دور القضاء العادي في مكافحة الفساد الإداري
المؤلف:
صباح عبد الكاظم شبيب الساعدي
المصدر:
دور السلطات العامة في مكافحة ظاهرة الفساد الإداري في العراق
الجزء والصفحة:
ص356-360
2025-11-13
26
الفرع الأول: دعاوى التعويض
تنظر المحاكم المدنية (البداءة) في الدعاوى المدنية ومنها دعاوى التعويض عن الضرر استنادا الى م /206 من القانون المدني العراقي رقم /40/ لسنة 1951, والدعوى المدنية بالتعويض عن الضرر قد تكون مستقلة إذا لم تكن هناك جريمة بل مسؤولية تقصيرية أما اذا كانت هناك جريمة سببت ضررا ماديا أو معنويا للمجني عليه أو لأطراف أخرى، فمن حق المتضرر إقامة دعوى التعويض مع الدعوى الجزائية أمام المحكمة الجنائية أو بصورة مستقلة أمام المحكمة المدنية (1).
لذلك اذا تسبب مرتكب جريمة الفساد الإداري في إحداث ضرر مادي أو معنوي للدولة يلزم بدفع التعويض للدولة أو للأطراف الأخرى التي لحقها الضرر، وتحكم المحكمة الجنائية بالتعويض اذا طلب المشتكي ذلك أو تحيل القضية الى المحاكم المدنية للنظر فيها، أو أن يقدم المشتكي دعواه مباشرة الى محكمة البداءة، ويجوز الأطراف الدعوى المدنية استئناف قرار محكمة البداءة أمام محكمة الاستئناف و تمييزه أمام محكمة التمييز. وبذلك يكون للمحاكم المدنية دوراً في مكافحة الفساد الإداري من خلال الحكم بالتعويض على مسبب الضرر (2).
الفرع الثاني: دعاوى التضمين
التضمين هو : إلزام الموظف الذي تسبب بفعله غير المشروع بدفع مبلغ معين من المال يساوي الضرر الذي سببه أو يزيد عليه، وقد كان التضمين من اختصاص وزير المالية، فقد نص قانون الخدمة المدنية رقم 24 لسنة 1960 المعدل في م/ 61 على أن لوزير المالية تضمين الموظف أو المستخدم الأضرار التي تكبدتها الخزينة بسبب إهماله أو مخالفته للقوانين والأنظمة والتعليمات المرعية وللموظف والمستخدم حق الاعتراض على قرار وزير المالية لدى المحاكم المدنية.....).
ثم صدرت مجموعة من قرارات مجلس قيادة الثورة (المنحل) نظمت هذا الموضوع منها قرار (تضمين الموظف قيمة الأضرار التي تكبدتها الخزينة بسبب إهماله أو تقصيره أو مخالفته للقوانين) رقم / 100 لسنة 1999 (3)، الذي نص في البند / أولاً على ما يأتي: (يضمن الوزير المختص أو رئيس الجهة غير المرتبطة بوزارة الموظف أو المكلف بخدمة عامة قيمة الأضرار التي تكبدتها الخزينة بسبب إهماله أو تقصيره أو مخالفته القوانين والقرارات والأنظمة والتعليمات حسب الأسعار السائدة وقت التسديد).
وقد بقيت المحاكم المدنية تنظر في اعتراض الموظفين على قرارات التضمين الصادرة بحقهم حتى صدور قرار مجلس قيادة الثورة (المنحل) رقم 81 لسنة 1998 الذي نص في اولا على ( أن تمتنع المحاكم عن سماع الدعاوى في كل ما له علاقة بالقرارات التي يصدرها الوزير أو رئيس الجهة غير المرتبطة بوزارة بشأن الموظف او المكلف بخدمة عامة قيمة الاضرار التي تكبدتها للخزينة بسبب إهماله أو تقصيره أو مخالفته القوانين والقرارات والأنظمة والتعليمات المرعية) ، وبذلك غلق الباب بوجه الموظف المضمن في الاعتراض على قرار التضمين الصادر بحقه أمام الحاكم المدنية.
وأخير صدر قانون التضمين رقم 12 لسنة 2006 الذي نص في المادة 1% على أن: (يتحمل الموظف او المكلف بخدمة عامة او الشركة العامة او الخاصة او المقاول مسؤولية التعويض عن الأضرار التي تكبدها المال العام بسبب إهماله أو تقصيره أو مخالفته القوانين والانظمة والتعليمات، وبهذا فأن القانون قد وسع دائرة التضمين لتشمل الشركات العامة وهي الشركات المملوكة للدولة، والشركات الخاصة، والمقاول الذي قد يكون شخصاً طبيعياً أو معنوياً، وكذلك المكلف بخدمة عامة (4) ، ولم يقتصر على الموظفين، والأفضل أن يسمى (قانون التعويض) وليس (قانون التضمين ) لأن التضمين يخص الموظفين حسب نصوص التشريعات السابقة ونصت المادة / 2 من القانون على أن يشكل الوزير المختص او رئيس الجهة غير المرتبطة بوزارة لجنة تحقيقية من ثلاثة أعضاء على الأقل من ذوي الخبرة والاختصاص ويكون احد اعضائها موظفا قانونيا لتحديد مبلغ التضمين والمسؤول عن احداث الضرر المنصوص عليه في المادة (1) من هذا القانون وجسامة الخطأ المرتكب وما اذا كان عمديا او غير عمدي وعلى اللجنة الاستعانة بجهة رسمية ذات اختصاص. وبذلك يكون قرار التضمين الذي يصدره الوزير المختص او رئيس الجهة غير المرتبطة بوزارة مبنياً على توصيات اللجنة التحقيقية (5).
ويقوم المضمن بتسديد مبلغ التعويض صفقة واحدة أو بأقساط لا تزيد مدتها على (خمس سنوات) لقاء كفالة عقارية ضامنة (6).
إن هذا القانون قد أعاد للمحاكم المدنية دورها في النظر بالطعون المقدمة من قبل (المضمن) فقد نصت المادة / 4 على أن ( للمضمن المنصوص عليه في المادة 1 من هذا القانون إقامة الدعوى لدى محاكم البداءة خلال (30) يوماً من تأريخ التبليغ به بقرار التضمين ويكون الحكم الذي تصدره المحكمة قابلا للطعن فيه خلال (30) ثلاثين يوماً من تاريخ التبليغ به أمام محكمة الاستئناف بصفتها التمييزية ويكون القرار الصادر بنتيجة الطعن باتا وملزما ).
واشار القانون الى سريان قانون تحصيل الديون على المضمن في حالات معينة فقد نصت المادة / 6 على أن تسري أحكام قانون تحصيل الديون الحكومية رقم (56) لسنة 1977 على المضمن في حالة امتناعه عن اداء مبلغ التضمين او عدم الطعن بقرار التضمين طبقا للمادة (6) من هذا القانون, أو عدم تسديده اي قسط من الاقساط المترتبة بذمته خلال مدة لا تتجاوز (30) ثلاثين يوما من تاريخ استحقاقه ويعد التقسيط ملغيا وتستقطع الأقساط المتبقية بذمته صفقة واحدة، إن هذا النص يعطي ضماناً للدولة في تحصيل مبلغ التعويض من المضمن في الحالات المذكورة في المادة أعلاه, كما أعطى القانون ضماناً آخر وهو في حالة انتهاء خدمات الموظف أو المكلف بخدمة عامة لأي سبب كان فأن أحكامه تسري عليهم (7). و الغي القانون بموجب م/ 8 جميع قرارات مجلس قيادة الثورة (المنحل) المتعلقة بالتضمين بما فيها القرار رقم 100 لسنة 1999 الذي اشرنا اليه فيما تقدم. وقد أثار بعض الباحثين مجموعة من الملاحظات بشأن هذا القانون نرى من الضروري الأشارة اليها وهي:
1- ضرورة تحديد الأشخاص الخاضعين لأحكامه وفق التعاريف الموجودة في القوانين ذات العلاقة، فالشركة العامة - مثلاً - هي الوحدة الاقتصادية المملوكة بالكامل للدولة حسب تعريف قانون الشركات العامة رقم / 22 لسنة 1997، وبذلك يثور التساؤل حول كيفية تضمين هذه الشركة، خصوصاً اذا ما تسبب احد منتسبيها بالضرر.
2. كان من المفروض أن يذكر بأن المقاول اذا تسبب بالضرر نتيجة العقد المبرم مع الدولة، لأنه بخلاف ذلك يكون مواطناً عادياً (8).
وفيما يتعلق بالجهة التي يحق لها تضمين المقصر، فقد تبين أن لجنة التحقيق الإداري لا تملك صلاحية التضمين، لكنها اذا وجدت ضرر بالمال العام نتيجة تحقيق تجريه فيكون لها التوصية باتخاذ اجراءات التضمين من قبل لجنة التضمين التي تشكل وفقاً لقانون التضمين (9).
__________
1- أنظر المواد من 299 من قانون أصول المحاكمات الجزائية رقم 23 لسنة 1971 المعدل.
2- للمزيد عن المسؤولية المدنية الموجبة للتعويض، أنظر: د. عصمت عبد الله الشيخ, الوسائل القانونية لضمان تنفيذ الأحكام الإدارية, القاهرة, دار النهضة العربية, 2005، ص 120 وما بعدها.
3- الغي هذا القرار بموجب البند / تاسعاً منه قراري مجلس قيادة الثورة (المنحل) رقم / 137 لسنة 1994 و 140 لسنة.1996
4- المكلف بخدمة عامة: قد عرفته الفقرة (2) من المادة (19) من قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969 المعدل، وهو (كل موظف أو مستخدم أو عامل أنيطت به مهمة عامة في خدمة الحكومة ودوائرها الرسمية والمصالح التابعة لها أو الموضوعة تحت رقابتها ويشمل ذلك رئيس الوزراء ونوابه والوزراء وأعضاء المجالس النيابية والإدارية والبلدية كما يشمل المحكمين والخبراء ووكلاء الدائنين (السنديكين) والمصفين والحراس والقضائيين وأعضاء مجالس إدارة ومديري ومستخدمي المؤسسات والشركات والجمعيات والمنظمات والمنشات التي تساهم الحكومة أو إحدى دوائرها الرسمية أو شبه الرسمية في مالها بنصيب ما بأية صفة كانت وكل من يقوم بخدمة عامة باجر أو بغير اجر أداء خدمة عام تقع ضمن إطار الخدمة العامة للمجتمع بموجب القوانين النافذة).
5- أنظر المادة / 3 من القانون.
6- أنظر المادة / 4 من القانون.
7- المادة / 7 من القانون.
8- أنظر: القاضي سالم روضان الموسوي، قراءة في احكام قانون التضمين رقم 12 لسنة 2006. مقال منشور على الموقع: www.parliament.org
9- كتاب هيئة النزاهة، العدد / 2692 في 13 / 8 / 2008 الموجه الى وزارة الاتصالات، مكتب المفتش العام.
الاكثر قراءة في القانون الاداري
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة