أقرأ أيضاً
التاريخ: 10-4-2016
3454
التاريخ: 10-4-2016
3683
التاريخ: 10-4-2016
3380
التاريخ: 14-10-2015
3451
|
وعبّرت السقيفة عن مقدار الصخب السياسي الذي يولده اجتماع يفتقر الى المبادئ الدينية في التعامل مع الاحداث الكبرى كحادثة وفاة النبي (صلى الله عليه واله) والولاية من بعده، فمحدودية المقاعد العليا لادارة امور الامة جعل القوم يتبارون في لوي عنق بعضهم الآخر من اجل الفوز بتلك المقاعد، محاولين حذف الطرف الديني الاول في المعادلة الاجتماعية وهو علي بن ابي طالب (عليه السلام) وصي رسول الله (صلى الله عليه واله)، قال الامام (عليه السلام) متحدثاً عن مرحلة وفاة رسول الله (صلى الله عليه واله) وما بعدها : «فلما مضى عليه السلام، تنازعَ المسلمونَ الامرَ من بعدهِ»، وهذا التنازع يعبّر عن عدم تحكيم الدين في قضية كبرى كقضية الولاية من بعده (صلى الله عليه واله)، وهنا لابد من دراسة هذا التنازع على الصعيد النفسي، والسياسي، والاجتماعي، والشخصي.
أ - الصعيد النفسي :
والصراع النفسي يعكس حالة يعيشها الانسان، يتجاذبه فيها دافعان كلٌ يدفعه الى اتجاه معاكس، وكان واقع السقيفة يعبر عن تلك الحالة، فكل من حضر ذلك الاجتماع كان يعيش معركة نفسية بين اتجاهين متضادين، الاول : ان يكون هو المرشح للخلافة، او على الاقل ان يكون المرشح من طائفته، والثاني : هو ان يتنازل لغيره - الاقوى - لمبايعته، وكان سعد بن عبادة طامحاً لولاية الامر، الا ان قوة الطرف الثاني المتمثل بقريش جعلته يرضخ للامر الواقع، وكان بشير بن سعد يتمناها لنفسه ولا يريدها لزميله سعد بن عبادة، فتنازل الى ابي بكر، وكان عمر وابو عبيدة يتمنونها لنفسيهما، الا ان طريقهما كان لابد ان يمر بابي بكر، والحباب بن المنذر كان يريد ذلك، ولكنه اُجبر على التراجع وهكذا.
وهذا الصراع النفسي لم يكن ليمثل الدين او قيمه السياسية باي حال من الاحوال، ذلك ان الدين يربي الانسان على التضحية والايثار، وإذلال المؤمن نفسه لاخيه، وبكلمة، فان الدين يلغي الصراع النفسي عند الانسان، لانه يذكّره دائماً بالجزاء الالهي والقرب من المولى والنعيم الابدي الدائم، ولو كان الاجتماع دينياً لكان اجتماعاً اخوياً قدّم كلُّ طرف للآخر كل العون اللازم لتسلم المسؤولية الاجتماعية، وقد قال تعالى في محكم كتابه : {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات: 10] ، و{أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ} [المائدة: 54].
ولكن حدّة المواجهات اللفظية بين المجتمعين في سقيفة بني ساعدة لم تبقِ شكاً بان الجو السائد في ذلك الاجتماع كان يولّد حالات من القلق والحذر من المجهول عند البعض، وهو بدوره يولد صراعاً نفسياً داخل الانسان بين التكلم والسكوت، فقول الحق له ثمن باهظ في تلك الظروف الحرجة، وقد تكون حياة الانسان ثمناً، وهنا ضاع الحق في ذلك الاجتماع الصاخب الذي كان هدفه تكريس الخلافة والسلطة في طرف دون آخر.
فالافراد الذين تكلموا باسم الانصار او باسم المهاجرين، انما تكلموا بسبب الميول التي كان يولدها الانتماء للجهة التي كانوا ينتمون اليها ولم يكن الدين هو المقياس، بل لو كان الدين هو المقياس لكان لذلك الاجتماع وضعاً آخر.
ب - الصعيد السياسي :
ولاشك ان للعمل السياسي صراعه المعروف، ذلك ان المقاعد العليا التي يطمح الناس في حيازتها محدودة وقليلة في العدد، فالصراع بين التيارات المختلفة نحو السلطة امرٌ طبيعي في مجتمع تحكمه الاعراف الاجتماعية التي تقرر طبيعة الاذعان للحاكم اياً كان منهجه، ولكن المجتمع الديني - نظرياً على الاقل - يرفض ذلك اللون من الصراع، لان استلام الحكم ينبغي ان يتم عن طريق التعيين عبر كفاءة استثنائية سُميت بالعصمة في الدين.
ونظرة علمية للنشاط السياسي في السقيفة وما دار فيها، يدعونا للاخذ باحد احتمالين، وهما :
الاحتمال الاول : ان النقاش الذي دار يومئذ في سقيفة بني ساعدة كان منسجماً مع اهداف الدين ومتكاملاً مع طموحاته في استمرار الطريق الشرعي، وهذا الاحتمال يكذبه الواقع الذي قرأناه للتو، ويكذبه ايضاً طبيعة النقاش والحدة في التعامل مع الاطراف المشاركة.
الاحتمال الثاني : ان وضع السقيفة كان يعبّر عن عمق الصراع السياسي بين الفئات التي حضرت الاجتماع، وهذا الاحتمال اقرب الى الواقع منه الى الاحتمال الاول، ذلك ان العلاقات قد تقطعت بين بعض الاطراف، وانسحبت تلك الاطراف من العملية بكاملها، كما في حالة سعد بن عبادة، والحباب بن المنذر وغيرهم، مع ان موضوع بني هاشم لم يُطرح اصلاً في الاجتماع.
وكأنه يعني ان حدة الصراع كانت تقتضي ان يكون هناك اتفاقٌ على عدم الاتفاق، بمعنى ان العلاقة المبدأية بين القوى الفاعلة في المجتمع لم تكن علاقة انسجام واقرار بمبدأ واحد، فيما يخص الولاية على اقل التقادير، بل ان الفهم السائد في اجواء السقيفة كان يقتضي الصراع ثم كبح جماح الطرف الاضعف، ولم يكن يقتضي التفاهم على وصية رسول الله (صلى الله عليه واله) مثلاً، التي كانت اصل الانسجام الاجتماعي المفترَض في المجتمع المتدين.
ومن الطبيعي، فان تجمع ذلك العدد من الطامحين للمقاعد السياسية في تلك البقعة الصغيرة وفي ذلك الزمن القصير الحساس، كان مدعاةً لصراع اجتماعي وعدم انسجام مبدئي حول من يخلف رسول الله (صلى الله عليه واله)، فقد كان لكل طرف من تلك الاطراف اهداف ووظائف غير قابلة للاندماج مع وظائف الآخرين، في خليط سياسي مضطرب وغير متجانس، فبينما كان الامام (عليه السلام) يسعى من اجل ديمومة الشريعة وتطبيق احكام السماء في المجتمع الديني، كانت الاطراف الاخرى تحاول الفوز بالسلطة - باي ثمن - على حساب طموحات الدين.
ولا نستغرب ان تكون هناك علاقة ما، بين القوى المتصارعة، مهما كان الصراع مخرباً، فلا نستغرب ان يستشير الخليفة الاول او الثاني - لاحقاً - علياً (عليه السلام) في امور الشرع والدولة عندما كانا يُمتحنان في ذلك، فالصراع هنا لا يكسر جميع الجسور بينهم، لانه لو تكسرت الجسور، فهذا يعني ان حرباً اهلية ستشتعل، وهو الذي قال (عليه السلام) : «فرأيتُ راجعة الناس قد رجعت.......» ، ولكن ابقاء الجسور بين الاطراف المتصارعة قائماً يعني السيطرة بطريقة ما على ذلك الصراع، بينما تكسرت تلك الجسور لاحقاً في حروب الجمل وصفين والنهروان.
شروط الصراع :
وكما ان للحكم الديني شروطه الموضوعية وعلله السماوية، فان للصراع السياسي شروطاً موضوعية ايضاً، منها :
اولاً : التنافس : فلو لم تكن هناك رغبة قوية في تحقيق الاهداف المرسومة من قبل جميع الاطراف، لما حصل التخاصم والصراع، فالتنافس هو مبدأ الصراع، عندما تكون الاهداف المتعاكسة لا تقبل التمازج ولا الاندماج ولا التوحد تحت راية واحدة، والتنافس في بعض الحالات يؤدي الى الخير، كما في قوله تعالى : {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ} [آل عمران: 133] والمسارعة تقتضي التنافس، وقوله تعالى : {وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ} [المطففين: 26]، فلا يمكن اعتبار كل صور التنافس صراعاً، بل ان التنافس على الخير يؤدي الى اكمال العمل، والاسراع في اتمامه على الاقل.
ولكن المشكلة تتعمق عندما يكون التنافس بين اطراف لايريد بعضها الخير للآخر، فتصبح المنافع الذاتية والمصالح اهداف تدفع الاطراف للتخاصم والتنازع.
ويعبّر الصراع الاجتماعي الذي حصل في السقيفة عن وضع خاص لمنافسة كانت فيها الاطراف المتصارعة تعلم ان اهدافها المتعاكسة غير قابلة للاندماج، وتعلم ايضاً ان المواقع السياسية التي سوف يحوز عليها طرف دون آخر سينفرد بها الطرف المنتصر، وستبقى كذلك دون قابلية على اندكاك مصالح الطرف المنتصر مع مصالح الطرف المنهزم.
ثانياً : الاهداف المستقلة : ان التنافس الخارجي بين الافراد - اذا سسُلِبَ عنه مفهوم الخير - يعبّر عن حرب بين الضمائر ايضاً، ذلك ان الاهداف المستقلة تتصادم، ويحاول كل طرف انهاء طموحات الطرف الآخر في السلطة والرياسة، خصوصاً اذا كانت المبادئ التي تؤمن بها تلك الاطراف متناقضة تماماً وغير قابلة للتعايش، ومن هنا نفهم ان الاحداث التي اعقبت وفاة رسول الله (صلى الله عليه واله) تشير الى ان الامور كانت تسير بهذا الاتجاه، فلم تكن هناك اهداف مشتركة تعمل على تحقيقها الاطراف المختلفة.
فلم تكن - في الصورة الكلية - مساحة للتفاهم والمشاركة، نعم، كانت هناك امنيات للمشاركة في السلطة والحكم والتعاون في ذاك المجال، وقد مثلها - بوضوح - رأي الاوس في السقيفة وفيهم أسيد بن حضير : لئن وليتموها سعداً عليكم مرة، لا زالت لهم بذلك عليكم الفضيلة، ولا جعلوا لكم نصيباً فيها ابداً، فقوموا فبايعوا ابا بكر، فقاموا اليه فبايعوه، فكأن الاصل في الفضيلة ان يكون لهم في السلطة نصيباً، وإن لم يكن اليوم فليكن غداً.
وهذا يعني انهم كانوا يفهمون اساليب اللعبة السياسية حتى على اختلافهم بمضمون الاحداث، ولكن الاطار العام كان متفق عليه، وكان الامام (عليه السلام) واعياً الى ذلك، ولذلك قال (عليه السلام) مخاطباً عمر عندما جادله بالبيعة لابي بكر : «احلب حلباً لك شطره، واشدد له اليوم أمره يردده عليك غداً»، ولذلك كانت رؤوس قريش تطمح لوظائف عليا في الادارة، وقد قرأنا انهم بعثوا الى عكرمة بن ابي جهل وعمومته الحارث بن هشام وغيرهم فاحضروهم، وعقدوا لهم الرايات الى نواحي اليمن والشام ووجهوهم من ليلهم، وبعثوا الى ابي سفيان فارضوه بتولية يزيد بن ابي سفيان.
فاللعبة السياسية التي اقرَّ عليها المجتمعون في السقيفة كانت تمولهم بالوظائف الاجتماعية والادوار السياسية وامتيازات السلطة، وقد كان القسم الاعظم من فهم تلك العملية السياسية يرجع الى الاعراف السياسية القَبلية عند العرب في الدهاء والمكر وفهم المتغيرات، فكانت الرواسب السياسية لما قبل الاسلام عاملاً من عوامل فهم قواعد اللعبة، دون الاخذ بالفهم الديني الجديد في الولاية والحاكمية الشرعية.
ثالثاً : آليات التفاهم : ان اهم آلية في تعامل الرؤوس خلال اجتماع السقيفة هو استخدام القوة والتهديد حتى يرضخ الطرف الآخر صاغراً لارادة الطرف الاقوى، وهنا كان الاتفاق نابعاً عن الاكراه والعنف، لا عن الاقناع والرضا، وقد انتصرت قريش وارغمت الانصار وغيرهم بقبول الواقع الجديد.
ثم استخدمت قريش شتى اساليب الضغط والاكراه ضد علي (عليه السلام) وبني هاشم من اجل حملهم على الرضوخ لمطالب الوضع الجديد، ولم يكن امام الامام (عليه السلام) الا المقاومة السلمية ضدهم، ذلك انه (عليه السلام) لو استخدم اسلوب المقاومة المسلحة - وهو بطل الابطال - لدخل في حرب لا تحمل شروطاً موضوعية، وغير قابلة للتجانس مع مجتمع حديث عهد بالدين.
ولذلك قال (عليه السلام) : «اما والله لقد تقمصها (لبسها كالقميص) فلانٌ، وانه ليعلَمُ أنَّ محلِّيَ منها القُطبِ من الرحا، ينحدرُ عني السيلُ، ولا يرقى اليَّ الطيرُ، فسدلتُ دونها ثوباً (اي ارخيتُ دونها ثوباً)، وطويتُ عنها كَشْحاً (ملتُ عنها)، وطفِقتُ أرتئي بين ان أصُولَ بيد جذَّاءَ (مقطوعة)، او اصبِرَ على طخية (ظلمة) عمياءَ، يَهرمُ فيها الكبيرُ، ويشيبُ فيها الصغيرُ، ويكدحُ فيها مؤمنٌ حتى يلقى ربَّهُ، فرأيتُ ان الصبرَ على هاتا أحجى (اي ألزم)، فصبرتُ وفي العينِ قذىً، وفي الحلْقِ شَجاً (ما يعترض الحلق من عظم ونحوه)...» .
ويفهم من وقائع السقيفة انهم اتفقوا - جبراً او اختياراً - وبغياب بني هاشم على إبعاد اهل بيت النبوة (عليه السلام)، ولذلك فقد توحدوا ظاهراً تحت راية الخلافة، خوفاً من ان ترجع الولاية الشرعية الى اهلها فيصبحوا تابعين لا متبوعين، ولم تكن هناك حاجة لكتابة آليات التفاهم، بل انها كانت تتخذ اشكالاً مختلفة مثل : اقتله قتله الله، او اتخاف منا يا حبّاب ؟ ، او عقد الرايات للذين تعاونوا معهم في انجاز الامر، او تولية من كانوا يرونه يستحق الولاية على الامصار.
رابعاً : تغييب القانون : ان وظيفة القانون او التشريع في مجتمع ما هو منع الصراع او حل مشكلته او تحديده بحدود ضيقة، وذلك يتم بطرق عديدة لنظام العقوبات الجنائية، او نظام الاخوة الدينية، او نظام الوصية والاستخلاف الشرعي، وفي ضوء ذلك نفهم تأكيد رسول الله (صلى الله عليه واله) على الاستخلاف في غزوة تبوك ويوم الغدير وخلال مرضه (صلى الله عليه واله) وتكراره الارادة النبوية - التي هي امتداد للارادة الالهية - بولاية علي (عليه السلام)، وهذا يعني ان التشريع الاسلامي حاول منع الصراع الاجتماعي المتوقع على قضية الولاية والحاكمية، ونحن نفهم ان التشريع يفترض بان المكلفين لابد ان يطبقوا التكاليف الشرعية، وبضمنها الولاية الشرعية التي اعلنها رسول الله (صلى الله عليه واله)، فالشريعة قانون الهي ملزِم لجميع الاطراف، كما قال تعالى : ({وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب: 36].
ويمكننا عدّ القانون الشرعي اداة رابطة بين الوسيلة والهدف، فالولاية الشرعية التي اعلنها رسول الله (صلى الله عليه واله) في غدير خم هي وسيلة لهدف اسمى وهو الامتثال لامر الله سبحانه وبناء المجتمع الديني العادل الذي تطبّق فيه الحدود وتُقام فيه العدالة الحقوقية والاجتماعية بين الناس، ولكن القانون الشرعي في تلك المسألة الخطيرة كان قد غُيّبَ في اجتماع السقيفة، وبذلك اوجدوا للصراع الاجتماعي بين الحق والباطل شروطاً موضوعية من اجل ان يستمر الى يوم القيامة.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|