أقرأ أيضاً
التاريخ: 2-03-2015
10368
التاريخ: 27-03-2015
2849
التاريخ: 2-03-2015
4187
التاريخ: 2-03-2015
4017
|
هو علي بن حمزة بن عبد الله الملقب بالكسائي من أهل الكوفة(1) ، وقرأ على حمزة ابن حبيب الزيات القارئ المشهور وسمع من سليمان بن ارقم وابي بكر بن عياش وسفيان بن عيينة ، ولازم حلقة شيخه حمزة حتى اتقن قراءته، وصار يقرئ الناس بها ثم اختار لنفسه قراءة وصار احد القراء المشهورين من سبعة ابن مجاهد ، وقيل في سبب تلقيبه بالكسائي انه احرم في كساء ، او ان شيخه حمزة الزيات لقبه بذلك، ويبدو انه لم يهتم بالعربية والنحو في صباه وشبابه بل كان معنيا بالقرآن وقراءته وبالحديث ايضا.
ويرى عن تلميذه الفراء انه قال: (اما تعلم الكسائي النحو على الكبر، وكان سبب تعلمه انه جاء يوما قد مشى حتى اعيى ، فجلس الى قوم فيهم فضل، وكان
ص90
يجالسهم كثيرا فقال: (قد عييت ،فقالوا له: تجالسنا وانت تلحن ؟ قفال :كيف لحنت؟ فقالوا له: ان كنت اردت من التعب فقل: أعييت وان كنت اردت من انقطاع الحيلة والتحير في الامر في فقل: (عييت)مخففة ، فأنف من هذه الكلمة، وقام من فوره ذلك فسال عمن يعلم النحو، فأرشدوه الى معاذ الهراء فلزمه حتى انفذ ما عنده.....) .(2)
ولم يكتف بما أخذه عن الهراء بل استزاد في الاخذ عن ابن اخي الهراء لبي جعفر الرؤاسي ، ولما وجد ان علم الرجلين في الكوفة لم يشبع نهمه خرج الى البصرة ذائعة الصيت بالعلم والعلماء. وقصد حلقة الخليل يأخذ عنه، وعلم به احد الاعراب الجالسين في الحلقة فاستنكر مجيئه قائلا : تركت اسد الكوفة وتميمها وعندهما الفصاحة وجئت الى البصرة .
فلم يلتفت لذلك لأنه كان معجبا بعلم الخليل واثقا من صحته، وقال الخليل يستوثقه : من اين اخذت علمك هذا؟
من بوادي الحجاز ونجد وتهامة، فخرج الى مواطن الفصاحة تلك ومعه خمس عشرة قنينة حبر يسمع عن العرب ويكتب حتى انفذ ما عنده من حبر زيادة على ما حفظ، ورجع الى البصرة ليرى الخليل، وكان الخليل قد مات وجلس موضعه يونس بن حبيب، واذا صح تاريخ وفاة الخليل(ت175هـ ) فانه يغلب على الظن ان خروج الكسائي الى البصرة واخذه عن الخليل كان في حدوده سنة 170هـ فما بعدها وان مكوثه وان في تلك البوادي لا يزيد على ثلاثة أو اربع سنوات...
ثم ترك البصرة عائد الى الكوفة بعد ان أخذ بناصية اللغة والادب وتقدم في صناعة النحو. ولم يطل مقامه في الكوفة فقد استدعاه المهدي ليؤدب الرشيد، ولا شك في ان هذا الاختيار يعني سمعة علمية عريضة سبقته الى بغداد ، وحسنت حال الكسائي وتأثلت باتصاله بالخلفاء العباسيين فهو مؤدب الرشيد صغيرا, وجليسه وامامه في الصلاة هو خليفة ، ومؤدب ولديه الامين والمأمون
ص91
ورفيقه في رحله وترحاله.
وفي فترة اتصاله بالرشيد حصلت المتناظرة المشهورة بينه وبين سيبويه البصري المناظرة التي خرج منها بالغلبة والفوز على خصمه وخرج منها سيبويه بالهم والغم اللذين اوديا بحياته، ويتجه الاخفش الاوسط صديق سيبويه وتلميذه الى بغداد للانتصار لصاحبه واعنات الكسائي واصحابه، ثم يلتقيان فنقلب الخصومة مصالحة ومودة فيؤدب الاخفش اولاد الكسائي ويقرئه كتاب سيبويه.
ومما يجدر ذكره ان غير واحد من النصوص يؤكد تردد الكسائي على البصرة ايام ان كان شابا طالب علم وايام كان شيخا واستاذا قال القفطي ( وقال الاخفش سعيد بن مسعدة : قدم الكسائي الينا البصرة مرتين، كان في الاولى كذا وكذا ،فأما في الثانية فلم يتعلق عليه بشيء) (3). وقال القفطي (وروى سلمة عن الاخفش قال :كان الكسائي جاءنا البصرة فسألني ان أقرأ عليه أو أقرئه كتاب سيبويه ،ففعلت فوجه الي خمسين دينار وجبة وشي) (4). وجاء في الانباه ايضا :( واجتاز الكسائي بحلقة يونس بالبصرة ـ وكان مع المهدي اليهاـ فاستند الى اسطوانة تقرب من حلقته.....) (5).
وجاء ايضا : (وقال ابو زيد الانصاري : قدم الكسائي البصرة فأخذ عن ابي عمرو بن العلاء وعن يونس بن حبيب وعيسى بن عمر علما كثيرا صحيحا، ثم خرج الى بغداد.......) (6).
ويفيد النص الاخير انه خرج الى البصرة مبكرا ولعلها القدمة الاولى لانه في هذه اخذه عن عيسى بن عمر المتوفي سنة 149هـ وابي عمرو بن العلاء(ت154هـ) والمدة طويلة بين اخذه عن هذين العالمين وبين اخذه عن الخليل بن احمد
ص92
وخروجه الى البادية وانفاذه خمس عشرة قنينة من الحبر ورجوعه الى البصرة ليجد الخليل قد نوفى سنة 175هـ .
ونخلص مما تقدم الى أمرين: أحدهما : ان الكسائي دخل البصرة أكثر من مرتين، والاخر انه قرأ كتاب سيبويه على الاخفش وارجح ان تكون القراءة في بغداد بعد اختياره الاخفش مؤدبا لا ولاده ، اخذ عنه كثيرون اشهرهم الفراء.
وتوفي هو ومحمد بن الحسن ودفنا في يوم واحد وكانا في صحبة الرشيد فقال: دفنا الفقه واللغة في يوم واحد، وترك كثيرا من المصنفات منها كتاب: معاني القرآن، ومختصر في النحو ،والقراءات، والعدد والنوادر الكبير الاوسط والاصغر، والهجاء والمصادر والحروف والحدود في النحو وغيرها.
منهجه وشيء من نحوه:
في الصحف السابقة من سيرة الكسائي اوضحنا انه المؤسس الحقيقي للمذهب الكوفي وانما عد كذلك بما استطاع ان يوجده من آراء وتعليلات تغاير مذهب البصريين وبما اختطه من منهج يقوم على التوسع في الرواية ، والقياس على غير الشائع ، والاحتجاج بالإعراب غير الفصحاء ممن لا يرتضيهم البصريون.
حدث عبد الله بن جعفر عن المبرد عن المازني عن الاصمعي انه قال: (كان الكسائي يأخذ اللغة عن اعراب الحطمة ينزلون بقطر بل وغيرها من قرى سواد بغداد ، فلما ناظر الكسائي سيبويه استشهد بكلامهم ، واحتج بهم وبلغتهم على سيبويه فقال ابو محمد اليزيدي:
كنا نقيس النحو فيما مضى على لسان العرب الاول
فجاء اقوام يقيسونه على لغي اشياخ قُطْرُبَّل
فكلهم اقوام في نقص ما به نصاب الحق لا يأتلي
ص93
ان الكسائي واصحابه يرقون في النحو الى اسفل(7)
اما ابن درستويه فيقول: ( كان الكسائي يسمع الشاذ الذي لا يجوز الا في الضرورة فيجعله اصلا ويقيس عليه فأفسد بذلك النحو)(8)
وروى ابو الطيب اللغوي بسنده عن ابي حاتم فقال:
(لم يكن لجمع الكوفيين عالم بالقرآن ولا كلام العرب، ولولا ان الكسائي دنا من الخلفاء فرفعوا من ذكره لم يكن شيئا ، وعلمه مختلط بلا حجج ولا علل الاحكايات عن الاعراب مطروحة ، لأنه كان يلقنهم ما يريد ، وهو على ذلك اعلم الكوفيين بالعربية والقرآن ، وهو قدوتهم ،واليه يرجعون) (9).
لا نريد ان نحكم على الكسائي بشهادات الاصمعي وابن درستويه وابي حاتم لأنها صدرت عن بصريين يتعصبون لمذهبون ،وينتصرون لصاحبهم ،ولا تظن ان ما ابتدعه الكسائي من قياس يرقى الى هدم اللغة وافساد النحو، لكن البصريين كانوا اكثر تشددا بالقياس والاخذ عن القبائل فهم لا يأخذون عن اعراب الحطمة النازلين سواد بغداد لاعتقادهم ان هؤلاء قد فسدت السنتهم بسكناهم الحواضر وقربهم من الاعاجم ، وهم أعني البصريين يريدون أن يقعدوا قواعدهم بعيدة عن اية شبهة عامة مطردة لا يتسلل اليها الضعف بكثرة الاحتمالات.
انه يقيس على الاحاد مخالفا بذلك البصريين فقد اعتد بقول الشاعر:
ونطعنهم تحت الكلي بعد ضربهم بيض المواضي حيث لي العمائم
ص94
وجمهور النحويون يذهب الى لزوم أضافة(حيث) الى جملة فعلية أو اسمية ومن النادر أضافتها الى المفرد كما في البيت، قال ابن هشام ) والكسائي يقيسه، ويمكن ان يخرج عليه قول الفقهاء )من حيث ان كذا )(10) يفتح الهمزة.
ويوجه الرفع في (الصائبون) من قوله تعالى: (ان الذين أمنو والذين هادوا والصائبون والنصارى من أمن بالله واليوم الاخر) بانه يجوز العطف على موضع (ان) قبل تمام الخبر(11) نحو قولهم: (ان زيدا وعمرو قائمان) فالصائبون معطوف بالرفع على أن اسمها لأنها في موضع رفع بالابتداء ولذلك جاز العطف عليها بالرفع قبل تمام الخبر الذي هو من آمن بالله.
اما البصريون فرفضوا هذا الاعراب وذهبوا الى ان المرفوع في قولهم:
انك وزيد قائمان، انما رفع بالابتداء ولا يجوزان يكون معطوفا.
وكان يذهب الى ان المستثنى المنصوب بعد الا نحو(قام القوم الا زيدا)انما نصب لان تأويله :قام القوم الا ان زيدا لم يقم)(12).
وحكي عنه ايضا انه قال: (ينتصب المستثنى لأنه مشبه بالمفعول) وكان يذهب الى جواز الفصل بين المضاف والمضاف اليه وبغير الظرف والجار والمجرور(13) وعليه قراءة ابن عامر وهو واحد من سبعة ابن مجاهد قوله تعالى: (وكذلك زين لكثير من المشركين قتل اولادهم شركائهم)بفصل(قتل) المضاف عن(شركائهم) المضاف اليه يـ(اولادهم) وهذه ليست ظرفا ولا جار ومجروا. وحكى الكسائي عن العرب قولهم : (هذا غلام والله زيدٍ) ففصل بين(غلام) المضاف وبين(زيد)
ص95
المضاف اليه بقوله(والله)، وكان يذهب الى ان حتى الداخلة على الاسم(14) انما يجر الاسم بعدها بـ الى مضمر أو مظهر اما الكوفيون فيرون ان(حتى)تكون حرف نصب للفعل من غير تقدير ان كقوله تعالى: (ولو انهم صبروا حتى يخرج اليهم لكان خيرا لهم) وتكون حرف جر من غير تقدير جار.
وذهب البصريون الى ان حتى في الموضعين حرف جر......
تأثره بالبصريين
مر بنا ان الكسائي اخذ عن مشاهير البصريين كعيسى بن عمرو وابي عمرو بن العلاء والخليل بن احمد ،ومن دراسة آرائه ومنهجه انه (لم يستطيع التخلص من أثار شيوخه البصريين، فكان يعتمد على كثير من أرائهم واتجاهاتهم ، وكان يوافقهم، ويوافق الخليل بن احمد ـ في مسائل كثيرة خالفه الكوفيون فيها فيما بعد....) (15)
من ذلك التأثير بالبصريين انه لم يحتج بالحديث الشريف فلم يكن من مصادره المعتمدة متابعا بذلك جمهور البصريين كأبي عمرو بن العلاء وعيسى بن عمرو والخليل ابن احمد وسيبويه.
ومنه ذهابه الى ان نعم وبئس فعلان ماضيان لا يتصرفان(16) وهو مذهب البصريين، وان (أفعل) في التعجب فعل ماض(17) وهو مذهب البصريين كذلك.
_________________________
(1) انظر: ترجمته في طبقات النحويين واللغويين 137، ونزهة الالباء 42، وعجم الادباء 5 /183،وانباه الرواة 2 /256، وبغية الوعاة 2 /162.
(2) نزهة الالباء 43، ومعجم الادباء 5 /184
(3) انباه الرواة 2ـ273.
(4) نفسه.
(5) نفسه 2 /265.
(6) نفسه2 /374.
(7) معجم الادباء 5 /190.
(8) بغية الوعاة 2 /164.
(9) مراتب النحويين120، ومعجم الادباء 5 /194.
(10) مغني اللبيب1 /132.
(11) الانصاف مسألة 23.
(12) الانصاف مسألة 34.
(13) الانصاف مسألة60.
(14) الانصاف مسألة83.
(15) مدرسة الكوفة 118.
(16) الانصاف 1/ 61 مسألة 14.
(17) الانصاف 1/ 75 مسألة 15.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|