الفضائل
الاخلاص والتوكل
الامر بالمعروف والنهي عن المنكر
الإيثار و الجود و السخاء و الكرم والضيافة
الايمان واليقين والحب الالهي
التفكر والعلم والعمل
التوبة والمحاسبة ومجاهدة النفس
الحب والالفة والتاخي والمداراة
الحلم والرفق والعفو
الخوف والرجاء والحياء وحسن الظن
الزهد والتواضع و الرضا والقناعة وقصر الامل
الشجاعة و الغيرة
الشكر والصبر والفقر
الصدق
العفة والورع و التقوى
الكتمان وكظم الغيظ وحفظ اللسان
بر الوالدين وصلة الرحم
حسن الخلق و الكمال
السلام
العدل و المساواة
اداء الامانة
قضاء الحاجة
فضائل عامة
آداب
اداب النية وآثارها
آداب الصلاة
آداب الصوم و الزكاة و الصدقة
آداب الحج و العمرة و الزيارة
آداب العلم والعبادة
آداب الطعام والشراب
آداب الدعاء
اداب عامة
حقوق
الرذائل وعلاجاتها
الجهل و الذنوب والغفلة
الحسد والطمع والشره
البخل والحرص والخوف وطول الامل
الغيبة و النميمة والبهتان والسباب
الغضب و الحقد والعصبية والقسوة
العجب والتكبر والغرور
الكذب و الرياء واللسان
حب الدنيا والرئاسة والمال
العقوق وقطيعة الرحم ومعاداة المؤمنين
سوء الخلق والظن
الظلم والبغي و الغدر
السخرية والمزاح والشماتة
رذائل عامة
علاج الرذائل
علاج البخل والحرص والغيبة والكذب
علاج التكبر والرياء وسوء الخلق
علاج العجب
علاج الغضب والحسد والشره
علاجات رذائل عامة
أخلاقيات عامة
أدعية وأذكار
صلوات و زيارات
قصص أخلاقية
قصص من حياة النبي (صلى الله عليه واله)
قصص من حياة الائمة المعصومين(عليهم السلام) واصحابهم
قصص من حياة امير المؤمنين(عليه السلام)
قصص من حياة الصحابة والتابعين
قصص من حياة العلماء
قصص اخلاقية عامة
إضاءات أخلاقية
مناجاة السر لأرباب القلوب
المؤلف: محمد مهدي النراقي
المصدر: جامع السعادات
الجزء والصفحة: ج1، ص : 170-178.
18-10-2016
906
قال بعض العارفين : أرباب القلوب و المشاهدات قد انطلق اللّه في حقهم كل ذرة في الأرض و السماوات بقدرته التي أنطق بها كل شيء ، حتى سمعوا تقديسها و تسبيحها و شهادتها على نفسها بالعجز ، بلسان الواقع الذي هو ليس بعربي و لا أعجمي و ليس فيه حرف و صوت ، و لا يسمعه أحد إلا بالسمع العقلي الملكوتي دون السمع الظاهر الحسي الناسوتي ، و هذا النطق الذي لكل ذرة من الأرض و السماوات مع أرباب القلوب إنما هو (مناجاة السر) ، و ذلك مما لا ينحصر و لا يتناهى ، فإنها كلمات تستعد من بحر كلام اللّه الذي لا نهاية له : {قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا } [الكهف : 109].
ثم إنها لما كانت مناجية بأسرار الملك و الملكوت ، و ليس كل أحد موضعا للسر، بل صدور الأحرار قبور الأسرار، فاختصت مناجاتها بالأحرار من أرباب القلوب.
وهم أيضا لا يحكون هذه الأسرار لغيرهم ، إذ إفشاء السر لؤم و هل رأيت قط أمينا على أسرار الملك قد نوجي بخفاياه فينادى بها على الملإ من الخلق ، و لو جاز إفشاء كل سر لما نهى النبي ( صلى اللّه عليه و آله و سلم ) عن إفشاء سر القدر، و لما خص أمير المؤمنين (عليه السلام) ببعض الأسرار، و لما قال ( صلى اللّه عليه و آله و سلم ) : «لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا و لبكيتم كثيرا» بل كان يذكر لهم ذلك حتى يبكون و لا يضحكون.
فإذن عن حكايات مناجاة ذرات الملك و الملكوت لقلوب أرباب المشاهدة مانعان : (أحدهما) المنع عن إفشاء السر، (ثانيهما) خروج كلماتها عن الحصر و النهاية.
ونحن نحكي في فعل الكتابة قدرا يسيرا من مناجاة بعض ما يرى أسبابا و وسائط ، و إقرارها بالعجز على أنفسها ، ليقاس عليه جميع الأفعال الصادرة عن جميع الأسباب و الوسائط المسخرة تحت قدرة اللّه ، و يفهم به على الإجمال كيفية ابتناء التوكل عليه ، و نرد لضرورة التفهم كلماتها الملكوتية إلى الحروف و الأصوات ، و إن لم تكن أصواتا و حروفا ، فنقول : قال بعض الناظرين عن مشكاة نور اللّه للكاغد ، و قد رأى وجهه أسود بالحبر: «لم سودت وجهك و قد كان أبيض مشرقا؟».
فقال : «ما سودت وجهي ، و إنما سوده الحبر، فاسأله لم فعل كذا؟».
فسأل الحبر عن ذلك ، فقال : «هذا السؤال على القلم الذي أخرجني من مستقرى ظلما».
فسأل القلم ، فأحاله إلى اليد و الأصابع ، و هي إلى القدرة و القوة ، و هي إلى الإرادة ، معترفا كل واحد منهم بعجز نفسه ، و بكونه مقهورا مسخرا تحت قهر المحال عليه من دون استطاعة لمخالفته.
ولما سأل الإرادة ، قالت : «ما انتهضت بنفسي ، بل بعثت على إشخاص , القدرة و إنهاضها وبحكم رسول قاهر ورد علي من حضرة القلب بلسان العقل ، و هذا الرسول هو العلم فالسؤال عن انتهاضي يتوجه على العقل و القلب و العلم» , و لما سألها قال (العقل) : «أما أنا فسراج ما اشتعلت بنفسي و لكني اشعلت» , و قال (القلب) : «أما أنا فلوح ما انبسطت بنفسي و لكني بسطت» , و قال (العلم) : «أما أنا فنقش نقشت في لوح القلب لما أشرق سراج العقل ، و ما انتقشت بنفسي بل نقشني غيري ، فسل القلم الذي نقشني و رسمني على لوح القلب بعد اشتعال سراج العقل» , و عند هذا تحير السائل و قال : «ما هذا القلم و هذا اللوح و هذا الخط و هذا السراج؟ فإني لا أعلم قلما إلا من القصب ، و لا لوحا إلا من الحديد أو الخشب ، ولا خطا إلا بالحبر، و لا سراجا إلا من النار.
وإني لأسمع في هذا المنزل حديث اللوح و القلم و الخط و السراج ، و لا أشاهد من ذلك شيئا» فقال له (العلم) : «فإذن بضاعتك مزجاة ، و زادك قليل ، و مركبك ضعيف ، و المهالك في الطريق الذي توجهت إليه كثيرة ، فإن كنت راغبا في استتمام الطريق إلى المقصد ، فاعلم أن العوالم في طريقك ثلاثة : (أولها) عالم الملك و الشهادة ، و لقد كان الكاغد و الحبر و القلم و اليد و الأصابع من هذا العالم ، و قد جاوزت تلك المنازل على سهولة ، (و ثانيها) عالم الملكوت الأسفل و هو يشبه السفينة التي بين الأرض و الماء ، فلا هي حد اضطراب الماء ، و لا هي في حد سكون الأرض و ثباتها ، و القدرة و الإرادة و العلم من منازل هذا العالم.
(و ثالثها) عالم الملكوت الأعلى ، و هو من ورائي ، فإذا جاوزتني انتهيت إلى منازله.
وأول منازله القلم الذي يكتب به العلم على لوح القلب و في هذا العالم المهامه الفسيحة و الجبال الشاهقة و البحار المغرقة».
فقال له السائل السالك : «قد تحيرت في أمري و لست أدري أني أقدر على قطع هذا الطريق المخوف أم لا ، فهل لذلك علامة أعرف بها تمكني على قطع هذا الطريق؟».
فقال : «نعم! افتح بصرك ، و اجمع ضوء عينك و حدقه نحوي ، فإن ظهر لك القلم الذي به يكتب في لوح القلب ، فيشبه أن تكون أهلا لهذا الطريق ، فإن كل من جاوز الملكوت الأسفل و قرع أول باب من الملكوت الأعلى كوشف بالقلم.
أما ترى النبي ( صلى اللّه عليه و آله و سلم ) كوشف به و أنزل عليه قوله تعالى : {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} [العلق : 1 - 5].
وهذا القلم قلم إلهي ليس بقصب و لا خشب , أو ما سمعت أن متاع البيت يشبه رب البيت؟ و قد علمت أن اللّه تعالى لا تشبه ذاته سائر الذوات فليس في ذاته بجسم و لا هو في مكان ، فكذلك لا تشبه يده سائر الأيدي ، و لا قلمه سائر الأقلام ، و لا كلامه سائر الكلام ، و لا خطه سائر الخطوط.
بل هذه أمور إلهية من عالم الملكوت الأعلى ، فليست يده من لحم و عظم و دم ، و لا قلمه من قصب ، و لا لوحه من خشب ، و لا كلامه من صوت و حرف ، و لا خطه من نقش و رسم و رقم ، و لا حبره من زاج و عفص.
فإن كنت لا تشاهد هذا هكذا فأنت من أهل التشبيه والتجسم و ما عرفت ربك إذ لو نزهت ذاته تعالى و صفاته عن ذات الأجسام و صفاتها و نزهت كلامه عن الحروف و الأصوات ، فما بالك تتوقف في يده و قلمه و لوحه و خطه ، و لا تنزهها عن الجسمية و التشبيه بغيرها؟».
فلما سمع السائل السالك من العلم ذلك ، استشعر قصور نفسه و فتح بصر بصيرته ، بعد الابتهال إلى ربه ، فانكشف له القلم الإلهي ، فإذا هو كما وصفه العلم ، ما هو من خشب و لا قصب ، و لا له رأس و لا ذنب ، و هو يكتب على الدوام في قلوب البشر أصناف العلم ، فشكر العلم و ودعه ، و سافر إلى حضرة القلم الإلهي ، و قال له : «أيها القلم! ما لك تخط على الدوام في القلوب من العلوم ما تبعث به الإرادات إلى انهاض القدرة وإشخاصها و صرفها إلى المقدورات؟».
فقال له (القلم الإلهي) : «أفنسيت ما رأيت في عالم الملك و سمعته من جواب القلم الآدمي حيث أحالك إلى اليد؟ فجوابي مثل جوابه ، فإني مسخر تحت يد اللّه تعالى الملقبة : (يمين الملك) فاسأله عن شأني فإني في قبضته و هو الذي يرددني ، وأنا مقهور مسخر، فلا فرق بين القلم الإلهي و القلم الآدمي في معنى التسخير، و إنما الفرق في ظاهر الصورة».
فقال السائل : «من يمين الملك؟» , قال القلم : «أما سمعت قوله تعالى :
{وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} [الزمر : 67] ؟ » , قال : «نعم! سمعته» , قال : « والأقلام أيضا في قبضته و هو الذي يرددها».
فسافر السائل من عند القلم إلى اليمين ، حتى شاهده ، و رأى من عجائبه ما يزيد على عجائب القلم ، و رأى أنه يمين لا كالأيمان ، و يدا كالأيدي ، و إصبع لا كالأصابع ، فرأى القلم متحركا في قبضته ، فسأله عن سبب تحريكه القلم فقال : «جوابي ما سمعته من اليمين التي رأيتها في عالم الشهادة ، و هو الحوالة على القدرة ، إذ اليد لا حكم لها في نفسها ، و إنما محركها القدرة».
فسافر إلى عالم القدرة و رأى فيها من العجائب ما استحقر لأجلها ما قبلها فسألها عن سبب تحريكها اليمين , فقالت : «إنما أنا صفة فاسأل القادر، إذ العهدة على الموصوف دون الصفة».
وعند هذا كاد أن يزيغ قلب السائل ، و ينطلق بالجرأة لسان السؤال ، فثبت بالقول الثابت و نودي من وراء سرادقات الحضرة : {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} [الأنبياء : 23] .
فغشيته دهشة الحضرة ، فخر صعقا في غشيته مدة ، فلما أفاق قال : «سبحانك! ما أعظم شأنك وأعز سلطانك ، تبت إليك و توكلت عليك ، و آمنت بأنك الملك الجبار الواحد القهار، فلا أخاف غيرك و لا أرجو سواك و لا أعوذ إلا بعفوك من عقابك ، و برضاك من سخطك ، وما لي إلا أن أسألك و أتضرع إليك ، و أقول :
{ اشْرَحْ لِي صَدْرِي} [طه : 25] لا عرفك ، {وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي} [طه: 27] لأثنى عليك فنودي من وراء الحجاب : «إياك أن تطمع في الثناء ، فإن سيد الأنبياء ( صلى اللّه عليه و آله و سلم ) ما زاد في هذه الحضرة إلى أن قال : (سبحانك لا أثنى ثناء عليك كما أنت أثنيت على نفسك).
و إياك أن تطمع في المعرفة فإن سيد الأوصياء قال : (العجز عن درك الإدراك إدراك ، و الفحص عن سر ذات السر إشراك).
فيكفيك نصيبا من حضرتنا أنك عاجز عن ملاحظة جلالنا و جمالنا ، و قاصر عن إدراك دقائق حكمنا و أفعالنا».
فعند هذا رجع السائل السالك ، و اعتذر عن أسئلته و معاتبته ، و قال للقدرة و اليمين والقلم و العلم و الإرادة و القدرة و ما بعدها : «أقبلوا عذري فإني كنت غريبا جديد العهد بالدخول في هذه البلاد.
والآن قد صح عندي عذركم و انكشف لي أن المتفرد بالملك و الملكوت و العزة و الجبروت هو الواحد القهار و ما أنتم إلا مسخرون تحت قهره و قدرته ، مرددون في قبضته ، و هو الأول بالإضافة إلى الوجود ، إذ صدر منه الكل على ترتيبه واحدا بعد واحد ، و هو الآخر بالإضافة إلى سير المسافرين إليه ، فإنهم لا يزالون مترقين من منزل إلى منزل إلى أن يقع الانتهاء إلى حضرته ، فهو أول في الوجود و آخر في المشاهدة و هو الظاهر بالإضافة إلى من يطلبه بالسراج الذي اشتعل في قلبه بالبصيرة الباطنة النافذة في عالم الملكوت ، و هو الباطن بالإضافة إلى العاكفين في عالم الشهادة الطالبين لإدراكه بالحواس».
وهذا هو التوحيد في الفعل للسالكين ، الذين انكشف لهم وحدة الفاعل بالمشاهدة و استماع كلام ذرات الملك و الملكوت ، و هو موقوف على الإيمان بعالم الملكوت و التمكن من المسافرة إليه واستماع الكلام من أهله.
ومن كان أجنبيا من هذا العالم و لم يكن له استعداد الوصول إليه و لم يمكنه أن يسلك السبيل الذي ذكرناه ، فينبغي أن يرد مثله إلى التوحيد الاعتقادي الذي يوجد في عالم الشهادة ، و هو أن يعلم ببعض الأدلة وحدة الفاعل ، مثل أن يقال له : إن كل أحد يعلم أن المنزل يفسد بصاحبين و البلد يفسد بأميرين ، فإله العالم و مدبره واحد ، إذ :
{ لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} [الأنبياء : 22] , فيكون ذلك على ذوق ما رآه في عالم الشهادة ، فينغرس اعتقاد التوحيد في قلبه بهذا الطريق بقدر عقله و استعداده ، و قد كلفوا الأنبياء أن يكلموا الناس على قدر عقولهم.
ثم الحق أن هذا التوحيد الاعتقادي إذا قوى يصلح أن يكون عمادا للتوكل و أصلا فيه ، إذ الاعتقاد إذا قوى عمل عمل الكشف في إثارة الأحوال إلا أنه في الغالب يضعف و يتسارع إليه الاضطراب ، فيحتاج إلى من يحرسه بكلامه ، و أما الذي شاهد الطريق و سلكه بنفسه ، فلا يخاف عليه شيء من ذلك ، بل لو كشف له الغطاء لما ازداد يقينا و إن كان يزداد وضوحا.
(تنبيه) اعلم أن ما يبتني عليه التوحيد المذكور، أعني كون جميع الأشياء من الأسباب و الوسائط مقهورات مسخرات تحت القدرة الأزلية ظاهر.
وسائر ما أوردنا في هذا المقام مما ذكره أبو حامد الغزالي و تبعه بعض أصحابنا «و لا إشكال فيه إلا في أفعال الإنسان و حركاته» .
فإن البديهة تشهد بثبوت نوع اختيار له ، لأنه يتحرك إن شاء و يسكن إن شاء ، مع أنه لو كان مسخرا مقهورا في جميع أفعاله و حركاته ، لزم الجبر و لم يصح التكليف و الثواب و العقاب. ولتحقيق هذه المسألة موضع آخر ، و لا يليق ذكرها هنا.
والحق أن كل ما قيل فيها لا يخلو عن قصور و نقصان ، و الأولى فيها السكوت و التأدب بآداب الشرع.