أقرأ أيضاً
التاريخ: 20-4-2016
2493
التاريخ: 15-1-2016
2075
التاريخ: 11-7-2022
1518
التاريخ: 2023-03-05
1121
|
ليس هناك تعريف جامع مانع للثقافة، الامر الذي دفع البعض الى القول : ان هناك مئة وستين تعريفا لها، وجعل (ت.س.إليوت) يضع كتابا بعنوان (ملاحظات نحو تعريف الثقافة)، وقد امتدت التعريفات على جبهة عريضة من قول (جورج برناردشو) : (ان تعرف شيئا عن كل شيء، وان تعرف كل شيء عن شيء الى القول بانها : (طريقة حياة(..
وحاول (إليوت) أن يربط بينها وبين التربية، فقال : (ان الاخيرة تستهدف كسب العيش، وتكوين مواطن صالح، وتنمية القدرات)..
واذا كنا قد عجزنا عن تعريف الثقافة، فنحن اشد عجزا إزاء تعريف (ثقافة الطفل) .. التي لم ترد قط في كتاب د. طه حسين (مستقبل الثقافة في مصر(.
هذا المصطلح شمولي، لا يستخدم كثيرا في الغرب، ويستعاض عنه بالعناصر التي تشكل منها الثقافة: علما ومعرفة وفنونا مختلفة، ويستخدمون عبارات : ادب الاطفال، ومسرحهم، وموسيقاهم، وفنونهم التشكيلية، والشعبية، وما الى ذلك .. ونحن لم نستخدمه في مصر الا في اواخر الستينات، وشاع استخدامه ، وصار يطلق على الكثير من المؤسسات والهيئات والادارات.
وربما كان التعريف الكلاسيكي الذي صاغه (إدوار تيلور) هو اكثر التعريفات شيوعا، اذ يرى (ان الثقافة هي ذلك المركب الذي يشتمل على : (1) المعرفة (2) العقائد (3) الفنون (4) الاخلاق (5) التقاليد (6) القوانين (7) جميع المقومات والعادات الاخرى التي يكتسبها الانسان باعتباره عضوا في المجتمع).
وقد اورده أ. هادي نعمان في كتابه (ثقافة الاطفال)، كما حاول ان يصوغ تعريفا لثقافة الاطفال مستمداً منه، واظن انه لم يجد لذلك سبيلا، الامر الذي دفع به الى القول بانها (انعكاس لثقافة الكبار، وحصيلة للنشاط الانساني عبر الاجيال، وصولا الى ما يعايشونه من حولهم، ويقدم اليهم من خلال البيت والاسرة، والمجتمع عامة.. ودار الحضانة ورياض الاطفال والمدرسة.. ثم اجهزة الاتصال).. واذا ما حاولنا ان نقوم بتعريف (ثقافة الاطفال) فسوف يتجاوز ذلك مئتي تعريف، ومن هنا لنا ان نعتمد على واحد منها، اذ لن يكون جامعا مانعا، لكنه في تقديرنا يمكن ان يكون توصيفا معقولا مقبولا.. لذلك نرى ان (ثقافة الطفل هي خليط ما يرثه عن ابويه واسرته، وما يصله من عادات وتقاليد، وما يكتسبه من معرفة وعلم، وما يتأثر به من فنون، وما يمارسه منها، وما يعتقد فيه، ويؤمن به، وما يتصف به من خلق، وما تتميز به شخصية من ملامح، وكل ما يسود مجتمعه من افكار واراء وقوانين، وما يشيع فيه من ثقافة عامة(.
والثقافة ـ بعكس المعرفة - تورث، أي ان جانبا منها ينحدر الينا من خلال الاباء والاجداد، فالعرق دساس، ويجب علينا اذا تحدثنا عن ثقافة الاطفال ان نضع ذلك في حسابنا، وان نوليه اهتمامنا : سلبا وايجابيا.. وهم لا يولدون صفحة بيضاء كما يتصور البعض، والبيئة الحضرية تختلف عن الريفية، وهذه تتباين مع الصحراوية، والساحلية، وما الى ذلك .. ثم ان للثقافة جانبا معنويا، وجانبا اخر ماديا .. يتمثل الأول فيما هو فكري، والثاني فيما هو مادي كالفن التشكيلي،
وانت تداخلت عناصرها، وصعب فرزها بعضها عن البعض.
ونحن بحاجة ماسة الى تعريف ابنائنا بالثقافة.. وعندما نرغب في (تجسيد) معنى كلمة (الثقافة) وشرحها في بساطة للكبار أو الصغار، نضرب لها مثلا ماديا .. فنقول : اننا ناكل النشويات، والبروتينات والفيتامينات و.. الخ، ويتم هضم ذلك في المعدة والامعاء، ليتحول الى طاقة تحركنا، ونحيا بها، ونعيش عليها، والى خلايا ينمو بها الاطفال، فضلا عن المحافظة على درجة حرارتنا عند 37 مئوية .. ونحن في الوقت نفسه نقرأ ونشاهد ونسمع ونحصل على خبرات، ونمر بتجارب، وكل ذلك يهضمه العقل، ليصبح (ثقافة)، تنعكس على سلوكنا وتصرفاتنا..
وكثيرون يستريحون لهذا التماثل الذي ييسر لهم فهم هذه الكلمة التي استعصت على التعريف .. ولنا ان نختار، اذا رغبنا في مد الجسم بفيتامين (س) أيهما أفضل : ان يكون ذلك بواسطة كوب عصير برتقال، ام نحصل عليه عن طريق حقنه؟
ان الثقافة يجب ان تكون كالغذاء الجيد، والعصير اللذيذ، أي (متعة).. سواء كانت لوحة فنية، او قصيدة شعر، او قصة جميلة، او رواية رائعة .. ولهذا تجمع الثقافة ما بين الآداب والفنون من جانب، والعلم والمعرفة من جانب اخر، ويظل شرط المتعة قائما باستمرار واصرار.
اما الاطفال فهم شريحة متحركة، متغيرة، نامية، متفاوتة الاعمار والشخصيات والملامح، كانت النظرة لهم فيما مضى انهم (رجال صغار) و (نساء صغيرات) .. وقد افسد ذلك المفهوم امورا كثيرا في مجال تربيتهم وتثقيفهم.. لذا كان الاعتراف بوجود (الطفل) انجازا كبيرا، اذ ان الفكرة التي كانت شائعة انه بمجرد (رجل صغير)، وانه مجرد (امرأة صغيرة). وعندما تنبه الناس الى خطا ذلك، والى ان الاطفال ينتمون الى عالم اخر غير عالم الكبار، بدا الاهتمام بأدب الطفل وفنه وحقوقه وتربيته، وما الى ذلك، ادركنا ان للطفل لغة خاصة به، وسلوكا معينا له، يتصرف به من خلال قدراته..
وتركزت العناية بالطفل في تعليمه : القراءة والكتابة والحساب باعتبار ذلك هو الاساس الذي ينبني عليه مستقبله في الحياة والعمل، وطُرح سؤال كان لا بد من محاولة الاجابة عنه وهو:
ـ ما (القدرُ من الثقافة) ـ ان صح التعبير- الذي يجب على الطفل ان يحصل عليه، خلال مراحل نموه المختلفة؟
لقد اكتشف الانسان ان الكثير مما يتعلمه الطفل في المدرسة يضيع منه في زحمة الحياة، وان الفاقد من المواد التعليمية نسبته عالية الى درجة كبيرة، فضلا عن ان الطفل قلما يتدرب في المدرسة على اكتساب الثقافة، والتعبير عن نفسه بالحركة، او باللغة، او بالفن، والحقيقة ان وقت الفراغ يصنعه بقدر لا يقل عن دور المدرسة، وكذلك الاسرة، واجهزة الاعلام، ووسائل الثقافة، والمجتمع بشكل عام.
ووصفي لهذا المصطلح بأنه شمولي لا يعني قط أنني ضده، او أعارضه، بل احسبني من المشاركين في (نحته)، و(صكه)، واعتماده منهجاً.. المشكلة الحقيقة ازاءه عدم قدرة الكثيرين على فهمه واستيعابه، وبالتالي نحن نواجه عددا كبيرات من العاملين فيه، لا يستطيعون الالمام بشتى جوانبه، وما زال الكثير منها ضبابياً، وغير واضح بالنسبة اليهم، الامر الذي يدفعنها الى محاولة الكشف عن عناصره، واجهزته...
بلادنا تفتح صدرها للتجارب الثقافية، من كل الدنيا: وهي لا تخشاها، وقد سقطت نظرية (شروق من المغرب)، وكان من بين مستقطعيها صاحبها نفسه : د. زكي نجيب محمود.. إذ أدرك ان شجرة الثقافة يجب ان تضرب بجذورها عميقة في ارضنا، فتكون قادرة على احتمال كل ما يهب عليها.. ونهر ثقافتنا هادر يتقبل الرافد، دون ان يصطبغ بلونه.. إنها نيل يأتيه نيل ازرق، او احمر او اصغر، ويستوعبه.. بل هي ايضا قادرة على الفرز، واختيار ما يناسبها، وجيل د. طه والحكيم اضاف رافدا فرنسياً.. واضاف العقاد والمازني رافدا انجليزيا، لكن الجميع ادركوا انها اضافات لا اكثر ولا اقل.. وكان ذلك خلافنا الاساسي مع الذين كانوا يميلون للماركسية واللينينية : مرحبا بالأدب الانساني، وديستوفسكي، وجوزي وتورجنيف، وتشيكوف، وجوجول، وتولستوي، لكن ادبنا لن يصبح أحمر.. أدبنا كان وما زال سيظل عربي الهوى.. وايضا ثقافتنا...
ومن هنا تقبلنا مصطلح (ثقافة الطفل)، لكي يتجاوز الادب الذي كان اعلى الاصوات في المساحة، وايضا ليتخطى التربية، وايضا التعليم بمناهجهما ومدارسهما.. وخاصة اننا منظمات للطلائع نريد ان نفرض عليها فكرنا السياسي والاقتصادي والاجتماعي .. واحسسنا اننا بالثقافة ننشئ طفلا سويا، اذ تتضافر عناصر : المعرفة، والخبرة، والفنون لتصنع منه انسان عصريا، دون ان يفقد هويته..
ونحس بأننا في حاجة الى لمحة تاريخية لحركة ثقافة الاطفال في بلادنا، وقد خرجت المبادرة من وزارة الثقافة المصرية ابان تولي د. ثروت عكاشة امورها، ومن مكتبة الاستشاري الذي كان يرأسه أ. موسى سعد الدين.. وكانت البداية اجتماعاً عقده وضمّني ود. سهير القلماوي. ود. حامد عمار، وسعد لبيب، وصلاح جاهين، ورأينا ان تكون البداية حلقة تدريبية للعاملين في هذا المجال، اقيمت لمدة ستة شهور، ولثلاثة ايام اسبوعياً، وضمت ثلاثين دارسا، كنت من بينهم، والسيدة فضيلة توفيق، وحسن شمس، وابراهيم شعراوي، وعبد البديع قمحاوي، وعليه توفيق، وكان بين الحاضرين في ادب الاطفال د. علي الحديدي، ود. رشدي خاطر. وفي لغة الاطفال د. محمد محمود رضوان. وفي علم النفس د. مصطفى فهمي، ود. صامويل مغاريوس، ود. فايزة كامل. وفي صحافة الاطفال د. سامي عزيز، وفي الفنون التشكيلية جرانت البيزوي..
وخلال هذه الدورة اقيمت ندوة شاركت فيها، واقترحت كيلا ينفرط عقد المهتمين بثقافة الاطفال تكوين جمعية من الدارسين والمدرسين، وقامت فعلا، ورأستها لسنوات طويلة، وقدمت الكثير، الا ان نشاطها تعثر بعد بمضي الوقت.. وكان مقر الجمعية دار الادباء، وتابعها يوسف السباعي باهتمام، واقترحت عليه تشكيل لجنة لثقافة الطفل بالمجلس الاعلى للفنون والآداب، واستجاب، ووضع على رأسها د. سهير القلماوي.. وقبل ان تقوم هذه الجنة تحمست جمعية ثقافة الاطفال مطلع عام 1790 م الى اقامة المؤتمر الأول لثقافة الطفل بالتعاون مع وزارة التربية، وكنت مقرراً له، ونجح نجاحا كبيرا، ومهد لإقامة ندوة للاهتمام بالثقافة القومية للطفل العربي في بيروت، في اوائل أيلول (سبتمبر) 1970م، تحت رعاية ادارة الثقافة بالجامعة العربية، واشتركت فيها 16 دولة عربية، ومثلت مصر فيها..
وبعد ذلك تحول المكتب الاستشاري لثقافة الطفل الى ادارة تابعة للثقافة الجماهيرية وتوالى عليها كثيرون، ثم انشئ المركز القومي لثقافة الطفل ليكون جهازا تنفيذيا للجنة ثقافة الاطفال
بالمجلس الاعلى للثقافة.
وكان المجلس الاعلى للفنون والآداب يمنح جائزة تشجيعية في ادب الاطفال كل ثلاث سنوات، وكان اول الحاصلين عليها سعيد العريان.. وتحولن بعد مدة الى جائزة سنوية باسم ثقافة الاطفال مع بداية الثمانينات .. وما زالت تمنح الى الان ..
وقد عمدت عمدة دول عربية الى انشاء هيئات ومؤسسات خاصة بثقافة الطفل، ابرزها دار ثقافة الاطفال في بغداد، التي بدأت بإصدار مجلة (المزمار)، واصدرت عددا ضخما من الكتب المترجمة والمؤلمة، بجانب البحوث والدراسات الهامة. وقد تعثرت بعد حرب الخليج.. وتعددت بعد ذلك ادارات ثقافة الطفل في انحاء متفرقة من الوطن العربي، وانتصرت، ولو ان الكثير منها ما زال يدور في نطاق ادب الاطفال..
وصدرت كتب عديدة عن ثقافة الطفل، كما عقدت عشرات الندوات في شتى اجزاء الوطن العربي، تم رصدها وتقديمها في مجلد واحد يحوي اهم توصياتها، وقامت بذلك السيدة نتيلة راشد رئيسة تحرير (مجلة سمير) .. واقامت لجنة ثقافة الاطفال بالمجلس الاعلى للثقافة ما يزيد على عشرين ندوة، كما ان مركز تنمية الكتاب بالهيئة المصرية العامة للكتاب اقامت قرابة العشرين ندوة، وتم توثيق البحوث الصادرة عنها، وطبعت عاما بعد عام لتشكل تراثا هاما في هذا المجال.
ونحن نلمس في السنوات الاخيرة ما نجحت فيه اجهزة الاعلام والاقمار الصناعية من جعل علمنا قرية الكترونية ، وقد اشاعت لونا من الثقافة العالمية والانسانية، يحاول الناس في كل مكان الاستفادة منه، ويبذل اخرون جهدهم لكيلا يطمس ذلك بعالم ثقافتهم الدينية، والقومية والوطنية، الامر الذي قد يفقد الاطفال هويتهم في سن مبكرة.. ومن الواضح انه من الصعب علينا ان نحول بين اطفالنا وبين هذه المواد التي اذا منعناهم من مشاهدتها تلفزيونيا، وجدوها بين صفحات المجلات (ميكي – سوبرمان ... الخ) وفي تقديرنا انه بات من الضروري ايجاد البديل العربي المبتكر، نضعه بين ايدي ابنائنا، لكي تستوعبه عقولهم من خلال وصوله الى وجدانهم بشكل سريع، اذ هم ينتمون اليه، ويحسون به، ويجدونه اوقع .. اما المنع، والحيلولة بينهم وبين ما يجري على الساحة العالمية من مستجدات ـ وما اكثرها - فان ذلك سوف يجعلهم اكثر اقبالا عليها وافتنانا بها.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|