وإننا من خلال تناول سيّر وتراجم الأدباء والشعراء والكتّاب نحاول أن ننفذ إلى جانب من تلك التجربة الحية، ونضع مفهوماً أوسع لمهمة الأدب؛ ذلك لأن الأشخاص الذين يصلوننا بأنفسهم وتجاربهم هم الذين ينيرون أمامنا الماضي والمستقبل.