المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية


Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
من هم المحسنين؟
2024-11-23
ما هي المغفرة؟
2024-11-23
{ليس لك من الامر شيء}
2024-11-23
سبب غزوة أحد
2024-11-23
خير أئمة
2024-11-23
يجوز ان يشترك في الاضحية اكثر من واحد
2024-11-23



أبو علي البصير  
  
2851   04:42 مساءً   التاريخ: 6-7-2019
المؤلف : د .شوقي ضيف
الكتاب أو المصدر : تاريخ الأدب العربي ـالعصر العباسي الثاني
الجزء والصفحة : ص: 416ـ419
القسم : الأدب الــعربــي / تراجم الادباء و الشعراء و الكتاب /

 

أبو علي (1) البصير

اسمه الفضل بن جعفر بن الفضل بن يونس، أصل أسرته من الأنبار، انتقلت إلى الكوفة فنزلت في حي النّخع، وهي أسرة فارسية الأصل. وكان أبو علي ضريرا

 

ص416

ولقّب البصير على العادة في التفاؤل أو لذكائه وفطنته. وكان شيعي الهوى على مذهب أهل بلدته الكوفة، وأكبر الظن أنه كان إماميّا يؤمن بالتقيّة، ولذلك لم ير بأسا في أن يترك الكوفة إلى بغداد وسامرّاء. ونزل الأخيرة في خلافة المعتصم ومدحه ومدح جماعة من قواده، ولزم المتوكل والفتح بن خاقان يمدحهما وينال جوائزهما، ولحق زمن المعتز وهنأه بالخلافة كما مر بنا في غير هذا الموضع. ولم يكن شاعرا فحسب، بل كان أيضا صاحب رسائل نثرية بارعة، وفي الجزء الرابع من جمهرة رسائل العرب لأحمد زكي صفوت قطعة منها بديعة. ويقول المسعودي: «كان من أطبع الناس في زمانه لا يزال يأتي بالبيت النادر والمثل السائر الذي لا يأتي به غيره، وله في الفضل حفيد الحسن بن سهل:

ملك ندفع-ما نخشى-به … وبه-نصلح منا ما فسد

ينجز الناس إذا ما وعدوا … وإذا ما أنجز الفضل وعد

ودقة العبارة واضحة، وواضح معها دقة الفكرة في البيت الثاني، فالفضل لا يزال يؤدي وعوده وكلما أدّى وعدا وعد ثانية، فهو بحر من الجود لا ينقطع فيضه، ومن طريف ماله في الفتح بن خاقان قوله واصفا بلاغته وشعره:

سمعنا بأشعار الملوك فكلّها … إذا عضّ متنيه الثّقاف تأوّدا

سوى ما رأينا لامرئ القيس إننا … نراه متى لم يشعر الفتح أوحدا

أقام زمانا يسمع القول صامتا … ونحسبه إن رام أكدى وأصلدا (2)

فلما امتطاه راكبا ذلّ صعبه … وسار فأضحى قد أغار وأنجدا

فأشعار الملوك قبل الفتح لا تثبت عند الثقاف والتمحيص ولا تستقيم بل تتأوّد وتتثنى إلا ما كان من شعر امرئ القيس، ولكن بشرط ألا ينظم الفتح وكأنه يعلو به على أبي الشعر العربي كله. وصوّره يطيل إرهاف سمعه لمادحيه، حتى ليظن الرائي أنه لا يحسن قول الشعر ولا نظمه، حتى إذا رامه ونظمه ذاع في طول البلاد وعرضها وفي حزنها وسهولها ونجادها وأغوارها. ويقول الرواة إنه كان يتشيع وإن له في ذلك أشعارا، ولم يصلنا من هذه الأشعار شيء ولعل كثيرا منها كان في مدح آل البيت.

ص417

وروى له الحصري تهنئة بمولود، نظن ظنّا أنه قدمها لأحد أفراد البيت العلوي، وفيها يقول:

أتاني البشير بأن قد رزقت … غلاما فأبهجني ما ذكر

فعمّرك الله حتى ترا … هـ قد قارب الخطو منه الكبر

وحتى ترى حوله من بنيه … وإخوته وبنيهم زمر

وأوزعك الله شكر العطاء … فإن المزيد لعبد شكر

وصلّى على السّلف الصّالح‍ … ين منكم وبارك فيمن غبر

وكان يؤذي نفسه إيذاء شديدا أن يقدّم شعره أحيانا لبعض الرؤساء أو بعض رجال الدولة فلا يأبه له أو لا يعطيه ما يستحقه، وتصادف أن أفرادا مختلفين وقفوا منه هذا الموقف في صور مختلفة، فعزّت عليه نفسه وكرامته، وأنشأ يقول:

وإني قد بلوتكم جميعا … فما منكم على شكري حريص

وأرخصت الثناء فعفتموه … وربّتما غلا الشيء الرخيص

فعفت نوالكم ورغبت عنه … وشرّ الزاد ما عاف الخصيص (3)

ولعل شخصا لم يؤذ نفسه وكبرياءه كما آذاه المعلّى بن أيوب أحد قواد الجيش، ولعل ذلك ما جعله يخصّه ببيتين كأنهما سهمان مصميان، إذ يقول فيه:

لعمر أبيك ما نسب المعلّى … إلى كرم وفي الدنيا كريم

ولكن البلاد إذا اقشعرّت … وصوّح نبتها رعى الهشيم (4)

وكان يحسّ فقده لبصره إحساسا عميقا، ولكن ذلك لم يكسر نفسه ولا أصابه بهوان، إذ نراه يدلّ بأن غيره من المبصرين يستمدّون علمهم من الكتب المخلّدة، أما علمه فدفتره القلب وحبره السمع، ويعتذر اعتذارات طريفة عن أنه لا يستطيع شيئا إلا بغيره كما نرى في مثل قوله:

ص418

لئن كان يهديني الغلام لوجهتي … ويقتادني في السير إذ أنا راكب

لقد يستضيئ القوم بي في أمورهم … ويخبو ضياء العين والرّأي ثاقب

وهو كثير السخرية في أشعاره. وله مداعبات ومجاوبات تدل على بديهة حاضرة حضورا شديدا، وكثير منها كان يدور بينه وبين أبي العيناء الضرير ويروى أنه قال له: إنني ولدت وقت طلوع الشمس، فقال له توّا: لذلك خرجت مكديا (شحاذا) لأنه وقت انتشار المساكين. وله غزل بارع من مثل قوله:

ألمت بنا يوم الرّحيل اختلاسة … فأضرم نيران الهوى النّظر الخلس (5)

تأبّت قليلا وهي ترعد خيفة … كما تتأبّى حين تعتدل الشّمس

فخاطبها صمتي بما أنا مضمر … وأنبست حتى ليس يسمع لي حسّ (6)

وولّت كما ولّى الشباب لطيّة … طوت-دونها كشحا على نفسها-النّفس

والقطعة بديعة وتدل على رهافة الحس ودقة الشعور وخصوبة التفكير، وكأن البصير روى لنا قصة لا مجرد خطرات في الحب والوجد. وكان يشارك أحيانا في الخمر والمجون واللهو، وله دعابة نظمها وهو يريد الحج، صوّر فيها نفسه ألمّ بالكوفة والأديرة القائمة حولها في الحيرة، فنازعته نفسه أن يشرب في أحد الأديرة ويتزوّد من خمرها ما يكفيه حتى العودة، فقال لصاحبه: حطّ أثقالنا، وسار الناس وأقاما، يقول:

خرجنا نبتغى مك‍ … ة حجّاجا وزوّارا

فلما شارف الحير … ة حادي جملي حارا

فقلت: احطط بها رحلي … ولا تحفل بمن سارا

فقضّينا لبانات … لنا كانت وأوطارا

وما ظنك بالحلفا … ء إن أشعلتها نارا

ص419

ويقال إنه تغيّر عقل أبي علي البصير قبل موته بقليل، وكان يثوب إليه عقله، فيأسى على نفسه وما أصابه من خرف الشيخوخة، وفي ذلك يقول:

خبا مصباح عقل أبي علي … وكانت تستضيئ به العقول

إذا الإنسان مات الفهم منه … فإن الموت بالباقي قليل

ولعل في كل ما ذكرناه من شعره ما يدل على حذقه حقّا وأنه كان خصب الذهن. وكان لا يزال يعرض على معاصريه ما يزيدهم به إعجابا وبشعره استحسانا.

 

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) انظر في أخبار أبي علي البصير وأشعاره كتاب طبقات الشعراء لابن المعتز ص 398 ومروج الذهب للمسعودي 4/ 62، 84 ومعجم الشعراء للمرزباني ص 185 ونكت الهميان ص 225 وزهر الآداب للحصري 3/ 95، 193 والديارات ص 81، 248 والفهرست ص 184 .

(2) أكدى وأصلد: أعطى قليلا.

(3) الخصيص: من الخصاصة؛ وهي الفقر والاحتياج.

(4) اقشعرت: أجدبت. وصوّح: يبس.

(5) الخلس: المختلس.

(6) أنبس: همس بكلامه.

 





دلَّت كلمة (نقد) في المعجمات العربية على تمييز الدراهم وإخراج الزائف منها ، ولذلك شبه العرب الناقد بالصيرفي ؛ فكما يستطيع الصيرفي أن يميّز الدرهم الصحيح من الزائف كذلك يستطيع الناقد أن يميز النص الجيد من الرديء. وكان قدامة بن جعفر قد عرف النقد بأنه : ( علم تخليص جيد الشعر من رديئه ) . والنقد عند العرب صناعة وعلم لابد للناقد من التمكن من أدواته ؛ ولعل أول من أشار الى ذلك ابن سلَّام الجمحي عندما قال : (وللشعر صناعة يعرف أهل العلم بها كسائر أصناف العلم والصناعات ). وقد أوضح هذا المفهوم ابن رشيق القيرواني عندما قال : ( وقد يميّز الشعر من لا يقوله كالبزّاز يميز من الثياب ما لا ينسجه والصيرفي من الدنانير مالم يسبكه ولا ضَرَبه ) .


جاء في معجمات العربية دلالات عدة لكلمة ( عروُض ) .منها الطريق في عرض الجبل ، والناقة التي لم تروَّض ، وحاجز في الخيمة يعترض بين منزل الرجال ومنزل النساء، وقد وردت معان غير ما ذكرت في لغة هذه الكلمة ومشتقاتها . وإن أقرب التفسيرات لمصطلح (العروض) ما اعتمد قول الخليل نفسه : ( والعرُوض عروض الشعر لأن الشعر يعرض عليه ويجمع أعاريض وهو فواصل الأنصاف والعروض تؤنث والتذكير جائز ) .
وقد وضع الخليل بن أحمد الفراهيدي للبيت الشعري خمسة عشر بحراً هي : (الطويل ، والبسيط ، والكامل ، والمديد ، والمضارع ، والمجتث ، والهزج ، والرجز ، والرمل ، والوافر ، والمقتضب ، والمنسرح ، والسريع ، والخفيف ، والمتقارب) . وتدارك الأخفش فيما بعد بحر (المتدارك) لتتم بذلك ستة عشر بحراً .


الحديث في السيّر والتراجم يتناول جانباً من الأدب العربي عامراً بالحياة، نابضاً بالقوة، وإن هذا اللون من الدراسة يصل أدبنا بتاريخ الحضارة العربية، وتيارات الفكر العربية والنفسية العربية، لأنه صورة للتجربة الصادقة الحية التي أخذنا نتلمس مظاهرها المختلفة في أدبنا عامة، وإننا من خلال تناول سيّر وتراجم الأدباء والشعراء والكتّاب نحاول أن ننفذ إلى جانب من تلك التجربة الحية، ونضع مفهوماً أوسع لمهمة الأدب؛ ذلك لأن الأشخاص الذين يصلوننا بأنفسهم وتجاربهم هم الذين ينيرون أمامنا الماضي والمستقبل.