أقرأ أيضاً
التاريخ: 16-11-2018
2356
التاريخ: 4-12-2016
2185
التاريخ: 6-2-2017
1786
التاريخ: 2023-06-12
789
|
غزوة بني قريظة
سار إليهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يوم الأربعاء لسبعٍ بقين من ذي القعدة، فحاصرهم خمسة عشر يوماً، ثم انصرف يوم الخميس لسبعٍ خلون من ذي الحجة سنة خمس. واستخلف على المدينة ابن أم مكتوم.
قالوا: لما انصرف المشركون عن الخندق، وخافت بنو قريظة خوفاً شديداً، وقالوا: محمدٌ يزحف إلينا! وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يؤمر بقتالهم حتى جاء جبريل عليه السلام. وكانت امرأة نباش بن قيس قد رأت، والمسلمون في حصار الخندق، قالت: أرى الخندق ليس به أحد، وأرى الناس تحولوا إلينا ونحن في حصوننا قد ذبحنا ذبح الغنم. فذكرت ذلك لزوجها، فخرج زوجها فذكرها للزبير بن باطا، فقال الزبير: ما لها لا نامت عينها، تولي قريشٌ ويحصرنا محمد! والتوراة، ولما بعد الحصار أشد منه! قالوا: فلما رجع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من الخندق دخل بيت عائشة فغسل رأسه واغتسل، ودعا بالمجمرة ليجمر، وقد صلى الظهر، وأتاه جبريل على بغلةٍ عليها رحالة وعليها قطيفة، على ثناياه النقع، فوقف عند موضع الجنائز فنادى: عذيرك من محارب! قال: فخرج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فزعاً فقال: ألا أراك وضعت اللأمة ولم تضعها الملائكة بعد؟ لقد طردناهم إلى حمراء الأسد؛ إن الله يأمرك أن تسير إلى بني قريظة، فإني عامد إليهم فمزلزلٌ بهم حصونهم. ويقال جاءه على فرسٍ أبلق. فدعا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) علياً رضي الله عنه فدفع إليه لواء، وكان اللواء على حاله لم يحل من مرجعه من الخندق، وبعث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بلالاً فأذن في الناس: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يأمركم ألا تصلوا العصر إلا ببني قريظة. ولبس رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) السلاح والمغفر والدرع والبيضة، وأخذ قناةً بيده، وتقلد الترس وركب فرسه، وحف به أصحابه وتلبسوا السلاح وركبوا الخيل، وكانت ستةً وثلاثين فرساً، وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قد قاد فرسين وركب واحداً، يقال له اللحيف، فكانت ثلاثة أفراس معه. وعليٌّ عليه السلام فارس، ومرثد بن أبي مرثد. وفي بني عبد مناف: عثمان بن عفان فارس، وأبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة، وعكاشة بن محصن فارس، وسالم مولى أبي حذيفة، والزبير بن العوام. ومن بني زهرة: عبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص. ومن بني تيم: أبو بكر الصديق، وطلحة بن عبيد الله. ومن بني عدي: عمر بن الخطاب. ومن بني عامر بن لؤي: عبد الله بن مخرمة. ومن بني فهر: أبو عبيدة بن الجراح. ومن الأوس: سعد بن معاذ، وأسيد بن حضير، ومحمد بن مسلمة، وأبو نائلة، وسعد بن زيد. ومن بني ظفر: قتادة ابن النعمان. ومن بني عمرو بن عوف: عويم بن ساعدة، ومعن بن عدي، وثابت بن أقرم، وعبد الله بن سلمة. ومن بني سلمة: الحباب بن المنذر بن الجموح، ومعاذ بن جبل، وقطبة بن عامر بن حديدة. ومن بني مالك بن النجار: عبد الله بن عبد الله بن أبي. وفي بني زريق: رقاد بن لبيد، وفروة بن عمرو، وأبو عياش، ومعاذ بن رفاعة. ومن بني ساعدة: سعد ابن عبادة.
فحدثني ابن أبي سبرة، عن أيوب بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة، قال: فسار رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في أصحابه والخيل والرجالة حوله، فمر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بنفرٍ من بني النجار بالصورين فيهم حارثة بن النعمان، قد صفوا عليهم السلاح، فقال: هل مر بكم أحد؟ قالوا: نعم، دحية الكلبي مر على بغلةٍ عليها رحالةٌ، عليها قطيفةٌ من إستبرق، فأمرنا بلبس السلاح، فأخذنا سلاحنا وصففنا، وقال لنا: هذا رسول الله يطلع عليكم الآن. قال حارثة بن النعمان: فكنا صفين، فقال لنا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): ذلك جبريل! فكان حارثة بن النعمان يقول: رايت جبريل من الدهر مرتين - يوم الصورين ويوم موضع الجنائز حين رجعنا من حنين. وانتهى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى بني قريظة فنزل على بئر لنا أسفل حرة بني قريظة، وكان علي عليه السلام قد سبق في نفرٍ من المهاجرين والأنصار فيهم أبو قتادة.
فحدثني ابن ابي سبرة، عن أسيد بن أبي أسيد، عن أبي قتادة، قال: انتهينا إليهم فلما رأونا أيقنوا بالشر، وغرز علي عليه السلام الراية عند أصل الحصن، فاستقبلونا في صياصيهم يشتمون رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأزواجه. قال أبو قتادة: وسكتنا وقلنا: السيف بيننا وبينكم! وطلع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فلما رآه علي عليه السلام رجع إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وأمرني أن ألزم اللواء فلزمته، وكره أن يسمع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أذاهم وشتمهم. فسار رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إليهم، وتقدمه أسيد بن حضير فقال: يا أعداء الله، لا نبرح حصنكم حتى تموتوا جوعاً. إنما أنتم بمنزلة ثعلبٍ في جحر. قالوا: يا ابن الحضير، نحن مواليكم دون الخزرج! وخاروا ، وقال: لا عهد بيني وبينكم ولا إل . ودنا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) منهم، وترسنا عنه، فقال: يا إخوة القردة والخنازير وعبدة الطواغيت، أتشتمونني؟ قال: فجعلوا يحلفون بالتوراة التي أنزلت على موسى: ما فعلنا! ويقولون: يا أبا القاسم، ما كنت جهولاً! ثم قدم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الرماة من أصحابه.
فحدثني فروة بن زبيد، عن عائشة بنت سعد، عن أبيها، قال: قال لي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): يا سعد، تقدم فارمهم! فتقدمت حيث تبلغهم نبلي، ومعي نيفٌ على الخمسين، فرميناهم ساعةً وكأن نبلنا مثل جراد، فانجحروا فلم يطلع منهم أحد. وأشفقنا على نبلنا أن يذهب، فجعلنا نرمي بعضها ونمسك البعض. فكان كعب بن عمرو المازني - وكان رامياً - يقول: رميت يومئذٍ بما في كنانتي، حتى أمسكنا عنهم بعد أن ذهبت ساعةٌ من الليل. قال: وقد رمونا ورسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) واقفٌ على فرسه عليه السلاح، وأصحاب الخيل حوله، ثم أمرنا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فانصرفنا إلى منزلنا وعسكرنا فبتنا، وكان طعامنا تمراً بعث به سعد بن عبادة، أحمال تمر، فبتنا نأكل منها، ولقد رئي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأبو بكر وعمر يأكلون من ذلك التمر، ورسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: نعم الطعام التمر! واجتمع المسلمون عند رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عشاءً، فمنهم من لم يصل حتى جاء بني قريظة، ومنهم من قد صلى، فذكروا ذلك لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فما عاب على أحدٍ صلى، ولا على أحد لم يصل حتى بلغ بني قريظة. ثم غدونا عليهم بسحرة، فقدم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الرماة، وعبأ أصحابه فأحاطوا بحصونهم من كل ناحية، فجعل المسلمون يرامونهم بالنبل والحجارة، وجعل المسلمون يعتقبون فيعقب بعضهم بعضاً، فما برح رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يراميهم حتى أيقنوا بالهلكة.
فحدثني الضحاك بن عثمان، عن نافع، عن ابن عمر، قال: كانوا يراموننا من حصونهم بالنبل والحجارة أشد الرمي، وكنا نقوم حيث تبلغهم نبلنا
فحدثني الضحاك بن عثمان، عن جعفر بن محمود، قال: قال محمد ابن مسلمة: حصرناهم أشد الحصار، فلقد رأيتنا يوم غدونا عليهم قبل الفجر، فجعلنا ندنو من الحصن ونرميهم من كثب، ولزمنا حصونهم فلم نفارقها حتى أمسينا، وحضنا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على الجهاد والصبر. ثم بتنا على حصونهم، ما رجعنا إلى معسكرنا حتى تركوا قتالنا وأمسكوا عنه وقالوا: نكلمك. فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): نعم. فأنزلوا نباش بن قيس، فكلم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ساعةً وقال: يا محمد، ننزل على ما نزلت عليه بنو النضير؛ لك الأموال والحلقة وتحقن دماءنا، ونخرج من بلادكم بالنساء والذراري، ولنا ما حملت الإبل إلا الحلقة. فأبى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقالوا: فتحقن دماءنا وتسلم لنا النساء والذرية، ولا حاجة لنا فيما حملت الإبل فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): لا، إلا أن تنزلوا على حكمي. فرجع نباش إلى أصحابه بمقالة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقال كعب ابن أسد: يا معشر بني قريظة، والله إنكم لتعلمون أن محمداً نبي الله، وما منعنا من الدخول معه إلا الحسد للعرب، حيث لم يكن نبياً من بني إسرائيل فهو حيث جعله الله. ولقد كنت كارهاً لنقض العهد والعقد، ولكن البلاء وشؤم هذا الجالس علينا وعلى قومه، وقومه كانوا أسوأ منا. لا يستبقي محمدٌ رجلاً واحداً إلا من تبعه. أتذكرون ما قال لكم ابن خراش حين قدم عليكم فقال: تركت الخمر والخمير والتأمير، وجئت إلى السقاء والتمر والشعير؟ قالوا: وما ذلك؟ قال: يخرج من هذه القرية نبي، فإن خرج وأنا حيٌّ اتبعته ونصرته، وإن خرج بعدي فإياكم أن تخدعوا عنه، فاتبعوه وكونوا أنصاره وأولياءه، وقد آمنتم بالكتابين كليهما الأول والآخر. قال كعب: فتعالوا فلنتابعه ولنصدقه ولنؤمن به، فنأمن على دمائنا وأبنائنا ونسائنا وأموالنا، فنكون بمنزلة من معه. قالوا: لا نكون تبعاً لغيرنا، نحن أهل الكتاب والنبوة، ونكون تبعاً لغيرنا؟ فجعل كعب يرد عليهم الكلام بالنصيحة لهم. قالوا: لا نفارق التوراة ولا ندع ما كنا عليه من أمر موسى. قال: فهلم فلنقتل أبناءنا ونساءنا، ثم نخرج في أيدينا السيوف إلى محمدٍ وأصحابه. فإن قتلنا قتلنا وما وراءنا أمرٌ نهتم به، وإن ظفرنا فلعمري لنتخذن النساء والأبناء. فتضاحك حيي بن أخطب ثم قال: ما ذنب هؤلاء المساكين؟ وقالت رؤساء اليهود، الزبير بن باطا وذووه: ما في العيش خيرٌ بعد هؤلاء. قال: فواحدةٌ قد بقيت من الرأي لم يبق غيرها، فإن لم تقبلوها فأنتم بنو إستها. قالوا: ما هي؟ قال: الليلة السبت، وبالحري أن يكون محمدٌ وأصحابه آمنين لنا فيها أن نقاتله، فنخرج فلعلنا أن نصيب منه غرة. قالوا: نفسد سبتنا، وقد عرفت ما أصابنا فيه؟ قال حيي: قد دعوتك إلى هذا وقريشٌ وغطفان حضورٌ فأبيت أن تكسر السبت، فإن أطاعتني اليهود فعلوا. فصاحت اليهود: لا نكسر السبت. قال نباش بن قيس: وكيف نصيب منهم غرة وأنت ترى أن أمرهم كل يوم يشتد. كانوا أول ما يحاصروننا إنما يقاتلون بالنهار ويرجعون الليل، فكان هذا لك قولاً لو بيتناهم. فهم الآن يبيتون الليل ويظلون النهار، فأي غرةٍ نصيب منهم؟ هي ملحمة وبلاء كتب علينا. فاختلفوا وسقط في أيديهم، وندموا على ما صنعوا، ورقوا على النساء والصبيان، وذلك أن النساء والصبيان لما رأوا ضعف أنفسهم هلكوا، فبكى النساء والصبيان، فرقوا عليهم.
فحدثني صالح بن جعفر، عن محمد بن عقبة، عن ثعلبة بن أبي مالك، قال: قال ثعلبة وأسيد ابنا سعية ، واسد بن عبيد عمهم : يا معشر بني قريظة، والله إنكم لتعلمون أنه رسول الله وأن صفته عندنا، حدثنا بها علماونا وعلماء بني النضير. هذا أولهم - يعني حيي بن أخطب - مع جبير بن الهيبان أصدق الناس عندنا، هو خبرنا بصفته عن موته. قالوا: لا نفارق التوراة! فلما رأى هؤلاء النفر إباءهم، نزلوا في الليلة التي في صبحها نزلت قريظة، فأسلموا فأمنوا على أنفسهم وأهلهم وأموالهم.
فحدثني الضحاك بن عثمان، عن محمد بن يحيى بن حبان، قال عمرو بن سعدى، وهو رجلٌ منهم: يا معشر اليهود، إنكم قد حالفتم محمداً على ما حالفتموه عليه، الا تنصروا عليه أحداً من عدوه، وأن تنصروه ممن دهمه؛ فنضتم ذلك العهد الذي كان بينكم وبينه، فلم أدخل فيه ولم أشرككم في غدركم، فإن أبيتم أن تدخلوا معه فاثبتوا على اليهودية وأعطوا الجزية، فوالله ما أدري يقبلها أم لا. قالوا: نحن لا نقر للعرب بخرجٍ في رقابنا يأخذوننا به، القتل خير من ذلك! قال: فإني بريءٌ منكم. وخرج في تلك الليلة مع بني سعية فمر بحرس النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وعليهم محمد بن مسلمة، فقال محمد بن مسلمة: من هذا؟ فقال: عمرو بن سعدى. فقال محمد: مر! اللهم، لا تحرمني إقالة عثرات الكرام. فخلى سبيله وخرج حتى أتى مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فبات به حتى أصبح، فلما أصبح غدا فلم يدر أين هو حتى الساعة، فسئل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: ذلك رجلٌ نجاه الله بوفائه. ويقال إنه لم يطلع أحدٌ منهم ولم يبادر للقتال، في روايتنا.
حدثني إبراهيم بن جعفر، عن أبيه، قال: مر عمرو بن سعدى على الحرس، فناداه محمد بن مسلمة: من هذا؟ قال: عمرو بن سعدى. قال محمد: قد عرفناك. ثم قال محمد: اللهم، لا تحرمني إقالة عثرات الكرام.
حدثني الثوري، عن عبد الكريم الجزري، عن عكرمة، قال: لما كان يوم بني قريظة قال رجلٌ من اليهود: من يبارز؟ فقام إليه الزبير فبارزه. فقالت صفية: واجدي! فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): أيهما علا صاحبه قتله. فعلاه الزبير فقتله، فنفله رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) سلبه.
قال ابن واقد: ولم يسمع بهذا الحديث في قتالهم وأراه وهل - هذا في خيبر.
حدثني معمر بن راشد، عن الزهري، عن ابن المسيب، قال: كان أول شيء عتب فيه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على أبي لبابة بن عبد المنذر أنه خاصم يتيماً له في عذق. فقضى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بالعذق لأبي لبابة، فصيح اليتيم واشتكى إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لأبي لبابة: هب لي العذق يا أبا لبابة - لكي يرده رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى اليتيم. فأبى أبو لبابة أن يهبه لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: يا أبا لبابة، أعطه اليتيم ولك مثله في الجنة. فأبى أبو لبابة أن يعطيه.
قال الزهري: فحدثني رجلٌ من الأنصار قال: لما أبى أن يعطيه قال ابن الدحداحة - وهو رجلٌ من الأنصار: أرأيت يا رسول الله إن ابتعت هذا العذق فأعطيته هذا اليتيم، ألي مثله في الجنة؟ قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): نعم. فانطلق ابن الدحداحة حتى لقي أبا لبابة فقال: أبتاع منك عذقك بحديقتي - وكانت له حديقة نخل. قال أبو لبابة: نعم. فابتاع ابن الدحداحة العذق بحديقةٍ من نخل، فأعطاه اليتيم. فلم يلبث ابن الدحداحة أن جاء كفار قريش إلى أحد، فخرج ابن الدحداحة فقتل شهيداً، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): رب عذقٍ مذللٍ لابن الدحداحة في الجنة.
قالوا: فلما اشتد عليهم الحصار أرسلوا إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): أرسل إلينا أبا لبابة بن عبد المنذر.
فحدثني ربيعة بن الحارث، عن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن السائب بن أبي لبابة بن عبد المنذر، عن أبيه، قال: لما أرسلت بنو قريظة إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يسألونه أن يرسلني إليهم، دعاني رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: اذهب إلى حلفائك، فإنهم أرسلوا إليك من بني الأوس. قال: فدخلت عليهم وقد اشتد عليهم الحصار، فبهشوا إلي وقالوا: يا أبا لبابة، نحن مواليك دون الناس كلهم. فقام كعب بن أسد فقال: أبا بشير، قد علمت ما صنعنا في أمرك وأمر قومك يوم الحدائق وبعاث، وكل حربٍ كنتم فيها. وقد اشتد علينا الحصار وهلكنا، ومحمدً يأبى يفارق حصننا حتى ننزل على حكمه. فلو زال عنا لحقنا بأرض الشام أو خيبر، ولم نطأ له حرا أبداً، ولم نكثر عليه جمعاً أبداً. قال أبو لبابة: أما ما كان هذا معكم، فلا يدع هلاككم - وأشرت إلى حيي بن أخطب. قال كعب: هو والله أوردني ثم لم يصدرني. فقال حيي: فما أصنع؟ كنت أطمع في أمره، فلما أخطأني آسيتك بنفسي، يصيبني ما أصابك. قال كعب: وما حاجتي إلى أن أقتل أنا وأنت وتسبى ذرارينا؟ قال حيي: ملحمةٌ وبلاءٌ كتب علينا. ثم قال كعب: ما ترى، فإنا قد اخترناك على غيرك؟ إن محمداً قد أبى إلا أن ننزل على حكمه، أفننزل ؟ قال: نعم، فانزلوا - وأومأ إلى حلقه، هو الذبح. قال: فندمت فاسترجعت، فقال لي كعب: ما لك يا أبا لبابة؟ فقلت: خنت الله ورسوله. فنزلت وإن لحيتي لمبتلةٌ من الدموع، والناس ينتظرون رجوعي إليهم. حتى أخذت من وراء الحصن طريقاً آخر حتى جئت إلى المسجد فارتبطت، فكان ارتباطي إلى الأسطوانة المخلقة التي تقال أسطوانة التوبة - ويقال ليس تلك، إنما ارتبط إلى أسطوانةٍ كانت وجاه المنبر عند باب أم سلمة زوج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وهذا أثبت القولين - وبلغ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ذهابي وما صنعت فقال: دعوه حتى يحدث الله فيه ما يشاء. لو جاءني استغفرت له؛ فإما إذ لم يأتني وذهب فدعوه! قال أبو لبابة: فكنت في أمرٍ عظيمٍ خمس عشرة ليلة. وأذكر رؤيا رأيتها.
فحدثني موسى بن عبيدة، عن أيوب بن خالد: قال، قال أبو لبابة: رأيت في النوم ونحن محاصرو بني قريظة كأني في حمأةٍ آسنة، فلم أخرج منها حتى كدت أموت من ريحها. ثم أرى نهراً جارياً، فأراني اغتسلت منه حتى استنقيت، وأراني أجد ريحاً طيبة. فاستعبرها أبا بكر فقال: لتدخلن في أمرٍ تغتم له، ثم يفرج عنك. فكنت أذكر قول أبي بكر وأنا مرتبط، فأرجو أن تنزل توبتي.
فحدثني معمر، عن الزهري، قال: وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قد استعمل أبا لبابة سبعاً بين يومٍ وليلةٍ عند الأسطوانة التي عند باب أم سلمة في حرٍّ شديد، لا يأكل فيهن ولا يشرب، وقال: لا أزال هكذا حتى أفارق الدنيا أو يتوب الله علي. قال: فلم يزل كذلك حتى ما يسمع الصوت من الجهد، ورسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ينظر إليه بكرةً وعشيةً، ثم تاب الله تعالى عليه فنودي: إن الله قد تاب عليك! وارسل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إليه ليطلق عنه رباطه، فأبى أن يطلقه عنه أحدٌ غير رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فجاء رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بنفسه فأطلقه.
قال الزهري: فحدثتني هند بنت الحارث، عن أم سلمة زوج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قالت: رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يحل عنه رباطه، وإن رسول الله ليرفع صوته يكلمه ويخبره بتوبته، وما يدري كثيراً مما يقول من الجهد والضعف. ويقال مكث خمس عشرة مربوطاً، وكانت ابنته تأتيه بتمراتٍ لفطره، فيلوك منهن ويترك ويقول: والله، ما أقدر على أن أسيغها فرقاً ألا تنزل توبتي. وتطلقه عند وقت كل صلاة، فإن كانت له حاجةٌ توضأ، وإلا أعادت الرباط. ولقد كان الرباط حز في ذراعيه، وكان من شعر، وكان يداويه بعد ذلك دهراً، وكان ذلك يبين في ذراعيه بعد مابرىء. وقد سمعنا في توبته وجهاً آخر.
حدثنا عبد الله بن يزيد بن قسيط، عن أبيه، عن محمد بن عبد الرحمن ابن ثوبان ، عن أم سلمة زوج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، قالت: إن توبة أبي لبابة نزلت في بيتي. قالت أم سلمة: فسمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يضحك في السحر فقلت: مم تضحك يا رسول الله، أضحك الله سنك؟ قال: تيب على أبي لبابة. قالت، قلت: أوذنه بذلك يا رسول الله؟ قال: ما شئت. قالت: فقمت على باب الحجرة، وذلك قبل أن يضرب الحجاب، فقلت: يا أبا لبابة، أبشر فقد تاب الله عليك فثار الناس إليه ليطلقوه، فقال أبو لبابة: لا، حتى يأتي رسول الله فيكون هو الذي يطلق عني. فلما خرج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى الصبح أطلقه. ونزلت في أبي لبابة بن عبد المنذر: " وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً عسى الله أن يتوب عليهم.. " الآية. ويقال نزلت: " يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول " . وحدثني محمد بن عبد الله، عن الزهري، قال: نزلت فيه: " يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر من الذين قالوا آمنا بأفواههم " . الآية. وأثبت ذلك عندنا قوله عز وجل: " وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملاً صالحاً " .
وحدثني معمر، عن الزهري، عن ابن كعب بن مالك، قال: جاء أبو لبابة إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: أنا أهجر دار قومي التي أصبت فيها هذا الذنب، فأخرج من مالي صدقةً إلى الله ورسوله. فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): يجزىء عنك الثلث. فأخرج الثلث، وهجر أبو لبابة دار قومه. ثم تاب الله عليه، فلم يبن في الإسلام منه إلا خيرٌ حتى فارق الدنيا.
قالوا: ولما جهدهم الحصار ونزلوا على حكم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أمر رسول الله بأسراهم فكتفوا رباطاً، وجعل على كتافهم محمد بن مسلمة، ونحوا ناحيةً، وأخرجوا النساء والذرية من الحصون فكانوا ناحيةً واستعمل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عبد الله بن سلام، وأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بجمع أمتعتهم وما وجد في حصونهم من الحلقة والأثاث والثياب.
فحدثني ابن أبي سبرة، عن المسور بن رفاعة، قال: وجد فيها ألف وخمسمائة سيف، وثلثمائة درع، وألفا رمح، وألف وخمسمائة ترس وحجفة . وأخرجوا أثاثاً كثيراً، وآنيةً كثيرة، ووجدوا خمراً وجرار سكرٍن فهريق ذلك كله ولم يخمس. ووجدوا من الجمال النواضح عدة، ومن الماشية، فجمع هذا كله.
حدثني عمر بن محمد، عن أبي سعيد، عن جابر بن عبد الله قال: أنا كنت ممن كسر جرار السكر يومئذٍ.
حدثني خارجة بن عبد الله، عن داود بن الحصين، عن أبي سفيان، عن محمد بن مسلمة، قال: وتنحى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فجلس، ودنت الأوس إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقالوا: يا رسول الله، حلفاؤنا دون الخزرج، وقد رأيت ما صنعت ببني قينقاع بالأمس حلفاء ابن أبي، وهبت له ثلثمائة حاسرٍ وأربعمائة دارع. وقد ندم حلفاؤنا على ما كان من نقضهم العهد، فهبهم لنا. ورسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ساكت، لا يتكلم حتى أكثروا عليه وألحوا ونطقت الأوس كلها، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): أما ترضون أن يكون الحكم فيهم إلى رجلٍ منكم؟ قالوا: بلى. قال: فذلك إلى سعد بن معاذ. وسعد يومئذٍ في المسجد في خيمة كعيبة بنت سعد بن عتبة، وكانت تداوي الجرحى، وتلم الشعث، وتقوم على الضائع والذي لا أحد له. وكان لها خيمة في المسجد، وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) جعل سعداً فيها. فلما جعل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الحكم إلى سعد بن معاذ خرجت الأوس حتى جاءوه، فحملوه على حمارٍ بشندةٍ من ليفٍ، وعلى الحمار قطيفةٌ فوق الشندة وخطامه حبلٌ من ليفٍ. فخرجوا حوله يقولون: يا أبا عمرو، إن رسول الله قد ولاك أمر مواليك لتحسن فيهم فأحسن، فقد رأيت ابن أبي وما صنع في حلفائه. والضحاك بن خليفة يقول: يا أبا عمرو، مواليك، مواليك! قد منعوك في المواطن كلها، واختاروك على من سواك ورجوا عياذك ، ولهم جمالٌ وعدد. وقال سلمة بن سلامة بن وقش: يا أبا عمرو، أحسن في مواليك وحلفائك؛ إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يحب البقية! نصروك يوم البعاث والحدائق والمواطن، ولا تكن شراً من ابن أبي.
قال إبراهيم بن جعفر، عن أبيه: وجعل قائلهم يقول: يا أبا عمرو، وإنا والله قاتلنا بهم فقتلنا، وعاززنا بهم فعززنا! قالوا: وسعد لا يتكلم، حتى إذا أكثروا عليه قال سعد: قد آن لسعد ألا تأخذه في الله لومة لائم. فقال الضحاك بن خليفة: واقوماه! ثم رجع الضحاك إلى الأوس فنعى لهم بني قريظة. وقال معتب بن قشير: واسوء صباحاه! وقال حاطب بن أمية الظفري: ذهب قومي آخر الدهر. وأقبل سعد إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، والناس حول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) جلوس، فلما طلع سعد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): قوموا إلى سيدكم. فكان رجالٌ من بني عبد الأشهل يقولون: فقمنا له على أرجلنا صفين، يحييه كل رجلٍ منا، حتى انتهى إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم). وقائل يقول: إنما عنى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بقوله قوموا إلى سيدكم يعني به الأنصار دون قريش. قالت الأوس الذين بقوا عند رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لسعد: يا أبا عمرو، إن رسول الله قد ولاك الحكم، فأحسن فيهم واذكر بلاءهم عندك. فقال سعد بن معاذ: أترضون بحكمي لبني قريظة؟ قالوا: نعم، قد رضينا بحكمك وأنت غائبٌ عنا، اختياراً منا لك ورجاء أن تمن علينا كما فعله غيرك في حلفائه من قينقاع، وأثرنا عندك أثرنا، وأحوج ما كنا اليوم إلى مجازاتك. فقال سعد: لا آلوكم جهداً. فقالوا: ما يعني بقوله هذا؟ ثم قال: عليكم عهد الله وميثاقه أن الحكم فيكم ما حكمت؟ قالوا: نعم. فقال سعد للناحية الأخرى التي فيها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو معرض عنها إجلالاً لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): وعلى من هاهنا مثل ذلك؟ فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ومن معه: نعم. قال سعد: فإني أحكم فيهم أن يقتل من جرت عليه الموسى، وتسبى النساء والذرية، وتقسم الأموال. فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): لقد حكمت بحكم الله عز وجل من فوق سبعة أرقعة . وكان سعد بن معاذ في الليلة التي في صبحها نزلت قريظة على حكم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قد دعا فقال: اللهم، إن كنت أبقيت من حرب قريشٍ شيئاً فأبقني لها، فإنه لا قوم أحب إلي أن أقاتل من قومٍ كذبوا رسول الله، وآذوه وأخرجوه! وإن كانت الحرب قد وضعت أوزارها عنا وعنهم فاجعله لي شهادة، ولا تمتنى حتى تقر عيني من بني قريظة! فأقر الله عينه منهم. فأمر بالسبي فسيقوا إلى دار أسامة بن زيد، والنساء والذرية إلى دار ابنة الحارث . وأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بأحمال التمر فنثرت عليهم، فباتوا يكدمونها كدم الحمر، وجعلوا ليلتهم يدرسون التوراة، وأمر بعضهم بعضاً بالثبات على دينه ولزوم التوراة. وأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بالسلاح والأثاث والمتاع والثياب، فحمل إلى دار بنت الحارث؛ وأمر بالإبل والغنم، فتركت هناك ترعى في الشجر. قالوا: ثم غدا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى السوق، فأمر بخدودٍ فخدت في السوق ما بين موضع دار أبي جهم العدوي إلى أحجار الزيت بالسوق، فكان أصحابه يحفرون هناك، وجلس رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ومعه علية أصحابه، ودعا برجال بني قريظة، فكانوا يخرجون رسلاً رسلاً، تضرب أعناقهم. فقالوا لكعب بن أسد: ما ترى محمداً يصنع بنا؟ قال: مايسوؤكم وما ينوؤكم، ويلكم! على كل حال لا تعقلون! ألا ترون أن الداعي لا ينزع، وأنه من ذهب منكم لا يرجع؟ هو والله السيف، قد دعوتكم إلى غير هذا فأبيتم! قالوا: ليس هذا بحين عتاب، لولا أنا كرهنا أن نزرى برأيك ما دخلنا في نقض العهد الذي كان بيننا وبين محمد. قال حيي: اتركوا ما ترون من التلاوم فإنه لا يرد عنكم شيئاً، واصبروا للسيف. فلم يزالوا يقتلون بين يدي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وكان الذين يلون قتلهم علي والزبير. ثم أتي بحيي بن أخطب مجموعةً يداه إلى عنقه، عليه حلةٌ شقحية قد لبسها للقتل، ثم عمد إليها فشقها أنملةً لئلا يسلبه إياها أحد، وقد قال له رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حين طلع: ألم يمكن الله منك يا عدو الله؟ قال: بلى والله، ما لمت نفسي في عداوتك، ولقد التمست العز في مكانه ، وأبى الله إلا أن يمكنك مني، ولقد قلقلت كل مقلقل ، ولكنه من يخذل الله يخذل. ثم أقبل على الناس فقال: يا أيها الناس، لابأس بأمر الله! قدرٌ وكتابٌ، ملحمةٌ كتبت على بني إسرائيل! ثم أمر به فضرب عنقه، ثم أتي بغزال بن
سموأل فقال: ألم يمكن الله إلا بمعولٍ في وسطه. قال: فأضع يدي على المعول فأنتزعه، وشغل بكلام رجل من فوق الحصن، فانتزعته فوجأت به كبده فاسترخى وصاح: السبع! فأوقدت اليهود النار على آطامها بشعل السعف. ووقع ميتاً وانكشف، فكنت لا أدرك، وأقبل من طريقي التي جئت منها. وجاء جبريل إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): ظفرت يا خوات! ثم خرج فأخبر أصحابه فقال: كان من أمر خوات كذا وكذا. وآتي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو جالسٌ في أصحابه وهم يتحدثون، فلما رآني قال: أفلح وجهك! قلت: ووجهك يا رسول الله! قال: أخبرني خكان يوماً صائفاً. فقيلوهم وأسقوهم وأطعموهم، فلما أبردوا راح رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقتل من بقي، ونظر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى سلمى بنت قيس، وكانت إحدى خالاته، وكانت قد صلت القبلتين وبايعته، وكان رفاعة بن سموأل له انقطاع إليها وإلى أخيها سليط بن قيس وأهل الدار، وكان حين حبس أرسل إليها أن كلمي محمداً في تركي، فإن لي بكم حرمةً، وأنت إحدى أمهاته، فتكون لكم عندي يداً إلى يوم القيامة. فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): ما لك يا أم المنذر؟ قالت: يا رسول الله، رفاعة بن سموأل كان يغشانا وله بنا حرمةٌ فهبه لي. وقد رآه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يلوذ بها، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): نعم، هو لك. ثم قالت: يا رسول الله، إنه سيصلي ويأكل لحم الجمل. فتبسم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، ثم قال: إن يصل فهو خيرٌ له، وإن يثبت على دينه فهو شرٌّ له. قالت: فأسلم، فكان يقال له مولى أم المنذر، فشق ذلك عليه واجتنب الدار، حتى بلغ أم المنذر ذلك فأرسلت إليه: إني والله ما أنا لك بمولاة، ولكني كلمت رسول الله فوهبك لي، فحقنت دمك وأنت على نسبك. فكان بعد يغشاها، وعاد إلى الدار. فقال: ألم يمكن الله إلا بمعولٍ في وسطه. قال: فأضع يدي على المعول فأنتزعه، وشغل بكلام رجل من فوق الحصن، فانتزعته فوجأت به كبده فاسترخى وصاح: السبع! فأوقدت اليهود النار على آطامها بشعل السعف. ووقع ميتاً وانكشف، فكنت لا أدرك، وأقبل من طريقي التي جئت منها. وجاء جبريل إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): ظفرت يا خوات! ثم خرج فأخبر أصحابه فقال: كان من أمر خوات كذا وكذا. وآتي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو جالسٌ في أصحابه وهم يتحدثون، فلما رآني قال: أفلح وجهك! قلت: ووجهك يا رسول الله! قال: أخبرني خكان يوماً صائفاً. فقيلوهم وأسقوهم وأطعموهم، فلما أبردوا راح رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقتل من بقي، ونظر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى سلمى بنت قيس، وكانت إحدى خالاته، وكانت قد صلت القبلتين وبايعته، وكان رفاعة بن سموأل له انقطاع إليها وإلى أخيها سليط بن قيس وأهل الدار، وكان حين حبس أرسل إليها أن كلمي محمداً في تركي، فإن لي بكم حرمةً، وأنت إحدى أمهاته، فتكون لكم عندي يداً إلى يوم القيامة. فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): ما لك يا أم المنذر؟ قالت: يا رسول الله، رفاعة بن سموأل كان يغشانا وله بنا حرمةٌ فهبه لي. وقد رآه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يلوذ بها، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): نعم، هو لك. ثم قالت: يا رسول الله، إنه سيصلي ويأكل لحم الجمل. فتبسم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، ثم قال: إن يصل فهو خيرٌ له، وإن يثبت على دينه فهو شرٌّ له. قالت: فأسلم، فكان يقال له مولى أم المنذر، فشق ذلك عليه واجتنب الدار، حتى بلغ أم المنذر ذلك فأرسلت إليه: إني والله ما أنا لك بمولاة، ولكني كلمت رسول الله فوهبك لي، فحقنت دمك وأنت على نسبك. فكان بعد يغشاها، وعاد إلى الدار.
وجاء سعد بن عبادة، والحباب بن المنذر فقالا: يا رسول الله، إن الأوس كرهت قتل بني قريظة لمكان حلفهم. فقال سعد بن معاذ: يا رسول الله، ما كرهه من الأوس من فيه خير، فمن كرهه من الأوس لا أرضاه الله! فقام أسيد بن حضير فقال: يا رسول الله، لا تبقين داراً من دور الأوس إلا فرقتهم فيها، فمن سخط ذلك فلا يرغم الله إلا أنفه، فابعث إلى داري أول دورهم. فبعث إلى بني عبد الأشهل باثنين، فضر أسيد بن حضير رقبة أحدهما، وضرب أبو نائلة الآخر. وبعث إلى بني حارثة باثنين، فضرب أبو بردة بن النيار رقبة أحدهما، وذفف عليه محيصة، وضرب الآخر أبو عبس بن جبر، ذفف عليه ظهير بن رافع. وبعث إلى بني ظفر بأسيرين.
فحدثني يعقوب بن محمد، عن عاصم بن عمر بن قتادة، قال: قتل أحدهما قتادة بن النعمان، وقتل الآخر نضر بن الحارث. قال عاصم: وحدثني أيوب بن بشير المعاوي قال: أرسل إلينا - بني معاوية - بأسيرين، فقتل أحدهما جبر بن عتيك، وقتل الآخر نعمان بن عصر؛ حليفٌ لهم من بلى. قالوا: وأرسل إلى بني عمرو بن عوف بأسيرين، عقبة بن زيد وأخيه وهب بن زيد، فقتل أحدهما عويم بن ساعدة، والآخر سالم بن عمير. وأرسل إلى بني أمية بن زيد. وأتي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بكعب ابن أسد مجموعةً يداه إلى عنقه، وكان حسن الوجه، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): كعب بن أسد؟ قال كعب: نعم يا أبا القاسم. قال: وما انتفعتم بنصح ابن خراش وكان مصدقاً بي، أما أمركم باتباعي وإن رأيتموني تقرئوني منه السلام؟ قال: بلى والتوراة يا أبا القاسم، ولولا أن تعيرني اليهود بالجزع من السيف لاتبعتك، ولكني على دين اليهود. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): قدمه فاضرب عنقه. فقدمه فضرب عنقه.
فحدثني عتبة بن جبيرة، عن الحصين بن عبد الرحمن بن عمرو ابن سعد بن معاذ، قال: لما قتل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حيي بن أخطب، ونباش بن قيس، وغزال بن سموأل، وكعب بن أسد وقام، قال لسعد بن معاذ: عليك بمن بقي. فكان سعد يخرجهم رسلاً رسلاً يقتلهم.
قالوا: وكانت امرأةٌ من بني النضير يقال لها نباتة، وكانت تحت رجلٍ من بني قريظة فكان يحبها وتحبه، فلما اشتد عليهم الحصار بكت إليه وقالت: إنك لمفارقي. فقال: هو والتوارة ما ترين، وأنت امرأةٌ فدلي عليهم هذه الرحى، فإنا لم نقتل منهم أحداً بعد، وأنت امرأةٌ، وإن يظهر محمدٌ علينا لا يقتل النساء. وإنما كان يكره أن تسبى، فأحب أن تقتل بجرمها. وكانت في حصن الزبير بن باطا، فدلت رحى فوق الحصن، وكان المسلمون ربما جلسوا تحت الحصن يستظلون في فينه، فأطلعت الرحى، فلما رآها القوم انفضوا، وتدرك خلاد بن سويد فتشدخ رأسه، فحذر المسلمون أصل الحصن. فلما كان اليوم الذي أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يقتلوا، دخلت على عائشة فجعلت تضحك ظهراً لبطنٍ وهي تقول: سراة بني قريظة يقتلون! إذ سمعت صوت قائل يقول: يا نباتة. قالت: أنا والله التي أدعى. قالت عائشة: ولم؟ قالت: قتلني زوجي - وكانت جاريةً حلوة الكلام. فقالت عائشة: وكيف قتلك زوجك؟ قالت: كنت في حصن الزبير بن باطا، فأمرني فدليت رحىً على أصحاب محمد فشدخت رأس رجلٍ منهم فمات وأنا أقتل به. فأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بها فقتلت بخلاد بن سويد. قالت عائشة: لاأنسى طيب نفس نباتة وكثرة ضحكها، وقد عرفت أنها تقتل. فكانت عائشة تقول: قتلت بنو قريظة يومهم حتى قتلوا بالليل على شعل السعف.
حدثني إبراهيم بن ثمامة، عن المسور بن رفاعة عن محمد بن كعب القرظي، قال: قتلوا إلى أن غاب الشفق، ثم رد عليهم التراب في الخندق. وكان من شك فيه منهم أن يكون بلغ نظر إلى مؤتزره، إن كان أنبت قتل، وإن كان لم ينبت طرح في السبي.
فحدثني عبد الرحمن بن عبد العزيز، عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم، قال: كانوا ستمائة إلا عمرو بن السعدى وجدت رمته ونحا. قال ابن واقد: خروجه من الحصن أثبت.
وحدثني موسى بن عبيدة ، عن محمد بن المنكدر، قال: كانوا ما بين ستمائة إلى سبعمائة. وكان ابن عباس رحمه الله يقول: كانوا سبعمائة وخمسين.
قالوا: وكان نساء بني قريظة حين تحولوا في دار رملة بنت الحارث وفي دار أسامة يقلن: عسى محمدٌ أن يمن على رجالنا أو يقبل منهم فدية. فلما أصبحن وعلمن بقتل رجالهن صحن وشققن الجيوب، ونشرن الشعور، وضربن الخدود على رجالهن، فملأن المدينة. قال، يقول الزبير بن باطا: اسكتن؛ فأنتن أول من سبي من نساء بني إسرائيل منذ كانت الدنيا؟ ولا يرفع السبي عنهم حتى نلتقي نحن وأنتن ، وإن كان في رجالكن خيرٌ فدوكن ، فالزمن دين اليهود فعليه نموت وعليه نحيى.
فحدثني عبد الحميد بن جعفر، عن محمد بن يحيى بن حبان، وحدثني ابن أبي حبيبة، عن داود بن الحصين، وكلٌّ قد حدثني من هذا الحديث بطائفة، قالا: كان الزبير بن باطا من على ثابت بن قيس يوم بعاث، فأتى ثابت الزبير فقال: يا أبا عبد الرحمن، هل تعرفني؟ قال: وهل يجهل مثلي مثلك؟ قال ثابت: إن لك عندي يداً، وقد أردت أن أجزيك بها. قال الزبير: إن الكريم يجزي الكريم، وأحوج ما كنت إليه اليوم. فأتى ثابت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: يا رسول الله إنه كان للزبير عندي يد، جز ناصيتي يوم بعاث فقال: اذكر هذه النعمة عندك. وقد أحببت أن أجزيه بها فهبه لي. فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): فهو لك. فأتها فقال: إن رسول الله قد وهبك لي. قال الزبير: شيخٌ كبير، لا أهل ولا ولد ولا مال بيثرب، ما يصنع بالحياة؟ فأتى ثابت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: يا رسول الله، أعطني ولده. فأعطاه ولده فقال: يا رسول الله، أعطني ماله وأهله. فأعطاه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ماله وولده وأهله، فرجع إلى الزبير فقال: إن رسول الله قد أعطاني ولدك وأهلك ومالك. فقال الزبير: يا ثابت، أما أنت فقد كافأتني وقضيت بالذي عليك. يا ثابت، ما فعل الذي كأن وجهه مرآةٌ صينيةٌ تتراءى عذارى الحي في وجهه - كعب بن أسد؟ قال: قتل. قال: فما فعل سيد الحاضر والبادي؛ سيد الحيين كليهما، يحملهم في الحرب ويطعمهم في المحل - حيي بن أخطب؟ قال: قتل. قال: فما فعل أول غادية اليهود إذا حملوا، وحاميتهم إذا ولوا - غزال بن سموأل؟ قال: قتل. قال: فما فعل الحول القلب الذي لايؤم جماعةً إلا فضها ولا عقدةً إلا حلها - نباش بن قيس؟ قال: قتل. قال: فما فعل لواء اليهود في الزحف - وهب بن زيد؟ قال: قتل. قال: فما فعل والي رفادة اليهود وأبو الأيتام والأرامل من اليهود - عقبة بن زيد؟ قال: قتل. قال: فما فعل العمران اللذان كانا يلتقيان بدراسة التوراة؟ قال: قتلا. قال: يا ثابت، فما خيرٌ في العيش بعد هؤلاء! أأرجع إلى دار كانوا فيها حلولاً فأخلد فيها بعدهم؟ لا حاجة لي في ذلك، فإني أسألك بيدي عندك إلا قدمتني إلى هذا القتال الذي يقتل سراة بني قريظة ثم يقدمني إلى مصارع قومي، وخذ سيفي فإنه صارم فاضربني به ضربةً وأجهز، وارفع يدك عن الطعام، وألصق بالرأس واخفض عن الدماغ، فإنه أحسن الجسد أن يبقى فيه العنق. يا ثابت، لا أصبر إفراغ دلوٍ من نضح حتى ألقى الأحبة. قال أبو بكر، وهو يسمع قوله: ويحك يا ابن باطا، إنه ليس إفراغ دلو، ولكنه عذابٌ أبدي. قال: يا ثابت، قدمني فاقتلني! قال ثابت: ما كنت لأقتلك. قال الزبير: ما كنت أبالي من قتلني! ولكن يا ثابت، انظر إلى امرأتي وولدي فإنهم جزعوا من الموت، فاطلب إلى صاحبك أن يطلقهم وأن يرد إليهم أموالهم. وأدناه إلى الزبير بن العوام، فقدمه فضرب عنقه. وطلب ثابت إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في أهله وماله وولده، فرد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كل ما كان من ذلك على ولده، وترك امرأته من السبا، ورد عليهم الأموال من النخل والإبل والرثة إلا الحلقة، فإنه لم يردها عليهم. فكانوا مع آل ثابت بن قيس بن شماس.
قالوا: وكانت ريحانة بنت زيدٍ من بني النضير متزوجةً في بني قريظة، وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قد أخذها لنفسه صفياً، وكانت جميلة، فعرض عليها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن تسلم، فأبت إلا اليهودية. فعزلها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ووجد في نفسه، فأرسل إلى ابن سعية فذكر له ذلك، فقال ابن سعية: فداك أبي وأمي، هي تسلم! فخرج حتى جاءها، فجعل يقول لها: لا تتبعي قومك، فقد رأيت ما أدخل عليهم حيي بن أخطب، فأسلمي يصطفيك رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لنفسه. فبينا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في أصحابه إذ سمع وقع نعلين فقال: إن هاتين لنعلا ابن سعية يبشرني بإسلام ريحانة. فجاءه فقال: يا رسول الله، قد أسلمت ريحانة! فسر بذلك.
فحدثني عبد الملك بن سليمان، عن أيوب بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة، عن أيوب بن بشير المعاوي، قال: أرسل بها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى بيت سلمى بنت قيس أم المنذر، وكانت عندها حتى حاضت حيضةً، ثم طهرت من حيضها، فجاءت أم المنذر فأخبرت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، فجاءها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في منزل أم المنذر، فقال لها رسول الله: إن أحببت أعتقك وأتزوجك فعلت، وإن أحببت أن تكوني في ملكي أطؤك بالملك فعلت. فقالت: يا رسول الله، إنه أخف عليك وعلي أن أكون في ملكك. فكانت في ملك النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يطؤها حتى ماتت عنده.
فحدثني ابن أبي ذئب قال: سألت الزهري عن ريحانة فقال: كانت أمة لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فأعتقها وتزوجها، وكانت تحتجب في أهلها وتقول: لا يراني أحدٌ بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم). فهذا أثبت الحديثين عندنا. وكان زوج ريحانة قبل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الحكم.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|